}

رحيل فرناندو بوتيرو: رسام المجتمع الكولومبي وتاريخه

أحمد عبد اللطيف 18 سبتمبر 2023
تغطيات رحيل فرناندو بوتيرو: رسام المجتمع الكولومبي وتاريخه
فرناندو بوتيرو ولوحة "المسيح"/متحف فيتوريانو في روما (27/8/2017/فرانس برس)

عن 91 عامًا، رحل الفنان التشكيلي والنحات الكولومبي الشهير فرناندو بوتيرو (19 أبريل/ نيسان 1932)، الجمعة الماضية في بيته في موناكو، بعد معاناة مع الالتهاب الرئوي في الفترة الأخيرة.
ولد بوتيرو بمدينة ميديين في كولومبيا عام 1932، وكان عصاميًا بكل معنى الكلمة. في مقابلة له مع جريدة الباييس الإسبانية عام 2019، قال: "يجب أن يسبب الفن المتعة، ميلًا لشعور إيجابي، رغم أني رسمت أشياءً درامية. دائمًا ما بحثت عن التماسك والجمالية، لكني رسمت العنف والتعذيب وصلب المسيح. ثمة شيء مختلف في الرسم الدرامي، اللوحة نفسها. لا تضع متعة الرسم الكبرى والجمال حدًا بين الدرامي والممتع".
منذ سنوات قريبة، وفي فيلم وثائقي عن حياته بعنوان "نظرة حميمة لحياة المايسترو بوتيرو"، تعرّفه ابنته لينا: "إنه تاريخ مستوحى من شخص بدأ من العدم ولم يكن يملك إلا الميل الفني والقدرة على العمل والشغف بما يفعله. كل ذلك سمح له بأن يتقدم ويسبح مرات كثيرة ضد التيارات السائدة في عالم الفن". وكان هذا الفيلم أبدع ما صُنِع حول فنه وحياته وعائلته وخصوصياته. سبعون عامًا من أعماله بين لوحات زيتية ومائية ورسومات ومنحوتات.

من البداية
الطريق الطويل الذي خاضه بوتيرو تكوّن من درجات عدة. أولًا، أصول فقيرة ومتواضعة، ثم مسيرة بدأها كرسام في جريدة الكولومبيانو في نهاية الأربعينيات. مبكرًا جدًا، عُرِف كوريث لـ بيرو ديللا فرنشيسكا، أما أسلوبه الفريد فظهر وهو في الخامسة والعشرين، مع رسمة لمندولين توحي بمغزى العظمة. ورغم أنه يعد أحد أفضل الفنانين الأحياء إلا أن شهرته وشعبيته تحققت بشكل أكبر مع لوحات بألوان واهية في التسعينيات، بعد أن غزت منحوتاته البرونزية الضخمة عواصم العالم الكبرى. أسلوب التزم به ولم يهجره أبدًا حتى عندما كرس أعمالًا لفترة "تعذيب سجن أبو غريب" في العراق.
يستعرض الفيلم الوثائقي واحدة من فترات بوتيرو الأكثر ثراءً: نيويورك، معمل الطليعة المعاصرة، ولم يكن يملك إلا 200 دولار في جيبه، في عقد الستينيات. وأمام الكاميرا يفتح ابنه الكاتب خوان كارلوس وابنته لينا صندوقًا يضم مراسلات ورسومات ولوحات عن الفنان في ثلاثيناته وهو يسبح عكس التيار. فترة شعر فيها بأنه غير مفهوم، لكنه يكتب تعليمات لنفسه ليتحمس ويتقدم ويوجه ذاته إلى تكنيكه الخاص. في تلك الفترة، كان السائد هو الفن المجرد، والتعبيرية المجردة، والبوب آرت، لكن الكولومبي كان اختار السير في طريق عكسي.

مرحلة جديدة
في السبعينيات انتقل بوتيرو إلى باريس، وهناك حدثت له أكبر مأساته: وفاة ابنه بدرو في سن الرابعة في حادثة سير، وهو ابنه من زوجته الثانية. وتعرض بوتيرو لشلل جزئي في يده اليمنى، وبقي لعدة شهور عاجزًا عن الرسم وخاضعًا للعلاج. حينها حبس نفسه في مرسمه ليحاول مرة وراء أخرى رسم وجه ابنه المتوفى. نتاج هذه الفترة كان سلسلة بعنوان "بدريتو على حصانه"، وهي لوحات معروضة في متحف أنتيوكيان، وبجانبها بيت من العرائس بصورتين ترتديان لباس الحداد، وتطلان من النافذة؛ العروسان تمثيل له ولزوجته.




ورغم أن بوتيرو عاش في المكسيك ونيويورك وموناكو وباريس، إلا أنه لم يغب عن بلده. ذكريات الطفولة، عالم ميديين في الثلاثينيات والأربعينيات، ألهمته جزءًا كبيرًا من أعماله. لقد اعتقد دومًا أن الفن كلما زادت محليته، زادت عالميته. وفي بداية هذا القرن، تبرع بمجمل مجموعته الفنية إلى كولومبيا، وهو القرار الأهم في حياته بحسبه.
وبالإضافة إلى أعماله المعروضة في متاحف بوغوتا وميديين، ثمة منحوتات أخرى تمثل التحول في المدينة الأخيرة، وتسجل زمان إرهاب تجارة المخدرات والرعب الذي شاهده المواطنون في نهايات القرن الماضي. وحين هشمت قنبلة منحوتة لحمامة بتوقيعه في ساحة المدينة، طلب بوتيرو ألا يرممها لتبقى كأثر مشوه. وبجانبها نحت حمامة أخرى تحية للسلام. الميدان الآن يضم الحمامتين، الحرب والسلام. وبوتيرو يمثل تاريخ بلده بهاتين المنحوتتين.

فنانو بوتيرو
درس بوتيرو عام 1951 في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة بسان فرناندو، وزار متحف البرادو، حيث نسخ أعمال دييغو بيلاثكيث، وفرنثيسكو دي غويا، ومنذ ذلك الحين استحالا منبع إلهامه.
سيقضي ثلاث سنوات يتجول في أوروبا، فيما تتشكل طريقته الفريدة في الرسم والحجم. في لوحته المائية الأولى "امرأة تبكي"، تظهر بدايات البدانة، رغم أن دارسيه يؤكدون أن ميلاد "البوتيرية" يرجع إلى 1956، حين كان يرسم مائدة عليها مندولين.
تأثر بوتيرو كذلك برسامي الغرافيتي المكسيكيين، بالذات خوسيه كليمينتي أوروثكو، وبالجداريات الإيطالية، مثل تريشنتو وكواتروشينتو. وفي بداية الستينيات، باستقراره في الولايات المتحدة، كان جاهزًا لاقتحام السوق الأميركية بمعرض أول في ميلووكي آرت سنتر، ومنه حصد شعبيته. أما مرحلة باريس فتوافقت مع أعماله النحتية الأولى التي تعد امتدادًا لأعماله التشكيلية: تمثيل لأشخاص وحيوانات بدينة ذات طابع فكاهي.

منتج فني ضخم
ترك بوتيرو منتجًا فنيًا يتجاوز 3 آلاف لوحة زيتية، و200 منحوتة، و12 ألف رسمة. وتعرض أعماله في أكثر من 50 متحفًا في العالم، من متحف المتروبوليتان في نيويورك، إلى متحف بوشكين بموسكو، بالإضافة إلى المتحف الوطني في تشيلي، وفي مسقط رأسه ميديين، المدينة التي تلقت عشرات الأعمال كهدايا.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.