}

"معرض صنعاء الدولي للقهوة": الاحتفاء بمشروب عالميّ

صدام الزيدي صدام الزيدي 19 مارس 2024

تعيد مناسبة إحياء النسخة الأولى من "معرض صنعاء الدولي للقهوة"، الذي شهدته مدينة صنعاء في الفترة (3- 7 مارس/ آذار 2024)، إلى الأذهان الكثير من الأسئلة حول البدايات الحقيقية لانتاج وصنع القهوة في اليمن، وفي المقابل، تفتح الباب مجددًا للحديث حول الأسرار والغموض التي اكتنفت موضوع القهوة كمشروب يبعث على الكيف وينشط خلايا الجسم في مواجهة أرق الليالي ومتطلبات البقاء على حالة من الاستيقاظ والانتباه، ما يدفع إلى الواجهة السؤال عن أول من تناول كوب قهوة وكيف تم تحضيره وما صحة الحكايات والقصص التي تفيد في كثير منها بأن المتصوفة هم أول من فعل ذلك، ليستعينوا على ليلهم الطويل المكرس للصلاة والتعبد والقراءة والاستذكار.

في غضون أربعة أيام، بلغ زائرو "معرض صنعاء للقهوة" قرابة نصف مليون زائر، بحسب الجهات المنظمة للحدث الذي اتخذ من حديقة السبعين (التي تتوسط العاصمة) مكانًا له، وسط اقبال يعدّ كبيرًا من المواطنين الذين تعرفوا إلى ملامح من مسيرة القهوة اليمنية، أهم المناطق التي تنتج البن، تاريخ هذا المشروب الوطني المحفز الذي أمسى مشروب الصباح والليل في أصقاع عدة من العالم، لكن هنالك تطلعات للدفع بعملية تصدير البن اليمني بشكل أكبر وأوسع مما هي عليه الآن، حيث القليل جدًا من محصول البن يجد طريقه إلى الأسواق حول العالم مقابل استهلاك كميات كثيرة جدًا في الداخل اليمني، وهذا موضوع يؤرق المعنيين في اليمن ويتطلب جهودًا مضاعفة يبدو أن الظروف الراهنة في بلد تنهكه الحرب غير مؤاتية، ولكن الأحلام والتطلعات تظل مشرعة لاستعادة مجد البن اليمني.

ترافقت أيام معرض القهوة في صنعاء مع حملات وفعاليات لتدشين موسم التشجير في عدة محافظات تتبع حكومة صنعاء، ومنها محافظات تعرف بكونها أكثر المناطق إنتاجًا لمحصول البن، وهي في واقع الأمر مناطق جبلية في معظمها حيث يتم زراعة شجرة البن وإنتاج محصولها منذ نحو عشرة قرون.

وخصصت اللجنة الزراعية والسمكية العليا والإدارت المعنية في قطاع البن بوزارة الزراعة والري، مساحات لعديد من المنتجين وتجار البن ولمزارعين وجمعيات عاملة في المجال، لعرض منتجاتهم والتنافس في ما بينها في ما يمكن عرضه من البن، وهو في الأساس منتج تختلف جودته، كما وطريقة قطافه وتجفيفه ومن ثم تحضيره كقهوة، من منطقة لأخرى.
ومن بين الفعاليات التي أقيمت على هامش المعرض مراسم للأطفال وعروض غنائية راقصة ومهرجانات مفتوحة اجتمعت فيها المتعة مع التسويق والإثارة والمسابقات، وكانت غزة-والقضية الفلسطينية عمومًا- حاضرة في هذه الفعاليات المصاحبة للمعرض حيث ألقيت قصائد عبّرت عن التضامن مع أهل غزة ورفض حرب الإبادة التي تمارسها أداة القتل الإسرائيلية بحقهم.


وتتعدد أنواع -ومذاقات- القهوة التي يتم ارتشافها في اليمن، حيث لكل منطقة خصوصية تميز منتجها من ثمار البن عن غيرها، وفي المجمل هنالك مناطق تعد في طليعة أهم مناطق زراعة البن التي تنتج محصولًا ذا جودة عالية منافِسة، فيصير المنتج مرتبطًا باسمها، مثل البن المطري؛ البُرَعي؛ الحرازي؛ الحفاشي؛ اليافعي؛ الحيمي؛ الإسماعيلي؛ الريمي؛ الوصابي؛ الحمّادي؛ المحويتي؛ الأهجري؛ العُدَيني؛ الصَّبِري؛ الصعدي؛ الآنسي.

والحال كذلك، في مسميات القهوة التي يتم تحضيرها، فهنالك أكثر من نوع في اليمن، ولا يقتصر الأمر على القهوة التي تجهّز أساسًا من محصول البن، بل هنالك قهوة تجهز من مكونات لا يكون البن جزءًا فيها، مثل: القهوة البيضانية؛ القهوة الحضرمية، فالأولى مكوناتها من السمسم والزنجبيل والهيل والقرفة، مع إضافة الحليب المركز والسكر، والثانية مكوناتها عبارة عن أعشاب مفيدة لنزلات البرد، ثم الهيل والزنجبيل والقرفة والعسل أو الزبيب. وهنالك أنواع من قهوة (قشر البن) أيضًا وقهوة القشر (المُرّة) والقهوة العربية بالتمر ونحو ذلك.

وفي التصنيف العالمي، هنالك أهم عشر دول منتجة للبن، تتصدرها البرازيل، قد تكون اليمن خارج هذا التصنيف من حيث أكثرية الإنتاج وحضور المحصول في السوق العالمية، ما يجعل جهود توسيع تصدير البن اليمني أمام تحديات كبيرة، بسبب ظروف ومعوقات عدة تبدأ من الاهتمام بالزراعة وتقنياتها ومن ثم التدريب والتأهيل للمزارعين وجمعيات الإنتاج والتسويق، في ظل نقص لافت في الخبرات والدعم الحكومي بهذا الصدد.

بداية الظهور

في أطروحة ماجستير للباحثة اليمنية، أروى أحمد أحمد الخطابي، ناقشتها قبل سنوات، في جامعة صنعاء- كلية الآداب- قسم التاريخ، وحملت عنوان: "تجارة البن اليمني: ق11- 13 للهجرة/ ق 17- 19 للميلاد"، تذهب الباحثة في دراستها التاريخية، إلى أنه (برغم الارتباك الذي وقع فيه المؤرخون حول تحديد بداية ظهور البن في اليمن، إلا أن أكثر الروايات ترجيحًا، هي أنه ظهر في الفترة الواقعة بين نهاية القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر الميلادي). وتؤكد الباحثة أنها مع هذا الترجيح فيما يتعلق ببداية ظهور البن في اليمن، و(ذلك لأن تلك الفترة شهدت بداية الجدل الحاد بين علماء الدين حول تحديد مدى شرعية شراب البن/ القهوة).

حملات إلكترونية

وفي الآونة الأخيرة، لوحظ اهتمام اليمنيين باستعادة عديد قضايا ومآثر تاريخية وحضارية جاعلين منها "ترندات" على منصات التواصل التي منحتهم فرصة للنبش في ماضيهم. وفي حالة "معرض صنعاء الدوليّ للقهوة" الذي شهد هذا الموسم انطلاق نسخته الأولى، وأثار تساؤل ناشطين علّقوا باستغراب حول ورود كلمة "الدوليّ" في سياق الاسم الذي اختاره المنظمين، من قبيل أن البلاد ما تزال في عزلة وأن كل مرتادي المعرض كانوا يمنيين فقط، نشير إلى أننا في السنوات الأخيرة تابعنا حملات لاستعادة أمجاد البن اليمني ضمن (هاشتاغات) تفاعلية على منصات التواصل الاجتماعي، نذكر منها: ثورة البن اليمني؛ عيد موكا. و"موكا" هو اسم عرفت به مدينة "المخاء" التابعة لمحافظة تعز، تقع على ساحل البحر الأحمر وكانت سوقًا رئيسية للقهوة بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الميلاديين في ذروة ازدهار تجارة البن اليمني وانتشاره في الأصقاع.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.