كان الانتقام حاضرًا بقوة في قصص وروايات الأدباء، كما شكّل الانتقام إحدى سمات الفن المسرحي والسينمائي على مرّ الأوقات، الأمر الذي ظهر بقوة في أشهر مسرحيات شكسبير. فكيف تعامل الأدباء مع مسألة الانتقام في رواياتهم وقصصهم، وما هي الدوافع التي حركت حاجة أبطال الأفلام السينمائية والروايات الأدبية إلى الانتقام؟
دوافع الانتقام
تنوعت نوازع الانتقام في الأعمال الأدبية تنوعًا كبيرًا، إذ رأى مكسيم غوركي في روايته "حياة كليم سياغين" (1928): "أنّ المرء ينتقم من المجتمع لنفسه بسبب عيبٍ خلقيٍّ، مثل وجود عيبٍ خُلقي كثآليل على العنق، أو قد يحاول المرء الانتقام لنفسه لأنّه يعرف أنّه إنسانٌ غبيّ، وهو أمرٌ شائع جدًا".
في رواية "الانتقام الثالث" لروبرت بوتيفار (2020)، يرى الكاتب جان كلود مورليف أنّ الانتقام قد يكون بسبب طفولةٍ بائسة عاشها المنتقم: "لم ينس روبرت بوتيفار طفولته البائسة، وعندما آن الأوان قرر ماذا سيصبح في المستقبل، اختار أن يكون معلّمًا، لأنّها المهنة الوحيدة التي تسمح له بالانتقام بشكلٍ قانونيٍّ من الأطفال الذي سبق له أن عانى كثيرًا على أيديهم".
قد يكون وراء بعض أنواعٍ من الانتقام تحريض علية القوم الجمهور على الانتقام، الأمر الذي انتبه إليه ألكسندر دوما في روايته "جوزيف بالزامو" (1846) فأوصى بالتالي: "لا تُثر شعور الانتقام لدى الجمهور وأنت توضّح له حقوقه، لأنّه إن بدأ الانتقام يومًا، فستظهر قسوة ستثير فيك الرعب".
الانتقام بسبب الحبّ والخيانة
جاء في كتاب هيرودوت "الحروب اليونانية - الفارسية" عام 524 قبل الميلاد: "من يخطف امرأة فهو نذل، ولكن المنتقم لاختطاف امرأة غبيّ: إذ لا يمكن اختطاف امرأة إن لم تكن هي نفسها ترغب في ذلك".
أما نيتشه فقال في كتابه "هكذا تكلّم زرادشت": "لقد وجدت دائمًا أنّ الأزواج، أو الزوجات، هم أسوأ المنتقمين، لأنّهم لا ينتقمون من شريكهم فقط، بل ينتقمون من العالم بأسره، لأنّهم عاجزون عن المضي قدمًا في حياتهم بمفردهم".
وجاء في رواية "تريستان وإيزولدا" (1900) للكاتب الفرنسي جوزيف بيدييه: "كلمّا كان حبّ المرأة أقوى، كلّما كان انتقامها أكثر بشاعة. حبّ المرأة يولد بسرعة، ولكن الكراهية تتولّد في صدرها بسرعةٍ أكبر. وبمجرد انطلاق شرارة الكراهية في نفسها، فإنّ عداء المرأة يستمر أطول بكثيرٍ من الصداقة، لأنّ المرأة تعرف كيف تسيطر على مشاعر الحبّ، ولكنّها تفقد السيطرة على نفسها عندما تكره".
وقال الكاتب البرازيلي خورخي أمادو على لسان أبطال روايته "دونا فلور وزوجاها الاثنان" (1966): "هذا الأحمق ليس مناسبًا ليكون زوجًا حتى، فهو عاطفيّ وسينتقم من الخيانة بالطريقة القديمة: باستخدام سكينٍ، أو مسدّس".
يدفع الحبّ اليائس صاحبه إلى الانتقام من محبوبه، كما في رواية بوليسلاف بروس "الدمية" (1889): "حاول في يومٍ من الأيام أن يتودد إليها، ولكنه جوبه بالرفض. عندها بدأ ينتقم. كانت تعلم أنه يدعوها بالفتاة العجوز التي ستتزوج خادمها. وكان هذا كافيًا لتكرهه طيلة حياتها".
طرق الانتقام ومعاناة ما بعد الانتقام
لم يكتفِ الأدب والفن بالحديث عن أسباب ودوافع الانتقام، بل وتطرق أيضًا إلى الأساليب التي يلجأ إليها المنتقمون، واستفاض في الحديث عن العذابات التي تلاحق المنتقم بعد تنفيذه الانتقام...
يقول الروسي نيقولاي غوغول في قصته "الانتقام الرهيب" (1832): "ليس من عذابٍ أقسى من العذاب الذي يعانيه من يسعى إلى الانتقام، ولا يستطيع ذلك".
قد يمتنع الإنسان الموتور من الانتقام، إن رأى أن الثمن الذي سيدفعه سيكون باهظًا، كما في رواية الأميركي جاك لندن "قلوب الثلاثة" (1918): "أقسمت على الانتقام حتى آخر العمر من أولئك الذين قاموا بتخريب السجن! نعم، ولكن ليس إن كان عليّ أن أدفع 500 دولار".
في روايته "نهر توبول" (2018)، يقول الكاتب الروسي ألكسي إيفانوف إنّه يمكن فهم عدالة الانتقام عندما يكون بقدر الذنب، وليس أضعافًا مضاعفة: "عندما يريدون تنفيذ انتقامٍ ظالم، يستذكرون بإصرار مقولة: "العين بالعين". ولكن الكتاب المقدّس لا يقول بضرورة الانتقام، بل يقول بأنّه مقابل العين يكون القصاص باقتلاع عينٍ واحدة للعدو، وليس كلتيهما. ومقابل سنٍّ واحدة تُنتزع سنُّ واحدة، وليس كلّ أسنان الفكّ".
وجاء في الجزء الأول من فيلم المخرج تارانتينو Kill Bill (2003): "طريق الانتقام لا يكون مستقيمًا أبدًا. إنّه كالغابة التي يمكن أن تضلّ الطريق فيها بسهولة، ففي الغابة تضيع بسهولة كما جئت إليها. من حالفهم الحظ منكم ونجا، فليسارع بالهرب. ولكن لا تحملوا معكم تلك الأرجل التي قطعتموها".
الحيلولة دون الانتقام
ينصح الإيطالي مكيافيللي الحكام في كتابه "الأمير" (1532) قائلًا: "يجب ملاطفة الناس، أو إبادتهم، لأنّهم ينتقمون لكلّ إهانة، أو إساءة بسيطة، ولكنّهم لا يستطيعون الانتقام من الإساءات البليغة... ولذلك، فإنّ الإهانات التي توجّه لأحدٍ ما يجب أن تكون بحيث لا تخشى انتقامه".
ويشاطر الكاتب جون غالوورثي/ John Galworthy مكيافيللي الرأي، فيقول في رواية "The Forsyte Saga/ ملحمة فورسايت" (1906): "يجب إخضاع المغلوبين، وإلا فإنّهم سيسعون إلى الانتقام".
من جانبه، يقدّم الكاتب الأميركي جورج مارتين نصائح في التعامل مع عدوٍ جريح، فيقول في روايته "الرقص مع التنين"/ A Dance with Dragons (2011): "أجهز على العدو الجريح، فالأموات لا ينتقمون".
عبثية الانتقام
يبدي الكونت دي مونتي كريستو في رواية ألكسندر دوما (1846) ندمًا عظيمًا بعد الانتقام، فيصرخ متألمًا "لماذا لم أنتزع قلبي من صدري في اليوم الذي قررت فيه الانتقام"؟
وجاء في الرواية البوليسية "ليس من الحكمة إيذاء القطط"، للكاتبة إيلينا ميخالكوفا عام 2019: كان من السهل على الكونت مونتي كريستو الانتقام، فأعداؤه نبلاء أثرياء وأقوياء، وأصحاب سلطة ونفوذ. ولكنّ هذا الكونت البائس ماذا سيفعل لو كان أعداؤه مرضى طريحي الفراش، فقراء معدمين، منسيين من الجميع؟
في رواية "موبي ديك"، أو "الحوت الأبيض"، للروائي هيرمان ميلفيل، (1851)، يهتف ستاربيك: "إنّ الانتقام من هذا المخلوق انحطاط وعملٌ بلا ضمير، فهو ألحق بك الأذيّة بغريزته العمياء! هو الجنون بعينه. أيّها القبطان، جلّ ما أخشاه أن تكون الضغينة تجاه مخلوقٍ أخرق ـ ضربٌ من التجديف والكفر".
قال ج. تولكين في رواية "سيّد الخواتم، عودة الملك"، (1955): "لا يجب الانتقام، فهو يزيد الشرّ في العالم وحسب". أمّا فيلم "ليون" للمخرج لوك بيسون عام 1998، فعبّر عن عبثية الانتقام بالقول: "يبقى الانتقام جيدًا طالما لم ينفّذ".
وفي كتاب أنطوان دي سانت إكزوبيري "الأمير الصغير" (1938)، ورد: "منطقيًا، يمكن إثبات أيّ شيءٍ، فيكون محقًّا حتى ذاك الذي يرى أنّ البشر الحُدْب هم مصدر جميع مصائب البشر. ويكفي إعلان الحرب على كلّ أحدب لتندلع على الفور شرارة الحقد عليهم، ويبدأ الانتقام منهم عن كلّ الجرائم التي ارتكبها بقية الناس. بالطبع هنالك مجرمون بين الحُدب أيضًا".
في واحدةٍ من مقالاته تحت عنوان "حيوانات بائسة"، كتب مارك توين عام 1897: "الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتذكّر الإساءات والإهانات التي تعرّض لها، والوحيد الذي يكبت غضبه بانتظار اللحظة المناسبة للانتقام. أمّا الحيوانات العليا فلا تعرف الانتقام".
عواقب الانتقام
"انتقامًا لأقراص الشهد،
انقضّت النحلة على جبين الدبّ،
فكان أن فقدت إبرتها".
من أبيات شعرٍ نسبت إلى ألكسندر بوشكين وصديقه ألكسي وولف (1827).
في رواية هنري هاكارد "كليوباترا" (1889)، جاء ما يلي: "الانتقام خطرٌ، لأنّ سهامه التي تُطلق على الجاني، قد ترتدّ لتصيب الرامي نفسه".
وتقول كريستينا ستارك في روايتها "آسبيد" (2020): "تأثير الثأر أقوى من المخدرات، وكالمخدرات لم يحمل الثأر السعادة لأحد".
وتؤكّد غيل فاي، في روايتها "دولةٌ صغيرة" (2016): "إذا انتقمنا لكلّ شيء ولكلّ الناس، فلن تكون للحرب نهاية أبدًا".
عن الصَفْح
يقول ماريو بوزو كاتب رواية "العرَّاب" (1969): "لم يغضب دون كوريلوني، فقد أدرك منذ زمنٍ بعيد أنّ المجتمع يسيء كثيرًا للأفراد، الذين يكون عليهم الصبر والتحمّل، لأنّه في هذا العالم قد يكون في قدور أفقر الفقراء أن يفتح عينيه وينتقم من أقوى الأقوياء".
وفي رواية "آنّا كارنينا" للكاتب الروسي ليف تولستوي (1878)، يقول الزوج المخدوع: "عزمت على الطلاق، وحتى أنني بدأت الإجراءات. لا أُخفيكم سرًّا أنني عندما بدأت الأمر، كنت مترددًا، وكنت أتعذّب. وأعترف أنّ الرغبة في الانتقام منك ومنها كانت تلاحقني. عندما استلمت البرقية، جئت هنا والمشاعر نفسها تسيطر على كياني، وأزيد: تمنيت موتها.... ولكنني عندما رأيتها غفرت لها كلّ شيء".
وأخيرًا، يلخص ألكسندر دوما في الرواية المنسوبة إليه "اثنتان من ديانا"/Les Deux Diane (1847) أفضلية الصفح والتخلي عن الانتقام: "أحيانًا يندم المنتقم على أفعاله، أمّا من يسامح ويصفح، فإنّه لا يندم أبدًا".