استهلت جائزة "راثبون فوليو" العام الجديد، 2024، بتغيير اسمها إلى "جائزة الكُتاب" (Writers’ prize)، وذلك بعد تنحي شركة راثبون عن دورها كراع رسمي، واستجابة العديد من المؤسسات المهتمة بصناعة الكتاب والجمعيات الخيرية كي تحل محلها. ونظرًا إلى عدم وجود لجنة تحكيم حتى الآن، قام أعضاء الأكاديمية البالغ عددهم 350 عضوًا بالتصويت على القوائم القصيرة المعلنة منذ أيام، وشملت 9 عناوين موزعة على ثلاث فئات هي "الخيال" و"الشعر" و"الكتب الواقعية"، والتي وصفتها مديرة الجائزة، مينا فراي، بأنها تعكس أفضل ما صدر عام 2023، علاوة على عناوين تفاجأت بها لأنها لم تدرج في قوائم الجوائز الأخرى وهو ما جعلها تعرب عن امتنانها للأعضاء النشطين الذين أبرزوها لنا جميعًا.

الرواية ذاكرة الشعوب

في فئة الخيال ترشحت ثلاث من أكثر الروايات رواجًا في 2023: "احتيال"/ The Fraud للبريطانية زادي سميث، وهي أول رواية تاريخية لسميث، تعود فيها إلى العصر الفيكتوري لترصد قضية "تيكبورن" الشهيرة التي استمرت لأكثر من عقد في ساحات المحاكم عن رجل ادّعى أنه السير روجر تيكبورن، وريث البارونة الذي فقد في البحر، وعاد بهيئة مغايرة. وعلى الرغم من الحكم عليه بالاحتيال فإن أمر هذا الرجل لم يحسم فيه حقًا إلى الآن. لكن مفهوم الاحتيال كما رصدته سميث يتسع ليشمل إنكلترا بأسرها حيث يتبين لبطلتها إليزا في نهاية المطاف أن الناس عرضة للتأثر بالآخرين على نحو مروع، كما أن لهم أدمغة مثل المناخل، من بين ثقوبها تتسرب الحقيقة!

في "لدغ النحل"/ The Bee Sting للكاتب الأيرلندي بول موراي والتي سبق أن أدرجت في قائمة البوكر القصيرة وأخلفت جميع التوقعات بعدم فوزها بالجائزة المرموقة، يعود موراي لموضوعه الذي طرحه في روايته الأولى "سكيبي يموت"، عن عائلة أيرلندية اهتزت الأرض المستقرة تحت أقدامها فجأة وأفرادها الآن يعانون من مشاكل مادية وعاطفية ووجودية. مأزق كهذا تطرحه الرواية بأصوات متعددة فما إن تتفكك الوحدة يعلو صوت الفرد مبرزا المسافة الغامضة التي تفصل بين الشخصيات وتزداد اتساعًا يومًا عن يوم.

إحدى شخصيات موراي فتاة مراهقة. في الجزء الخاص بها يستلهم من رواية "عوليس" المونولوج الأخير لمولي بلوم، مستفيدًا من تيار الوعي وجملة جيمس جويس التي تقبل المزيد والمزيد من الحكايات الثانوية إلى أن يتخذ قرارًا بقطعها عند أي نقطة. ولتهويل وحدة الإنسان وشعوره بالخوف تأتي أزمة المناخ وما يترتب عليها من جفاف وفيضان وكوارث بيئية لتدق ناقوس الخطر وتنذر بنهاية العالم. ولم لا، "لو أن شيئا يبدو مؤكدًا مثل الحب الأبوي والأمن المادي عرضة للانهيار كما جربت هذه الأسرة، فلماذا لا ينهار العالم بأكمله؟"، وهكذا يختار أحد أفرادها مخبأ في الغابة ليحتمي به من الخراب، وتنقلب الحكاية عبر 600 صفحة إلى رحلة من التشويق والإثارة والاكتشافات المستمرة حتى السطر الأخير. 

"طائر النمنمة، طائر النمنمة"/ The Wren, The Wren للأيرلندية آن إنرايت، هي ملحمة أجيال، تروى بدورها بثلاثة أصوات مختلفة، أو بالأحرى ثلاث نساء يتأملن في الحب والجنس وانتقال الجينات شديد الغموض، من جيل لجيل. وتحتل العلاقة بين الأم وابنتها جزءا شائكا من رحلة المرأة المحفوفة بالمخاطر، فما يتم تداوله عن النعيم المقيم بين هذين الطرفين، التي تخلق أحدهما في رحم الآخر، وتغذى على لحمه ودمه، هذا النعيم يحمل في طياته بذرة شيطانية مريرة، من الصعب على الشبيهتين سبر غورها، أو حتى الإشاحة عنها، إنها تضبب أي التئام بينهما.

استهلت جائزة "راثبون فوليو" العام الجديد 2024 بتغيير اسمها إلى "جائزة الكُتاب"

ما يقوله الشعر اليوم للعالم

يقف الشعر جنبًا إلى جنب مع الرواية، لتوصيل رسالة مفادها أن الهوية باتت في مأزق حقيقي عبر الدواوين الثلاثة المرشحة هذا العام: "خوف ساطع"/ Bright Fear الديوان الثاني للشاعرة ماري جان تشان، و"طفل البيت"/ Home Child لليز بيري، و"بورتريه ذاتي يشبه عطيل"/ Self-Portrait as Othello لجيسون ألين بيسانت.

في "خوف ساطع" تطرح جان تشان موضوعًا شائكًا كثر تداوله في الآونة الأخيرة. لقد أحست هذه الفتاة الجميلة أن بداخلها شخصًا آخر لا يمت للأنوثة بصلة، لهذا تستكشف خيبة أمل أبويها في ميولها الجنسية وكيف يمكن التحرر من هذا القيد المرعب. وصفت صحيفة الأوبزرفر ديوان تشان، بأنه "مثل اختبار نصل السكين واستشعار حدته بنشوة".

أما ديوان ليز بيري فهو بمثابة ملحمة شعرية تجمع القصائد المكتوبة على حدة ومفصولة بصفحات بيضاء، في كل واحد بما يؤهلها لسرد قصة. وهو بالفعل يحكي قصة حقيقية عاشتها عمتها الكبرى التي تيتمت صغيرة وطردت من بيت النشأة إلى ساحات الملاجئ، حيث تضيع الذات في حرمان المجموع. وبرغم الخصوصية، فهذه ليست قصة العمة وحدها، بين عامي 1860 و1960، تم إرسال أكثر من مئة ألف طفل من الأحياء الفقيرة ودور الأيتام في بريطانيا للعمل في كندا، دون أن تتاح لهم فرصة العودة إلى أوطانهم. ادعى المسؤولون الذين ساقوا هؤلاء الأطفال إلى مثل هذا المصير أنهم سيبدأون هناك حياة أفضل، وعلى الرغم من توفير شيء من الرعاية وقليل من التعليم، فإن الهدف الذي اتضح مع مرور الوقت أن هؤلاء السادة كانوا بحاجة إلى خدم، وما دفعوه مقابل تسخير هؤلاء لا يتعدى تأمين الوجبة والسكن وقليل من التعليم. إليزا شويل، التي كانت عمة بيري الكبرى، واحدة من ضحايا الاستعباد وعبر الديوان نتابع رحلتها في كندا، حيث "كانت الوحدة عميقة جدًا،/ حقل ثلجي يصل ارتفاعه إلى صدرها/ تعثرت خلالها وهي ترتعش؛/ في ليلة بلا نجوم أو قمر".

في ديوانه الثاني، "بورتريه ذاتي يشبه عطيل"، تتقاطع هوية الشاعر جيسون ألين بيسانت مع شخصية عطيل باعتبار كل منهما مهاجرًا بشرته سمراء. ورغم استقلال كل قصيدة على حدة فهي في مجموعها تشكل مشهد أوروبا في القرن الحادي والعشرين. حيث يناوب ألين بيسانت بين ذاته وبين البطل الأسطوري بلغة بصرية تضيف أبعادا مع كل قصيدة حتى يظن القارئ أنه دخل أرض الأحلام فإذا به يصطدم بأسفاره في عواصم الدول المختلفة كما في كتب الرحلات مع الكثير من الأصوات واللغات واللهجات بما يؤطر تجربته كرجل أسود في قلب الثقافة البيضاء. في قصيدة يصف جدته التي راح يبحث عن صوتها في ملفاته على العالم الافتراضي، كتب يقول:

تنتعلين حذاء الباحة

وفوق أنني لا أقول شيئا

أفكر في اختراق القشرة

التي نسميها الذات...

فاز الديوان بجائزة إليوت بعد ترشحه في قائمة الكتاب القصيرة وربط البعض بينه وبين بقية الأعمال التي استلهمت مؤخرًا من شكسبير وحققت نجاحا، كما حدث مع رواية ماجي أوفاريل "هامنت"، وصوفي دنكان في كتابها "البحث عن جولييت: حياة وموت البطلة المأساوية الأولى لشكسبير".   

تكتمل قائمة جائزة الكتاب بثلاثة كتب في الفئة الواقعية، "قصف الرعد"/ Thunderclap للناقدة لورا كومينغ، و"خيط العنف"/ A Thread of Violence للكاتب مارك أوكونيل إلى جانب كتاب نعومي كلاين السياسي، "الشبيه"/ Doppelganger.

فائز واحد من كل فئة من الفئات الثلاث سيفوز بجائزة قيمتها 2000 جنيه إسترليني، ومن بين هؤلاء الثلاثة، كتاب واحد من أي فئة، سيحصل على مبلغ الـ 30000 جنيه إسترليني لينضم إلى قائمة الفائزين بالجائزة عبر عشر سنوات: مارجو جيفرسون وكولم تويبين وكارمن ماريا ماتشادو وفاليريا لويزيلي وهشام مطر وجورج سوندرز.