}

"المعرفة والكلمة": شعار معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024

القاهرة- وائل سعيد 9 فبراير 2024
أجندة "المعرفة والكلمة": شعار معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024
استمر المعرض حتّى 6 شباط/ فبراير الجاري
ما بين انخفاض لا يحتمل في درجة الحرارة، وارتفاع غير مسبوق في الأسعار، انطلقت الدورة الخامسة والخمسون لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، والتي استمرت فعالياتها في مركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية في التجمع الخامس (أحد أحياء القاهرة) على مدار 14 يومًا (24 يناير/ كانون الثاني حتى السادس من فبراير/ شباط الجاري)، وذلك بمشاركة أكثر من ألف دار نشر عربية وأجنبية ومصرية، حيث حلّت النرويج دولة ضيف الشرف، فيما يأتي شعار الدورة "نصنع المعرفة... نصون الكلمة".
لم تخرج كلمة وزيرة الثقافة عن الخطاب الدبلوماسي، وإن حملت كثيرًا من التحديات: "أعدكم أن يكون المعرض هذا العام فارقًا في رؤيته، كما هو رائد في مكانته، وأن يكون نقطة بارزة في تاريخ معرض القاهرة والمعارض العالمية". وعلى أرض الواقع، تسابقت دور النشر في تقديم الخصومات بما يسمح لها بهامش ربح بعد ارتفاع نسبة الإيجارات، حتى أن بعض الدور قدمت عرضًا بخصم مدى الحياة على إصداراتها.
في هذا العام، اختفت بعض الظواهر المعتادة، مثل أكشاك توقيع الكتاب التي كان يقف أمامها المئات من الشباب في انتظار توقيعات كتابهم، وإن لم يمنع ذلك من إقامة حفلات توقيع داخل صالات دور النشر، مرت غالبيتها بسلام، عدا اثنين من الكتاب لم تفلح الإمدادات اليومية من كتبهما في سد حالة الطلب الرهيبة من قرائهم الشباب، وهو ما نتج عنه حدوث عدد لا بأس به من المشادات بين القراء في التسابق للحصول على نسخ خصوصًا لو كانت موقعة. بعض هؤلاء الشباب وفدوا من المحافظات في فورة من الحماس لرؤية الكاتبين اللذين تكرر حضورهما ثلاث مرات على مدار المعرض، لم يتمكن كثيرون وسط هذا الزحام ـ وكنت واحدا منهم ـ من معرفة اسم الكاتبين، ولماذا التصارع على أعمالهما، حتى تبين أنهما يدعيان ميرنا المهدي، وأسامة مسلم، وهما من الأسماء المعروفة لدى محبي أدب الرعب والإثارة.

جولة حرة
انتشرت الطبعات الثانية هذا العام في أكثر من موقع، حتى أن هيئة قصور الثقافة المصرية استحدثت سلسلة بعنوان "الطبعة الثانية"، تستهدف انتقاء أهم وأشهر الكتب التي نفدت لإعادة إصدارها في طبعة جديدة، ومن بينها رواية "مذكرات مجنون" للكاتب الصيني لوشون، الذي يتصادم في روايته من خلال البطل مع الأعراف المجتمعية والقيم ومفاهيم الأسرة، خالطًا بين العامية الدارجة والفصحى، الأمر الذي مثل تحديًا للمترجمة ميرا أحمد، إلا أنها نجحت فيه. لم يقف موضوع إعادة الطبعات عند حد الطبعة الثانية وفقط؛ حيث صدرت للكاتب والروائي الراحل حمدي أبو جليل الطبعة الخامسة من كتابه "القاهرة شوارع وحكايات"، وقد تميز أبو جليل بين جيله بعوالم تفوق العوالم المعتادة للمهمشين، من خلال لغة أكثر وحشية وخشونة، ولا تخلو من رهافة مستترة يجول بها أبو جليل من خلال شوارع القاهرة وحكاياتها ـ سواء قديمًا أو حديثًا ـ مخترقًا حاجز الزمان.
في سياق مشابه، ولكن من خلال بطل مكاني آخر، تقدم دار الساقي اللبنانية كتاب "عربية في إيران... الإيرانيون كما لم نعرفهم" للكاتبة السورية ندى الأزهري، التي تروى تجربتها من خلال ذكريات العيش في طهران لأربع سنوات، تحكي الأزهري عن الإيرانيين من وجهة نظر أغفلتها الكتابات السابقة، كما تقول، فأبطالها "أولئك الذين ليسوا سياسيين، ولا نجوم سينما، ولا معارضين، أو ناشطين مشهورين"، أبطالها هم من البسطاء... "الذين تقابلهم في الشارع، أو في المتجر، أو في سيارة الأجرة... أولئك تحديدًا لا نعرف شيئًا عنهم".
ومن بيروت مرة أخرى، وعن إيران أيضًا، تصدر دار الجمل كتاب "القراءات الخطرة" للكاتبة الإيرانية آزر نفيسي، بترجمة متعب الشمري. في 2003، أصدرت نفيسي روايتها "أن تقرأ لوليتا في طهران"، التي وصلت آفاقها إلى العالم، وترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، كما احتلت قوائم الأكثر مبيعًا لفترات طويلة. في كتابها الجديد، تخوض نفيسي تجربة الحديث عن الأدب وتأثيره على حياتنا في ظل الأنظمة الشمولية المعاصرة، وتقدم الكاتبة في رحلتها في قالب سحري من خلال مراسلات افتراضية مع والدها المتوفى منذ سنين.
تعتمد مكتبة مدبولي للنشر والتوزيع على كتب السير الذاتية بشكل كبير، ولا تخلو وجبتها السنوية من هذا النوع. تقدم هذا العام المذكرات الكاملة لرجل المخابرات المصري صلاح نصر، وتقع في ثلاثة أجزاء زمنية تسجل فترات مختلفة من حياة الرجل تم عنونتها بـ"الصعود؛ الانطلاق؛ العام الحزين"، ويبدو أنه عام رسمي بامتياز؛ ربما لمرور خمسين سنة "اليوبيل الذهبي" على حرب أكتوبر، إذ صدرت عن دار نهضة مصر "مذكرات المشير الجمسي"، أحد أبطال خطة الحرب، وربما تفتح مثل هذه الكتب عددًا من التساؤلات حول إمكانية اعتبارها وثائق تاريخية حقيقية أم محض تدوينات كتبت وفق أهواء أصحابها.



عمل صلاح نصر مديرًا للمخابرات المصرية فترة حكم جمال عبد الناصر، وتم اعتقاله عقب نكسة 67 في ما عرف بـ "ملف انحراف المخابرات". ويُعد نصر من أشهر الشخصيات السياسية في التاريخ المصري الحديث، ما جعله مادة جيدة في السينما والدراما؛ حيث ارتبط اسمه بعدد من الاتهامات والتجاوزات ـ وما أطلق عليه "زوار الفجر" ـ تم الكشف عن بعضها، سواء عن طريق محاكمته، أو من خلال بعض الشهادات والكتب، ربما يأتي في مقدمتها كتاب "اعتماد خورشيد شاهدة على انحرافات صلاح نصر"، وقد كان من الكتب الممنوعة في وقت ما لما يحمله من صورة مغايرة للحلم الناصري القديم، حيث يُظهر عبد الناصر مغيبًا لا يدري بالفساد من حوله، فيما تشتد قبضة زوار الفجر على زمام الأمور.

من الشاشة إلى الكتاب 
عبد الرحيم كمال من كتاب السيناريو المتميزين والمقلين في الوقت نفسه. في عام 2019، خاض تجربة الكتابة لمحمد رمضان، ومسلسل "زلزال"، الذي خيب كل التوقعات، فما كان منه إلا أن صرح بأن مخرج العمل إبراهيم فخر "لم يلتزم بأخلاقيات المهنة"، حيث اكتشف حدوث تغييرات في بعض خطوط الدراما، وإضافة شخصيات لا يعلمها، ربما تدارك عبد الرحيم ذلك في ما بعد، خصوصًا أن مسلسل "جزيرة غمام" (2022) حقق نجاحًا كبيرًا وقت عرضه. وبينما يعيش عبد الرحيم نجاحات سابقة منتظرًا نجاحًا جديدًا، من المتوقع أن يضاف إلى رصيده مع مسلسل "الحشاشين" في رمضان 2024، يبتعد عبد الرحيم قليلًا عن الدراما المرئية لدراما بديلة مكتوبة، ورواية "كل الألعاب للتسلية"، الصادرة عن الدار المصرية "العين للنشر والتوزيع"، وهنا يطرح السؤال نفسه، سواء مع عبد الرحيم، أو غيره من كتاب السيناريو، لماذا يلجأ المؤلف لكتابة الحالة الدرامية في صورة رواية، وليس مسلسل؟!
في سياق مشابه، يقدم المخرج والسيناريست الشاب حازم مصطفى روايته الأولى "القربان الحي" الصادرة عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع. تنتمي الرواية لأدب الرعب والإثارة مقصد غالبية الشباب، مستدعية عددًا من الثيمات التراثية، كالزار على سبيل المثال، وتوظيفها دراميًا بما يلائم الأحداث، وقد استخدم الكاتب لغة سلسة لا تهتم كثيرًا بالزخرفة والجماليات، كما يغلب عليها الطابع السينمائي، سواء في خلق المشهد، أو من خلال تتابع الأحداث، وربما تنتج عن مثل هذه التجارب الفردية مستقبلًا كتابة جمالية لا تنزلق للاستخفاف التجاري، ولا تراهن على كثير أيضًا، يقول في أحد المشاهد: "أشعلت أمونة الشموع حول المبخرة العظيمة، والتف حشد من الدقاقین حول المبخرة یحمل كل واحد منهم في یده دفًا أو طار، أما أمونة فقد استأثرت لنفسها بجوز الصاجات؛ لربما كانت الصاجات في عرف الكودیة شيء من قبیل صولجانات السلطة، أو ربما هي مظهر من مظاهر الأبهة اللازمة لكى تقنع الكودیة زبائنها بقدرتها على طرد الشيطان من أجسادهم".





وعن دار المتوسط، صدرت للكاتب المصري إبراهيم عبد المجيد أحدث رواياته "قاهرة اليوم الضائع"، وتدور أحداثها أو تداعيتها خلال يوم واحد تم فيه فرض حظر التجوال، ووجد الراوي نفسه حبيس منزله، بينما روحه هائمة في شوارع القاهرة. سبق وتم تحويل عدد من روايات عبد المجيد إلى أعمال فنية، سواء في السينما، أو الدراما، مثل "صياد اليمام"، و"في كل أسبوع يوم جمعة"، وينتظر عبد المجيد موسم الدراما الرمضاني القادم لعرض مسلسل "عتبات البهجة" المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه، عن سيناريو وحوار مدحت العدل، ومن إخراج مجدي أبو عميرة، أما البطولة فهي للفنان يحيى الفخراني، بعد غياب دام ثلاث سنوات عن الشاشة.
تقدم دار المحروسة هذا العام عددًا متنوعًا من الكتب يأتي الأدب في مقدمتها على المستويين العربي والمترجم. من الروايات العربية "نبي العتبة" أحدث إصدارات الكاتب والسيناريست المصري تامر حميد، الذي يتتبع في روايته حكاية "موسى جبريل" البائع السريح الذي تحول فجأة إلى نبي، وقف في ميدان العتبة يعظ الناس ويدعوهم لاتباعه. لم يجد ذلك النبي غير طبيب نفسي ـ الراوي ـ جلس يستمع لحكايته ويرويها إلينا: "تحدثنا كثيرًا من دون أن يحرك أحدنا شفتيه، يمكن للأفكار أن تتكامل، ولكن الحركات ستتقاطع، ثم استيقظت ذات يوم فلم أجدني".
وفي رواية "المهاجر سين"، يناقش الكاتب المصري شريف العصفوري فكرة الحياة والموت والوجود الإنساني القابع "بين قوسين؛ القوس الأول هو الهجرة والقوس الثاني هو الانتظار". تعد الراوية الجزء الأول من خماسية عن الهجرة، وقد صدر للعصفوري سابقًا عن الدار نفسها عدد من الروايات منها "عودة عوليس"، و"مسبار الخلود"، و"مقهى باديسو". كما صدر عن الدار رواية "كل يوم تقريبًا" للكاتب المصري محمد عبد النبي، وهي من الروايات المرشحة في القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية لهذا العام.
أما دار صفصافة فتقدم كعادتها مجموعة من الكتب المترجمة متنوعة الموضوعات، وتعتمد الدار في مقدمة مبيعاتها على الكتب المترجمة، سواء من الأدب، أو في مجالات أخرى. من النرويج، تقدم ترجمة جديدة لرواية "حب" للكاتبة هانه أورستافيك بعد أن تم تُرجمت إلى أكثر من 18 لغة. تشترك في الترجمة العربية شيرين عبد الوهاب، وسهى السباعي، وتدور أحداث الرواية خلال ليلة واحدة ترتحل فيها أم وابنها إلى بلدة صغيرة تقع شمال النرويج، وتخلق الدراما من خلال تعاملهم مع سكان القرية. من النرويج أيضًا، كتاب آخر بعنوان "كفى: كيف تدمر الليبرالية الجديدة البشر والطبيعة"، من تأليف عالمة الاجتماع لين ستالسبيرج، وترجمة مشتركة لشيرين عبد الوهاب، وبسنت أمين.
عودة إلى الأدب مع كتاب "بين كتبة وكُتاب... الحقل الأدبي في مصر المعاصرة" لريتشارد جاكمون، أستاذ اللغة والأدب العربي الحديث بجامعة آكس ـ مارساي بفرنسا. تميزت إصدارات الدار هذا العام باستضافة هؤلاء الكتاب وغيرهم خلال فترة المعرض، وذلك لعقد حفلات توقيع وندوات ولقاءات لم تكتفِ بحيز المعرض، بل خرجت إلى مركز جزويت الإسكندرية، والمركز الثقافي الفرنسي.
أعلنت الدار المصرية "الكتب خان" قبل ساعات من بدء المعرض عن قرار ـ تعسفي ـ بمنعها من المشاركة. ومع بداية المعرض، عدلت الدار عن إعلانها لتزف الخبر بإلغاء القرار، وعودة الدار للمشاركة. ونلاحظ في عناوين هذا العام غلبة الأسماء من الكتاب الشباب، ومجموعة مختلفة من الروايات، من بينها، "لونجا" لمريم عبد العزيز، "إفلات الأصابع" لمحمد خير، "فرديناند المصري" لماجد أوشي، وتحكي عن الخباز الموهوب "الذي ترك بلده فرنسا بحثًا عن المجد والحب في مصر، أم الدنيا". فيما تواصل دار "بيت الحكمة" إصداراتها المتخصصة ضمن المشروع الثقافي الصيني، بجانب ما استحدثته هذا العام من سلسلة "بيت الحكمة بالعربي".

"تنمية"... منع لا ينتهي
من الواضح أن الأخوين لطفي قد اعتادا على منعهما المتكرر من مشاركة تنمية بمعرض الكتاب، لذلك بدءا معرضهما الخاص من دون شكوى هذا العام، وقبل أن يبدأ معرض الكتاب من خلال إطلاق "موسم تنمية" الثقافي في الفترة من 13 يناير/ كانون، وحتى الثامن من الشهر الجاري. تضمن برنامج الموسم عددًا من الفعاليات، إلى جانب برنامج ثقافي وفكري استضاف عددًا من الكتاب العرب والمصريين من خلال حفلات التوقيع والنقاشات، وعددًا من الورش والعروض الحية.

نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق 

إلى جانب بعض المبادرات، وعلى رأسها إحياء ذكرى الشاعر أمل دنقل بإقامة معرض لمقتنيات الراحل ضم مخطوطات نادرة لبعض القصائد بخط يده، بالإضافة إلى بعض المقتنيات الشخصية، والرسائل، وعدد من الصور الفوتوغرافية تعرض لأول مرة. لاقى معرض دنقل إقبالًا كبيرًا من الكتاب والفنانين والمثقفين، ومن بينهم الكاتبة الصحافية عبلة الرويني زوجة الشاعر.
بدأت الحكاية مع الشابين محمود وخالد لطفي حين أُلقي القبض على الأخير في أبريل/ نيسان 2018 على خلفية توزيعه طبعة عربية من كتاب "الملاك" الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون اللبنانية، وقُدم للمحكمة العسكرية التي أصدرت حكمًا بحبسه خمس سنوات قضاها كاملة رغم عدد المناشدات الدولية بالعفو عنه، خصوصًا بعد حصوله على جائزة الحرية وهو وراء القضبان. سبق وقدمت تنمية العام الماضي مهرجان "دوائر الثقافية".

طبيبان من طنطا
في منتصف الثمانينيات، صدرت لأول مرة سلسلة بعنوان "روايات مصرية للجيب" عن المؤسسة العربية الحديثة. استهدفت السلسلة فئة الشباب وما قبلها وذلك بتقديم كتاب صغير الحجم يمكن حمله في الجيب بسهولة. على أن يحتوي مادة بوسعها جذب هؤلاء الشباب، فكان الاتجاه الأمثل نحو قصص المغامرات والخيال العلمي وعالم الجاسوسية مع د. نبيل فاروق، وما وراء الطبيعة في ما بعد مع د. أحمد خالد توفيق، وللمصادفة وفد الاثنان إلى القاهرة من البلدة نفسها (طنطا ـ محافظة الغربية) وكان مجال دراسة كل منهما هو الطب.



نجحت هذه الخلطة المتجددة من القصص والعوالم في الاستحواذ على قلوب عدد ضخم من المراهقين من القراء، سواء داخل مصر، أو على مستوى الوطن العربي، وأصبحت شخصياتها علامات محفورة في الذاكرة عايشناها وتفاعلنا معها كما لو كانت حقيقية من لحم ودم، لذلك نجد مسلسل مثل "ما وراء الطبيعة" (عمرو سلامة) يحقق نجاحًا مبهرًا وقت عرضه في 2022، حيث أتاح لعشاق خالد توفيق التعرف أخيرًا على بطلهم الخارق د. رفعت إسماعيل مجسدًا بعد عشرة طويلة دامت لسنوات على الورق. في السياق نفسه، لا يزال محبو أدهم صبري، أو "رجل المستحيل"، الشخصية التي ابتكرها الكاتب المصري نبيل توفيق في انتظار أن يخرج بطلهم من الورق. وبرغم وجود "جيل ثان" حاليًا من الكتاب ـ كما تطلق عليهم الدار ـ يُكمل هذه الخلطة من خلال سلاسل جديدة، وأبطال مغايرين وعصريين، نجد أن مؤلفات فاروق وتوفيق لا تزال تحتل الصدارة في المبيعات والإقبال، رغم رحيلهما، ولا تزال طبعات كتبهما تتوالى في أكثر من دار نشر.
قبل أن تنتهي أيام المعرض كانت نسخ "رفقاء الليل" الصادرة عن دار الكرمة قد بيعت عن آخرها بعد عدد من الإمدادات اليومية كانت تأتي من المطابع رأسًا، وهي آخر رواية للعراب، والتي نشرت بعد وفاته. تتكون الرواية من مجموعة قصص منفصلة متصلة تدور أحداثها في عالم من الرعب والإثارة كما عود خالد توفيق قراءه، يقول في إحداها: "الآن أنت تعرف القصة يا سامي، وتعرف لماذا اصطحبتك للمقبرة ليلًا، وتعرف لماذا أنت مقيد ومكمم الفم جوارها الآن... لقد انتهت قصتي وحان وقت العمل. لا تحاول الصراخ فلن يسمعك أحد، سأحاول أن تمر اللحظات القادمة بسرعة".
أطلقوا عليه "العراب"، وعدَّه بعضهم أول كاتب عربي يتخصص في أدب الرعب، ويواظب محبو العراب على زيارة مقبرته حتى الآن في ذكراه. وحين دفن كتب بعض الشباب لافتة ورقية صغيرة وقاموا بوضعها فوق شاهد قبره "لقد جعل الشباب يقرأون". إحدى جمل رواياته التي عدها قراؤه أمنية عليهم تحقيقها، وهو ما تحقق بالفعل على أرض الواقع؛ فبعيدًا عن الحكم الأدبي على نتاج خالد توفيق؛ إلا أن تلك الكتابة استطاعت تكوين ظاهرة بطلها الكاتب وشخصياته، وربما ستمكث طويلًا في ما بعد؛ سواء على مستوى القراء، أو الكتاب والباحثين، وربما كان الدليل على ذلك يتمثل في بعض الكتب الصادرة هذا العام، ومن بينها كتابان عن العراب.
صدر الكتاب الأول عن دار تشكيل للنشر والتوزيع بعنوان "العراب... حكايات من دفتر د. أحمد خالد توفيق" للكاتب الصحافي إيهاب مصطفى، وفيه يتتبع مصطفى سيرة عراب أدب الرعب من صف محايد؛ حيث يسير الباحث لديه متقصيًا للظاهرة... "كل ذلك جعل منه ظاهرة فريدة... ظاهرة د. خالد توفيق الاستثنائية التي تستحق الدراسة". على الجانب الآخر، نجد الكاتب وهو في الأصل قارئ وأحد عشاق توفيق يرثيه... "وداعًا أيها الغريب... لم تكن أبدًا إقامتك قصيرة! فما زلت مقيمًا في وجدان جيل بأكمله... مشهد الجنازة المهيب ومحبة القُرَّاء العظيمة والحرب الخفية بين النخبة ومحبيه...". أما الكتاب الثاني فصدر عن دار كيان للشاعر والصحافي خلف جابر بعنوان "أسطورة أحمد خالد توفيق"، ويستعين الكاتب في المقدمة بأحد المقولات السابقة لتوفيق، ومن خلالها يتضح لنا أن الرجل ربما تنبأ بظاهرته قبل انتشارها بعد موته المفاجئ؛ الذي ساهم كثيرًا في إثراء الظاهرة وتقويتها: "يكفيني شخص واحد يندهش بي كل يوم، كما لو أنني أعجوبة... يسمع أحاديثي بكل شغف، يقرأ أحرفي كما لو أنها قصيدة"، وهو ما يحدث بالفعل.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.