}

شكسبير هو شكسبير

إسحاق بتلر 17 يوليه 2023


فات أوان التخلي عن البحث الكريه، اللا تاريخي، والأحمق، حول من كتب مسرحيات شكسبير "فعلًا"


ترجمة: سارة حبيب

ها هي بعض الأشياء التي نعرفها عن وليام شكسبير. لقد ولد في نيسان/ أبريل عام 1564 في ستراتفورد أبون آفون. كان والده، جون، يعمل بالجلود وشغل عدة مناصب في دار بلدية ستراتفورد منها ممثل البلدة في البرلمان، عضو مجلس بلدي، ومأمور رئيسي.
تزوج وليام امرأة اسمها آن هاثاواي وكانت حاملًا يوم زفافهما في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1585، وهو أمر شائع في ذلك الوقت. كان مولودهما الأول فتاة، سوزانا، ثم رزقا بتوأمين، هامنت (الذي توفي شابًا) وجوديث. في مرحلة ما، توجه وليام إلى لندن حيث أصبح ممثلًا وصاحب أسهم في مسرح غلوب. ونعرف أن وليام شكسبير ستراتفورد هو نفسه وليام شكسبير مسرح لندن لأنه في عام 1596 جدّد وليام طلبَ والده الذي رُفِض سابقًا للحصول على شعار النبالة ولقب جنتلمان، ومُنح له في وقت ما خلال السنوات التالية اللاحقة. وفي عام 1602، أعدّت صحيفة "يورك هيرالد" قائمة بالأشخاص الذين مُنحت لهم شعارات النبالة بكرم زائد ربما، وتضمنت القائمة رسمًا أوليًا لشعار النبالة الخاص بشكسبير نُسب إلى "شكسبير الممثل من قبل غارتر". كذلك، تضمنت وصية شكسبير ستراتفورد ورغبته الأخيرة تركة لشركائه ورفاقه الممثلين في مسرح غلوب.

نعرف أيضًا أن وليام شكسبير قد كتب شعرًا ومسرحيات. فخلال حياته، نُشرت أكثر من اثنتي عشرة مسرحية منسوبة إليه، ومثلها قصائده "اغتصاب لوكريس"، "فينوس وأدونيس"، و"العنقاء والسلحفاة"، بالإضافة إلى سوناتاته. كذلك، تُدرِج الوثائق التي تعود إلى ذلك الوقت شكسبير ككاتب مسرحيات أخرى لم تُنشر باسمه (كان نشر مسرحية من دون مؤلف موثوق أمرًا شائعًا). وقد قامت الشركة التي كان شكسبير صاحب أسهم وممثلًا فيها، بتأدية تلك المسرحيات. وفي مجموعة من المسرحيات الهجائية الشعبية حملت عنوان "مسرحيات بارناسوس"، ومُثلت بين عامي 1598 و1602، عُرِّف شكسبير على أنه ممثل- شاعر، واقتُبس منه مرارًا، وسُخِر منه بلا رحمة. وفي عام 1623، بعد موت شكسبير، جُمعت مسرحياته من قبل أناس عرفوه في مجلد دعي "المسرحيات الكوميدية، التاريخية، والتراجيدية للسيد وليام شكسبير" وهو ما نشير إليه عمومًا باسم الـ "فيرست فوليو" (المطوية الأولى).

مع هذا، ثمة الكثير مما لا نعرفه عن شكسبير. إن كان قد احتفظ بيوميات - وهو أمر نادر في أيامه- فإنها لم تنجُ. وإن كان قد امتلك مكتبة، فإنها لم تعد موجودة. لدينا نصف دزينة من التواقيع الغريبة المُخربشة التي قد يكون أو لا يكون خربشها بنفسه، ومقطع واحد من كتاب "السير توماس مور"، الذي أُلِّف بشكل جماعي، قد يكون - مع التركيز على قد- كُتِب بيد شكسبير. ثمة سنوات عديدة - يشار إليها عادة باسم "السنوات المفقودة"- لا توجد فيها أدلة وثائقية حول مكان عيشه أو ما الذي كان يفعله. وقائمة الفجوات تطول وتطول. بعضها يمكن ملؤه بثقة معقولة، إنما ليس بيقين. على سبيل المثال، لا نعرف إن كان شكسبير متعلمًا، لكنه على الأرجح ذهب إلى مدرسة القواعد المحلية في ستراتفورد أبون آفون لأن منصب والده في البلدة كان يمكنه من تعليم أبنائه. كانت مناهج مدارس القواعد تلك موحدة، ونجد آثارًا كثيرة من ذلك التعليم في مسرحياته. من ناحيتي، عندي أجوبتي الخاصة لكثير من الأسئلة التي يطرحها الناس حول حياة شكسبير، لكنها مبنية، كما أجوبة الجميع، على مزيج من الأدلة، التفسير، الاستنتاج، وسيرتي الذاتية.

إن الفجوات في التسجيل، وإغراء الخروج بتلك الأجوبة، سبّب ولادة دراستين مختلفتين، يسعى كلاهما إلى تفسير الإنجازات اللافتة لوليام شكسبير الغامض. الأولى هي "المجمّع السيري الذاتي الخاص بشكسبير" التي تنتج بوفرة سيرًا ذاتية لشكسبير لأجل القارئ العام، لكنها مليئة بقفزات خيالية جامحة. الأكثر أهمية بين هذه السير هي السيرة التخمينية صراحةً التي كتبها ستيفن غرينبلات وتحمل عنوان "إرادة في العالم: كيف أصبح شكسبير شكسبيرًا؟" والتي بقدر ما هي ممتعة للقراءة، تبقى تخمينية في المعرفة التي تقدمها. "إرادة في العالم" هو من الكتب الأكثر مبيعًا، وهو مكلل بالجوائز، وإذا أردت أن تعرف عن إنكلترا خلال حياة شكسبير، فليس هذا الكتاب مكانًا سيئًا للبدء. لكن وفق تعابير الشاعر (في الإنكليزية Bard، وهو اللقب الذي يُعرف به شكسبير)، الكتاب بيت من ورق، وعلى كل مستطيل ورقي مائل فيه مطبوعة كلمة "ربما".

الدراسة الثانية هي "جماعة نظرية المؤامرة فيما يخص شكسبير". بالنسبة إلى هؤلاء "اللاستراتفورديين" (الذين لا يؤمنون بوجود شكسبير ستراتفورد)، الثغرات العديدة في سيرة حياة شكسبير لها تفسير واضح: شكسبير لم يكتب المسرحيات المنسوبة إليه؛ لا بدّ أن شخصًا آخر فعل ذلك. إن أيًا من أدلة هؤلاء ليس مقنعًا كثيرًا؛ معظمها لا يرقى إلى مستوى الدليل قط. وهذا جعل جماعة دارسي شكسبير الأكثر اتساعًا يتعاملون مع حقل نظرية المؤامرة الشكسبيرية بعداء وازدراء.

يمكن أن نلاحظ ردة فعل أصحاب نظرية المؤامرة إزاء ذلك الازدراء في عنوان كتاب إليزابيث وينكلر "شكسبير هو امرأة وهرطقات أخرى". ترتدي وينكلر كلمة "هرطقات" مثل وسام شرف، وهذا ما يجعل مراجعة كتابها أمرًا صعبًا. مزقْ ذلك الكتاب إربًا، يصبح نقدك الشرير دليلًا آخر على أن أصحاب نظرية المؤامرة فيما يخص شكسبير لا بد أن يكونوا قد اكتشفوا شيئًا. تعاملْ معه بهدوء ومن غير تحيز مع توضيح مشاكله، وسوف تجازف بإضفاء الشرعية على مزاعمه بوصفها جديرة بالنقاش. ارفضْ الوظيفة برمتها ولن تحبط محررك فحسب، بل ستتيح للكتاب كذلك أن يحظى بالكلمة الأخيرة.

إليزابيث وينكلر وكتابها "شكسبير هو امرأة وهرطقات أخرى"


مبتدئةً بالقضية ضد شكسبير، تتحدث وينكلر إلى عدد من أصحاب نظرية المؤامرة عن المؤلفين الذين يرشحونهم كبدلاء، مستعرضة "الأدلة" للقارئ. كذلك، تحاول وينكلر أن تتحدث إلى دارسي شكسبير، لكن معظمهم لا يقبل التحدث إليها. وأولئك الذين يفعلون، يخضعون لاستجواب قاسٍ يختلف بشدة عن معاملتها للآخرين الخاضعين لأسئلتها. المواجهة الأكثر إزعاجًا بين هذه هي استجوابها لستانلي ويلز ذي التسعين عامًا، الرئيس الفخري لمؤسسة صندوق مسقط رأس شكسبير في ستراتفورد أبون آفون، حول كتاب ألّفه قبل عدة سنوات. تستخدم وينكلر اعتراضات ويلز المستمرة بأنه لا يستطيع تذكر المصادر التي تتحدث عنها كحجة لتقصيه كـ"شاهد" تقوم باستجوابه و"يتسمر بادعاء فقدان الذاكرة". تكتب وينكلر: "خطر لي أنه ربما لم يعرف هذه التلميحات لأنه لم يأخذ نقد موقفه على محمل الجد بما يكفي ليدرس الأدلة جيدًا". ذلك بالتأكيد هو أحد التفسيرات، رغم أنه ليس التفسير الذي كنت لأحصل عليه لو كان عمر الهدف الذي أستجوبه يقترب من القرن.

أكثر المصادر إثارة لفضول وينكلر في هذه المحادثة هو قصيدة سردية نُشرت في زمن شكسبير على شكل كرّاسة دُعيت "أفيزا الخاصة بويلوبي". وتناولُ وينكلر لها هو درس جيد في المناهج التي تتبعها. تشير وينكلر إلى هذه الكراسة باعتبارها "كراسة غريبة باسم مستعار" تتضمن أيضًا أول ذكر صريح لشكسبير. كذلك، ثمة شخصيتان في القصيدة حملتا اسم “W.S.” و“H.W.” ما دفع "الباحثين" للإشارة إلى "أن تلك الحروف تطابق الأحرف الأولى لوليام شكسبير وهنري رويزلي (يُكتب Wriothesley). وهو رويزلي المعروف أكثر بكونه إيرل ساوثهامبتون، والشخص الذي أهدى له شكسبير قصيدتيه السرديتين. لكن، المشكلة هي أن “H.W.” تلائم أيضًا اسم "هنري ويلوبي" الذي صادف أن يكون المؤلف المذكور لكتاب "أفيزا الخاصة بويلوبي"، والذي في الحقيقة تُعتبر مسألة كونه اسمًا مستعارًا مثار جدل بين الباحثين. بالنسبة إلى معظمنا، لا بدّ أن قصيدة تذكر شكسبير صراحة وتعزو له الفضل بكتابة "اغتصاب لوكريس" سوف تدعم قضية كون شكسبير هو المؤلف لما يُعزى إليه. لكن، بالنسبة إلى أصحاب نظرية المؤامرة، القصيدة مشكوك بأمرها، لأن اسم العائلة مكتوب فيها على شكل "شك- سبير". "بالنسبة إلى اللاستراتفورديين"، تكتب وينكلر، "تستدعي الفاصلة الخطية القصيرة أسماءَ مستعارة أخرى مفصولة على هذا النحو، مثل توم تيل- تروث وسيمون سميل- نيف، ما يوحي بأن معاصري ذلك الزمن ربما نظروا إلى الاسم باعتباره اسمًا مستعارًا".

هذا هو نوع الأدلة الضعيفة التي يطرحها أصحاب نظرية المؤامرة فيما يخص شكسبير مرة بعد أخرى. على سبيل المثال، في بداية الفيرست فوليو، تغدق قصيدة بن جونسون تكريمًا لشكسبير في مديحها لشكسبير: الكاتب الذي عرفه جونسون. لكن بالنسبة إلى أصحاب نظرية المؤامرة، سطرها الأول الذي يتمنى فيه جونسون أن "لا يجلب أيّ حسد... على اسم شكسبير" هو الأول بين سلسلة أدلة على أنه يمدح كاتبًا استخدم "شكسبير" كاسم زائف. في ستراتفورد أبون آفون، ثمة نصب تذكاري لشكسبير والنصب يحثّ العابرين على أن "يقرأوا إذا استطاعوا"، وهو ما تفسره وينكلر كدعوة لمحبي الأحاجي "ليكتشفوا معناه"؛ مقابل إشارة مبتذلة لمستويات التعليم المنخفضة في بدايات القرن السابع عشر. إن النصب التذكاري المباشر إلى حد ما يبجّل شكسبير ككاتب ("كل ما كتَبه/ يجعل الفن الحالي/ مجرد خادم/ في خدمة موهبته"). لكن بالنسبة إلى أصحاب نظرية المؤامرة، ذِكْر الفيرست فوليو لكون النصب سوف "يتبدد" (dissolve) يومًا ما في حين أن "أعمال شكسبير... تبقى حية أكثر/ من قبرك" هو إشارة أخرى إلى أنه يحتاج إلى فك رموزه بما أنه "في عصر النهضة"، "dissolve" كانت تستخدم أيضًا لتعني "يفك رموز"، "يحلّ"، أو "يكتشف"، كما تعني كلمة "solve" الحديثة. لكن، بالتأكيد، في عصر النهضة "dissolve" كانت أيضًا تعني... "يتبدد". وصفحة معجم أوكسفورد الخاصة بهذه الكلمة في اللغة الإنكليزية تعدد عددًا كبيرًا من المعاني، كلها كانت مستخدمة في القرن السابع عشر، وواحدة منها فقط تعني "يحلّ".

يعج الكتاب بهذا النوع من الأشياء. وإذا لم تنتبه جيدًا لـ"الدليل" الذي يُقدَّم، فإنه قد يبدو جيدًا للغاية، أو على الأقل معقولًا. كتابة وينكلر سلسة، طرفاتها مضحكة ومفهومة، وتجميعها للكميات الكبيرة من البحث الذي قامت به قُدم بسلاسة، كما أن لديها نظرة ثاقبة للنواقص الموجودة عند كتّاب سيرة شكسبير الذاتية. لكن، اقضِ بعض الوقت في تفحص عملها بنفسك، وسوف ينهار سريعًا.

يعكس اللاستراتفورديين عند وينكلر هذه المهمة. إن أي باحث يرفض قراءات المصادر المستبعدة "عليه أن يتجاهل السياقات التاريخية والثقافية التي كتب فيها المؤلف أعماله. عليهم أن يغطوا أعينهم ويسدوا آذانهم عن التلميح. عليهم، باختصار، أن يرتكبوا الإهمال الأدبي". تقحم وينكلر قليلًا من المسافة بينها وبين هذا الموقف، رافضة أن تعتبره موقفها وسائلة نفسها: "هل فشل الدارسون في أن يفسّروا على نحو صحيح النصوص المقدسة التي في عهدتهم؟" من الواضح، مع نهاية الكتاب، أن إجابتها هي "نعم" مدوية.

واحدة من المشاكل الرئيسية بالنسبة إلى جماعة نظرية المؤامرة هي أنهم خلال قرون من البحث، فشلوا في تقديم أي دليل وثائقي أساسي على وجود شخص آخر غير شكسبير يقوم بتأليف كتبه، أو أي مرشح صالح ليكون المؤلف "الحقيقي". السير فرانسيس بيكون، أحد أوائل البدائل الذين طُرحوا، كان باحثًا وكاتبًا ألمعيًا، لكنه كان أكثر انشغالًا من أن يكون قد كتب مسرحيتين في العام. كما أن كتابته المسرحية التي نجت لا تحمل آثار عبقرية شكسبير. إدوارد دي فير، إيرل أوكسفورد، توفي قبل انتهاء مسيرة شكسبير؛ كريستوفر مارلو توفي قرابة بدايتها. مساهمة وينكلر في الفهم الشائع لسؤال هوية المؤلف فيما يخص شكسبير هو تركيزها على بحث يوسّع قائمة المرشحين لتضم نساء أيضًا، وذلك في مقالة نُشرت في مجلة ذا أتلانتيك بعنوان "هل كان شكسبير امرأة؟" إن الأخطاء الرئيسية لتلك القصة، وتصحيحها من قبل محرري ذا أتلانتيك، يتجدد النزاع عليه خلال مجرى كتاب وينكلر. وبدلًا من إعادة تجديد النزاع على هذه الفوضى، يكفي ملاحظة أن إحدى المرشحات الأساسيات، ماري سيدني، ربما تكون قد عرفت شكسبير (الفيرست فوليو مهدى إلى أبنائها)، لكن ليس ثمة أي دليل على أنها كتبت العمل المنشور باسمها. والأخرى، إميليا باسانو، تُطرح أحيانًا كمرشحة لأن تكون "السيدة السمراء" في سوناتات شكسبير، لكن، باعتراف وينكلر ذاتها، كتابتها "لا تحمل أي شبه واضح بكتابة شكسبير".

في كتاب "شكسبير هو امرأة وهرطقات أخرى"، بدلًا من ادعاء أن "شكسبير لم يكتب مسرحياته" أو أن "شخصًا ما كتب مسرحيات شكسبير"، تكتفي وينكلر بأن تقدم الحجج للتشكيك بالحكاية الرسمية. وهذه المناقشة الذكية لها عتبة إثباتية أدنى بكثير؛ من الأسهل دائمًا أن تتصيد الأخطاء في دعوى شخص آخر، لا سيما إذا كان الموقع الذي تطلق منه هجماتك يمكن تغييره كلما رغبت. مع هذا، أصحاب نظرية المؤامرة الرئيسيون الذين تجري وينكلر مقابلات معهم هم مؤمنون حقيقيون بقضيتهم، ومن خلال التقارير المُراعية التي تقدمها، نرى تمامًا كم هي واهية حججهم. يزعم ألكسندر ووه، مؤيد الأوكسفوردية الرئيسي في الكتاب، أن موت إيرل أوكسفورد المبكر عام 1604 يثبت أنه كتب مسرحيات شكسبير لأن نتاج شكسبير تباطأ خلال السنوات القليلة التالية. لكن، رغم أننا لا نعرف التسلسل الدقيق لأعمال شكسبير، وبعض سنوات اكتمال المسرحيات غير معروفة، السجل الوثائقي يلائم حياة شكسبير. أقدم مسرحيات شكسبير الموجودة في سجلات عامة هي "هنري السادس، الجزء الثاني" وقد سُجلت عام 1594. وآخر المسرحيات تظهر كلها بعد عام 1610. نعرف أيضًا أن مسرحية "سيمبلين" ذُكرت أول مرة عام 1611. وتزعم وينكلر أن "العاصفة... يعود تاريخها إلى 1610-1611 بناء على رسالة من عام 1609 تصف حطام سفينة حقيقي"، ما يشير ضمنيًا إلى أن الدليل واهٍ، لكن ذلك المجال الزمني موجود لأن أقدم سجل عام لتأدية تلك المسرحية يعود تاريخه إلى الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1611. كذلك، مسرحية "هنري الثامن" التي أشعلت مسرح غلوب أديت أول مرة عام 1613. أما المسرحية الشاذة الوحيدة الموثقة فهي "القريبان النبيلان" التي يعود أقدم عرض موثق لها إلى عام 1619، أي بعد موت شكسبير. نعرف كذلك أن تلك المسرحية كُتبت بالشراكة مع جون فليتشر - في سجل شركة ستيشنرز، يعزى الفضل للاثنين كمؤلفين- وهكذا قد يكون فليتشر الذي عاش حتى عام 1625، هو الذي شارف على إتمامها وصولًا إلى ذلك العرض.

في ستراتفورد أبون آفون، ثمة نصب تذكاري لشكسبير والنصب يحثّ العابرين على أن "يقرأوا إذا استطاعوا"


لا تعتمد دعوى ووه على الشك حول التسلسل الزمني إلا قليلًا، في حين أنها تعتمد كثيرًا على ما يُعتقد أنها إشارات مرمزة لكون شكسبير هو أكسفورد. تميل هذه الإشارات نحو منطقة اهتمام دان براون ميلًا كبيرًا. فوفقًا لووه، إذا نظرت إلى البورتريه الشهيرة لشكسبير في الفيرست فوليو، سترى "ضوءًا ساطعًا على الجبهة وأشعة عظيمة تنبع من ياقته"، وهي ما لا بد أن تكون إشارات إلى "فيبوس أبولو العظيم، الإله الحامي، مختبئًا خلف قناع ممثل". لا بدّ أن يكون ذلك الحامي هو أكسفورد لأنه كان يشار إليه غالبًا باسم أبولو. ويقترح ووه، من دون أي دليل، أن أكسفورد أدار غرفة كتّاب كان هو فيها "رئيس المجموعة، ويحمل، إن شئتم، هذا الاسم 'شكسبير'". لكن، "وجد" الأوكسفورديون مثل ووه إشارات مرمزة كثيرة لكون شكسبير هو أكسفورد إلى درجة أنه، إن كان هذا صحيحًا، كانت هوية شكسبير الحقيقية لتغدو سرًا مكشوفًا عرفه الجميع، لكنه لم يُكتَب صراحة في أي مكان.

في النتيجة، المستهدف الحقيقي في كتاب "شكسبير هو امرأة وهرطقات أخرى" هو الباحثون الذين يدرسون "الشاعر" أكثر مما هو الشاعر نفسه. ففي بداية الكتاب، تشكك وينكلر بملاءمتهم لمهمتهم. "من يمتلك السلطة لكي يقرر الحقيقة حول الماضي؟" تتساءل. "الجواب عادة هو المؤرخون. لكن، في حالة شكسبير، إنهم دارسو شكسبير، مجموعة صغيرة إنما مرموقة للغاية من أساتذة الأدب الإنكليزي المتمركزين بشكل رئيسي في بريطانيا وأميركا". في وقت لاحق، تؤكد وينكلر أن دراسة الإنكليزية ذاتها هي مؤامرة؛ بديلٌ للدين في مجتمع يحاول إضفاء العلمانية؛ مؤامرة يُقصد بها صدّ الحماسة الثورية التي تستحوذ على فرنسا من خلال تقديم "الوظيفة الموحِّدة المطمئِنة التي كانت المسيحية تقدمها سابقًا". وقد تطلبت هذه الكنيسة الجديدة مسيحًا جديدًا تجلى في شخص وليام شكسبير الذي كان سلفًا يتلقى التأليه ضمن المجتمع الفيكتوري. تتكرر هذه الاستعارات الدينية عبر الكتاب. ويتبدّى دارسو شكسبير كمجموعة من المتعصبين الكهنوتيين حسب استعارات وينكلر، يهدّدون دومًا بطرد "الهراطقة" الذين يرون العالم على نحو مختلف. لكن، رغم أنه يوجد بالتأكيد دوغماتيون في دراسات شكسبير، كما في أي حقل آخر، فإن فهمنا لشكسبير يتطور باستمرار. وكما تشير وينكلر ذاتها، في عام 1986، كانت فكرة تعاون شكسبير مع كتاب مسرحيين آخرين مثيرة للجدل إلى حد كبير؛ اليوم هي اتجاه سائد. بالنسبة إلى وينكلر، بالطبع، لا يُظهر هذا انفتاح الحقل على أدلة جديدة، بل بالأحرى "يدل على نشاز معرفي استثنائي. ففي حين يصر الباحثون على أنه لا يوجد جدال حول هوية المؤلف، فإنهم ينخرطون في جدال خاص بهم حول هوية المؤلف".

ولهذا السبب فإن نظرية المؤامرة خبيثة للغاية. صحيحٌ أن التشكيك بهوية شكسبير ليس خطيرًا بقدر إنكار التغير المناخي، أو المعتقدات المضادة للقاح، أو التشكيك بمواطنة أوباما، لكن خطاب واستراتيجيات كل هذه الأشكال من نظرية المؤامرة متشابهة للغاية: شككْ بمؤهلات السلطات. أورد بعض التأكيدات التي يمكن لنا جميعًا أن نتفق معها من قبيل: "لا نعرف الكثير حول حياة شكسبير" أو "بعض الناس الذين تلقوا اللقاح ضد كوفيد-19 يموتون جراء المرض". اطرحْ مجموعة متصاعدة من الأسئلة حول وجهة النظر التي تحظى بإجماع، مبدّلًا الأساس كلما كنت على وشك أن تخسر النقطة التي يتم نقاشها. اعرضْ أدلة مزعزعة تتطلب تفسيرًا منحازًا. ازعم أن الدليل الذي يدحض نظريتك هو في الحقيقة يدعمها. ضايق ذوي السلطة الذي يرفضون الانخراط معك. استخدم الازدراء الذي يُعامَل به موقفك كدليل على أنك لا بد أن تكون على وشك اكتشاف شيء. والجأ، كلما كان ممكنًا، إلى القول إنك تطرح أسئلة وحسب.

تسيء نظرية المؤامرة استخدام المجال العام التحرري من خلال استخدام قيم الخطاب التحرري -الاستماع العقلاني للأدلة، الانفتاح، التشكك غير المتحيز بيقينيات المرء، إلى آخره- ضد ذلك الخطاب. وحين تسأم المعارضة من هذه المعاملة وترفض استمرار الانخراط في النقاش، يمكن لمن يتبع نظرية المؤامرة أن يعلن النصر، ويصور المعارضة كمجموعة متعصبين دينيين منغلقين وخائفين من مواجهة الحقيقة.

آخر دارسي شكسبير الذين تقابلهم وينكلر هي مارجوري جاربر. مثلي، وينكلر هي من كبار المعجبين بكتاب جاربر البارع "شكسبير في آخر المطاف"، وهو يضم مجموعة من المقالات حول مسرحيات شكسبير. ترفض جاربر أن تناقش سيرة شكسبير الذاتية أو سؤال هوية المؤلف، لأنه بالنسبة إليها "شكسبير هو مفهوم - وتكوين- أكثر من كونه مؤلفًا". وكتاب جاربر حول الموضوع، "كتّاب شكسبير الشبحيون"، يركز على تفكيك مسألة التوق لهوية مؤلف ثابتة بدلًا من التدقيق في الأدلة التاريخية. عندما تسأل وينكلر جاربر إذا كانت متأكدة أن شكسبير قد كتب شكسبير، تجيب جاربر: "أنا لست دارسة سيرة ذاتية ولا أقدم مزاعم سيرية". وعندما سُئلتْ فيما إذا كان ذلك يعني أنها ليست من الستراتفورديين، تجيب جاربر: "أنا شكسبيرية... ذلك ما أنا عليه. أنا مهتمة بالمسرحيات".

تتفاجأ وينكلر بأن تقابل دارسًا لشكسبير ليس مهتمًا بمسألة هوية المؤلف، لكن معظم دارسي شكسبير لا يركزون بشكل خاص على سؤال المؤلف. لقد طُرح السؤال وأجيب عليه. بالتأكيد، تحب المرجعيات الأكثر شهرة أن تنتج الكثير من السير الذاتية الخاصة بها، لكن معظم الحقل يبقى منصبًا على الموضوع الأكثر غنى والذي هو أعمال شكسبير وعلاقتها بالعالم الذي عاش فيه. ومجال الدراسة ذاك لا نهائي تقريبًا في عمقه ولا محدود فيما يعطيه من جوائز. تبقى تلك المسرحيات إنجازات معقدة، محيرة، ومستحيلة (ولنكن صريحين، بعضها فشل ذريع). إنها هدية عظيمة للعالم، تنتظر كل جيل ليتلقاها. ومؤلفها، سواء أكان ذلك عمدًا أو بالمصادفة، اختُزل إلى ظل يتوارى خلف أعماله. لذا، ما لم تظهر أدلة جديدة، لنتركه هناك، خلف الستار في الظلام، ونركز على ما يهم فعلًا.

 

إسحاق بتلر: يحمل ماجستير في الكتابة الإبداعية اللاتخييلية. يدرّس تاريخ المسرح ويعيش في بروكلين. أنشأ بودكاست بعنوان "أعيروني انتباهكم" عن شكسبير والسياسة، وله بودكاست آخر عن العملية الإبداعية. شارك في كتابة "العالم يدور للأمام وحسب: تحليق الملائكة في أميركا"(2018)، وله كتاب واحد: "المنهج: كيف تعلّم القرن العشرون أن يمثل"(2022).

رابط النص الأصلي:

https://slate.com/culture/2023/05/shakespeare-woman-authorship-question-truthers.html

 

 

مقالات اخرى للكاتب

ترجمات
17 يوليه 2023

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.