}

المسرح الفلسطيني: شعب لن يموت

سمر شمة 10 أبريل 2024
مسرح المسرح الفلسطيني: شعب لن يموت
من مسرحية "نشرة أحوال الجو" لفرقة بلالين 1972-1973

 

يصف مركز المعلومات الوطني الفلسطيني نكبة فلسطين 1948 بأنها أكبر عملية تطهير عرقي شهدها القرن العشرين، فقد شردت قسرًا أكثر من 800000 فلسطيني من أصل مليون و400000 إلى الضفة العربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، ودمرت 531  قرية ومدينة من أصل  774. ونفذ الاحتلال خلالها أكثر من  70 مجزرة مما أدى لاستشهاد آلاف الفلسطينيين والعرب، كما تعرض للاعتقال أكثر من 4700 فلسطيني و500 أسير عربي. 

وقد أدت النكبة لتخريب البنى الأساسية للمجتمع الفلسطيني من أحزاب ومؤسسات وقيادات ونواد وصحف ومجلات إضافة إلى المسارح التي شهدت ما قبل النكبة إزدهارًا وتنوعًا في التجارب. 

بعد النكبة تشتت فنانو المسرح الفلسطيني وهاجر معظمهم إلى الأردن ثم إلى سورية التي تمّ فيها تأسيس فرقة للمسرح الفلسطيني احتضنتها دمشق وفنانوها ومبدعوها بكل اهتمام ومتابعة ومشاركة حقيقية في محاولة لنقل القضية الفلسطينية العادلة إلى الجمهور العربي والعالم.

وقبل هذه المرحلة كان المسرح الوطني الفلسطيني قد نشأ مع نشوء المسارح العربية في بلاد الشام منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ولكنّه اختلف جذريًا عنها لخضوعه ككل الفنون والآداب لتقلبات سياسية وديموغرافية واجتماعية واقتصادية حادة ونوعية.

ارتبط المسرح في فلسطين منذ عام 1919 بالنوادي والجمعيات والفرق التي انتشرت في عموم البلاد كفرقة "الكرمل التمثيلية" التي قدمت عملها الأول "هملت" لشكسبير، وفرقة "المسرح التراثي" التي قدمت مسرحية "عنترة"، و"مجدولين" و"والي عكا"، وظهرت المسرحية السياسية رغم محاولات الاحتلال البريطاني إيقافها والتضييق عليها وعلى المسرح عمومًا.

وفي فترة ما بين الحربين العالميتين ظهر العديد من المسرحيات التي تحضّ على التمسك بالأرض ورفض بيعها والدفاع عنها مثل مسرحية "الفلاح والمسمار" لمحمد دروزة، و"العدل أساس الملك" لنصري الجوزي، و"في سبيلك يا وطن" للأخوين طرزي.

وشهدت مرحلة ما قبل النكبة ازدهار المسرح الفلسطيني وتعدد تجاربه، وشكلت الفرق المصرية والشامية والأجنبية التي زارت فلسطين بين 1920 – 1930 مثل فرقة جورج أبيض والريحاني وعلي الكسّار والمسرحيات الأجنبية لشكسبير وموليير دافعًا كبيرًا لدى الفلسطينيين لتأسيس فرق مسرحية.

بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965 تشكلت العديد من الفرق في داخل الأرض المحتلة وبعض الدول العربية والشتات ومنها "جمعية المسرح الفلسطيني" والتي أنشئت في دمشق عام 1966 تحت اسم "فرقة فتح المسرحية"، وقدمت بعد عامين من نشاطها في عدة عواصم عربية مسرحيات:

- "شعب لن يموت": تأليف: فتى الثورة سعيد المزيّن، إخراج: صبري سندس. وكانت المسرحية تتحدث عن تمسّك الشعب الفلسطيني بأرضه وعن التعذيب والاعتقالات التي تؤدي لاستشهاد المعتقل تحت التعذيب في سجون الاحتلال، إضافة إلى الإصرار على الانتقام من القتلة من قِبل أحد تنظيمات الثورة الفلسطينية، وبُنيت المسرحية على بلاغ مفاده: إعدام الضابط الإسرائيلي الذي تسبب بوفاة المناضل الفلسطيني محمود الصباغ في السجون الإسرائيلية.

-  مسرحية "الطريق": تأليف وإخراج: نصر شما، والتي طرحت أسئلة هامة ومصيرية تتعلّق بتشتت الفلسطينيين وتشردهم وعدم قدرتهم على الفاعلية والوحدة.

جواد الأسدي تعاطى مع المسرح الفلسطيني بشكل مختلف عما سبقه من تجارب


تحوّل اسم الفرقة فيما بعد إلى "فرقة المسرح الوطني الفلسطيني" ومقرّها دمشق وانضمّ إليها عدد من المسرحيين والأكاديميين أمثال خليل طافش – حسين الأسمر – نائلة الأطرش – حسن عويتي وغيرهم، فتوسعت قاعدتها واتخذت صفة الشمولية والتنوع الثقافي الفكري المبني على نصرة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وقد كانت تحت إدارة مؤسس المسرح الوطني الفلسطيني في الشتات المخرج المسرحي خليل طافش الذي ولد عام 1943 في قرية عافر بفلسطين، وبقي هو المتحدث الرسمي بإسم كل العاملين في هذا المسرح لعقود.

تأسس المسرح الفلسطيني خارج الأرض المحتلة بعد عام النكسة وقدّم أول مسرحية له بدمشق بعنوان "محاكمة الرجل الذي لم يحارب" للمسرحي الراحل ممدوح عدوان، إخراج: حسن عويتي، وكانت تتحدث عن الخوف والقمع الذي يجعل الانسان عاجزًا عن الدفاع عن حقوقه وأرضه، وقد اعتُبرت بداية لمسرح فلسطيني بالمعنى الدقيق للكلمة.

وبعدها قدم معين بسيسو مسرحية "العصافير نبني أعشاشها بين الأصابع" تحت عنوان "الكرسي" وهي من إخراج خليل طافش، وتضمنت خمس لوحات مسرحية شعرية اعتبرتها صحيفة لوموند الفرنسية آنذاك: "أهم المسرحيات التي عالجت قضية فلسطين".

وقدم هذا المسرح أيضًا مسرحية "حلم فلسطين" تأليف: رشاد أبو شاور، إخراج: حسين الأسمر وركزت على فضح القوى الداخلية والخارجية التي تقف في وجه عودة الفلسطينيين إلى ديارهم.

وكانت مسرحية "حفلة سمر من أجل 5 حزيران" من أهم الأعمال التي قدمتها فرقة المسرح الفلسطيني وهي من تأليف المسرحي السوري سعد الله ونوس، إخراج: علاء الدين كوكش وتحدثت عن النكسة وأثر هذه الهزيمة المصيرية وانعكاساتها على الشعب الفلسطيني والعربي، ودعت إلى المقاومة ورفض الاستسلام والإذعان للاحتلال والأنظمة المتواطئة معه. 

وكان آخر عرض لهذا المسرح هو مسرحية "مؤسسة الجنون الوطنية" تأليف: الشاعر سميح القاسم، إخراج: المسرحي السوري فواز الساجر.

وتجدر الإشارة إلى أنه مع بداية السبعينيات وبعد أن دخل جيل جديد من الكتاب للمسرح الوطني الفلسطيني ظهرت أعمال ونصوص مسرحية هامة وقُدمت مسرحيات عديدة في الضفة الغربية وغيرها من المدن الفلسطينية ولعل أبرزها: – مسرحية "قرقاش" لسميح القاسم، وفيها رسم شخصية الحاكم النذل الطاغية والمُغرم بالحروب والقتل وسفك الدماء.

–  مسرحية "شمشون ودليلة" 1971 وهي لمعين بسيسو أيضًا وفيها ركّز على الثورة الفلسطينية وحدها وعلى الكفاح المسلح وآثار النكبة. 

- مسرحية "الباب والقبعة والنبي" للأديب غسان كنفاني وفيها اتهم القضاة والجمهور بمشاركة المتهم بجريمة القتل. 

ولا بد من أن نشير إلى أن أعوام السبعينيات والثمانينيات قد شهدت أيضًا في فلسطين تأسيس عدة فرق مسرحية منها: فرقة "بلالين" التي تميزت بطروحات غير تقليدية وناقشت في مسرحية "العتمة" مفهوم العمل المسرحي كمرآة للواقع يرى الجمهور فيها نفسه، وفي عرضها الآخر "مصارعة حرة" طرحت موضوع التسوية السياسية التي تحاول الدول الإمبريالية فرضها على الشعب الفلسطيني. إضافة إلى فرقة "دبابيس" التي تأسست عام 1973 وفرقة "جامعة بير زيت" التي عرضت مسرحية "الفرافير" ليوسف إدريس التي ناقشت المفهوم الوجودي لموضوع الحرية وحرية الجماعة.

وبالعودة إلى المسرح الوطني الفلسطيني بدمشق نشير إلى أن هذا المسرح قد مرّ بمراحل عديدة ومختلفة :

- المرحلة الأولى: بدأت عام 1968 واستمرت أكثر من ست سنوات وكانت العروض في غالبيتها آنذاك عن العمل الفدائي وأهميته ومنجزاته وضروراته التاريخية والوطنية، ولذلك غلُب على مسرح هذه المرحلة طابع الخطابة المباشرة والحماسة العفوية والعاطفة، ولم يستطع مناقشة مختلف تفاصيل وجوانب القضية الفلسطينية بعمق ونضج، ولكنه في الوقت نفسه لبّى حاجة الناس العاطفية في تلك الفترة.

- المرحلة الثانية: وفيها ابتعد المسرح الفلسطيني عن مخاطبة الجمهور بالشعارات الرنانة والعواطف غير المدروسة وأصبح أكثر عمقًا عما مضى، وتميزت هذه المرحلة بتعدد المخرجين والكتاب والرؤى والأهداف والأدوات الفنية، وبالبحث عن نصوص جديدة ومضامين هامة، غير أن هذا البحث وهذه المحاولات لم تكن ممنهجة وقادرة على إعطاء عناوين واضحة لهذا المسرح وذلك لأن المخرج في النهاية هو وحده الذي يحدد ما يريد وهو وحده يحدد الهدف من العمل المسرحي وآليات العمل والشروط الفنية والفكرية له.

- المرحلة الثالثة: وُلدت في أجواء خالية من العمل المؤسساتي ومن البرنامج الواضح والمُعتمد وقد قادها بجدارة المخرج العراقي المسرحي جواد الأسدي، والذي تعاطى مع المسرح الفلسطيني بشكل مختلف عما سبقه من تجارب، وذلك من خلال مسرحيته "العائلة توت" للكاتب المجري اشتيفان أوركيني والتي تتحدث عن موت الروح في الحروب العبثية وقد حملت الكثير من الرموز والدلالات التي تعبر عن الواقع الفلسطيني والعربي. وحازت على جائزتين في مهرجان قرطاج المسرحي بتونس 1983. ومن خلال مسرحيته "ثورة الزنج" للشاعر الفلسطيني معين بسيسو والتي استلهم فيها أحداث ثورة تاريخية وقعت في القرن الثالث الهجري، وأسقط أحداثها على ما يجري في فلسطين من قتل وتشريد واحتلال، محاولًا إيصال رسالة للمشاهد بأن التحرير لن يكون إلا بالثورة الصادقة النقية البعيدة عن الدخلاء والعملاء والباحثين عن المكاسب الشخصية. ويُعتبر الأسدي من أكثر المخرجين العرب الذين قدموا أعمالًا للمسرح الوطني الفلسطيني مطلع التسعينيات، ولعل الأكثر شهرة مسرحية "الاغتصاب" للمسرحي سعد الله ونوس والتي كتبها عام 1989 وفيها كشف عن الصراع الحضاري بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني وعن عنصرية الاحتلال وهمجيته والتعذيب في سجونه، وكان عرضًا تراجيديًا عنيفًا كما وصفه النقاد.

انشطر المسرح الفلسطيني إذًا إلى نصفين أحدهما بالمنفى والآخر بالداخل، وقد تشبّث الأول بحلم العودة والثاني بما تبقى من الأرض والوطن والحقوق، وتوقف عام 1991  في سورية ولم يعد هناك عمل مسرحي مؤسساتي بالمعنى الدقيق للكلمة. 

ولكن وبعد هذا التاريخ بقيت هناك محاولات فردية وجماعية من فنانين فلسطينيين عاشوا في سورية بعد النكبة ومن فنانين سوريين آمنوا بقضية فلسطين وعدالتها وبدور المسرح السياسي والوطني والاجتماعي، وقدموا عروضًا مسرحية مختلفة عن الهمّ الفلسطيني والثورة الفلسطينية وأوجاعها ومن ضمتها عروض المسرح القومي السوري.

من المؤسسين للمسرح الوطني الفلسطيني بدمشق، من اليمين: عبد الرحمن أبو القاسم، بسام لطفي، يوسف حنا، ونائلة الأطرش


شارك عدد من الفنانين الفلسطينيين والسوريين في تأسيس المسرح الوطني الفلسطيني بدمشق والعمل فيه وتقديم العروض المتنوعة الوطنية والقومية ومنهم:  

- الفنان الراحل يوسف حنا: أحد أبرز مؤسسي المسرح الوطني الفلسطيني بدمشق منتصف القرن العشرين، وُلد في الرامة قرب عكا ( 1943–1993) وكان من الطراز الأول في عالم المسرح. أسس ودرب جيلًا كاملًا من المسرحيين في سورية التي لجأ إليها بعد النكبة. هو رائد سينمائي وأحد أعلام المسرح الجاد والمسرح القومي السوري، وقدّم أدوار بطولة على مدى عشرين عامًا على خشبته مثل: "ماكبث"، "زيارة السيد العجوز"، "رحلة حنظلة"، "رقصة التانغو".

- المخرجة المسرحية نائلة الأطرش: المولودة في السويداء في سورية والمخرجة في المسرح العربي والتي قامت بإخراج أكثر من أربعين عملًا في العالم العربي وأوروبا وأفريقيا والولايات المتحدة. وهي ممثلة مسرح معروفة وممثلة تلفزيون وسينما وشاركت بتأسيس المسرح الوطني الفلسطيني.

- الفنان زيناتي قدسية: عمل في هذا المسرح بسورية وهو من مواليد قرية إجزم في حيفا عام 1948، وشكّل في ثمانينيات القرن الماضي مع الكاتب ممدوح عدوان ثنائيًا مسرحيًا وظاهرة فنية وفكرية ذات خصوصية.

وقد قال عن تجربته "إنه يتذكر جيدًا أنه في عام  1972 أصبح عضوًا ضمن فرقة المسرح الفلسطيني التي كان مقرها مسرح القباني بدمشق، وأن هذه الفرقة عرضت مسرحية "النار والزيتون" للكاتب المصري ألفريد فرج". وأشار في أحد تصريحاته إلى أن المخرج الفلسطيني حسين الأسمر جاء إلى الفرقة عام 1974 قادمًا من القاهرة وأخرج عملًا مسرحيًا بعنوان "التعرية" وكان من بطولته هو والمخرج الأسمر، وقد قدموا هذه المسرحية بمخيم اليرموك في دمشق وفي عدة مخيمات في سورية.

وأكدّ انضمام مخرجين آخرين لفرقة المسرح الوطني الفلسطيني في أواسط السبعينيات منهم الفنان حسن عويتي الذي ساهم في تأسيس هذا المسرح وهو ممثل فلسطيني ولد في عكا عام 1942 ويحمل دبلومًا في الإخراج المسرحي من المعهد العالي للفنون المسرحية ببلغاريا، وقد أخرج مسرحية مأخوذة عن رواية المصري يوسف القعيد "يحدث في مصر الآن" والتي أعدّها المسرحي ممدوح عدوان.

من مؤسسي المسرح الوطني في سورية أيضًا الفنان الراحل بسام لطفي وهو من مواليد مدينة طولكرم وشارك في العديد من المسرحيات على خشبة هذا المسرح: "قسمًا بالدماء"، "شعب لن يموت" و"الطليق"، وكان همه الدائم كما كان يقول إيصال قضية فلسطين.

وكان الفنان الفلسطيني الراحل عبد الرحمن أبو القاسم جزءًا أساسيًا من نواة هذا المسرح ومن مؤسسي المسرح العربي والفلسطيني في الشتات. وقد انضم لفرقة فتح المسرحية أواسط الستينيات وقدّم معها ما لا يقل عن 15 عملًا مسرحيًا. وهو من مواليد صفورية 1942 وعمل أيضًا مع المسرح القومي السوري ومن أعماله المسرحية "الإغتصاب"، "عمو أبو محمد"، "ثورة الزنج" و"المؤسسة الوطنية للجنون".

يقول بعض المسرحيين العرب إن الوضع العربي والفلسطيني اليوم يقف حائلًا دون تأسيس ودعم مسرح وطني فلسطيني، وإن المحاولات متواصلة لنسف الذاكرة والثقافة والحضارة العريقة في فلسطين.

وتقول الوقائع التاريخية إن نكبة فلسطين لم تتوقف يومًا منذ 1948 حتى الآن، وأنها ما زالت متواصلة بوسائل وسياسات أكثر إجرامًا ووحشية، وأن الفنون جميعها ومنها المسرح يجب ألا تكون شبيهة بانكسارات الوضع الفلسطيني والعربي بل نقيضًا لكل ما يجري فيه، لأن المسرح كما قال الروسي قسطنطين ستانيسلافيسكي: "ما لم يستطع أن يعظمك ويجعلك شخصًا أفضل فعليك الهروب منه".

مراجع: 

مركز المعلومات الوطني الفلسطيني 

الموسوعة الفلسطينية  

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.