}

جائزة المرأة في ثوبها الجديد: بين الواقع والخيال

سناء عبد العزيز 21 يونيو 2024
تغطيات جائزة المرأة في ثوبها الجديد: بين الواقع والخيال
نعومي كلاين: أول فائزة بجائزة المرأة للكتب الواقعية (Getty)

أثارت جائزة المرأة للخيال عند تأسيسها في عام 1995 كثيرًا من الجدل، انصرف معظمه إلى التشكيك في قدرة كتابة المرأة على المنافسة بشكل عام، لا سيما بعد أن استحوذ المؤلفون الذكور على قائمة البوكر القصيرة لعام 1991. والآن، بعد مرور حوالي ثلاثة عقود على انطلاقها، استطاعت الجائزة أن تقدم عددًا من الأصوات المتنوعة والمميزة من جميع أنحاء العالم، لتصبح واحدة من أهم الجوائز، وأعظم احتفال بالإبداع النسائي في عالم الخيال. وكان بديهيًا ما إن ترسخت مكانتها أن تعمل جاهدة على توسيع نطاقها، وعلى استقطاب تمويلات جديدة، وهو ما أعلنت عنه في العام الماضي، بإطلاق جائزة جديدة لتكريم الكتب الواقعية، بناء على بحث أجرته المؤسسة خلص إلى تزايد الفجوة بين المؤلفين والمؤلفات في عالم النشر والجوائز ووسائل الإعلام. ولم يكن الهدف من تخصيصها للنساء هو استبعاد الكتاب الذكور من حلبة السباق، كما جاء في بعض الانتقادات، بل انصب هدفها الحقيقي على إضافة النساء إلى قائمتهم التي أهملتهم، كما نستشف من تصريح كيت موس أثناء إعلانها عن إطلاق الجائزة الجديدة.

من أميركا وكندا
مساء الخميس الماضي، في حفل أقيم بوسط لندن، تجمعت الكاتبات اللائي أدرجن في القائمة القصيرة في الفئتين الخيالية والواقعية، وعلى أذرعهن باقات من الورد، قبل أن يتم الإعلان عن الكاتبة والناشطة الكندية نعومي كلاين كأول فائزة في الأعمال الواقعية، وذلك عن كتابها "Doppelganger: A Trip into the Mirror World/ الشبيه: رحلة داخل مرآة العالم". كما أعلن عن فوز الكاتبة الأميركية في. في. غانيشانانثان بجائزة الخيال عن روايتها الثانية "ليلة بلا أخوة/ Brotherless Night"، التي تصور عائلة مزقتها الحرب الأهلية في سريلانكا.
بالنسبة لغانيشانانثان، سبق أن ترشحت في القائمة الطويلة لجائزة المرأة عام 2009 عن روايتها الأولى "زواج الحب". لكن روايتها الفائزة استغرقتها عقدين من الزمن في البحث والتنقيب لتخرج لنا بملحمة تاريخية عن العنف والتطرف على خلفية النفي والقمع في بلد آسيوي.
تركز "ليلة بلا أخوة" على فئة مهمشة من نساء التاميل، فضلًا عن أشخاص عاديين يمرون بمنعطف أخلاقي، منهم فتاة طموحة تحلم بأن تصبح طبيبة قبل اندلاع الحرب في بلدها، ويبدأ من حولها في التعامل مع الأيديولوجيات السياسية العنيفة.
نشأت ساشي ذات الـ 16 ربيعًا في جافنا في الثمانينيات، وطاولها ما طاول معظم السكان هناك جراء الحرب الأهلية. وهي من أكثر الحروب مأساوية على مر التاريخ، حيث ينمحي الفاصل بين العدو والصديق، لأن كليهما اقترف جريمة تدمير الأرض التي تربى عليها وتشريد أهله وناسه من دون أن يهتز له جفن. قالت عنها الكاتبة مونيكا علي، رئيسة لجنة التحكيم: "رواية رائعة ومقنعة ومؤثرة بعمق، تشهد على مآسي الحرب الأهلية السريلانكية... في نثر غني ومثير للذكريات، تخلق غانيشانانثان إحساسًا حيويًا بالزمان والمكان ومجموعة من الشخصيات التي لا تمحى".
انضم إلى مونيكا علي في لجنة التحكيم كل من الكاتب أيوبامي أديبايو، والرسامة لورا دوكريل، والممثلة إنديرا فارما، والكاتبة آنا وايتهاوس.

على الجانب الآخر من المرآة
أما نعومي كلاين، أول فائزة بجائزة المرأة للكتب الواقعية، فهي واحدة من أكثر المنظرين الاجتماعيين تأثيرًا في الوقت الراهن، عالجت أعمالها كثيرًا من المخاطر التي تحيق بالمجتمعات، بدءًا من كتابها الأول "بلا شعار/ No Logo"، الصادر عام 1999، وتناول ظهور العلامات التجارية للشركات والعمالة الرخيصة، وقد تصدر قائمة الأكثر مبيعًا على مستوى العالم. لها أيضًا كتاب بعنوان "عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث/ The Shock Doctrine: The Rise of Disaster Capitalism and On Fire"، أطلقت فيه مصطلح "رأسمالية الكوارث" على الاقتصاد الجديد الذي يستفيد من الحروب والأزمات الطبيعية، وما يشهده من ازدهار آخذ في التنامي.




في كتابها الجديد "Doppelganger: A Trip into the Mirror World / الشبيه: رحلة داخل مرآة العالم"، تتوغل كلاين داخل الذات لتعبر منها إلى الخارج وهي تحطم تلك المرآة بمساعدة سيغموند فرويد، وجوردان بيل، وألفريد هيتشكوك، وبيل هوكس، وغيرهم ممن شغلتهم الطبيعة البشرية وألغازها العصية على الحل. وتجمع بين المذكرات الطريفة والتقارير المرعبة، لتستكشف من بين الحقائق التي تشكل معضلاتنا الحالية، حقيقة السياسة، وتلقي الضوء على الشخصيات الشعبوية، مثل ستيف بانون، ودونالد ترامب.
يبدأ الكتاب بمعاناة كلاين نفسها من الخلط بينها وبين الكاتبة نعومي وولف، التي اشتهرت بكتابها النسوي "أسطورة الجمال/ Beauty Myth" وأعمال أخرى، مثل "أعطني حريتي: دليل للثوار الأميركيين/Give Me Liberty: A Handbook for American Revolutionaries". لكن وولف الشبيهة، لسوء الحظ، عرف عنها عدم الدقة في تحري المعلومات الواردة في أعمالها، ونشرها معلومات مضللة حول اللقاحات.
إن فكرة الخلط بين كلاين وولف ليست إلا نقطة انطلاق معها في رحلة رائعة ومروعة يتم توسيعها شيئًا فشيئًا، وتعميقها تدريجيًا لتشمل القضايا الملحة كافة، في السياسة، والثقافة، والحياة الرقمية، بما يرسم خريطة واضحة لواقعنا الحالي، ويصور فترة الهيجان الصعبة التي قدر لنا أن نعايشها. وبهذا يتحول الكتاب الذي بدأ من الذات وأشباهها إلى الازدواج العالمي الذي بات يطاردنا جميعًا.

احتضان المسافات
تتمتع كلاين بروح الدعابة الساخرة في مواجهة الثنائي الغريب الذي يطاردنا، والذي أصبح يبدو حميميًا وقريبًا كما انعكاس شائه في المرآة. وهي تساءلنا عما نهمله ونحن نجتهد في صقل صورنا المنعكسة في عالم رقمي على نحو شديد الإتقان؟ وهل من الممكن التخلص من أشباهنا وأمراض ثقافتنا المعدية؟
يقول الكاتب يوهان يوري: "مرة واحدة كل عقد من الزمان، تكتب نعومي كلاين كتابًا يدفعنا إلى إعادة التفكير تمامًا في اللحظة التي نعيشها. يساعدنا الشبيه على فهم السبب في أن يصبح مجتمعنا غير معروف بالنسبة لنا ــ ولماذا يتغير كثيرٌ من الناس بطرق مزعجة. إنه كتاب عن النزول إلى جحر الأرانب، والذي يتحول إلى طبيعة جحر الأرانب نفسه. إذا كنت تريد أن تفهم أين نحن الآن ــ وكيف نجد طريقنا للعودة إلى العقل ــ عليك أن تقرأ هذا الكتاب الرائع جدًا".
على جانب آخر، وصفته المؤرخة سوزانا ليبسكومب، التي ترأست لجنة تحكيم الكتب الواقعية هذا العام، بأنه تحليل رائع ومتعدد الطبقات يكشف عن روح الدعابة والبصيرة والخبرة؛ "إنه دعوة لحمل السلاح تنقلنا إلى ما هو أبعد من الأبيض والأسود، إلى ما هو أبعد من اليمين واليسار، وتدعونا بدلًا من ذلك إلى احتضان المسافات بينهما".
انضم إلى ليبسكومب في لجنة التحكيم، كل من الكاتبة كاميلا شمسي، والناشطة فينيتيا لا مانا، والأكاديمية نيكولا رولوك، وكاتبة السيرة الذاتية آن سيبا. وتمنح الجائزة البالغ قيمتها 30 ألف جنيه إسترليني للأعمال المكتوبة باللغة الإنكليزية لكاتبات من جميع أنحاء العالم.
في حفل توزيع الجوائز يوم الخميس الماضي، أعربت كلاين عن امتنانها لجميع من أسهموا في تلك الاحتفالية، هؤلاء اللاتي فكرن في إبداع المرأة على نحو عملي، وهو ما لم يخطر ببال بلد مثل أميركا الشمالية. كما وصفت هذا التكريم بأنه استثنائي بالنسبة لها، لا سيما على قائمة من الكتب الرائعة كانت مؤهلة تمامًا، مثل كتابها، للفوز، وما لفت انتباهها في تلك العناوين مدى قدرة مؤلفيها على كشف الظلال التي تكتنف السياسة والثقافة والاقتصاد، والمخاطر المستترة كافة.
إلى جانب مبلغ الجائزة، حصلت كلاين على عمل فني محدود الإصدار يُعرف باسم "شارلوت"، وكلاهما هدية من صندوق شارلوت أيتكين، كما حصلت غانيشانانثان بدورها على المبلغ نفسه، علاوة على تمثال صغير من البرونز يدعى "بيسي" ابتكرته الفنانة جريزل نيفين، لتنضم إلى جوقة الأصوات المميزة التي كرمتها الجائزة سابقًا، من بينهن زادي سميث، وإلي سميث، وتشيماماندا نجوزي أديتشي. وكذلك الكاتبة باربرا كينجسولفر الفائزة في العام الماضي عن روايتها "ديمون كوبرهيد/ Demon Copperhead".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.