}

مصطفى رحمة يعيد ألق "هوانم" أم كلثوم

وفاء صبيح 22 أبريل 2018
يليق بتطلعات مصطفى رحمة الفنية عنونتها بـ (لنجعل من الحلم حقيقة)، حلم الفنان المصري الغارق في تفاصل مجتمعه الحياتية فكرًا وأدبًا وثقافة، لا سيما وأن "مصر اليوم فقدت قوتها الناعمة".

يعيد رحمة "للمرأة حقوقها التي سلبت على مدار السنوات الماضية. ماذا حدث للمرأة في مصر، بعدما ظهرت في العشرينيات من القرن الماضي بما يليق بها ويتوافق مع تاريخها المدون في المعابد القديمة".

للمرأة مكانة "مميزة عندي تليق بها، لما لها من أواصر محبة عندي، فهي لا شك النموذج الأثير عند كل الفنانين، بل أغلبهم، وواضح من عناوين معارضي أنني أتمثل الهوانم بلوحاتي تلك اللواتي بأغنيات أم كلثوم، فقد كانوا مصدر بهجة مثلما كانت أيامهم".

بصمة رحمة التشكيلية تتقارب أو تتقاطع إلى حد بعيد مع عوالم الفنان الكولومبي فرنانديز بوتيرو ... الضخامة والمبالغة التناسبية في رسم العنصر داخل اللوحة، انعكاس لرؤيته الفنية والشخصية كأن تجد الجمال الأنثوي فائضا عن حده، ما ينعكس في تكويراته وخطوطه اللينة. يجيد هنا فن الغواية التشكيلية كما تجيد نساؤه الغواية لونًا وصخبًا وغنجًا. لخّص رحمة القول "هو أسلوب فقط، قليلون هم من تناولوا المرأة شبه البدينة كما أرسمها، هناك فرنانديز بوتيرو، الذي تناولهن في أغلب أعماله، أحببته دونما وقوع في شرك تقليده، فنسائي مصريات صرف، مع حفظ النسب كمن درس التشريح تماماً".

لا يأخذ رحمة، عادة، الثيمات التشكيلية الرمزية للمرأة، الأرض، الحياة، الشهوة الحية، القطة، على محمل الجد حينما يرسم، "مما لا شك فيه أن أنوثة المرأة (إن كان لديها أنوثة) هي ما تأخذني باتجاه أن أرسمها، والأنوثة غالبًا ليست مرتبطة بالشكل أو القوام"، فيما يتناول رحمه العلاقة الجدلية بين الأنثى والرجل "من منظور ميثلوچي توراتي، كآدم وحواء وقصتهما المعروفة. الرجل حارس للمرأة لا هيمنه له عليها".



 يؤكد رحمة أن "الفنان لا يرسم الواقع ولكن يعيد تشكيله، حيث أن العملية الفنية تخضع – حتمًا – لعامل الزمن والتغيُّر والتحريف. عندها يحاول الفنان نقلَ تلك اللحظة إلى القماش عِبْر موشور الفكر والخبرة والمهارة والأسلوب. ولذلك قيل (إن الرؤيا تكون دائمًا أكثر سطوعًا وإثارةً من تصويرها على القماش).

 

التحريم والتجريم

الوعي الفني بدأ لدى الفنان مصطفى رحمة يتشكل من خلال الكتاب وليس من غيره، ومن يتابع صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي يرى أنه لا يكاد يخلو منشور من التأكيد على أهمية القراءة، إيمانًا منه على أهميتها حسب قوله: لو مجتمعنا قارئ بالضرورة، لتمكن كثيرون من قراءة اللوحة الفنية ولكانت بديلًا عن الأنماط المعروفة والساذجة والتي تم منعها هي الأخرى بدعوى تحريم  الصور وتجريم التمثال.

مصير الفن العربي الذي يتجه سقوطًا، يؤرق رحمة، مع اتساع رقعة التشدد والتطرف، بعد أن تتالت الهزات المتعلقة بكسر وتحطيم النصب بذريعة الغيرة على الدين، وحفاظًا على المجتمع، فيما "تفوش" على السطح معالم ثقافة الانحدار بديلًا عن الثقافة التنويرية بكل اتجاهاتها الفكرية والفنية". يضيف أن "(المساخيط)، وأقصد التماثيل، التي جافت الذوق العام تماماً، والتي نثروها في عدة محافظات مصرية، روّعني تدني مستواها بداية بتمثال الأديب نجيب محفوظ، والذي سخر منه بخفة دمه المعروفة عنه، وقال قولته الشهيرة يوم رآه: ذكرني برواية الشحاذ، وانتهاء بتمثال (العميد) بمدخل حي الدقي، وحتى تمثال أم كلثوم لم يسلم منهم، بعدما دهنوه بالاستيكة! كما فعلوها بأسود قصر النيل في وقت سابق".

كما تحاك مؤامرات في السياسة، ثمة مؤامرات أخرى تحاك ضد الفن والعلوم الإنسانية بحيث   تبقى الشعوب على جهالة، حسب رحمة. وربما يرى مصر نموذجًا لها "حدثت المؤامرة يوم ترك المصري المطرقة والإزميل، بعدما صنع حضارة، قدّرها الغرب حق تقدير وأعطاها ما تستحق، واثقًا من أنها أسست لما يسمى اليوم بتراث الحضارة والتي نحتل فيها مساحة تليق بنا، ولم نكررها، جاء من يروج لتحريم التماثيل (يوم هدّموا تماثيل بوذا بأفغانستان استعانوا بجهاديين مصريين)، أيضاً روجوا لوجود الشيطان بين تفاصيل اللوحة المرسومة، وما هي إلا فرّية لتحريم كل أشكال الفن، لحساب فقر الفكر ومحدوديته، وكأن المصري مقصود لذاته للدخول في ترّهات كثيرة".


الإيحاء بالجماليات

يؤكد رحمة أنه ليس من مهمة "الفنان والفنِّ أن يعظ، بل أن يوحي بمشاعر وانطباعات وأحاسيس وجماليات، لإشراك المُشاهد ككائن فاعل في منظومه ثلاثية: اللوحة، الفنان، المتلقي، ولذلك نجد أن الكلمات المستخدَمة للتعبير عن التفاعل مع العمل الفنِّي هي: يحس، يشعر، يتذوق. فمن منا لم يتأثر بعمل فني ما، وتفاعل معه، لذلك ليست مهمةً معرفة دوافع الفنان ومقاصده وأفكاره ومشاعره لكي يتذوق المُشاهدُ متعةَ الأعمال الإبداعية، بل عليه أن يتعلم كيفية النظر إلى اللوحة، ولا بد من تثقيف الناس حتى يجدوا في الدنيا ملاذاً آخر يجهلونه حتماً، ويعرفوا أن للدنيا جانبا آخر جميلا ومشرقا، بدلاً من أن تتخطفه الزوايا وتجعل منه مشروعا أُصوليا".



رسالة الفن تشعبت في ظل الحروب والأزمات السياسية والاجتماعية العربية، ويجوز لي الاعتقاد أن  الفنان رحمة في حالة صدام مع واقع مر، رغم قناعته بأنه "لم تعد للفنون رسائل كي تتحول كأداة لتوصيل معان أو رسائل مشفرة، ومسألة مثل هذه تحتاج ثقافة رفيعة لدى المتلقي، والكاريكاتير كان له الدور الحاسم في مثل هكذا شيفرات، ودوره بدأ ينحسر في أغلب المجتمعات"، غير أن رحمة يوضح أن "العلاقة بين المتلقي والعمل الفني باتت في انحدار رغم الحالة الاستثنائية الفكرية والثقافية لبعض رواد الصالات لكن في النهاية هناك لغة السواد  لثقافة مجتمعه". العلاقة التي تقوم بين المُشاهد والعمل الفني تساهم في رفع سوية الحسِّ الجمالي والتآلف وحب العمل لدى المُشاهد، من جهة، وترفع من القيمة المادية والعاطفية للعمل الفني، من جهة أخرى، لأن العمل الفني لا يمكن له أن يقدِّم للمُشاهد ما يفتقر إليه، فهذا الأخير بحاجة لثقافات آخرى حتى يكون ملماً بالتشكيل، ويكون من رواد المعارض، ليس بالضرورة للشراء، ولكن كي يخلق لنفسه رئة ثالثة يتنفس بها بالفن، شرط ألا يكون بطنه خاويا، من الجنون أن نطالبه بذلك، فالحياة لا تستقيم من دون الكفاية والعدل".

معزوفة الفنان مصطفى رحمة التي هي في سياق سيرته الفنية التشكيلية وثيقة الصلة بشخصية كرتونية ابتدعها (ماجد) وحكاياته في  قصص تركت أثرها على أجيال عربية ومصرية. وقد اعتبر البعض أنها أهم المراحل في حياته التشكيلية غير أن رحمة قد تخلى عن البطل- الحكاية إلى اللاعودة "أعتقد فعلت ما لم يفعله رسام في هكذا مجال، رسمت للأطفال ما يربو على ثلاثة عقود وأكثر، وأعتقد أنها كافية، وفخور بها تماماً، وكان معنا الفنان السوري علي فرزات، الذي رسم للمجلة سنوات معدودات، وهناك جيل جديد لديه المقدرة على تقديم كل ما هو جديد بعالم كتاب ومجلة الطفل والنشء".  

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.