شملت قائمة العام مؤلفين من أميركا وبريطانيا وبلجيكا وكندا وأستراليا وفيتنام والهند، نظرًا لأن الجائزة مفتوحة للكتاب من كل جنس ولون. لذا احتوت الكتب المدرجة على مجموعة متنوعة من القضايا التي تؤثر على ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، من بينها النزوح، والاستعمار ورواسبه، والحرب النووية، والبيئة الطبيعية ومدى تأثيرنا الجائر عليها. كما تطرقت إلى التعصب الديني والعرقي وطبيعة الفن والفنانين. وفي هذا الصدد تقول إيزابيل هيلتون، رئيسة لجنة التحكيم: "لم يكن من السهل على الإطلاق، الوصول إلى قائمة طويلة في عام حظي بالكثير من الكتب الواقعية الرائعة، وإن كنت أكثر سعادة بالنتيجة الآن. إنها بالطبع قائمة من الكتب المتميزة التي تسلط ضوءًا جديدًا على عالمنا المعاصر من خلال استكشاف التاريخ والذاكرة والعلم والطبيعة. وبشكل عام، فإن هذه الرؤى الفريدة والتفكير النقدي والكتابة الرائعة تؤكد لنا أن عالم الكتب غير الخيالية يفيض بالحيوية والموهبة".
من البوكر إلى جيفورد
أدرجت مذكرات سلمان رشدي “السكين: تأملات بعد محاولة قتل / Knife: Meditations After an Attempted Murder” عن الهجوم الذي تعرض له في أغسطس/ آب 2022، ضمن قائمة بيلي جيفورد 2024، وفيها يروي رشدي تفاصيل ما وقع على خشبة المسرح في مؤسسة تشوتوكوا في ولاية نيويورك، بدءا من هواجسه قبل الحادث التي طالما صورت له قاتله وهو يندفع نحوه في مناسبة عامة بالطريقة نفسها، وبالتالي كان أول ما خطر في ذهنه عندما رأى قاتله يندفع نحوه هي تلك العبارة الدالة، "إذًا هذا أنت!". و"كان آخر شيء رأته عيني اليمنى على الإطلاق، رجل يرتدي ملابس سوداء يركض بسرعة مثل صاروخ رابض".
على الرغم من أن هواجس المؤلف تحققت بالفعل، فإنها لا تحمل أي نبوءة أو استبصار، ولقد أصبح رشدي منذ كتابه "آيات شيطانية" وفتوى الخميني بإزهاق روحه مرشحا للموت على هذا النحو، سيما وأن كثيرًا من مترجميه تم استهدافهم من قبل الجماعات المتشددة، وصولًا إلى القتل، كما حدث للياباني هيتوشي إيغاراشي الذي تعرض لطعنات قاتلة في عام 1991.
يروى رشدي تفاصيل الـ 27 ثانية التي استغرقها مهاجمه في التنكيل به قائلا: "كان جرحًا عميقًا وغائرا. اخترق نصل السكين العصب البصري، مما يعني انعدام أي إمكانية لإنقاذ البصر. فقدت الرؤية بالكامل. كان يطعنني بوحشية وقوة، يطعن ويغرز السكين التي كانت تنهال عليَّ كما لو كانت تمتلك حياة تخصها، رحت أسقط إلى الخلف بعيدًا عنه أثناء مهاجمته لي وارتطمت كتفي اليسرى بالأرض بقوة أثناء سقوطي".
تغطي المذكرات الفترة التي قضاها في المستشفى وكثيرًا من التفاصيل عن مراحل التعافي، لكن النقطة الأهم هي طريقة رشدي في التعامل مع عدوه على الورق. لقد حرص الكاتب المفكر على تغييب مهاجمه، هادي مطر، فلم يمنحه اسما أو يسبغ عليه سمات شخصية، بل اكتفى بالإشارة إليه بالحرف الإنكليزي "أي" أو "قاتلي المحتمل" أو "مهاجمي" أو "شبح قاتل من الماضي".
ومثل رشدي الذي فاز بجائزة البوكر عن روايته "أطفال منتصف الليل" 1982، حصل المرشح الثاني ريتشارد فلاناغان على البوكر عام 2015 عن روايته "الطريق الضيق إلى عمق الشمال"، وأدرج معه على قائمة بيلي جيفورد عن روايته "السؤال رقم 7"/ Question 7 التي تسلط الضوء على قابلية حياتنا للتشكل في التحولات التاريخية والأحداث المريعة مثل القنبلة الذرية، بالإضافة إلى تجربة الاقتراب من الموت.
عن الاستعمار والشتات والهوية
يستكشف كتاب "الحكم في طوكيو: محاكمة الحرب العالمية الثانية وتكوين آسيا الحديثة" (Judgement at Tokyo: World War II on Trial and the Making of Modern Asia) للكاتب غاري جيه باس (أميركي- كندي)، تعقيدات محكمة جرائم الحرب في طوكيو، المعروفة باسم المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى، وهو من الموضوعات النادر تناولها، نظرا لما ينضوي تحتها من غموض أخلاقي يتعلق بغريزة الانتقام المربكة.
على جانب آخر، يحاول الكاتب البلجيكي ديفيد فان ريبروك وضع كفاح إندونيسيا من أجل الاستقلال في سياقه الصحيح، باعتباره من أهم المؤثرات على حركات التحرير في جميع أنحاء العالم، وذلك في كتابه "الثورة: إندونيسيا وولادة العالم الحديث" (Revolusi: Indonesia and the Birth of the Modern World).
أما الكاتب الفيتنامي فيت تان نوين، الفائز بجائزة بوليتزر للرواية عام 2016، فقد أدرج في القائمة لروايته "رجل ذو وجهين / A Man of Two Faces"، التي تحكي قصة عائلته في الشتات الفيتنامي، ليناقش من خلالها موضوعات الهوية والذاكرة والتنافر الثقافي بين كونه فيتناميًا وأميركيًا. في السياق نفسه، يتناول الكاتب الأميركي جوناثان بليتزر في كتابه "كل من رحل هو هنا / Everyone Who Is Gone Is Here" قضية النزوح، متتبعا حياة المهاجرين إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة والسياسات التي تؤثر عليهم.
في "عيادة الثائر/ Rebel’s Clinic" يقدم الكاتب الأميركي آدم شاتز سيرة حية عن المناضل فرانز فانون، متتبعا أفكاره الثورية التي لا يزال يتردد صداها حتى يومنا هذا. وُلِد فرانز فانون في مارتينيك، وهي مستعمرة فرنسية، عام 1925. وتطوّع في شبابه للقتال في جيش ديغول من أجل تحرير فرنسا ثم تدرب ليصبح طبيبًا نفسيًا. في عام 1952، نشر كتاب "بشرة سوداء وأقنعة بيضاء"، يحلل فيه تأثير العنصرية على النفس البشرية، كما نُشر آخر أعماله، "معذبو الأرض"، في عام 1961 قبل وفاته بفترة وجيزة عن عمر يناهز 36 عامًا. من هنا يستكشف شاتز تأثير هذا الرجل الأكثر إثارة للجدل، على الحركات المناهضة للاستعمار والنقاشات الدائرة حول العرق والاستعمار.
أقلية أخرى كتب عليها الشتات عبر تاريخها ولكنها لم تحظ بتعاطف مماثل لأسباب عدة، كما نتبين في الإصدار الأول للبريطانية راشيل كوكيريل "نقطة الانصهار: الأسرة والذاكرة والبحث عن أرض موعودة/ Melting Point: Family, Memory and the Search for a Promised Land” ، وتدور حول جهود الجد الأكبر ديفيد جوشلمان في حركة جالفستون، التي فر من خلالها عشرة آلاف يهودي إلى تكساس قبل الحرب العالمية الأولى.
الفنان والعالم من حوله
ضمت القائمة أيضًا كتابين عن تأثير البشر على العالم من حولهم من خلال رؤيتين مختلفتين، الأول "الحرب النووية: سيناريو / Nuclear War: A Scenario" للأميركية آني جاكوبسن، الذي يتتبع سيناريو حدوث حرب نووية دقيقة بدقيقة، حال إطلاق صاروخ نووي على البنتاغون، وما قد ينجم من عواقب وخيمة. بينما تركز البريطانية هيلين سكيلز في كتابها "ما يمكن أن يكون عليه البحر المتوحش / What the Wild Sea Can Be" على القوة المذهلة والغموض الذي يتمتع به المحيط، وطبيعة التوازن الدقيق بين النظم البيئية البحرية وتأثير النشاط البشري عليها، وهو الجزء المفقود من العقيدة البشرية.
كما تضم القائمة كاتبتين سبق أن ترشحتا للجائزة؛ البريطانية راشيل كلارك، التي ترشحت في القائمة الطويلة عام 2020، كما ترشحت هذا العام عن روايتها "قصة قلب / The Story of a Heart"، التي تربط بين تاريخ جراحة زرع القلب ومصير طفلين، في محاولة لتجسير الهوة بين البشر بربط عائلتين برباط أبدي، هو قلب طفل. والثانية سو بريدو، التي دخلت القائمة القصيرة عام 2012، واختيرت هذه المرة عن كتابها الرائع "الشيء البري: حياة بول غوغان"/ Wild Thing: A Life of Paul Gauguin. يتناول كتاب بريدو نشأة غوغان في بيرو، وفترة شبابه المضطرب في فرنسا وتجاربه في المشهد الفني في باريس.
تنافس على جائزة بيلي جيفورد هذا العام، 349 كتابًا، وتم اختيار هذه القائمة المكونة من 12 كتابًا من قبل لجنة التحكيم المؤلفة من الكاتبة الصحافية هيذر بروك؛ ومحررة التعليقات والثقافة في مجلة نيو ساينتست، أليسون فلود؛ ومحرر الثقافة في مجلة بروسبكت، بيتر هوسكين؛ والكاتبة والناقدة توميوا أوولادي؛ والناقدة شيترا راماسوامي.
سيتم الإعلان عن القائمة القصيرة المؤلفة من ستة عناوين في 10 أكتوبر/ تشرين الأول القادم في مهرجان شلتنهام الأدبي، أما الفائز النهائي فسيُعلن عنه في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني في حفل توزيع الجوائز الذي يبث مباشرة عبر قنوات التواصل الاجتماعي لجائزة بيلي جيفورد للكتب الواقعية.