من الصحيح أن يهود المغرب ولدوا وعاشوا في المملكة، وكانت لهم خصوصيتهم الثقافية، التي من أحد مظاهرها مثلًا "أحياء الملاح" (يُطلق اسم "الملاح" على الحي الذي يقطنه اليهود في المغرب، وأصل التسمية أن أول حي يهودي تم تشييده كان في مدينة فاس، وتم بناؤه في منطقة تجميع وتخزين الأملاح، من أجل تصديرها عبر القوافل إلى أوروبا)، إلا أن ظهورهم الأول في عالم الفن السابع كان على ما يبدو من خلال أفلام وثائقية تظهر خصوصًا أنماط العيش التي كانت تميز اليهود داخل المجتمع المغربي، وتصور تقاليدهم وطقوسهم في العبادة، كما أفكارهم ومعاملاتهم التجارية التي برعوا فيها.
ويعتبر شريط "يا حسرة دوك ليام"، ومعناه "يا ندمي على تلك الأيام"، أحد الأعمال السينمائية التوثيقية التي عملت على إبراز حياة اليهود المغاربة، خاصة خلال سنوات الخمسينيات من القرن الفائت، مسجلًا كيف وصل اليهود إلى المملكة، كما صور طقوسهم التعبدية الخاصة، واحتفالاتهم الدينية مثل "يوم ميمونة"، وعاداتهم الاجتماعية الكثيرة، ومظاهر أخرى من حياتهم في أحياء الملاح.
ففي إطار التوثيق، تبدو هذه الأفلام أقلّ إثارة للجدل، خلافًا للأفلام الروائية. فقد شهدت العاصمة الألمانية برلين خلال الشهر الجاري، تظاهرةً سينمائية نظمتها جمعية أصدقاء متحف التراث الثقافي اليهودي المغربي، والمتحف اليهودي في برلين، حيث تم عرض فيلم "العودة إلى أولاد مومن" للمخرجة إيزة جنيني، و"من أجل إشبيلية جديدة" للمخرجة "كاثي وازانا"، و"يهود المغرب مصائر متناقضة" للمخرج يونس الغراري.
وجدير بالذكر أن فيلم "تنغير - القدس" أثار جدلًا كبيرًا حين عُرض عام 2012، حيث انقسم المغاربة بين رافض للفيلم باعتبار أنه يدعو إلى التطبيع بين المغرب وإسرائيل، وإظهار اليهود كشعب مسالم ومتسامح، وبين مؤيد للفيلم بدعوى أنه يحث على نشر قيم السلام بين العرب والإسرائيليين.
وقبل فترة قصيرة استضافت مدينة الدار البيضاء أيضًا مهرجانًا للأفلام عن يهود المغرب، وهو ما أثار كذلك سجالًا حادًا، حيث اعتبر الرافضون أنه مهرجان سينمائي يقوم على السعي إلى التطبيع مع إسرائيل من بوابة السينما والفنون والثقافة، كما اتهموا الأفلام بكونها ممولة من شركات صهيونية.
وانتقدت جهات معادية للتطبيع بين المغرب وإسرائيل، تنظيم مهرجان عن أفلام تناقش موضوع اليهود المغاربة، بدعوى أنها أعمال ترتكز على الدعاية للثقافة الصهيونية، تحت غطاء إظهار حياة اليهود بالمغرب، وبأنها أفلام تجعل من المغرب "خارجًا" من إجماع الأمة الإسلامية الرافضة للتطبيع مع الإسرائيليين.
وبالمقابل، ذهبت أطراف ساندت تنظيم مثل هذه المهرجانات الفنية التي تقارب موضوع اليهود المغاربة، إلى "أن الفن لا هوية ولا دين له، وبأنه ليس جريمة تناول حياة فئة من المجتمع المغربي بغض النظر عن ديانتها أو عقيدتها، وبأن سماء الفن السابع شاسعة ورحبة تظل الجميع، مسلمين ومسيحيين ويهوداً".
وعرض في المهرجان ذاته عدد من الأفلام التي اتخذت اليهود موضوعًا لها، منها فيلم "فين ماشي يا موشي" لحسن بنجلون، وفيلم "وداعا أمهات" لمخرجه محمد إسماعيل، وفيلم "موت للبيع" لفوزي بنسعيدي، وفيلم "ماروك" لليلى المراكشي، وفيلم "الرجال الأحرار" لإسماعيل فروخي.
حضور قليل في الأدب
وأما في الأدب فقليلة هي الروايات والأعمال الإبداعية التي تناولت حياة اليهود بالمغرب، فيما عكف كتاب على رصد وسرد تاريخ اليهود المغاربة، وإقامتهم في مختلف أحياء الملاح، ثم هجرتهم إلى إسرائيل.
ولعل من الأعمال الأدبية التي تطرقت إلى موضوع اليهود المغاربة رواية "أنا المنسي" للكاتب المغربي محمد عز الدين التازي، حيث حاول سبر أغوار المجتمع اليهودي المصغر داخل المغرب، مقتفيًا أثر هذه الشريحة من المجتمع من حيث تاريخها منذ قرون خلت، إلى حين هجرة اليهود إلى "أرض الميعاد"، وفقًا لتعبيرهم.
وبالتطرق إلى موضوع أدب يهود المغرب لا يمكن البتة إغفال كتابات الكاتب الراحل اليهودي من أصول مغربية "إدمون عمران المالح"، المتوفى في 2010، الذي كتب باللغة الفرنسية العديد من المؤلفات التي خصها للحديث عن قيم المساواة والعدل ورفض الظلم، حيث انحاز إلى قضية الفلسطينيين في خضم المحنة التي يعيشونها.
واعتنت جل كتابات "إدمون عمران المالح" بموضوع التعايش الحضاري بين المسلمين واليهود، من خلال مثال المجتمع المغربي الذي تساكن فيه الطرفان جنبًا إلى جانب بشهادته الخاصة، باعتبار أنه عاش أغلب فترات حياته في المملكة، كما كتب كثيرًا عن العادات المغربية، وقارنها بالعادات والتقاليد اليهودية، ولم يفته انتقاد السياسات الصهيونية.