ترجمة وتقديم: عماد فؤاد
تقديم
لم تنشأ حركة نضال وطني ضدّ الاستعمار الغربي إلّا ووصمها الغرب بـ "الإرهاب"؛ في فيتنام، تمّ وصف المقاومة التي تصدّت للجيش الأميركي بأن قادتها "أغبياء وجهلة ومتآمرون"، وفي كينيا، وصف الجيش البريطاني قادة حزب الأرض والحرّية "ماو ماو" بالعنف والتوحّش والبربرية، وفي الجزائر، كانت المقاومة "تطاولًا" على المحتلّ الفرنسي المتعجرف أصلًا، وها نحن اليوم نسمع ما يقال عن المقاومة الفلسطينية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية في غزّة، هذه المقاومة الوطنية في شرع الغرب اليوم هي "إرهاب محض". لماذا؟ لأنها حركات وطنية ترفض إملاءات الغرب/ السيد، أدِر رأسك قليلًا وعَدِّد معي: أفغانستان، العراق، سورية، وفلسطين. كل هؤلاء "إرهابيون" في عرف الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي.
مَن الذي يقرر اليوم معنى كلمة "إرهابي"، أو مَن هو الإرهابي؟
نيلسون مانديلا، الذي كان قائدًا للكفاح المسلّح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وصفته الولايات المتحدة والغرب بالإرهابي لعقود، قبل أن يعاد للرجل اعتباره بوصفه أحد المناضلين العظام! فهل يمكن أن يعاد الاعتبار يومًا ما للمقاومة الفلسطينية؟
منذ إعلان الكيان الصهيوني كدولة عام 1948، وقادته وحلفاؤه في مختلف أنحاء العالم يشنّون حملة لا تهدأ لشيطنة أي حركة مقاومة فلسطينية، كجزء من جهده الرامي إلى كسب دعم دولي واسع النطاق لتدمير أي مقاومة تقف في طريقه، في تعارض تام مع ما ينصّ عليه القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة: "من حقّ الشعب أن يدافع عن نفسه، بما في ذلك بالمقاومة المسلحة، ضد الاحتلال والعدوان الاستعماري".
في ربيع 2024، أعلنت منظمة Just World Educational غير الربحية، والتي تقدّم موارد تعليمية تدرس بشكل نقدي دور الولايات المتحدة في العالم، مع التركيز على قضايا الحرب والسلام والعدالة، عن تنظيم وإطلاق حملة بعنوان "فهم حماس... ولماذا هذا مهم"، قدّمت على شبكة الإنترنت خلال شهر أيار/ مايو 2024، وشارك فيها خمسة من الخبراء الدوليين المتخصصين في الصراع العربي الإسرائيلي، من بينهم ثلاثة أكاديميين فلسطينيين يقيمون خارج فلسطين، هم: خالد الحروب، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة نورث ويسترن في قطر، وباحث أول في مركز الدراسات الإسلامية في جامعة كامبريدج، ومن مؤلّفاته: "حماس: الفكر والممارسة السياسية"، و"حماس: دليل المبتدئين". والهولندي الفلسطيني معين رباني، الصحافي بموقع جدلية، والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية، وعزام التميمي مؤلف كتاب "تقاسم السلطة في الإسلام"، و"الإسلام والعلمانية في الشرق الأوسط"، و"حماس: تاريخ من الداخل".
أما الجانب الأوروبي فقد ضم الباحثة الإيطالية باولا كاريدي المؤرّخة والصحافيّة والأستاذة في جامعة باليرمو، وعايشت كاريدي الصراع العربي الإسرائيلي من خلال عملها الصحافي في عدد من العواصم العربية، من أهمها القدس والقاهرة، في الفترة بين 2002 و2013، كما نشرت في عام 2023 كتابها "حماس: من المقاومة إلى الحكومة".
وأخيرًا الباحث البريطاني جيروين غانينغ، أستاذ سياسات الشرق الأوسط في كلية كينغز كوليدج بلندن، ومؤلف كتاب "حماس في السياسة: الديمقراطية والدين والعنف"، كما شارك في تأسيس مجلة "الدراسات النقدية للإرهاب" ردًا على أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر والتحول إلى السردية الإرهابية.
فعاليات هذه الحملة الدولية الداعية إلى فهم حركة حماس، صدرت في شكل كتاب في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعنوان "فهم حماس... ولماذا هذا مهم"، عن دار نشر أور بوكس الأميركية، من إعداد هيلينا كوبان، الصحافية الأميركية المستقلة والكاتبة السابقة في صحيفة The Christian Science Monitor، ورامي جورج خوري، مدير تحرير صحيفة "جوردان تايمز".
نترجم فيما يلي الجزء الثاني والأخير من قراءة الناشطة والصحافية الأميركية آن غاريسون للكتاب، والتي تغطي فيها آراء كل من جيروين غانينغ ومعين رباني وعزام التميمي:
يشغل الباحث البريطاني جيروين غانينغ منصب أستاذ سياسات الشرق الأوسط ودراسات الصراع في كلية كينغز كوليدج في لندن، وأستاذ زائر في كل من جامعة آرهوس وكلية لندن للاقتصاد، وومؤلف كتاب "حماس في السياسة: الديمقراطية والدين والعنف"، كما شارك في تأسيس مجلة "الدراسات النقدية للإرهاب" ردًا على أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر والتحول إلى السردية الإرهابية.
سأله رامي جورج خوري، لماذا من الضروري علينا اليوم فهم حماس؟ وما هي النقطة الرئيسية التي يودّ أن يوضحها؟
يقول جيروين غانينغ إن الأمر مهم: "حيث تمّ استخدام التضليل والتضليل المتعمّد لتبرير حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل ضد غزّة، وهدفها المعلن المتمثل في القضاء على حماس بأي ثمن"، ومع ذلك، فإن القضاء على حماس: "سيتطلب إبادة جماعية كاملة، لأن غالبية الفلسطينيين سيدعمون أعمال حماس على الرغم من رد إسرائيل على الإبادة الجماعية، وقد تمّ قبول الادّعاءات الغربية حول قطع حماس لرؤوس الأطفال الرضع بسهولة في الغرب، ما يدلّ على أن التحيّزات الاستشراقية والإسلاموفوبيا والعنصرية ضد العرب لا تزال حيّة للغاية".
من المهم أيضًا، كما يقول جيروين غانينغ: "فهم ما حدث على الجانب الإسرائيلي، سواء قتلت القوات المسلحة الإسرائيلية أعدادًا كبيرة من مواطنيها في السابع من أكتوبر أم لا، ذلك يغيّر السردية بأكملها، كما أن وجهة النظر الفلسطينية مهمة، في الوقت الذي تناقش فيه النخب الإسرائيلية والأميركية والأوروبية خططًا لمستقبلهم، ففي رواية هذه النخب الغربية: ’لا يُسمح للفلسطينيين بأن تكون لهم دولتهم الخاصة، إلّا إذا كانت الحكومة فيها ستتكون من تكنوقراطيّين مطيعين ينفّذون أوامر إسرائيل والولايات المتحدة’".
ما العلاقة بين عمله عن حركة حماس ومجال الدراسات النقدية للإرهاب؟
يجيب جيروين غانينغ قائلًا إنّ سردية الإرهاب لا تفسّر الكثير، ولها عواقب سياسية كارثية، وكلها تنطبق على حماس، فهي تجرّد العنف من سياقه التاريخي والسياسي، وتصوّره على أنّه يأتي من العدم، وتنزع الشرعية عن كل من يحاول وضعه في سياقه: "تذكروا غضب السفير الإسرائيلي من تصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حين قال إن عنف حماس لم يأتِ من فراغ"، كما أن سردية الإرهاب تعني أيضًا أنه لا يوجد حل سياسي، بل عسكري أو بوليسي للتحكم فقط، وهذا "صدى استعماري".
ما هو تاريخ حماس في المفاوضات؟
يعطي جيروين غانينغ العديد من الأمثلة؛ يقول إن حماس تفاوضت مع حركة فتح خلال الفترة التي سبقت الانتخابات الفلسطينية عام 1996، وتفاوضت على وقف إطلاق نار قصير الأجل في عام 2003، ثم تفاوضت مجدّدًا مع حركة فتح في الفترة التي سبقت الانتخابات الوطنية الثانية عام 2006، وقد انتهت كل حرب على غزّة منذ 2006 بوقف لإطلاق النار، تمّ التّفاوض عليه بشكل غير مباشر بين حماس وإسرائيل، كما جرت مفاوضات بشأن الرهائن. كذلك حاولت حماس أيضًا التفاوض على حكومة وحدة وطنية مع حركة فتح منذ عام 2006، وقدمت تنازلات كبيرة بشكل متزايد، حتى أنها أشارت إلى إمكانية نزع سلاح جناحها العسكري، كتائب القسام، إذا كان هناك وقف دائم لإطلاق النار، وإنهاء حصار غزة وإقامة دولة فلسطينية، هذه المفاوضات ليست تعهدات لإرهابيين فطريين!
يستشهد جيروين غانينغ بأزمنة أخرى ألقت فيها الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار سلاحها، وتحوّلت إلى أحزاب سياسية بعد حصولها على الاستقلال.
يسأل رامي خوري: ما الذي تستشفّه من طريقة عمل حماس بعد هجوم السابع من أكتوبر؟ لا بد أنهم توقعوا ردًا انتقاميًا كبيرًا.
يجيب جيروين غانينغ: من المؤكّد أن حماس أدركت أن "ردّ إسرائيل سيكون أكثر وحشية من أي مرة سابقة"، ويستشهد بقادة حماس الذين تحدّثوا عن رغبتهم في تغيير المعادلة، لإظهار أن الجيش الإسرائيلي أضعف مما يُروج عنه، وأن الفلسطينيين لم ولن ينسوا، كما يستشهد غانينغ أيضًا باستطلاع للرأي العام أُجري بعد سبعة أشهر من الحرب على غزّة، حيث يعتقد 71 بالمئة من سكان غزّة أن قرار حماس بالهجوم كان قرارًا صائبًا.
أمّا معين ربّاني، الخبير السّابق في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي داخل مجموعة الأزمات الدولية، والمحرّر في موقع جدلية، والذي سبق له أن شغل منصب مسؤول الشؤون السياسية في مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، فيجيب عن سؤال رامي جورج خوري حول طبيعة عمل حركة حماس، وما إذا كانت تنسّق مع حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين العلمانية، وغيرها من الجماعات الصغيرة...
يجيب معين ربّاني بأن هذه الجماعات نسّقت فيما بينها بشكل أوثق في السنوات الأخيرة، خاصة في قطاع غزّة، فقد أنشأوا "غرفة عمليات"، حيث يتعاونون بنشاط ويخطّطون لعمليات مشتركة، ومع ذلك فإن حماس هي القوة المسلحة الأكبر والأفضل تسليحًا من غيرها، لذلك يمكننا أن نفترض أنها هي التي تتخذّ القرارات الرئيسية في نهاية المطاف.
كيف نجت حماس من الهجمات الإسرائيلية المكثّفة؟
يرد ربّاني بأنه لا توجد إجابة نهائية على هذا السؤال، ومع ذلك، فإن إسرائيل آلة قتل فعالة، حيث حوّلت قطاع غزة إلى ركام، وقتلت عشرات الآلاف، لكنها ليست فعالة في العمليات البرية والاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها، استعدّت حماس لهجوم إسرائيلي طويل الأمد قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ويبدو أنها لا تزال تمتلك القدرة على تصنيع العديد من أسلحتها البدائية داخل قطاع غزّة، كما أنها تقاتل على أرضها، وتدافع عنها ضدّ احتلال أجنبي، ومن الواضح أن ادّعاءات إسرائيل حول أعداد من قتلتهم أو أسرتهم من حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، والتي قالت إنهم بالآلاف، مبالغ فيها، كما أن وحشية الهجوم الإسرائيلي ساعدت المقاومة على تجنيد المزيد من المقاتلين الجدد، إضافة إلى أن حماس قامت ببناء نظام أنفاق معقّد ومتشعّب، يجعلها قادرة على الصمود في وجه الغارات الجوية الإسرائيلية الضخمة، وتحسّبًا لردّ إسرائيل في السابع من أكتوبر، تمكّنت حماس من حفر أنفاق أعمق بكثير ممّا يمكن أن تصل إليه القنابل الإسرائيلية.
هل طوّرت حماس من قوّة أسلحتها خلال السنوات الماضية كما فعل حزب الله؟
يجيب ربّاني: "من الواضح أنه نعم، فحماس لا تمتلك اليوم القدرة على استخدام الطائرات من دون طيار فحسب، بل تمتلك أيضًا أنظمة حرب إلكترونية، سمحت لمقاتليها بإسقاط عدد من الطائرات الإسرائيلية السليمة من دون طيار لتعيد استخدامها. خلال الانتفاضة الثانية كانت منظومات الصواريخ والقذائف لدى حماس بالكاد تصل إلى حدود إسرائيل مع غزة، أما اليوم فبإمكانها الوصول إلى بئر السبع وحتى شمال تل أبيب ومطارها والقدس، ومع ذلك، لا تزال هذه الأسلحة بدائية إلى حدّ ما مقارنة بأسلحة حزب الله، وهناك تقارير تفيد بأن حماس تمكنت من جلب عدد غير قليل من الأسلحة المتطورة من ليبيا بعد انهيار الدولة الليبية، وأنها تلقّت إمدادات من حزب الله وإيران، فضلًا عن التدريب والمشورة، لكن قدراتها العسكرية تبقى حتى اللحظة أقلّ بكثير من قدرات حزب الله على سبيل المثال".
تشير هيلين كوبان إلى أن الناس في واشنطن يتحدّثون عن خطط "اليوم التالي" التي تقوم على إبادة حماس واستعادة السلطة الفلسطينية في غزة، ويفضلون أن يكون هذا النقاش على مستوى دولي، وتسأل رباني: ما رأيك في هذه الخطط؟
يجيب معين رباني بأن هؤلاء الذين يتحدثون عن اليوم التالي للحرب من الأميركيين لا يرون أن هناك خطة في الأفق، فإسرائيل ستجعل من قطاع غزة مكانًا غير صالح للسكن الآدمي، مع درجة من الفوضى والفلتان التي ستجعل سكان القطاع "مجبرين في النهاية على المغادرة بطريقة أو أخرى".
ويقول إن هذه الخطط الأميركية لا تهم الإسرائيليين في شيء، كما أنها مخططات لا يمكن فرضها بالقوة، لأنه حتى لو أمكن طرد حماس من قطاع غزة، فهي حركة لها جذور في أي مكان توجد فيه تجمعات كبيرة من الفلسطينيين، كما أن المخططين في واشنطن غير واقعيين في توقعهم أن تستمر الدول الأخرى في دفع الأموال لإعادة إعمار القطاع، من دون توقع أنهم لن يضطروا إلى القيام بذلك مجددًا بعد خمس سنوات أخرى.
ترأس الأكاديمي عزام التميمي معهد الفكر السياسي الإسلامي حتى عام 2008، وهو مؤلف كتاب "تقاسم السلطة في الإسلام"، و"الإسلام والعلمانية في الشرق الأوسط"، و"حماس: تاريخ من الداخل"، ويشغل حاليًا منصب رئيس تحرير قناة الحوار التلفزيونية التي تتخذّ من لندن مقرًا لها، وقد انضم إلى هيلين كوبان ورامي خوري في حوارهما معه عدد من أعضاء مجلس Just World Educational.
سأله رامي جورج خوري عن رأيه في نوايا كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، والذي اخترق الدفاعات الإسرائيلية وقاد عملية السابع من أكتوبر العسكرية جنوب إسرائيل، ما هو هدفها؟
يقول عزّام التميمي إنّ قادة حماس لم يتوّقعوا أن تكون عملية "طوفان الأقصى" بهذه الضخامة، فقد كان هدفهم أسر بعض الجنود الإسرائيليين لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين، فمن الصعب أن تجد عائلة فلسطينية في غزّة أو الضفّة الغربية بدون أن يكون أحد أفرادها في السجون الإسرائيلية، لذا فإن هذه القضية كانت دائمًا مهمة لفصائل المقاومة، وقد أثبت التاريخ أن تبادل الرهائن هو السبيل الوحيد لحمل إسرائيل على إطلاق سراح أي من هؤلاء المعتقلين، والدافع الآخر بالطبع هو أن إسرائيل كانت تخنق غزة بحصارها منذ فترة طويلة.
إذن؛ فكتائب القسام، وفقًا للتميمي، منضبطة للغاية، وربما بعض ما اتُهمت به، إن كان قد وقع بالفعل، قد ارتكبه في الواقع الإسرائيليون أنفسهم، فمعظم من قتلوا من الإسرائيليين في السابع من أكتوبر تبيّن أنهم أصيبوا برصاص طائرات الهليكوبتر الإسرائيلية، وتمّ قصف المنازل التي احتجز الرهائن بها داخل المستوطنات بنيران الدبابات الإسرائيلية، أضف إلى ذلك أن العديد من الرهائن الذين احتجزوا داخل غزة لم يحتجزهم في الواقع مقاتلو القسام، بل مواطنون عاديون عبروا السياج الفاصل بعد انهياره، وكانوا مبتهجين إلى حد ما لأنهم تمكنوا من أن تطأ أقدامهم أرض أجدادهم، كانوا، على عكس كتائب القسام، يتصرفون بطريقة مرتبكة وغير منضبطة.
ماذا عن المدنيّين الإسرائيليين الذين قُتلوا أو أُخذوا رهائن؟ هل كانوا مستهدفين على وجه التحديد أم تم أخذهم كرهائن بشكل عشوائي؟
يجيب عزام التميمي أن هدف حماس كان أخذ أكبر عدد ممكن من العسكريين الإسرائيليين كرهائن، وأن الأطفال والمسنّين الذين تمّ أخذهم إلى غزة كانوا من سكان مستوطنات غلاف غزة العاديين، وقد طلبت حماس منذ اليوم الأول تشكيل لجنة دولية للتحقيق في ما حدث، لأن الإسرائيليين كانوا يدّعون كل شيء لتبرير ردّهم غير المتناسب بشكل كبير في غزة، وقالت حماس إنها على استعداد للرد على أي قرار تتخذّه لجنة دولية بشأن ما حدث، لكن إسرائيل رفضت ذلك لأنها استغلت الحدث للانتقام وسحق غزّة.
هنا تدخل ريك ستيرلنغ، عضو مجلس إدارة منظمة Just World Educational، مشيرًا إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تسعى لإصدار مذكرات اعتقال بحق اثنين من القادة الإسرائيليين وثلاثة من قادة حماس، فما رأي عزام التميمي، وهل يمكن أن يكون الحكم عادلًا؟
أشار التميمي إلى أن حماس ردّت بأن هذا بالطبع غير عادل، لأنه يساوي بين المعتدي والضحية، ولكن ليس من المستغرب أن يضيف المدّعي العام أسماء قادة حماس إلى الطلب، لجعله أكثر قبولًا لدى ما يسمّى بالمجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، وبالطبع لم تقبل الولايات المتحدة أو إسرائيل هذا القرار على أي حال، وربما كان الأمر رمزيًا أكثر منه عمليًا.
كيف يقيّم التميمي آثار السابع من أكتوبر؟
أجاب قائلًا إن السابع من أكتوبر كان له تأثير كبير على نظرة العالم إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي لطالما تم تصويره على أنه صراع ديني أو طائفي، أو مجرد صراع على الأرض، أو صراع ناتج عن معاداة العرب أو المسلمين للسامية أو ما شابه ذلك، والآن، يذهب الشباب، وخاصةً طلاب الجامعات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم، إلى المكتبات ليبحثوا على الإنترنت عن المعلومات ويكتشفوا أن هذا في الواقع مشروع استعماري غربي آخر، وأن الفلسطينيين كانوا ضحايا طوال الوقت، ليس هذا فحسب، بل إنه يعتقد أن التضامن الدولي مع غزة يتحول شيئًا فشيئًا إلى ثورة ضد النظام العالمي الراهن، والذي أثبت قادته في واشنطن ولندن وباريس وبرلين، وأماكن أخرى في الغرب، أن كل ادّعاءاتهم عن الديمقراطية وحقوق الإنسان قائمة على النفاق وازدواجية المعايير.
لا بدّ لي هنا من أن أتساءل عمّا إذا كان نفاق هذا النظام العالمي لم ينكشف مرارًا وتكرارًا، وأكثر ما يتجلى في الذاكرة الحديثة هو حرب العراق، التي احتج عليها 20 مليون شخص حول العالم، لكنهم فشلوا في إيقافها، ومع ذلك آمل أن يكون التميمي محقًا في اعتبار أن ما يحدث في غزة اليوم – أوّل إبادة جماعية على الهواء مباشرة – سيكون نقطة تحوّل لتغيير معادلة هذا الصراع.
(*) آن غاريسون: صحافيّة مستقلّة تُساهم في صحف سان فرانسيسكو باي فيو وغلوبال ريسيرش وذا بلاك أجندا ريبورت وبلاك ستار نيوز، وتنتج برامج إذاعية لصالح KPFA- بيركلي وWBAI- نيويورك. حصلت في عام 2014 على جائزة "فيكتوار إنغابيري أوموهوزا" للديمقراطية والسلام من الشبكة النسائية الدولية للديمقراطية والسلام عن تقاريرها عن الصراع في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية.