}

بحلول الصّيف... وقصائد أخرى

ريمكو كامبرت 12 أغسطس 2023
ترجمات بحلول الصّيف... وقصائد أخرى
كان كامبرت يحتفي بـ"خفّة الحياة"
رحل الكاتب والشّاعر الهولندي ريمكو كامبرت (1929 ـ 2022) عن عالمنا في الرابع من يوليو/ تموز العام الماضي، عن عمر ناهز 92 عامًا. وبرحيله الذي يُغلق الصفحة الأخيرة لجيل "الخمسين" العريق في الشِّعر الهولنديّ والبلجيكي الحديث، فقد الأدب الأوروبي، بعامّة، إحدى قاماته الإبداعية الكبيرة. لم يبخل كامبرت على قرّائه بشيء من فنون الكتابة طوال تاريخه الأدبيّ المديد. وكما كتب الشِّعر، كتب أيضًا القصّة والرّواية والعمود الصّحافي، وأسّس مع آخرين دار النشر الهولنديّة العريقة "ده بازيخه باي" عام 1943، هربًا من خواء الحرب. وفي كلّ ذلك، كان كامبرت يحتفي بـ"خفّة الحياة"، تلك الخفّة التي تُخفي وراءها ما هو أعمق وأكثر ثقلًا في الآن ذاته.
في ما يلي، ترجمة عن الهولندية مباشرة لمجموعة من قصائده.

[ترجمة وتقديم: عماد فؤاد]

سوناتة

أردتُ أن أُرسل لكِ زهورَكِ
نوعٌ من الزّهور يجعلك تفهمين
كيف أسيرُ
تحت أيّ سماء أسيرُ
على أيِّ تُربةٍ أسيرُ
أردت أن أُرسل لكِ زهورَكِ
نوع من زهور الشّتاء
بالألوان البُنِّية للورودِ الأخيرة
ورائحة تَمَشِّي الليالي
في تضاريس خطرة
تحدّها تحوّطات مهملة
يمكن للمرء خلفها
أن يشكّ في أزهار النّرجس البرِّي
وفي الشّهور الموجودة خلفنا
أزهار نرجس برائحة
من المرجّح أنّني اعتبرتها رائعة
هذا النّوع من الزّهور تمنَّيتُ لو أرسله لكِ
ليس عن طريق البريد وغلافها مفكوك
ليس ليحضروها إليكِ
بواسطة فتى أسودَ ذي بروفيل يونانيّ
ذلك الذي يدرس الألمانية في الجامعة
والذي بنفسه كتب تصميمًا للرّقصات
على موسيقى موزارت
هذا النّوع من الزّهور
بواسطة هذا النّوع من الفتيان!
لكنّي سمعتُ
أنَّك مسافرة
ولا تريدين العودة مجدّدًا.

بحلول الصّيف

لا شيء أكثر تدميرًا من الدِّفء
يستمرُّ البردُ، ثابتًا
ويتحرّكُ الدّفءُ مصحوبًا بالخراب
خالقًا مَظْهرًا مُزيّفًا
من الشّمس، والصّحة، والخطيئة ذات المعنى
الدِّفء يُغري، يُفرِخُ، يَعدْ،
يصنع غبارًا ذهبيًّا من الغبار
حبًّا من الرَّغبة
شِعرًا من الأكاذيب
أنا لا أحبُّ الدِّفءَ
أرضٌ خِصبةٌ للبعوض والدِّيدان
بِرْكةٌ من عصير الليمون
وغيرها من المشروبات المُنهِكة
أعطني البرد والقهوة
لأرى تجمُّد الخراب، واضحًا للعيان
ومقبولًا
أولئكَ الجالسون في البرد
لا يخلقون أوهامًا،
وإنّما ثُلوجًا، لا يمكن الوصول إليها،
في الشّتاءات البشريّة،
وما فوق البشريّة أحيانًا.

عناصر لقصيدة

رماد وجليد:
الثّلاثاء... شتاءً.
القاعات مليئة بالأمّهات المُصابات بالبرد
يناقشن فوائد الدُّهون.
والرّجل السّمين، بتبغه ونسيجه،
يمضغ سيجاره
ويسبّ راكب درّاجة.
الرّيح، صلعاء كفأرٍ محلوق،
تعدو عابرة بالبيوت،
لتقضم الصّحف وعُلب القمامة
وتنانير الفتيات الصّغيرات.
المدينة سعيدة بأهلها معًا
كرة ثلج في كفّ صبيٍّ.
لا شيء ينتمي إلى الكلّ،
لا شيء ينتمي إلى شيء.
سبعة غربان تطير
في هواء الشّتاء النّاضج.
وتفَّاح أحمر مستدير وجميل
في صناديق نحيلة،
وأسفل أكمام بالية
تبدو ساعات المعاصم.
رماد على الأرصفة،
جليد على طول الطّرقات
سبعة غربان في السّماء
أم تسعة؟

الأحد

كنت أفترضُ أنّني سأقضي يوم الأحد
في الأرجوحة المُعلَّقة
بين الجذور القويّة للأشجار
قريبًا فوق الأرض
وبعيدًا عن السّماء
بما يكفي لأختفي
لأشعر بنفسي كإنسان
في مكانه.
لكنّها أمطرت.

الشِّعرُ فعل

الشِّعر فعل للتأكّيد.
أؤكّد أنّي أعيش،
وأنّي لا أعيش وحدي.
الشِّعر مستقبل،
التّفكير في الأسبوع المقبل،
في بلد آخر،
في نفسك حين تشيخ.
الشِّعر هو أنفاسي،
تتحرّك قدماي، تتردّدان أحيانًا،
فوق الأرض التي ـ للسّبب ذاته ـ تسألها
فولتير كان مصابًا بالجدريّ،
لكنّه شفى نفسه ـ ضمن أشياء أخرى ـ
بشرب 120 لترًا من عصير الليمون: هذا شِعر.
أو خذ الأمواج
تتحطّم على الصّخور ولا تُهزم،
لكنها تستأنف نفسها، هنا يكمن الشِّعر.
كلّ كلمة مكتوبة
هجوم على الشّيخوخة.
في النّهاية يفوز الموت، بالطّبع
لكن الموت
ما هو إلّا الصّمت في القاعة
بعد أن قيلت الكلمة الأخيرة.
الموت لذّة.

المجال المنسيّ

عمّا إذا كنتُ أعتني بنفسي جيّدًا
كان سؤالها في المقهى
حيث أجلسُ وأشرب ببطء
أومأتُ بقوّة مؤكّدًا
لأنّ عليك أن تفعلَ ذلك
عندما تشيخ
وانتبه إلى محتويات حقيبة تسوُّقي:
- وجبة جاهزة من الكرنب والنقانق
- صحف المساء مليئة بالمشاحنات الدنيوية
- علبة سجائر كالمسدَّسات في الحرب
- وزجاجة نبيذ من البرتغال
سُمِّيت باسم حقل منسيٍّ
لم يتمّ تضمينه في السّجلات العقارية
وحيث لن أذهب أبدًا. 

فلاحة في *Iviers

لا تزال تتحدّث كلّ يوم
مع شاهد قبره
في المقبرة الصّغيرة بالجهة الأخرى
المطلّة على الوادي
والنّهر الرفيع
يتلألأ مثل خيط عنكبوت
بنور فرنسا الشّمالي
منذ أن ماتَ
لم تعد تفعل الكثير للحديقة
تلك التي كانت فخرها
حصلت كذلك على جائزة أخرى
جاء السّيناتور لأجلها
خصّيصًا من باريس
(حيث كانت لديه شقّة هناك
وصديقة)
كان ذلك مباشرة قبل الانتخابات
التي فاز فيها
تمّ بيع الأبقار
والجرَّار يصدأ في العشب الطّويل
الفناء مرتَّبٌ هنا
ولا تزال هنالك أخشاب
لشتاء ما 

ضوء

أردنا الضّوء، المزيد من الضّوء
قطعنا الشّجرة التي تهفو بفروعها إلى السّماء
وتقف في طريق رغباتنا
تأوّهت الشّجرة،
تنهّدت، تصدّعت
تمزّقت أليافها الأخيرة
وبصوت أزيز غاضب من أوراقها
هَوتْ بحياتها إلى الأسفل
حتى أنّ الريح التي لاعبتها
انحرفت مفزوعة
أخيرًا امتلكنا ضوءًا في الغرفة
في هذا الضّوء نظر كلّ منّا إلى الآخر
ورأيناه مكتملًا
وجهنا
غير القابل للإصلاح.

*إيفيرز Iviers: بلدة في الشَّمال الفرنسي بالقرب من الحدود البلجيكيّة.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.