}

لا بديل عن قطع الإمدادات الاقتصادية والأسلحة عن إسرائيل

كارمن رويث برافو 25 أبريل 2024
ترجمات لا بديل عن قطع الإمدادات الاقتصادية والأسلحة عن إسرائيل
(كارمن رويث برافو)
ترجمة: ميسون شقير


[هنا ترجمة لمقال الدكتورة كارمن رويث برافو، أستاذة الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد المستقلة، والمنشور في صحيفة "لابانغوارديا" الإسبانية حول الحرب على غزة والذي يحتوي على تحليل لما يجري وموقف الحكومة الإسبانية والموقف العالمي] 

بعد عقود من عمل الأمم المتحدة، فإن ما يعرفه المتخصصون بالفعل، وما يعرفه الفلسطينيون جيدًا من خلال تجربتهم الخاصة، أصبح أخيرًا معروفًا ومكشوفًا في جميع أنحاء العالم. فالجميع أصبحوا يدركون أن الدولة المسماة "دولة إسرائيل"، ومنذ محاولات إنشائها في نهاية القرن التاسع عشر كمشروع للقضاء على السكان المحليين غير اليهود، تمثل بالتالي مشروعًا عنيفًا وعدوانيًا في جوهره، وتمييزًا عرقيًا جذريًا واضحًا.

إن ما يفكر فيه العالم حاليًا هو كيفية الوقف الفوري للأعمال الإجرامية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي والمتعاونون معه من الجيوش الأخرى، وذلك من أجل محاولة إنقاذ السكان الفلسطينيين المتبقين وإنشاء علاقات ديمقراطية في المنطقة، حيث يتعلق الأمر، في المقام الأول، بإنقاذ الفلسطينيين من الإبادة الجماعية، ومن الموت الفوري، ويتعلق أيضًا بتخفيف الضرر الذي لا يمكن إصلاحه والذي تسببه إسرائيل الآن في المنطقة وفي المجتمع الدولي بأكمله، والذي سيترك عواقب وخيمة للغاية على مدى فترة طويلة.

وعلى الرغم من أن اللجوء إلى الأمم المتحدة ضد العدوان الإسرائيلي قد أثبت مرة أخرى عدم فعاليته، كما كان دائما، إلا إنه هذه المرة يعد فشلًا ذريعًا في تحقيق الحد الأدنى من البقاء على قيد الحياة، في ظل ظروف الكارثة الرهيبة التي انفجرت مجددًا، بعد عقود كارثة النكبة التي تسببت فيها دولة اسرائيل، العضو في الأمم المتحدة، عمدًا. لقد أدى اندلاع أعمال العنف هذه المرة إلى إنتاج حالة من الذهول، ثم الخوف، ثم الإدانة الأخلاقية والسياسية، ثم ردود الفعل في كل مكان حيث أحدث ما يشابه ما أحدثته "القنبلة الذرية"، حيث كانت ولا تزال هناك محاولات لتبرير ذلك العمل المدمر ضد الإنسانية من خلال حسابات خادعة واستراتيجية أسكتت ضمير الشعوب المنتصرة في الحرب. فيا له من بديل رهيب ومن تناوب للنار ولغرف الغاز وللغازات النووية!

إن الشيء الوحيد الذي يبعث بعض الأمل هو بعض الاستجابة أو المبادرات التي حدثت هذه المرة، حيث نلاحظ أنه في بداية عام 2024، تشكّل بعض التآزر الدولي لدى عدد كبير من الشعوب وبعض القوى الدولية، ولعب دورًا رائدًا، خاصة تلك الحركة الدولية الجديدة نحو السلام التي تقودها الدول التي ترفض، الواحدة تلو الأخرى، تجارة الأسلحة مع إسرائيل، وبشكل عام، التجارة مع الدولة الصهيونية العنيفة. ولا ترغب هذه الديناميكية الجديدة في الحلول محل الأمم المتحدة، بل في تحويلها وجعلها فعالة. إلا أن تحول وتحسين الأمم المتحدة سيستغرق وقتًا طويلًا، وليس هناك وقت كهذا، لأنه من الملح إنقاذ الشعب الفلسطيني الذي يموت تحت الحصار والقصف.

وعلى الرغم من أنه قد ضاع الكثير من الوقت، إلا أن العالم أجمع قد أدرك بعد فوات الأوان، السلوك المنحرف لدولة إسرائيل الجديدة التي وعدت بـ"التصرف بشكل جيد" والاستماع إلى الأمم المتحدة.

لقد تم تصميم إسرائيل في البداية في الأمم المتحدة "الأولى والمخفضة" في عام 1947، بالأغلبية، وبحدود وشروط معينة، ثم "أعلنها" القادة الصهاينة، من جانب واحد في عام 1948، ضد إرادة السكان الفلسطينيين ودون الانصياع لقرارات الأمم المتحدة، وبعد ذلك تم قبولها (بالأغلبية) من قبل مجلس الأمن كعضو في الأمم المتحدة في 11 أيار/ مايو 1949، ولكن بعد محاولتين فاشلتين. ثم قال مجلس الأمن إن "إسرائيل دولة محبة للسلام، تقبل الالتزامات الواردة في ميثاق (الأمم المتحدة)، وهي قادرة وراغبة في الامتثال لتلك الالتزامات". ولكن في ذلك الوقت، من بين الدول الخمسين التي كانت جزءًا من المنظمة، كانت هناك تناقضات ومعارضة كبيرة لانضمامها، لأنه ثبت أن إسرائيل لم تكن محبة للسلام، وأن إثارة الصراعات لا يمكن فصلها عما تقوم به الآن، فلقد كانت رسائل أهل غزة للمحاصرين والمقتولين تحت التعذيب والمعاناة واليأس منذ أشهر، هي التي جعلتنا نعرف ونبدأ في الشعور بشكل جماعي بما كانت عليه إسرائيل لسنوات وعقود ماضية، فلقد لفتت صور الفلسطينيين في غزة انتباه العالم أجمع إلى الرعب الذي يعيشه الفلسطينيون، أولًا على أيدي الجماعات العسكرية الصهيونية الإرهابية، ثم على أيدي القوات العسكرية الرسمية، المدرّبة على تنفيذ أعمال المحرقة المتعاقبة، مع جميع أنواع الأسلحة. حيث أصبح القول بأن المحتل الإسرائيلي يقوم منذ أكثر من 80 عامًا بهجوم كبير يتزايد وينتشر، وعلى عدة مراحل، وبمختلف الوسائل والأسلحة، وعلى ضوء الكاميرات، يوما بعد يوم، ضد السكان الفلسطينيين بكافة قواهم، هو قول قريب جدًا من الحقيقة.

عام 2018، أعلن دانيال بارنبويم أنه يخجل من كونه إسرائيليًا، وفتح عينيه على الحقيقة...


أصبح الرعب الناتج عن اعتداءات إسرائيل وجرائمها غير المحدودة معروفًا الآن، في حين تم الكشف عن تفاصيل المحنة التي تعرّض لها الفلسطينيون على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية من القمع والإبادة الهيكلية. والآن بدأ تاريخ المقاومة الفلسطينية يصبح معروفًا لدى الجميع، والذي يتجاوز العمليات العسكرية والفدائية في الزمان والأبعاد والاتجاهات، إلى مقاومة مدنية كبرى. تقول الصحافية والكاتبة تيريزا أرانغورين إن أحد الأسلحة الرئيسية للمؤسسة الصهيونية هو قدرتها التقنية واستعدادها لإخفاء الحقيقة عن العالم طوال هذه الفترة. وهذا ما فعلته تلك المؤسسة من خلال جميع الموارد المتاحة لها، مثل وسائل الإعلام والتحليل الأكاديمي الاستراتيجي والسينما والإبداع الأدبي والإعلان، ولا ننسى شراء الوصايات والتواطؤات.

إن هذا الوضع متراكم منذ عقود. وربما لم يكن بعض المدنيين الذين ذهبوا إلى أرض فلسطين على علم بكل بما يجري التحضير له هناك، وكانوا قد افتقروا كثيرًا إلى المعلومات، واستغرقوا وقتًا "للاستيقاظ على الواقع". هذه هي حال الصبي الأرجنتيني دانيال، الذي كان يبلغ من العمر ست سنوات في عام 1948، وكان يحب الموسيقى بالفعل. عندما كان في العاشرة من عمره، انتقل هو ووالداه من القارة الأميركية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. أصبح الصبي دانيال الآن رجلًا مشهورًا، فهو عازف البيانو وقائد الأوركسترا المعروف دانيال بارنبويم، كما أنه يحمل أيضًا ما لا يقل عن ثلاث جنسيات - الأرجنتينية والإسرائيلية والإسبانية. ومع مرور الوقت، أدرك دانيال أن جزءًا كبيرًا من الأولاد والبنات الفلسطينيين الذين التقى بهم عند وصوله إلى فلسطين، كان قد تم طردهم من أراضيهم، ومنعوا من العودة، كما كانت قد تمت مصادرة ممتلكاتهم من دون تعويض، وحرموا من جنسيتهم. وبطريقته الخاصة وبإجراءاته الفردية، حاول دانيال إصلاح الضرر قدر الإمكان، وقد فعل ذلك داخل تلك الدولة، باحثًا عن وسائل للتقارب الثقافي بين المواطنين الإسرائيليين، اليهود وغير اليهود على حد سواء (العرب، الفلسطينيون، الذين يمثلون الأغلبية الساحقة). ويتذكر الجميع أن إدوارد سعيد، الفلسطيني المولود في فلسطين، والأميركي، شارك أيضًا في هذه المهمة. لكن في عام 2018، أعلن دانيال بارنبويم أنه يخجل من كونه إسرائيليًا، وفتح عينيه على الحقيقة التي أظهرها له التشريع الجديد في ذلك العام (في إشارة إلى "قانون القومية الإسرائيلي" الذي يُعرّف إسرائيل [انها دولة قومية للشعب اليهودي- المترجمة).

لقد استغرق دانيال وقتًا طويلًا للاعتراف بالواقع العنيف الأصيل للمشروع الصهيوني. وكأنه لا يريد أن يصدق ما يحدث. وفي عام 2004 أيضًا، ذكّر بارنبويم، في مناسبة عامة ذات صلة، في مقر البرلمان الإسرائيلي، السلطات الإسرائيلية بأن تلك الدولة قد التزمت، في إعلانها التأسيسي لـ"الاستقلال"، باتباع مبادئ منظمة الأمم المتحدة. وقد قال ذلك بسذاجة، كما لو أنه لم يعلم بعد أنه في عام 1948 كانت هناك بالفعل رحلة طويلة من سوء المعاملة والعدوان والسلب ضد السكان الفلسطينيين، والتي تزايدت بعد ذلك.

ومثله هناك مئات الآلاف من الأشخاص الذين بدأوا الآن يفهمون عملية الاحتيال الكبرى والخداع الكبير، مع العديد من الذين تحولوا إلى المشاركين في جريمة دولية جماعية كبرى، ترتكبها البشرية جمعاء في العصر الحديث. ومثله، قام العديد من الأفراد والجماعات والمؤسسات بمحاولات، على نطاقهم الخاص، لإعادة توجيه الوضع. ولكننا نعلم جميعًا أن الأمر يتطلب اتخاذ تدابير هيكلية واسعة النطاق، وأن الإجراء الوحيد الذي كان له أي تأثير إيجابي في اتجاه السلام والعدالة كان قطع الإمدادات الاقتصادية وإمدادات الأسلحة عن إسرائيل.

ولأنه ليس من السهل إيقاف السياسيين والعسكريين الإسرائيليين - وكذلك وسائل الإعلام التعليمية والإعلامية - الذين ينتهكون لوائح الأمم المتحدة لفترة طويلة ويتجاهلون، ليس فقط ادعاءاتهم المضادة، ولكن أيضًا إداناتهم، قال خيسوس نونيث، الخبير العسكري، إن إسرائيل حاليًا تشبه طفلًا مدللًا ومتقلبًا، نشأ من دون ضابط أو رابط، وهو في الخامسة والسبعين من عمره، لا يعير أي اهتمام لأي شيء أو أي شخص، ويكسر كل القواعد لأن كل شيء مباح له، ولن يتمكن من كبح جماحه إلا التقارب بين دول العالم.

في هذا المجال، وبالنظر إلى القرارات التي تم اتخاذها في تشيلي، نتذكر أنه من جانب الحكومة الإسبانية، تم أخيرا اتخاذ القرار الصحيح والمسؤول بقطع علاقة تجارة الأسلحة مع إسرائيل. كما تمت الدعوة إلى الاعتراف الكامل بدولة فلسطين، أي أنه تمت الدعوة إلى النهاية الضرورية للفصل العنصري في إسرائيل. وإذا استمر الفصل العنصري في إسرائيل، فإن دولة فلسطين المذكورة أعلاه ستتم محاصرتها وإبادتها.

في عام 2003، قال المستعرب البروفيسور بيدرو مارتينيث مونتابيث إنه ربما يتم بناء دولة فلسطين، لكن ذلك سيتم على خلفية الدمار والخراب وموت الآلاف من الفلسطينيين. فيما أنه إذا تم إنشاء تلك الدولة الفلسطينية، التي اقترحتها الأمم المتحدة في عام 1947، فسوف يتعين عليها أن تعتمد على دعم أولئك الذين كانوا حتى الآن ضعفاء وغير حاسمين للغاية في القيام بذلك لسنوات عدة. ومن شأن فلسطين، باعتبارها دولة معترف بها ومدعومة بالكامل، أن تعرب عن مستقبل جماعي أفضل للبشرية. ويجب أن تتدخل العديد من الدول والشعوب في هذا الأمر، من أجل الصالح العام، ووأن تكون راغبة ومصممة على إعادة تركيز قواتها العسكرية وأسلحتها وعملها الاقتصادي والثقافي، وتعزيز علاقاتها المتبادلة واستقلالها وقدرتها على التأثير الدولي.

 

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.