}

"في صعود" تفوز بجائزة كلارك: من المحيط إلى الفضاء

سناء عبد العزيز 10 أغسطس 2024
تغطيات "في صعود" تفوز بجائزة كلارك: من المحيط إلى الفضاء
تصدرت أعمال مارتن ماكينيس الخيالية قوائم المبيعات (Getty)
فاز الكاتب الأسكتلندي مارتن ماكينيس بجائزة "آرثر سي كلارك" لهذا العام، وهي جائزة بريطانية تمنح لأفضل رواية في الخيال العلمي، نشرت في المملكة المتحدة خلال العام السابق.

تأسست الجائزة عام 1987، بمنحة من الكاتب "آرثر سي كلارك"، الملقب بـ "نبي عصر الفضاء"، نظراً لانشغال أعماله بالسفر عبر الفضاء، والغوص في أعماق البحار، وقدرته المذهلة على تخيل عوالم مستقبلية. وكانت الكاتبة الكندية مارغريت آتودد أول من يفوز بها عن روايتها "الخادمة"، حيث تلقت مبلغاً ماليّاً يساوي السنة التي حصلت فيها على الجائزة، أي 1987 باوند.
أما فائزنا الحالي فقد حصل على ما قيمته 2024 باوند، في حفل أقيم في لندن مؤخرًا، وذلك عن روايته "في صعود / In Ascension" التي وصفتها لجنة التحكيم بأنها "رحلة مكثفة" تنتقل من أعماق المحيط إلى الفضاء الخارجي.

الغموض الماكر
تصدرت أعمال مارتن ماكينيس الخيالية قوائم المبيعات، على الرغم من غموضها المثير للجدل، وإصرارها على اتخاذ منحى فلسفيًا وسيرة ذاتية خلافا لما يتوخاه هذا النوع من الإثارة والتشويق. في روايته الأولى "أرض لا نهاية لها" / Infinite Ground" 2016"، يتفاجأ الحضور باختفاء رجل في منتصف العمر في أثناء وجبة عائلية، ما يستوجب الاستعانة بمحقق عبقري، وعلى غير المعهود من المحققين، يفشل المفتش الفذ في حل اللغز، والأنكى، يتسبب في تفجير مزيد من الألغاز كلما تقدم في البحث خطوة واحدة. حتى يصل القارئ إلى حد السخط من جرأة الكاتب على استدامة الحيرة، إلى أن يدرك أن الأمر يتعدى جرائم القتل والاختفاء، وفكرة تعقيد الحبكة وتقديم حلول لألغاز محددة.  
كتب آدم روبرت على صفحات "الغارديان" البريطانية يقول: "على الرغم من خطر أن أبدو متكلفًا، أود أن أقول إن اللغز الحقيقي في "أرض لا نهاية لها" هو وجودنا ذاته، وعلاقته بالعالم الذي ولدنا فيه".
فازت تلك الرواية بجائزة سومرست موغام، وأدرجت في القائمة القصيرة لجوائز سالتاير. أما روايته الثانية "جمع الأدلة" / "Gathering Evidence" التي نُشرت عام 2020، فأدرجت هي الأخرى، في قائمة المركز الوطني للكتابة/ المجلس الثقافي البريطاني المؤلفة من عشرة كتاب يشكلون مستقبل المملكة المتحدة.
لم تخرج جمع الأدلة عن النهج السابق، فهي تدور في عالم ديستوبي في المستقبل القريب، حيث تهيمن تقنية الوسائط الاجتماعية المسماة "Nest" على حياة البشر، ثم تترك أدلتها دون ربط بينها، وهو ما يطرح سؤالا عن هذا النوع من الخيال العلمي الذي يرفض تقديم إجابات للقارئ، وعما ينتظره من قارئه الجديد، الذي سيضطلع بحل لغز أكبر، يكاد أن يكون لغز الوجود بأكمله.




روايته الثالثة "في صعود" أدرجت أيضًا في القائمة الطويلة لجائزة بوكر لعام 2023، واختارتها السينما لتحويلها إلى فيلم، ومن المقرر ترجمتها إلى إحدى عشرة لغة كما سائر أعماله. وهي تعادل من حيث الحجم الروايتين السابقتين معًا، أي حوالي 500 صفحة، ربما لهذا ينعتها ناشره بـ "الرواية الملحمية". (نشرت الطبعة الأولى عام 2023، عن دار أتلانتيك / Atlantic)

جدلية الداخل/ الخارج

تبدأ "في صعود" بدخول الشقيقتين "لي"، و"هيلينا" مسرح الأحداث، لرصد الفروق التي تنشأ عادة بين الأخوات. ويشير السرد منذ البداية إلى شخصية "لي" المعقدة التي تفضي إلى عزلة تامة عن محيطها الصغير، لا سيما مع ازدياد عنف الأب تجاهها، وقدرة "هيلينا" على الإفلات من رعونة أبيها. وهو ما يضطرها إلى الرحيل عن البيت مبكرا رغم حاجة الأم لها.  
إننا ننشغل دائماً بمحيطنا القريب، نغرق حتى أذنينا في تفاصيل اليومي والعادي والمكرر، لدرجة لا تمكننا من معرفة العالم الواسع متعدد الطباقات المحيط بأجسامنا. لكن "لي" المنغلقة على نفسها في محيطها الداخلي، لديها القدرة على التواصل مع كل أشكال الحياة، والانفتاح على
العالم الأوسع الذي يضم إلى جانب السطح قمة وقاعًا.
ينصب اهتمام السرد في جزء كبير على شخصيته الرئيسية، فيرصد طفولتها، والمواقع التي زارتها بكثير من التفاصيل التي تفتقر إليها كتب الخيال العلمي، وبعد أن نتعرف على بطلتنا داخل قوقعتها، نتعرف معها على ممر الخروج وتأخذ الرواية منعطفًا مفاجئًا عندما يتحول السرد إلى شخصية أخرى توسع المنظور وتمنح القارئ رؤية جديدة.
بعد أن تضطر "لي" إلى مغادرة المنزل، تعمل على متن سفينة تستكشف قاع المحيط الأطلسي، وهناك في الأعماق يظهر تجويف ضخم ونشط حراريًّا، بما يكفي لإحداث تأثيرات ملحوظة على سطح المحيط، لكن التحليل الكيميائي لا يتوصل إلى وجود أي شيء ضار في الماء، مع ذلك يعاني الغواصون بمن فيهم "لي" من أعراض غامضة بما في ذلك الهلوسة، كما تتعطل معدات القياس ويختفي أحد أفراد الطاقم. وقبل أن تشبع "لي" فضولها، تصدر أوامر بالانسحاب، فتصاب بخيبة أمل كبيرة.

الكون في قفص الشكل

بالتزامن مع الأحداث السابقة في قاع المحيط، تظهر مجموعة من الأحداث الغامضة في الفضاء السحيق، حيث يكتشف العلماء جسمًا غريبًا يدور حول النظام الشمسي، فتنضم "لي" إلى مركبة فضائية لتتبع هذا الجسم ومعرفة كنهه ومعها مجموعة من الطحالب التي اقتلعتها من التجويف المخيف. وهكذا ينطلق الفضاء الروائي من دهليز أسفل المحيط الأطلسي، إلى رحابة الفضاء اللانهائي، ويتجسم الكون في راحة اليد.
لطالما سعت روايات الخيال العلمي إلى أسر الكون في قفص الشكل لتجسيد حجمه الهائل، غير أن طريقة الربط بين هذا الشسوع وحدود البشر التي تتضاءل تدريجيا كلما اتسع المدى، هي أهم ما يميز كتابة ماكينيس. إن رغبته في أسر الكون بأكمله تجعله ينطلق من الأرض، إلى الأعماق، وحتى اختراق قبة السماء، والعودة منها من خلال مكالمات فيديو بين "لي" وأختها عندما تتدهور صحة الأم في غيابها، مع ذلك لا تستطيع أن تخبرها بمكانها نظرا لسرية المهمة. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.