}

ريتا أديب.. الذكورية في محطاتها الطويلة

أحمد محسن 26 ديسمبر 2019
تشكيل ريتا أديب.. الذكورية في محطاتها الطويلة
ريتا أديب
الضخامة التي تستعيرها ريتا أديب لرسومها ليست مجرد رغبة عابرة بتضخيم الذكورة وتصوير بشاعتها، بقدر ما إنها محاولة للإشارة إلى ارتباط الحالات الذكورية ببعضها البعض في حلقات. والسُلطة التي تقترن بالذكورية بالتحديد، هي ثيمة معرض هذه الفنانة السورية في بيروت (غاليري رميل)، الذي يحمل عنوان «في ذكرى الأبوية».

لعدة أسباب يمكن القول إن «اللجام، التاج، الجزرة»، وهو العمل الفني المعروض إلى جانب اللوحات التي عرضت تحت عنوان «في ذكرى الأبوية»، هو استعارة فائضة عن الواقع. ذلك أن الأدوات المستخدمة ببراعة، هي أدوات قروسطية، كما توضح الفنانة في شروحاتها حول اللجام، الذي كان يستخدم لمعاقبة المرأة في تلك الحقبة.

وليس الانقطاع عن الحاضر بالتحديد ما يجعلها أوسع منه، بل الانقطاع عن المكان الذي تعرفه الفنانة ويعرفها. بقليل من الاستسهال، يمكن القول إن جانباً من جوانب الحقيقة لا يستقيم من دون الفهم الكرونولوجي، وأن مهمة الفنون ليست الحقيقة دائماً. وربما هذا ما قصدته الفنانة في العودة إلى اللجام، أي القول إن «الأبوية» بلا تاريخ، أو أنه تاريخ سميك فوق قلوب النساء. وفي هذا الجانب يصير ارتداؤها للأداة واضافة التجربة فوتوغرافياً بمثابة الإضافة للعمل الفني بأسره، بل مدخل لفهمه أيضاً، كون العمل كله عبارة عن معاناة شخصية. يجب التخلص من التاريخ، للتخلص من اللجام.

 أفيش معرض «في ذكرى الأبوية» 

















ليست «الأبوية» مشكلة بل إنها نظام يجب التخلص منه. هكذا، تمرّ محطات الذكورية في أكثر من محطة لكن ما لا يقتلها يجعلها أقوى. تكتسب قدراً أكبر من الضخامة بانتقالها من حلقة أخرى. ليست مجرد سُلطة ثابتة يمكن الإشارة إليها بالإصبع بل إنها سُلطة متحركة بين اللوحات. الأبوية تبدأ من المنزل وتنتهي في سجن آخر هو سجن النظام الحاكم والمتسلّط وبينهما تعبر المراحل. الحلقة الأولى هي العائلة وموقع الرجل المتقدم في العائلة. الطابع الهزلي للوحة مقصود غالباً، والأجساد الهائلة المرسومة بألوان ترابية، مع أفواه عريضة وأسنان ناتئة، هي أجساد عامة لا يمكن التمييز بينها، وقد اختارت أديب الرمز المباشر للتفرقة الجندرية.

وهذا الاستخدام رغم قوته التعبيرية إلا أن طابعه يفتح السجال عن جدوى الرموز المباشرة في عملٍ يقوم في أساسه على مجموعة استعارات، بدت مناسبة لمطاردة الأبوية والانقضاض عليها في مواقعها المتحركة.
لا تشت الصور التي نشاهدها في المعرض كثيراً عما نعرفه، أو ما يمكننا أن نتخيّله. في إحدى اللوحات، يحضر جسد المرأة عارياً، ولكن من دون ابتذالات، وبالحفاظ على صورته الرافضة للانصياع خلف تصورات الرجل للجسد الأنثوي. امرأة تطحن الكرة التي تقف عليها. ما يمكن فهمه من لوحة «سيرك» يتلخص بوجود المرأة في مخيلة الذكورة كحالة رديفة، أو كياناً ناقصاً يؤدي وظيفته كما تفترضها الذكورية: محاورة الشهوة وإكمالها. تختلف الصورة قليلاً في لوحة «المعلق»، حيث تنتقل إلى محطة أخرى، من دون أن يخل ذلك بموازين القوى السائدة داخل جدران البيت البطريركي. في هذه اللوحة، بالتحديد، تبدو أفكار ريتا أديب أكثر نضجاً من بقية اللوحات، كونها تبحث في توزيع المساحات بوصفه توزيعاً غير عادل للقوة، ويستند إلى الهرميات نفسها. هذه الهرميات التي تبلغ سقفاً مرتفعاً، هو الهوية القانونية للنظام، الذي لا يلحظ المرأة في العائلة، عبر استثناء الذكر «الوحيد» في العائلة من الخدمة العسكرية حسب القانون السوري للأحوال الشخصية.

في جميع أعمال ريتا أديب تقريباً، هناك تركيز كبير على ماهية السُلطة الذكورية وآليات عملها

 
















بشكل عام يمكن القول إن أفكار أديب تصل إلى المشاهد، أحياناً بصلابة الوسائط وقدرتها على إنجاز التمثيلات المطلوبة مثل النحت والصور الفوتوغرافية، وأحياناً بطريقة مباشرة أيضاً في اللوحات الزيتية. 

في جميع الأعمال تقريباً، هناك تركيز كبير على ماهية السُلطة الذكورية وآليات عملها، إن كان ذلك بهيمنة الذكر على المركز تقريباً في جميع الأعمال، أو بتتبع التمرد النسوي على هذه الصورة. إضافة إلى ذلك، يحسب للمعرض أنه لا يهمل «الخصوصية» السورية، المتمثلة بالعلاقة الأبوية المكرّسة قانونياً. فهم هذه العلاقة على مستوى «وطني»، أعمق من مستواها «العائلي» ينقلها من حلقة ضيقة إلى حلقة أوسع. وفي بلد مثل سورية، سيحيلنا إلى أسئلة أكثر وضوحاً عن الدور «القيادي» للأب والدور السُلطوي للوريث. وتالياً سيحيلنا هذا الدور إلى عنف أكثر سطوعاً، من دون اغفال الجذور البطريركية للسُلطة ومآلاتها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.