}

في رحيل لجينة الأصيل: صديقة الأطفال

سمر شمة 9 مارس 2024
أجندة في رحيل لجينة الأصيل: صديقة الأطفال
لجينة الأصيل
"اجعلوا الرسم مصدر متعة لكم، ليصبح الكتاب أداة فرح وبهجة، وأحبوا ما تقومون به، فالحب رسالة سامية تنطلقون عبرها إلى عوالم النقاء والسمو. اللوحة هي حلمي، راحتي وحريتي، أملي وألمي، فيها إنسانيتي"- هذا ما صرحت به ذات يوم الفنانة التشكيلية، والرسامة التوضيحية، والكاتبة السورية، لجينة الأصيل التي تلقب بصديقة الأطفال، وأيقونة رسوماتهم في سورية والعالم العربي، والتي رحلت عن عالمنا في 29 الشهر الفائت عن عمر 78 عامًا.

ولدت في دمشق عام 1946، وحصلت على إجازة في الاتصالات البصرية والعمارة الداخلية من كلية الفنون الجميلة عام 1969. وتُعد لجينة الأصيل من أبرز كاتبات ورسامات كتب الأطفال في العالم العربي.
تأثرت في سني عمرها الأولى بمجلة الأطفال المصرية "سندباد"، التي كانت الأولى من نوعها عربيًا آنذاك، وبرسوم الراحل حسين بيكار، الذي يُعد من أبرز الفنانين في الحركة الفنية التشكيلية، وأحد أعلام مصر البارزين في النصف الثاني من القرن العشرين. كما تتلمذت على يد ناظم الجعفري، الفنان التشكيلي السوري الذي يُعد مؤسس الانطباعية في سورية، ثم درست في مركز الفنون التشكيلية الذي عُرف لاحقًا بمعهد أدهم إسماعيل بدمشق. وعملت في الديكور المسرحي قبل انتقالها إلى عالم قصص الأطفال ومطبوعاتها.
بدأت رحلتها في مجلة "أسامة" السورية، التي كانت تستقطب الثلاثي المبدع نذير نبعة، ممتاز البحرة، وغسان السباعي. ومع ذلك، اختارت لنفسها خطًا مختلفًا عن أساليبهم، وكانت أول تجربة لها في هذه المجلة تحت عنوان "شرائط مصورة"، وفيها صنعت أولى شخوصها التي أحبها الأطفال، وعاشت في ذاكرتهم، وهما "عفيف وظريف".
كانت لجينة الأصيل تعبر دائمًا عن محبتها للأطفال، واحترامها لعقلهم، فهي تراهم أوسع خيالًا وأذكى مما نتوقع. ولذلك يجب مخاطبتهم بطريق مختلفة عما كانت في الماضي، ويجب: "أن يكون الفنان متمكنًا من أدواته حتى يستطيع أن يقنع الطفل ويحاكي خياله في زمن العولمة والفضائيات المفتوحة، والشيء الأساسي الذي يجب التنبه له هو الأصالة"، على حد قولها.
عملت في الرسوم والإشراف الفني بمجلات وكتب الأطفال السورية والعربية، وقدمت عشرات المحاضرات في مجال تخصصها، ودرّست في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، وأشرفت على ورشات عمل مختصة برسوم كتب الأطفال في سورية، وإيطاليا، والكويت، والإمارات، وتونس، ولبنان، لتتجه بعد ذلك إلى تدريب الفنانين المحترفين والهواة في مجال رسوم أدب الأطفال.
يمتاز إنتاجها الفني بصفة الغزارة والتنوع في لوحاتها التي ناهزت 200 لوحة مقتناة من قبل المتاحف، أو بشكل فردي.
صممت عددًا من الحملات الإعلانية والديكورات والشخصيات المسرحية وعرائس الأطفال والرسوم لعشرة أفلام كرتون ونصوص ورسوم 26 حلقة تلفزيونية للأطفال وعدد من نصوص السيناريوهات لمجلات الأطفال وتصميم ورسم أكثر من 70 كتابًا للأطفال صدرت عن دور نشر عربية وسورية.




الفنانة التشكيلية الراحلة هي عضو في المنظمة الدولية لكتب الأطفال في سويسرا، وفي اتحاد فناني "بي آي بي" لرسامي كتب الأطفال بسلوفاكيا وعضو في اتخاذ التشكيليين السوريين.
أقامت معارض فردية للرسم والتصوير في كل من: سورية، الأردن، فرنسا وإيطاليا، إضافة إلى مشاركتها في معارض ثنائية وجماعية عربية ودولية وفي مجال رسوم كتب الأطفال بمعارض في سلوفاكيا، اليابان، إيران، فرنسا، إيطاليا، صربيا، ألمانيا، تونس، وأميركا.
رسمت رسوم كتب عديدة في مجال أدب الأطفال لكتاب معروفين ومهمين من سورية والوطن العربي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: "الديك والدجاجة"، و"رحلة فاشلة" لفريد معوّض (1995)، "الكنغار الشقي" (1995)، و"الفيل وابنه" (2000) لسلمى بدوي، "الغيمة لا تمطر ألعابًا" لليلى صايا (1996)، و"لغة الطيور" لمحمد علي شمس الدين (1996)، "إنني أستطيع" لتغريد النجار (1999)، "إظهر وبان عليك الأمان" لنبيهة محيدلي (2001)، "يداي" لفاطمة شرف الدين (2008)، و"قالت الوردة للسنونو" لزكريا تامر (2009)، إضافة إلى كتب "مرمر"، و "ثوب تفاحة"، و"لا تقلق يا بابا" و"تفاحة تعد للعشرة"، من تأليف ورسومات لجينة الأصيل.
بدأت الرسم قبل أن تعرف الكتابة، وأحبت الحكايات، ورافقها الشغف بالأدب والفن طوال حياتها. كان همها الأول بعد تخرجها من الجامعة أن تعمل في الديكور المسرحي، كما ذكرنا، لأنه يجمع بين الفن والأدب، ومن هنا بدأت رحلتها الغنية.
تميزت أعمال التشكيلية الأصيل بإضافة حس وعاطفة دافئة إلى رسوم الأطفال، وحياكة شخصيات تعبر عن تجارب ومشاعر الناس في قصصها التي قرأتها وأحبتها أجيال عديدة، إضافة إلى أسلوبها الفريد الذي يمزج بين الواقع والخيال، واستخدام الألوان الزاهية والرسومات الجميلة والوجوه والعيون الواضحة التي تكاد تنطق، وذلك من أجل جذب انتباه الأطفال، ونيل اهتمامهم ومحبتهم لما يشاهدون أو يقرؤون.
كانت على تواصل دائم مع الأطفال عبر أعمالها التي كرست من خلالها مفاهيم الثقة والتعلم وحسن التصرف والخير والمحبة والألفة والتعاون بين الناس، فلوحة كتاب الطفل كما تقول: "هي رحلة في عالم الخيال والدهشة، هي عطائي، أمومتي، هي سلاحي الداخلي، ولوحتي هي عشقي وقلقي الذي لا ينتهي".
تُرجم عدد من أعمالها إلى لغات مختلفة، منها الإنكليزية والفرنسية والألمانية، وحصلت على جوائز وتكريمات كثيرة، منها :الجائزة الأولى لتصميم ملصق جداري لمهرجان السينما العربية في مدينة فاميك بفرنسا 1995. ميدالية المجلس العربي للطفولة والتنمية في القاهرة لتصميم شخصية كرتونية للطفل العربي 1996. ميدالية المسابقة الدولية لرسوم كتب الأطفال في اليابان 2006. جائزة أفضل كتاب للأطفال في معرض بيروت الدولي 2008. جائزة هانس كريستيان أندرسن العالمية، الدنمارك 1996.
وكانت ضيفة شرف في معرض بولونيا الدولي لكتب الأطفال 2001. ونالت أيضًا جائزة أفضل كتاب لذوي الاحتياجات الخاصة بلبنان 2011، إضافة إلى جائزة محمود كحيل لإنجازات العمر: الجامعة الأميركية ببيروت 2016. وجائزة بام للبحر الأبيض المتوسط، بلغراد ـ صربيا 2019. كما كرمتها وزارة الثقافة السورية مرتين 2002 و2003 لعطائها في مجال اللوحة التشكيلية.
انصب اهتمامها بالسنوات العشرين الأخيرة على مدى تأثير رسوم كتب الأطفال على تكوين شخصية الطفل، وكيفية تطويرها فنيًا احترامًا لعقل الطفل وتطلعاته، ورأت أن أهم العوامل التي يجب أن تتوفر في الكتاب لكي يصل للطفل بنجاح تكمن في أن تكون الرسوم قادرة على تركيز المفاهيم الأساسية والصحيحة في عقله ووجدانه، وضرورة أن تغذي هذه الرسوم حب الاستطلاع لديه، وأن تحمل هموم وجمال بيئته وتراثه وحضارته.
وكانت تعبّر دائمًا في حواراتها عن رفضها للرسوم التجارية التي غزت إنتاجات الأطفال، لأنها تسيء للطفولة، وتُفقد الطفل ثقته بنفسه، مؤكدة أن اللوحة تضفي على الكتاب قيمة فنية ومضمونية وتحرك بالطفل ملكة التفكير والإبداع.
اهتم نقاد الفن التشكيلي وأدب الأطفال بنتاج الراحلة وقد قال بعضهم: "لدى دراسة فن لجينة نلاحظ ميل رسوم الأطفال عندها نحو الانطباعية التعبيرية التي تحمل بصمة فريدة يستطيع الناظر تمييزها بسهولة". بينما أكد آخرون أن "رسومات لجينة الأصيل للأطفال تُظهر مقدرة عالية في التحكم في حركة الخط، وإبراز ليونته وانسيابته، وهذا يظهر بوضوح في رسوماتها القصصية الإيضاحية التي نشرتها في أبرز مجلات الأطفال، والتي تثير إعجاب ودهشة الصغار والكبار معًا".
آمنت الفنانة التشكيلية والكاتبة لجينة الأصيل بدور هذا الفن في العملية التعليمية والتربوية والترفيهية للأطفال، وكانت تقول وتردد دائمًا: "لم أختر رسوماتي، إنما هي التي اختارتني، أنا لست أهم رسامة للأطفال، فكل فنان يعمل بأسلوبه الخاص، بالنسبة لي أحب رسم الأطفال وأمارسه بشغف وصدق، وهذا المطلوب من رسام الأطفال".  

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.