}

عن امتياز الغضب

ترجمات عن امتياز الغضب
عمل للرسام الصيني يان كين

ترجمة: سارة حبيب

خلال السنوات القليلة الأخيرة، انتشرت سردية تقدمية عن الغضب والسياسة على نحو واسع. ومن تلك السردية يمكن استخلاص النقاط الأساسية التالية: الغضبُ استجابة للظلم؛ من حقك أن تكون غاضبًا عندما تتعرض للظلم أو تشهده؛ للغضب وظيفة سياسية وتشخيصية متمثلة بإخبارنا بأن شيئًا ما غير عادل. ونوقشت هذه المبادئ في مجموعة من الكتب الحديثة: كتاب ميشا شيري "تبرير الغضب: لماذا يعد الغضب ضروريًا في النضال ضد العنصرية" (2021)، كتاب ريبيكا تريستر "جيدة وغاضبة: السلطة الثورية لغضب النساء" (2019)، وكتاب ثريا شِمالي "الغضب يليق بها: سلطة غضب النساء" (2018)، وغيرها من الكتب. "في الغضب، ثمة حقيقة"، تكتب شمالي. وجذور هذا السطر من المناقشة تعود إلى الفكر النسوي الذي - كما ناقشت كاثلين وودورد عام 1996- دافع لزمن طويل عن معقولية الغضب بوصفه استجابة للاضطهاد. وقد كان الغضب أساسًا موضوعًا متأصلًا في النسوية عندما ألقت أودي لورد خطبتها الشهيرة "استخدامات الغضب" عام 1981، موسّعة مشكلة الغضب النسوي لتشمل الغضب بين النساء، كنتيجة للعنصرية ورهاب المثلية.

يناقش التقليد المتعلق بالغضب والسياسة على نحو مقنع ومثمر أنه لا يمكننا أن نفكر بالغضب من دون أن نفكر بالسلطة، وأنه، في النتيجة، الغضب مسألة سياسية محورية. لكني أعتقد أن ثمة هنا تحذيرًا يجب أن ننتبه إليه؛ تحذيرًا يعقّد الآراء المتفائلة أحيانًا المطروحة في بعض الكتب الحديثة حول سياسات الغضب. من وجهة نظري كباحث في الأدب الأوروبي قبل عصر الحداثة، يذهلني أن أي توصيف تقدميّ للغضب قد جاء متأخر الظهور ولم يتم نيله إلا بشق الأنفس. في تلك النظرة التاريخية الأكثر طولًا زمنيًا، كانت كلّ قصص الغضب المسيطرة تتحدث عن غضب القوي. ما الذي يمكن أن نجنيه إذًا من إجراء حوار بين هذين التقليدين؟

إحدى النقاط الرئيسية التي تطرحها الكتب الحديثة التي تتناول الغضب - وكذلك المناقشات النسوية التي سبقتها- هي أن ثمة تقسيمًا حقيقيًا بين غضب ذوي الامتيازات وغضب غير ذوي الامتيازات. عام 1989، وصفت أليسون جاغار "الامتياز المعرفي" الذي يمتد إلى تعابير الغضب عند الرجال وغيرهم من العناصر الاجتماعية الفاعلة المسيطرة. "ثمة سياسة للعاطفة"، قالت إليزابيث سبيلمان في السنة ذاتها. في الحقيقة، إن "الإنكار المنهجي للغضب"، عندما يُعبَّر عنه من قبل المهمشين، الأقليات، أو غير ذوي الامتيازات - النساء، السود، مجتمع الميم وأحرار الجنس، ذوي الاحتياجات الخاصة- هو في حد ذاته "آلية إخضاع" خطيرة. ومن الأهداف الرئيسية لهذا الفعل هو دعوة المضطهَدين إلى احتواء غضبهم وتوجيهه إلى مشاريع سياسية تقدمية.

لكن، إذا كانت مسائل الهوية والسلطة الاجتماعية تتداخل مع القدرة على التعبير عن شيء سيُقَرّ على نطاق واسع على أنه غضب مشروع، كيف يمكن للغضب أن يكون قوة للتغيير التقدمي؟ هل سيُقَرّ غضب المضطهَدين من قبل مجتمع قرَر سلفًا وعلى نحو منهجي أن يهمّش ذلك الغضب، يصمه، يستنكره، أو يتجاهله؟

قد تكون المشكلة حتى أسوأ من هذا. تتزع النقاشات التي تؤيد الغضب لأن تؤطر نفسها في إطار التمكين: في وجه الاضطهاد، ليس علينا أن نشعر بالأسى، الحزن، أو الخوف؛ علينا أن نشعر بالغضب. الغضب يحفّز الفعل. الغضب تمكين. يبدو ذلك صحيحًا على نحو واضح. فمن المؤكد أنه من الأفضل أن يكون المرء غاضبًا على أن يكون خائفًا أو يائسًا. وللغضب بعدٌ استباقي: إنه ينظر نحو الوراء إلى الأذيّات الماضية، لكنه أيضًا ينظر نحو الأمام إلى إمكانية تعويض تلك الأذيّات. لكن، ربما يجب أن نتوقف قليلًا أيضًا عند الرابط بين الغضب والسلطة. على سبيل المثال، من يظهرون غضبهم أكثر من غيرهم في الولايات المتحدة الأميركية المعاصرة هم، في آخر الأمر، ليسوا تقدميين، كما تؤكد كل هذه الكتب. إنهم جماعة اليمين الراديكالي الذين علا صوتهم مؤخرًا، والذين تحفّزهم مجموعة من المظالم المختلَقة نوعًا ما إلى إطلاق تعابير عن الغضب هدفها غرس الخوف في الجماعات المهمشة. وهذا الغضب هو تكتيك اضطهاد. فمن شعارات مثل "لن تحلّوا محلنا"، إلى الهجوم على المهاجرين، السود، النساء، الشباب العابرين للجندر، ذوي الاحتياجات الخاصة، مجتمع الميم وأحرار الجنس، يبدو أن ما يفعّل كلّ هذا الغضب هو تآكلات محسوسة في السلطة والامتياز.

السؤال هنا: ماذا إن كان الغضب يبدو قويًا لأنه ينزع لأن يعزّز أشكال السلطة الموجودة أساسًا؟ ماذا لو كان الاحتمال الأكبر هو أن الغضب يهاجم من هم في الأسفل لا من هم في الأعلى؟

في كتابه "الخطابة"، يؤكد أرسطو المحتوى الاجتماعي للغضب. "يتوقع المرء على وجه الخصوص أن يُحترَم ممن هم أدنى منه شأنًا"، يكتب أرسطو


أحيانًا، يتم التعامل مع الفارق بين غضب المضطَهد وغضب المُضطهِد من خلال فعل إعادة تسمية: الأول "غضب"، الثاني "غيظ" (سبيلمان) أو "كراهية" (لورد) أو "ضغينة" (شمالي) أو "عدوانيةُ الزم حدودك" (ﻛورﻳﺜﺎ ﻣﻴﺘشل). لكن ذلك التمييز غالبًا ما يتبدد. تحذّر الخاتمة العظيمة المؤثرة في نهاية خطاب لورد أنه "ليس غضب النساء السود هو ما يتقاطر فوق هذا العالم مثل سائل سقيم"، وأنه "ليس غضب النساء السود هو ما يتآكل متحولًا إلى سلطة عمياء تفتقر إلى الإنسانية". تبدو العاطفة التي تقود المضطهِد الآن غضبًا أيضًا. فما الذي يمكن أن نفعله حيال شعور يقود كلًّا من العنف غير الإنساني ومقاومة ذلك العنف؟

إذا كان كلا الشيئين غضبًا بالفعل، فإن الفارق الدقيق ليس محققًا في العاطفة ذاتها؛ بل يجب أن يكون محققًا من خلال الفارق في غايات وأهداف تلك العاطفة. ويجب أن يكون محققًا من خلال العلاقات المختلفة مع السلطة التي تناقشها التعابير المختلفة عن الغضب. على سبيل المثال، غضب اليمين موجه ضد أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم انتهكوا معيارًا راسخًا أو هرميّة راسخة، وهدف ذلك الغضب هو تأكيد ذلك المعيار أو تلك الهرمية. والغضب التقدمي يستهدف المعايير والهرميات من أجل فضح الظلم فيها. لكن، يمكن لذلك الفارق أيضًا أن يصبح مبهمًا، عمدًا أو عن غير عمد: ينزع غضب اليمين لأن يقدم نفسه كما لو كان غضبًا موجهًا ضد الظلم، لأنه على ما يبدو، حتى اليوم، قليل من الناس نسبيًا مستعدون لأن يعترفوا - للآخرين أو ربما لأنفسهم- أنهم يحاولون لجم الناس. في خطاب شعبوية اليمين، يتكلم البيض، المستقيمون، متوافقو الجنس، والرجال المسيحيون كما لو كانوا أقلية مضطهدة. ولا يجب أن يتركنا هذا في حيرة حول ما يحدث، لكنه يجب على الأقل أن يجعلنا متشككين قليلًا حول كيفية عمل الغضب.

ليست هذه بالطبع قراءة عميقة لطبيعة غضب اليمين ومصادره. لكني أعتقد أن النقاشات التي تتناول سياسات الغضب يجب على الأقل أن تأخذ حقيقة غضب اليمين بعين الاعتبار. لا يختار ذلك الغضب أهدافه اعتباطيًا: إنه يصوّب نحو أولئك الذين يرى أنهم يعتدون على أشكال امتياز راسخة. إنه يهاجم من هم في الأسفل بمواظبة، من دون رحمة، وبدقة. إذًا، الاحتمال الأكبر ربما هو أن الغضب لا يُسقط أشكال السلطة الموجودة، بل يعززها.

ما هو دليلي على ذلك الاقتراح؟

تقترح دراسات نفسية عديدة أن الناس في مواقع السلطة هم الأكثر ميلًا للتعبير عن غضبهم بشكل مباشر، وأن من المرجح كثيرًا أن يتعرض الناس في المواقع الاجتماعية غير ذات الامتياز للصد جراء التعبير عن الغضب. السلطة تضخّم الغضب، كما عرف الباحثون النسويون منذ زمن طويل. ومنذ الانتخابات الأميركية عام 2016، بدأ التركيز على جندرة الغضب يظهر بوضوح: تم اعتبار الرجال الذين يعبّرون عن غضبهم أقوياء، في حين تم اعتبار النساء اللاتي يعبرن عن غضبهن غير عقلانيات. وثمة تحيزات مماثلة فيما يخص العرق. تقترح دراسة أجريت عام 2013 أن تعابير الغضب تُقيَّم حسب "الخلفية الثقافية"- العرق أيضًا، حسب رأيي- للشخص الذي يعبر عن ذلك الغضب. فقد لاحظت دراسة أجريت عام 2022 تحيزًا عرقيًا في إسناد الغضب للأطفال من قبل معلميهم. ويبدو أن البيض قد نظروا إلى السود، في الولايات المتحدة، كما لو أنهم غاضبون بمجرد أن يتحدثوا. كذلك، من الواضح أن الناس المهمشين الموجودين في أماكن يتحكم بها المستقيمون، البيض، الرجال متوافقو الجنس يتم إبلاغهم بأن عليهم أن ينظموا التعبير عن الذات عندهم بطرق تخدم التصورات السائدة. ثمة فجوة بين غضب ذوي الامتيازات وغضب غير ذوي الامتيازات. وتلك الفجوة تشكّل نوعًا من الظلم العاطفي المرتبط ارتباطًا وثيقًا بظلم معرفي: الفارق بين أولئك الذين تتسم حكاياتهم بأنها موثوقة وأولئك الذين تتسم حكاياتهم بأنها ليست ذلك. 

تقترح دراسات نفسية عديدة أن الناس في مواقع السلطة هم الأكثر ميلًا للتعبير عن غضبهم بشكل مباشر، وأن من المرجح كثيرًا أن يتعرض الناس في المواقع الاجتماعية غير ذات الامتياز للصد جراء التعبير عن الغضب... السلطة تضخّم الغضب

من ناحية أخرى، يمكن بالعموم أن تصنَّف النقاشات الفلسفية للغضب إلى "مؤيدة" و"معارضة". على سبيل المثال، كتاب مارثا نوسباوم "الغضب والمسامحة: الضغينة، السخاء، العدالة" (2016) مؤيد بشدة للمسامحة ومتشكك بالغضب؛ في حين أن كتاب توماس برودهولم "فضيلة الضغينة: جون أميري ورفض المسامحة" (2008) يناقش أن الضغينة هي خيار نزيه في بعض الحالات، وأن الإصرار على مسامحة المتأذين لأولئكَ الذين أذوهم يعني إلحاق المزيد من الأذى بهم.

من المفيد أيضًا أن ننظر إلى بعض الصيغ القديمة من هذا النقاش، لأنها صراحة تربط الغضب بمسائل الجندر والسلطة. يعود أحد الدفاعات الرئيسية عن الغضب إلى أرسطو الذي يناقش في كتابه "الأخلاق النيقوماخية" أن عدم الشعور بالغضب يمكن أن يكون خاطئًا بقدر الشعور بالغضب على نحو غير ملائم. في كتابه "الخطابة"، يؤكد أرسطو المحتوى الاجتماعي للغضب. "يتوقع المرء على وجه الخصوص أن يُحترَم ممن هم أدنى منه شأنًا"، يكتب أرسطو، موردًا أمثلة عن الغني والفقير، الحاكم والمحكوم. يقتبس أرسطو أيضًا من الإلياذة: "عظيمة هي غضبة الملوك". وبعد ذلك بعدة صفحات، يزعم أننا "نشعر نسبيًا بقليل من الغضب، أو لا نشعر بأي غضب على الإطلاق، تجاه أولئك الذين هم أعلى منا سلطة"، لأن الغضب يتطلب الإيمان بأن الانتقام ممكن، وهو في حالة من هم أعلى منا غير ممكن.

من ناحيتهم، يسعى الرواقيون إلى بتر علاقة الغضب بالسلطة والذكورة. فبالنسبة إليهم، الغضب ضعف، لا قوة، لأنه ينطوي على الاعتراف بأن المرء قد تعرض للأذى. "كل شيء ضعيف هو في طبيعته ميال إلى الشكوى"، يناقش سينيكا. بالنسبة إليه، يعني ذلك - كما هو متوقع- أن الغضب "مخنّث". ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذه المناقشة تثار صراحة ضد ثقافة تغذت على الأدب الملحمي؛ ثقافة كان يُعتقد فيها على نطاق واسع أن "من لا يعرف كيف يغضب لا يمكن اعتباره رجلًا حقيقيًا"، على حدّ تعبير شيشرون. إن أرسطو يقرّ الغضب لأنه يربطه بالسلطة، في حين أن الرواقيين يقرأونه كنزع للسلطة تحديدًا لكي ينزعوا الشرعية عنه.

إن النقاشات الفلسفية والنفسية للغضب لا تضع نفسها دائمًا ضمن عوالم اجتماعية متحققة بالكامل، أما الأدب فإنه يفعل ذلك بحكم الضرورة غالبًا. وهو يفعله ببساطة من خلال إعطاء الغضب شكلًا سرديًا وبالتالي سياقًا خصب الخيال بصورة أو بأخرى.

إن الأشكال الأقدم من الأدب تقرّ صراحة علاقة الغضب بالسلطة. يقتبس أرسطو من الإلياذة رفض أخيل أن يتخلى عن غضبه لأن أغاممنون قد عامله "مثل متشرد حقير" أو "vagabond" حسب ترجمة روبرت فاغليس. لقد كان أخيل غاضبًا لأن امتيازًا يعتقد أنه يستحقه - الحصول على النساء والسلطة عليهن- قد تم أخذه منه. وغضبه رد فعل على امتياز مفقود.

من ناحيتها، تناقش دانييل آلين أن تراجيديات الإغريق القدماء حول النساء اللاتي يسعين إلى انتقام عنيف إنما سري - كليتيمنيسترا، ميديا، كريوسا- تقسم الغضب إلى أنواع حسب الجندر. الغضب المشروع مباغت، علني، وذكوري. أما الغضب غير المشروع فمؤجل، سري، أسري، وأنثوي. "كانت النساء تُعرّفن بكونهن غير قادرات على توجيه غضبهن إلى بنى فعل مشروع"، تكتب آلين.

في "الفردوس المفقود" لميلتون، ثمة تاريخ طويل من رؤية الشيطان كنموذج المتمرد!


في "الفردوس المفقود" لميلتون، يعرض الشيطان صيغة تصف غضب ذوي الامتياز، وهو الغضب الذي يثير "العقل الثابت/ والازدراء العظيم"، المتأتي "من إحساس باستحقاق متضرر/ ذلك الذي رفعني إلى مبارزة مع الأكثر قدرة". ثمة تاريخ طويل من رؤية الشيطان كنموذج المتمرد الذي يتحدى الله ويصفه كطاغية غاضب. لكن في مكان آخر، يدير الشيطان نقاشًا مفتوحًا مزعومًا بين الملائكة الهابطين من السماء لكي يضمن تفوقه بينهم بوصفه "الملك" أو حتى "الإله". الشيطان هو نموذج ميلتون لملوك بني البشر: كائنات مخلوقة إنما تستحوذ على موقع الله من خلال السيطرة على نظائرها. إن ميلتون يقبل الملكية في السماء لكنه يرفضها على الأرض لأنه يقبل الفارق الوجودي المطلق بين الخالق والمخلوق. ومن ذلك المنظور، يبدو غضب الله تقريبًا نموذجيًا لماهية الغضب: إنه ينشأ من موقع تفوق وجودي ويوجه نفسه نحو كائنات أقل منزلة.

النص الذي يعطي هذه المقالة عنوانها هو مسرحية شكسبير "الملك لير". في بداية تلك المسرحية، يوقع لير نفسه في تناقض: إنه يريد أن يتحرر من عبء السلطة مع الاحتفاظ بالتميز الذي هو معتاد عليه كملك. لكن، لا يمكن للتناقض أن يدوم. عندما يجد لير أن رموز سيادته قد أُخِذت منه، يكون رد فعله مثالًا عظيمًا عن الغيظ الذي يسببه فقدان الامتياز. "يخجلني/ أنك لديكِ من القدرة ما تزعزعين به رجولتي هكذا،/ أن هذه الدموع الحارة التي تنهمر مني قهرًا،/عليها أن تجعلكِ تستحقينها،" يقول لابنته غونيرل. "المساني بغضب نبيل"، يقول لير لاحقًا أمام كلتا ابنتيه، مسميًا إياهما "ساحرتين عجيبتين". ثم يقول مخاطبًا الآلهة: "ولا تدعي سلاح النساء، دموعهن، تلطخ خدود رجولتي". "الغضب النبيل" ذكوري؛ أن تكون غير قادر على التعامل مع مثل ذلك الغضب يعني أن تصبح امرأة.

في الفصل الثاني، يُبعث كِنت، وهو نبيل مخلص، مع رسالة من لير إلى غلوستر، رجل نبيل آخر. وفي الطريق، يصادف رسولَ غونيرل، أوزوالد، الذي كان قد هاجمه قبل يومين. ثم، مذكِّرًا إياه بذلك الهجوم، يهاجمه كِنت مرة أخرى، مطلقًا سيلًا من الإساءات من نوع "عدائية اعرفْ مكانتك". وحين يُقبَض عليه بسبب هذا الفعل، يدافع كِنت عن نفسه بالقول إن "الغضب له امتياز"، قاصدًا أن غضبه يجب أن يُعفى من العقاب: ما نفعله عندما نكون غاضبين وما نفعله بدم بارد يجب أن يخضعا لذات القواعد. لكن العبارة تشير أيضًا إلى دور الغضب في الدفاع عن الامتياز. للغضب امتياز لأنه يعملُ على فرض الامتياز.

في التقليد الذي يمتد من هوميروس إلى شكسبير، تبدو الذات الغاضبة ذاتًا ملكية تقريبًا، كما ناقش فيليب فيشر. في ذلك السياق، لا يُعترَف بغضب الأتباع على أنه غضب إلا بالكاد. كما أن غضب العناصر الاجتماعية الفاعلة الأضعف لم يصبح إلا مؤخرًا نسبيًا مادة مهمة للتمثيل الأدبي. وإدراك ذلك يجب أن يساعدنا على إدراك سياقِ أن الغضب، في لحظتنا الراهنة، يحفّز بسهولة الدفاعَ العدائي عن الامتياز. إن المفارقة الرهيبة فيما يخص الغضب والتمكين قد تكون في أن الغضب كثيرًا ما يعطي السلطة لأولئك الذين يمتلكونها أساسًا.  

أخيرًا، ولأكون واضحًا، أنا لا أقول للناس ألا يكونوا غاضبين. إذا كان غضبكَ قد ساعدك في إدراك بنى السلطة التي أنت واقع في شباكها واستدعاء تلك البنى، فهذا جيد. وإذا كان الغضب يحفزك لتتخذ إجراءً إيجابيًا، استخدمه. من ناحيتي، أدرك أيضًا أن موقع هويتي يحميني كثيرًا من عنف السياسة المعاصرة، ويتيح لي بالتالي موقعًا ذا امتياز نسبي يمكنني منه أن أطرح الأسئلة التي أطرحها. لكني ما يقلقني هو أنّ جعل السياسةِ مسألةَ أشكالِ غضب متنافسة هو قضية خاسرة بالنسبة إلى اليسار. إن الغضب مجنّد بسهولة مفرطة في خدمة السلطة، أو موصوم عندما لا يكون كذلك، أو منشور في مساعدة المشاريع التي تتبنى خطاب الغضب في الظلم من أجل المحافظة على الظلم. كذلك، أنا متشكك حيال النزعة العاطفية التي يبدو أنها استحوذت على اليسار في السنوات الأخيرة: الميل للاعتقاد بأنه يمكن للشعور على نحو موثوق أن يحدّد تضاريس السياسة. إن الغضب يكشف الحقيقة؛ إلا في الحالات التي يعمل فيها على كبحها أو إنكارها، أو إسكات أولئك الذين يقولونها. والكتب المذكورة في بداية هذه المقالة تدرك هذا الجانب من الغضب أيضًا، رغم أنها لا تجمع دائمًا بين ذلك الإدراك ورغبتها بأن ترى الغضب كمصدر للفعل السياسي.

للتقدميين أسباب وجيهة ليكونوا غاضبين. والأسباب، لا الغضب، هي ما يهم.


بينيديكت إس روبنسون: مختص في بدايات الأدب الحديث، نال شهادة الدكتوراه من جامعة كولومبيا عام 2001. مدرّس للأدب الإنكليزي في جامعة ستوني بروك الأميركية. تشمل اهتماماته تاريخ العاطفة، تاريخ النظرية الأدبية، تاريخ العلم، والمواضيع المتعلقة بالعرق والدين. كتابه الأول يحمل عنوان "الإسلام وبدايات الأدب الإنكليزي الحديث: سياسات الرومانسية من سبنسر إلى ميلتون" (2007)، وأحدث كتبه هو "الأعمال التخييلية التي تتناول العاطفة من شكسبير إلى ريتشاردسون: الأدب وعلوم الروح والعقل (2021).

 

رابط النص الأصلي:

 https://lareviewofbooks.org/article/angers-privilege/

 

مقالات اخرى للكاتب

ترجمات
14 يونيو 2023

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.