}

"حياة الزوجات": الكتب التي لن تنقذنا

إيرين سومرز 10 مايو 2024
ترجمات "حياة الزوجات": الكتب التي لن تنقذنا
إيرين سومرز
ترجمة: سارة حبيب
يعِد هذا الجنس الأدبي الفرعي بأن يعمل خيرًا من خلال تسليط الضوء على نساء كنّ في الظل لزمن طويل. فهل الأمر حقًا بتلك البساطة؟

"المشكلة في كونكِ زوجة هي كونك زوجة"، تكتب كارميلا تشورارو في كتاب "حياة الزوجات"، كتابُها الأخير الذي يدور حول خمس زيجات أدبية. وتتابع كارميلا قائلةً بأن هذا الدور كان تاريخيًا غير جذاب، ويتطلب من النساء أن يلعبن دور "عبدة، طباخة، مدبرة منزل، ومربية أطفال"، بالإضافة إلى تحملهن نوع الصراعات المتوَّقع عندما يكون الشريك شخصًا مهووسًا بحب الذات صادف أن يكون فنانًا موهوبًا. تركّز فصول الكتاب الخمسة على زيجات: إليزابيث جين هاورد، وكينغسلي أميس؛ باتريشيا نيل، وروالد دال؛ إلين دندي، وكينيث تَينان، من بين آخرين، مسهبةً في مسائل الغيرة الذكورية، التفاوت الأُسري، الاستهزاء، والأوقات الجيدة العرضية.
الأمر برمّته "قاتمٌ بعض الشيء"، على حد تعبير تشورارو.
يسجّل الزواج انخفاضًا في الولايات المتحدة ــ تُظهر البحوث أن ربع جيل الألفية لم يتزوج قط ــ لكن الكتب التي تتناول الزوجات تبقى رائجة للغاية، لدرجة أنها أصبحت من كليشيهات المكتبات. تُظهر أغلفة تلك الكتب غالبًا نساء بلا وجوه، نساء بلا رؤوس، نساء صوِّرن من الخلف. "من هي؟"؛ يبدو أن تلك الكتب تريدك أن تطرح هذا السؤال، ربما بالإضافة إلى تطعيم عقليّ تضع/ تضعين فيه رأسك ذاته على الصور. فما الذي نفهمه من هذا الجنس الأدبي الذي يضع النساء في المركز مع تأكيده على خضوعهن الأُسري للرجال؟ ما الفائدة من هذه الكتب، ولماذا نستمرّ في صنعها؟
تحتوي هذه الكتب على كلّ من التخييل واللاتخييل (أو الواقعي)، وهي تُروى بكل المستويات اللغوية: أكاديمي، أدبي، تجاري، قصة رومانسية، فانتازيا، مذكرات، سيرة تقديسية. بعض هذه الكتب عظيم، وبعضها ممل. بعضها هراء لا يصلح للقراءة.
من المُدخلات الجديدة إلى هذا الجنس الأدبي، بالإضافة إلى "حياة الزوجات"، كتاب ساندرا نيومان "جوليا"، وهو إعادة سرد لرواية جورج أورويل "1984"، من منظور حبيبة وينستون سميث (أحيانًا تكون الزوجات عمليًا صديقاتٍ حميمات)؛ كتاب آنا فاندر "الزوجة" الذي يتحدث عن زوجة أورويل، إيلين بلير؛ كتاب مارك برودي "كيكي مان راي"، وهو عن صديقة مان راي الحميمة لزمن طويل كيكي دي مونبارناس؛ وكتاب مادلين ميلر "كيركي"، الذي حقق مبيعات هائلة، ويتحدث عن الساحرة كيركي التي تغوي أوديسيوس، وتبقيه على جزيرتها لمدة عام، ثم في آخر الأمر تحمل بابنه.
ليس هذا الترند جديدًا. فكتاب ستيسي شيف "فيرا"، الذي يتحدث عن فيرا نابوكوف التي شكّلت نموذجًا أوليًّا، ربح جائزة بوليتزر عام 2000. كذلك، ظهرت مُدخلات رائجة كل بضعة سنوات: كتاب كورتيس سيتنفيلد "زوجة أميركية" (2008)، المستوحى من لورا بوش؛ كتاب تي. سي. بويل "النساء" (2009) عن النساء في حياة فرانك لويد رايت؛ كتاب باولا ماكلاين "الزوجة الباريسية" (2011) عن زوجة إرنست همنغواي الأولى، هادلي ريتشاردسون؛ كتاب تيريز آن فاولر Z (2013) عن زيلدا فيتزجيرالد، وغيرها وغيرها. كذلك، يعود تاريخ نشر كتاب فرانسواز جيلوت "الحياة مع بيكاسو" إلى عام 1989. في هذه الكتب، الخلفيات تتغير، الحقب الزمنية تتغير، لكن حتى مع تطور النسوية في أعقاب حملة "# مي تو"، بقي الشكل في أغلب الأحيان ثابتًا. ورغم أن نوعية هذه الكتب تتباين بحسب المؤلف، فإن المحتوى ــ إخبار القصة "الحقيقية" من وجهة نظر المرأة ــ لا تتغير أبدًا. وتبقى فيها فكرة واحدة قائمة: الرجال العظماء نادرًا ما يكونون أشخاصًا جيدين.




إذا كان عليّ أن أخمّن سبب شعبية تلك الكتب المستمرة في السوق، فسيكون تخميني أن القرّاء يحبون إعادة سرد القصص المألوفة، بالإضافة إلى حقيقة أن معظم من يشترون الكتب في الولايات المتحدة هم من النساء. لكن ثمة أيضًا عنصر وضع الأمور في نصابها. في مقابلة عام 2011، قالت ماكلاين إن كتابها أعطى هادلي ريتشاردسون "فرصة لتخطو إلى الضوء قليلًا، لتخرج من هوامش التاريخ الأدبي"؛ كما أشارت سيتنفيلد إلى التصور الشعبي الخاطئ عن لورا بوش بوصفها "قاسية، متزمتة، ومصطنعة إلى حد كبير". بالتالي، يبدو أن الفكرة هنا هي أننا إذا استعدنا قصص النساء اللاتي دعمن رجالهن ــ وفي كثير من الأحيان تخلين عن فنّهن لفعل ذلك ــ فسوف نعيد التوازن إلى كفتي الميزان. (أيها النسوية: لقد فعلناها).

جورج أورويل 

لنأخذ كتاب "الزوجة" على سبيل المثال، وهو تسجيل لزواج أورويل الذي بدأ عام 1936، قبل أن يكون قد كتب أيًّا من كتبه الرئيسية، وانتهى عام 1945 بوفاة إيلين المأساوي أثناء خضوعها لما كان يُفترض أنه استئصال رحم روتيني. تكتب فاندر في المقدمة أن ما ألهمها لتأليف الكتاب كان عثورها بالصدفة على ملاحظة كتبها أورويل نحو نهاية حياته:
"ثمة حقيقتان هامتان في شأن النساء... حقيقتان لا يمكن أن تعرفهما إلا بالزواج، وهما تناقضان تمامًا صورة النساء عن أنفسهن التي تمكنّ من فرضها على العالم. إحداهما هي قذارتهن وانعدام ترتيبهن غير القابلين للإصلاح، والأخرى هي نشاطهن الجنسي الفظيع، المُفترِس...".




تفكر فاندر: "عاش أورويل مع زوجة واحدة فقط. بالتالي، هذه التعليقات تشير إلى إيلين". ومع شعورها بالقرف، تفتش فاندر في السير الذاتية لأورويل (ثمة سبع سير) محاولةً أن تفهم الاقتباس في سياق علاقته مع إيلين. فتكتشف أن إيلين غائبة في أغلب الأحيان من السير الذاتية، أنها محذوفة من اللحظات الرئيسية، أو أنها، عندما تكون حاضرة على الورق، يكون دورها مُقلَّلًا. حتى في كتابة أورويل غير التخييلية، تكون ممحيّة تقريبًا. هكذا، ولد المشروع، كمحاولة للانتقام من إقصاء أورويل للنساء بوصفهن فوضويات وشبقات، ومن أجل إحياء إيلين.
مشكلة إيلين مع كونها زوجة كانت في كونها زوجة. كان أورويل متطلبًا، مسلولًا، خائنًا على نحو مزمن. ورغم أنها متخرجة من جامعة أكسفورد، وسعت يومًا للحصول على درجة ماجستير في علم النفس، تخلّت إيلين عن كل ذلك لتطبخ له، لتهتم بالمنزل في كل من الريف ولندن المبتلاة بالبليتز (حملة القصف الألمانية)، لتربي ابنهما المتبنى، لتحرر وتطبع كتابة أورويل، وتمنح أذنًا صاغية سابرة لأفكاره. مثل أورويل، تطوعت إيلين في الحرب الأهلية الإسبانية، ولعبت دورًا مهمًا في مكتب حزب العمل المستقل المناهض لفرانكو، وأظهرت شجاعة مذهلة.
هذا مؤثرٌ بالتأكيد. لكنْ، في محاولتها لإيفاء إيلين حقها، تبالغ فاندر أحيانًا. فالمصدر الرئيسي لسرديتها ليس إلا ست رسائل مكتشفة حديثًا كتبتها إيلين إلى صديقتها نورا. تحوّل فاندر الكتابة في هذه الرسائل إلى دراما تصل إلى حد العبث تقريبًا، تختلق أقسامًا تروى من منظور شخص ثالث قريب، وبشكل أساسي تضع القارئَ في رأس إيلين. ورغم أن هذا مسلٍّ، فإنه ينحرف مقترِبًا من التلفيق المحض، "أحيانًا ــ ليس هذا، بل هذا بشكل رئيسي ــ لا بدّ أن يكون قد حدث"، تقول بدايةُ فصلٍ يتحدث عن ورطة وشيكة في برشلونة تنقذ إيلين فيها الموقف.
واحدة من مشاكل بثّ الحياة في الشخصيات المهمَّشة هو عدم وجود كثير من المعلومات عنها في أغلب الأحيان. مع هذا، وضع الأمور في نصابها الواقعي هدف مشروع. وحتى إن كان على إيلين أن تكون نصف تخييلية بحكم الضرورة، فإن صورة تقريبية تبقى أفضل من لا صورة على الإطلاق؛ وحتمًا أفضل من تركها مجرد شذرة. لكن ماذا إذًا عن الروايات؟ إذا كان التأثير المنشود هو أن تُظهر هذه الكتب للقراء أن النساء المقصورات على الهوامش لهنّ حيوات داخلية. حسنًا، لمن تتجه تلك الرؤية؟ بالتأكيد ليس القراء أنفسهم، الذين، من ناحية أخرى، وبوصفهم نساء في غالبيتهم، يعرفون هذا سلفًا.



أي خطأ، على سبيل المثال، يصوّبه كتاب ساندرا نيومان "جوليا"؟ كان أورويل كارهًا للنساء بكل تأكيد (باستثناء التعليقات البغيضة، يرسم كتاب فاندر صورة معتدٍ جنسي متسلسل)، لكن الأشياء تتعقد في مجال التخييل. الجزء الذي يُدعى غالبًا متحيزًا جنسيًا في رواية "1984" هو المقطع الذي يتخيل فيه وينستون سميث قتلَ جوليا ("منذ أسبوعين، فكرتُ جديًا في تحطيم رأسكِ بحصاة"، يقول لها). في مقطع آخر، يشير سميث أيضًا قائلًا: "الموالون الأكثر تعصبًا للحزب، مبتلعو الشعارات، الجواسيس الهواة والمتلصصون على الانحراف عن خط الحزب"، غالبًا ما يكنّ نساء. لكن هذه المشاعر لا يمكن أن تُنسَب تمامًا لأورويل ذاته. ومن المفترض أن يرى القارئ أن الحياة تحت سيطرة الفاشية ساعدت على خلق هذا الموقف.
ربما يكون الدافع وراء كتاب نيومان هو ببساطة إظهار أن جوليا ليست رئيسية في رواية أورويل. إنها شخصية مسطحة، لم تتشكّل بشكل نهائي. على أية حال، هذا الكتاب الذي أجيز من قبل ورثة أورويل، رائع ومشوق. والأسئلة التي من قبيل "ما الذي يفعله"، أو في ما إذا كان يصيب فرضيته تتلاشى أمام جودته. في مراجعة للكتاب لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، تطالب الناقدة بأن يُدرَّس في المدارس بدلًا من "1984". لن يصل الأمر إلى ذلك الحد ــ بالرغم من كل عيوبه، نقد أورويل للطغيان ودولة المراقبة لا يزال يعطي بعض المعلومات ــ لكن "جوليا" فعلًا كتاب جيد جدًا. تُظهر لنا نيومان، بابتكار مثير للإعجاب، وحتى بظرافة، كيف تعاني النساء في ظل الاضطهاد معاناة فريدة. ونسختها من القصة جعلتني أتساءل في ما إذا كانت هذه الكتب في حاجة لأن تأخذ زاوية تصحيحية على الإطلاق. أو أن عليها بدلًا عن ذلك أن تسعى لأن تنجح جماليًا فحسب، لا كأهداف أخلاقية، بل كأعمال فنية.
كراهية النساء عند أورويل لم تُصحَّح بكتاب عن زوجته بقدر ما أن الأخطاء الكارهة للنساء عند هوميروس (وضع البطولة الذكرية في المركز؟ طرد الوحش سكيلا بوصفها صاخبة قليلًا؟) لم تُصحَّح بكتاب مادلين ميلر "كيركي". الدافع نبيل، لكن هذه الكتب لا تُجدي كصفقات واحد مقابل واحد. كما أن فكرة تقييم عمل شاعر من القرن الثامن قبل الميلاد تقريبًا بهذه الطريقة هي فكرة مضحكة جدًا.
مشكلة الكتابة عن الزوجات هي الكتابة عن الزوجات. فهذه الكتب تعرِّف شخصياتها الأنثوية من خلال علاقتها بالرجال. وثمة حد لمدى نسوية مشروع يوجد الرجل في محوره.
بناء على هذا، الكتاب الأكثر إثارة للاهتمام الذي قرأتُه حول هذا الموضوع كان كتاب كاثرين ليسي "سيرة حياة X". يتبع الكتاب بنية الميتا (بمعنى أنه عمل واعٍ بكونه تخييلي وفيه كتابة عن الكتابة)، وهو سيرة حياة ترويها زوجة فنانة مشهورة تخييلية. جعلت ليسي كلا الزوجين نساء، مجردَّة بهذا الكتابَ من ديناميكيات الجندر، ومحرّرة نفسها لتقوم باستكشاف أسئلة السلطة، الخضوع، الفن، وقابلية معرفة شخص آخر.
بعض الأجزاء مألوفة. هل الزوجة المشهورة تؤذي الزوجة غير المشهورة، تسيء معاملتها، وتقيّدها بطرق أخرى؟ نعم، تفعل ذلك. لكن الزوجة المقيَّدة تستعيد بعض الفاعلية في النهاية من خلال كتابة سيرة حياة قاطعة للزوجة المشهورة، مسترِدّة بذلك مهنة الصحافة التي تنازلت عنها لأجل زواجها، وواضعة في الحسبان تقييدها ذاته. هكذا، لن يكون على كاتب حسن النية في المستقبل أن يعيد رسمها من شذرة؛ الزوجة سلفًا كتبت قصة تحولها إلى شذرة.
بكونها استشرافية على نحو مُجدِّد، تستجيب "سيرة حياة X" للتغييرات في مجتمعنا، وتخمّن ما ستعنيه تلك التغييرات للحياة الأُسرية، ولمفهوم العبقري الفني. فهذه الأيام، يمكن للزوجات أن يكنّ زوجات لزوجات. وبما أنه في وسعنا إيذاء واحدتنا الأخرى بطرق جديدة، طرق لا علاقة لها بكراهية النساء، فهذا يعني أن ثمة بعض الأمل.

إيرين سومرز: كاتبة وصحافية تنشر في كثير من المواقع، مثل نيويوركر، ذي أتلانتيك، وغيرهما. تحمل درجة ماجستير من جامعة نيو هامبشاير، الولايات المتحدة. صدرت لها رواية واحدة عام 2019 بعنوان "السهر مع هيوغو بيست".

رابط النص الأصلي:
https://www.bustle.com/entertainment/lives-of-the-wives-books-george-orwell

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.