}

المليارديرات هم الخطر الوجودي الحقيقي

ترجمات المليارديرات هم الخطر الوجودي الحقيقي
(إيلون ماسك- Getty -13/4/2024)

ترجمة: سارة حبيب

 

شهدنا دعوات للنظر فيما إذا كان من الأخلاقي السماحُ للمليارديرات بأن يوجدوا. غير أن السؤال الحقيقي هو فيما إذا كان بوسع جنسنا البشري أن ينجو من المليارديرات.

 

الحديث عن نهاية العالم منتشر في كلّ مكان. والتهديدان التوأمان اللذان يمثلهما الانهيار البيئي والذكاء الصناعي (AI) تضخما في أذهان العامة. تبدو النبوءة كئيبة. وكما أشار باراك أوباما ذاته منذ وقت طويل، فإن تعقيد التغيير المناخي يستغل النقطةَ الأضعف في النظام العالمي: عجزه عن تنسيق التخطيط في وجه الأزمة. كذلك، يشكّل الذكاء الصناعي تحديًا مماثلًا: بنيته التحتية الرقمية العالمية الواسعة سلفًا تجعل التنظيمَ مهمة سيزيفيّة على ما يبدو. دعا فلاسفة مثل نيك بوستروم وويليام ماكاسكيل هذه الأنواع من التهديدات "أخطارًا وجودية"؛ مشاكل يمكن أن تؤدي إلى انقراض البشر أو انهيار الحضارة على نحو لا رجعة فيه. وتبدو الكارثة ملموسة أكثر من أي وقت منذ الحرب الباردة.

لكنْ، من الصعب فصل هذه الثقافة الجديدة الدومرية (أي التشاؤمية المؤمنة بأن هذه المشاكل ستؤدي حتمًا لانقراض البشرية) عن الخطر الحقيقي الذي يشكّله حدث آخر على مستوى الانقراض. فبين تقنيات الذكاء الصناعي الحالية وسيناريو انقراض على طريقة سكاي نت ثمة رواية خيال علمي كاملة، أو حتى ربما سلسلة من الروايات. المخاوف من "الذكاء الخارق" أو "فاعلية الآلة" ليست واقعية حاليًا إلا قليلًا. لكن هذا لا يعني أن ما "نفعله" باستخدام الذكاء الصناعي ليس محفوفًا بالمخاطر. إن توصيل خوارزمياتنا بالشؤون المالية، السياسة العامة، وتوزيع السلع حول الأرض المرتبطة بالشبكة يسهم بشكل مباشر في الحرارة المتزايدة التي تشكّل أساس الأزمة البيئية، بالإضافة إلى خلق انعدامِ توازن محتمل في المستوى الأدنى من تسلسل ماسلو الهرمي.

لنأخذ مثلًا شركة "سبايس إكس" (Space X) التي تتحكم بأكثر من نصف الأقمار الصناعية في المدار المنخفض حول كوكبنا. عمليًا، تسبّبت حكومة الولايات المتحدة بجعل الاستراتيجية العسكرية في أوكرانيا - التي تعتمد على خدمة إنترنت الشركة في الاتصالات والعمليات الحاسمة زمن الحرب-  موجَّهةً إلى حد كبير بأهواء رئيس تنفيذي متقلب المزاج.

لا بدّ لعمليات الغوص العميق الأخيرة في الحياة الشخصية والمهنية لإيلون ماسك أن تتركنا في حيرة إزاء مثل ذلك التركّز غير المسبوق للسلطة في يديّ شخص عادي. لكنْ، بقدر ما كانت التغطية الأخيرة حول عملاقِ تسلا صادمة، فإن هذه التقارير الحياتية التي تتبع أسلوب الفضائح اقترفت غالبًا خطأ جسيمًا. فبالتركيز على جنون عظمة ماسك الفتّاك - على وجه الخصوص رغبته بأن يلعب دور باتمان، مستخدمًا شركاته لكي "يبتكر" حلولًا للنزاعات والتهديدات التي تواجهها البشرية اليوم-  أغفلت وسائل الإعلام عمومًا أن مليارديرات شركات التكنولوجيا الكبرى (البيك تيك) مثل ماسك يضخّمون الأخطارَ ذاتها التي يسعون ظاهريًا إلى الحدّ منها. المليارديرات هم الخطر الوجودي. ومعالجة الكارثة المناخية ورعب الذكاء الصناعي يتطلبان إزالة فئة "ملياردير" برمّتها.

نسمع في كثير من الأحيان أن الذكاء الصناعي والعملات الرقمية يستخدمان كميات هائلة من الكهرباء، وبالتالي يسهمان في الاحتباس الحراري. ونسمع أيضًا أن المناخ أكثر تعقيدًا من أن يُفهَم بالبداهة، ولذلك يجب أن نعتمد على البيانات؛ غير أن اعتمادنا على القنوات الرقمية يزيد من خطر المعلومات الخاطئة التي يسبّبها الذكاء الصناعي. لقد فشلت الأصوات المتشكّكة في كلا الجانبين في معالجة مستوى المشكلة الذي يربط حقًا بين المجالين: الرأسمالية.

إن البنى التحتية الرقمية الجديدة والأزمة المناخية مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا. فكلاهما طفلتان غير شرعيتين لليبرالية جديدة على مستوى الكوكب؛ منطق اقتصادي مسرطَن يهدد الآن بأن يلتهم قاعدة موارده الطبيعية. يركّز انتقاد الذكاء الصناعي عادة إما على تحيزه وضرره المحتمل أو على إفقاره العالمي لليد العاملة وممارسات التعدين الاستخراجية. لكنّ شكل الرأسمالية الذي نعيش فيه حاليًا نادرًا ما يُذكَر، أو يعتبر عادة من المسلمات. في دورها، النزعة البيئية الراديكالية أفسحت المجال لرأسمالية خضراء وللمليارديرات الذين من الممكن أن يستفيدوا منها. وليست مصادفة أن أساليب النقد البرجوازية هذه تركّز على التكنولوجيا وتُغفل رأس المال؛ الفيل في الغرفة (المشكلة الرئيسية الجلية والمُتَجاهلة).

يعزّز كلّ من الكارثة البيئية والأنظمة الرقمية المستشرية واحدهما الآخر؛ أزمتان محتجزتان في دوامة موت. لكنّ النظر إلى الذكاء الصناعي والتغيير المناخي بوصفهما وحدة هو الطريقة الوحيدة للخروج من المآزق التي خلقتْها المحاولات الحالية لمعالجة الاثنين. والمليارديرات خطر وجودي لأنهم العقدة التي تربط الكارثتين معًا.

 شركة "سبايس إكس" (Space X) تتحكم بأكثر من نصف الأقمار الصناعية في المدار المنخفض حول كوكبنا


يعلم ممثلو رأس المال بوجود خطب ما. عندما اشترى إيلون ماسك تويتر، كشفت الرسائل النصية بين الملياردير وماكاسكيل أن ماسك يعتقد أن تويتر هو "مستقبل الحضارة البشرية"، لذلك سيكون عدم الحفاظ عليه خطرًا وجوديًا من نوع خاص. ورغم هوس ماسك بمنع انقراض البشر، فإن أفعاله منذ شراء المنصة أظهرت أنه هو ذاته خطر على البشرية، وشبكة الأقمار الصناعية خاصته تعزز تلك النقطة ليس إلا. يشكّل التغيير المناخي والذكاء الصناعي خطرًا لأن سلطة استفحالهما أو الحدّ منهما تتركز في أيدي قلّة قليلة جدًا.

في أيار/ مايو عام 2023، أصدر مركز سلامة الذكاء الصناعي بيانًا من اثنين وعشرين كلمة صادق عليه كبارُ الرؤساء التنفيذيين في التكنولوجيا، باحثون في مجال الذكاء الصناعي، ومهندسون. يقول البيان: "الحدّ من خطر الانقراض بسبب الذكاء الصناعي يجب أن يكون أولوية عالمية إلى جانب أخطار أخرى ذات نطاق مجتمعيّ مثل الأوبئة والحرب النووية". وكان هذا البيان العام هو الثاني من نوعه في ذلك العام بعد رسالة مفتوحة منمقة أصدرها مركز أبحاث في الأخطار الوجودية، "معهد مستقبل الحياة"، طالبت بفترة توقف لمدة ستة أشهر في مجال بحوث الذكاء الصناعي. بشكل رئيسي، ركزت ردود الفعل العامة إزاء هذه التحذيرات على مدى كون المخاوف التي تثيرها حول انقراض البشر معقولة أم لا، أو أنها مجرد حيلة دعائية مُغالى فيها عمدًا ومصمَّمة على نحو تشاؤمي لكي تحفّز الاستثمارات في بحوث الذكاء الصناعي من خلال جعل التكنولوجيا تبدو أكثر خطورة - وبالتالي أكثر تقدمًا-  ممّ هي عليه فعلًا. لكنّ هذا غير صحيح.

علينا أن نقبل أن الذكاء الصناعي خطرٌ وجودي، تمامًا كما نعرف اليوم جميعًا أن المناخ يهدّد البشرية بوجه عام. لكن الذكاء الصناعي ليس خطرًا مباشرًا؛ إنه خطر مغلف بقرارات مالية جمعية غير حكيمة طويلة الأجل أدت إلى رأسمالية من شأنها أن تكون غير مدرَكة لأي اقتصادي جديّ خلال الأجيال الماضية.

هذه لحظة غير مسبوقة لا تستجدي فيها الشركات باستماتة وجودَ تنظيم حكومي لصناعتها فحسب- بل تعترف ضمنيًا كذلك بعجزها أمام أنين آلة رأس المال. يعترف موقعو الرسائل العباقرة و/ أو فاحشو الثراء بكون قوى السوق أرغمتهم على متابعة تطوير تكنولوجيا هم ذاتهم قلقون بأنها قد تكون سلفًا خارج سيطرتهم، بغض النظر عن مخاطرها على الجنس البشري. يعترف المليارديرات والمتطفلون عليهم بأن الخطر الوجودي الحقيقي على الجنس البشري ليس الذكاء الصناعي في حدّ ذاته، بل رأسمالية تكنولوجية مشحونة بإفراط تجعل البحوثَ الخطيرة أكثر إغراءً من أن تُفوَّت، حتى عندما يكون أولئك الذين يقومون بالبحوث يتمنون باستماتة أن يوقفهم أحد ما.

إن رأس المال يأكل ذاته، وسوف يُلتَهم البشر خلال ذلك إذا لم يغيروا مسارهم. وحيث رأى كارل ماركس خضوعَ اليد العاملة لرأس المال، نشهد اجتياحَ رأس المال لكرسيّ السلطة التاريخي الخاص به، الشركة ذاتها. يعرف قادة الصناعات وحتى المليارديرات أنفسهم أن هذا ليس مستدامًا، لكنّ "إقرارهم" بذلك في العلن يأتي بشكل ملغز ويقدّم فانتازيات فيلم ترمِنيتر (Terminator) وحلولَ الهندسة الجيولوجية على أنها استجابات.

لكن دعونا لا ندع الأمر يختلط علينا: الذكاء الصناعي والمناخ خطران وجوديان بالفعل. لكن الجزء الخطِر من هذا الخطر الوجودي يأتي من البنية الاجتماعية التي سمحنا بتطورها، لا من التكنولوجيا في حدّ ذاتها. وقد شهدنا دعوات عبر مسار قرننا الفتي للنظر فيما إذا كان من الأخلاقي السماحُ للمليارديرات بأن يوجدوا. لكن السؤال الحقيقي هو فيما إذا كان بوسع جنسنا البشري أن ينجو من المليارديرات.

 

(*) تايلر أوستن هاربر: أستاذ مساعد في اختصاص الدراسات البيئية في كلية بيتس، الولايات المتحدة. تشمل كتاباته السياسة، العرق، والثقافة وقد ظهرت في مجلات نيويورك تايمز، أتلانتك، واشنطن بوست وغيرها.

(*) ليف ويذربي: أستاذ مساعد في قسم اللغة الألمانية في جامعة نيويورك، رئيس قسم العلوم الإنسانية الرقمية، مدير مؤسس لمختبر النظرية الرقمية في جامعة نيويورك. مؤلف كتاب "زرع العضو الميتافيزيقي: الرومانسية الألمانية بين لايبنتز وماركس" (2016).

 

رابط النص الأصلي:

https://jacobin.com/2023/09/climate-crisis-artificial-intelligence-existential-risk-billionaires-capitalism?fbclid=IwAR39JKoLAZMmuto0yXMYQ1iJ8PhdKT2Hf0eOlqLF9S1rghps2K4BhT4mWTA_aem_ASAnmogb3_zo4Hhc3c6nAt6zwogRhNmtF-Sdrj6Dy4yXLDX4SDgDlLgZRh6w6d59ML3HVOZUhyrNZ9b1qDg7rfj1

 

 

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.