}

وجوه رولا أبو صالح.. ملامح الحرب

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 28 أكتوبر 2021

 

 

رسومٌ مُبسَّطة، هكذا تبدو، ولكنها شخوصٌ تخفي تأججها الداخلي. رولا أبو صالح في معرضها الأخير بغاليري جورج كامل في دمشق، والذي أقيم من 11 أيلول/ سبتمبر إلى 23 منه، وضم 16 عملًا، تحاول أن تصدمنا وهي ترسم بـ"الظلّ" الأسود العنيف، ولكن المندفع والمتوهج، مشاعر شخوصها، لتكشف عن الجوانب الحسيّة بالرغم من أنها تعيش في عالمٍ فظٍ خشن، غير أليف. الفنانة التشكيلية السورية في معرضها هذا تحاول أن تحقق ذاك التوازن بين الروح والمادة لشخوص يبدون بقلوبٍ ورغائب طفوليّة، متعطشين للحياة. فترى صورهم- ترسمهم بحركات إلى الأعلى وإلى الأسفل، هم في صقيع وفي حريق، متألمون جدًا، هم في حمّى، في تشنجات ونوبات، شخصيات ذاهلة، مذهولة، منذهلة في عتمة قاتلة تحسّهم غرباء مبالين بالحياة، ولا مبالين بها، غير أنّ معاناتهم شديدة.

تحاول أبو صالح تعرية ما كان مخبوءًا في أعماقهم، في رؤوسهم- رؤوسهنَّ، بتكوينات صارمة، وبتضادات دراميّة بين الظلمة والنور، ما يكشف عن ذبذبات أفكارها ووهج روحها الخفيّة.

أينما نظرتَ إلى لوحات المعرض ثمّة لوثة في الوجوه، نظرات زائغة، خوف، ضيق، ملل، إحباط، احتجاج. هناك احتجاج وإصرار على الاستحواذ على الوجود. وجوه في وضعيات مختلفة، في حالات نفسية مذعورة ولكن ضارية- لا نعرف إذا كانت الوجوه متأثرة بحالة الحرب الدائرة منذ أكثر من عقد من الزمن، وهذا موقف أو رؤية الفنانة رولا أبو صالح لها، فترسم هذه الوجوه باعتبارها ضحايا حرب، ترسم شعورهم، مشاعرهم، مواقفهم منها، من هذه الحرب: اضطراب، غربة، اغتراب، عداوات، ألم، آلام من إهانةٍ لإنسانيتهم. لقد أهينوا، حربٌ أهانتهم، وما عادوا ليتنازلوا عن ألمهم، ألمٌ صار يعادل وجودهم، ألمٌ يؤنسهم وإلا صاروا وحوشًا.

الفنانة - كما يبدو- متورطة مع هذه الوجوه في اجتراع آلام الحرب، وإلا ما هذه الوجوه التي تبدو في حالات من الهول الروحي رغم تجمعهم، لكنهم- كما يبدو أيضًا- وحيدون إلى درجة التوحش، يكتمون صراخهم يمارسون معادلاتهم في كيمياء الربط والفك.



خطوط، ظلال سوداء وأخرى بيضاء، أفكار، صور شخصية، أو بورتريهات، رسوم توضيحية ولكن مرسومة بانفعال قوي، وباندفاع خفي سافر، وبوعي متعمَّد. وجوه متراصفة لا تنام، ليست في حالة نوم، وجوه في حالة هيجان وتوتر، يقظة، متيقظّة. خيط أسود وآخر أبيض، وجوهٌ في حالة انفعالٍ عنيفٍ. أسود وأبيض، ظل ونور لكنهما في أعمال أبو صالح يكتسبان قوّة (لونيّة) تخفي زعيقًا، صراخًا. أسود وأبيض يحققان صورة جريئة، وحدة تكوينية، لونًا، شكلًا، موضوعًا، وبقدرات تكنيكية مثيرة.

خطوط مستقيمة ومنحنية، كتل مستقرة وفكرة- أفكار مرسومة بتضادٍ قوي وشديد بين الأبيض والأسود، تدفع بها الفنانة إلى أقصى إمكاناتها التعبيرية لتُعبِّر عن المأساة التي يعيشها الإنسان، فتبدو في لوحاتها هذه مثل ملدوغةٍ في روحها. فالوجه، الوجوه ليست أشباحًا، هي وجوهٌ في حالة خوفٍ من الفراغ. بل هناك أشباحٌ خلف الوجوه تحاول أن تلقي بنا خارج الإحداثيات المألوفة- خارج وسطنا الإنساني وعلاقاتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسيّة، فتصير وجوهًا تعاني خواءً فكريًّا حتى لو بدا عليها التأثُّر في رغبتها في الحياة، ودهشتها مما يجري من مؤامرات علينا كي تذوب وتتلاشى.

الفنانة رولا أبو صالح في معرضها هذا تدافع عن وجوهها التي تنتصبُ في أعلى سيقان أشجارها، وجوهٌ مثل أشجار، أو آدميون أشجارٌ ملتفةٌ سيقانها على سيقانها في وحدةٍ، في اتحادٍ متفرِّدٍ ومُتجمِّعٍ في الآنِ معًا.

 

رولا أبو صالح: ولدت في دمشق عام 1982، وتخرجت من معهد أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية عام 2007، وعملت مدرسة فنون في مركز الثقافة العربي، وصممت المجوهرات لأكثر من 5 سنوات (2002-2007)، عملت كمصممة جرافيك وأيضًا عملت في مجال الرسوم المتحركة للعديد من مراكز الأطفال.

رولا فنانة تجريدية وواقعية وتعبيرية ورمزية بعيدة عن التقليد، في لوحاتها يمكنك التعرف على كيفية ظهور خطوات البحث عن الأجواء المرئية والتقنية المتغيرة، للوصول إلى مساحة من التناقضات. منذ بداياتها، اتحدت رولا بالطبيعة، والأشكال الصامتة، والزهور والوجوه- البورتريه، وشكلت الرموز الطفولية الأولى، لرؤية الأشياء ككل، وهواجس غامضة وخفية، في تصوير سحر الرؤى الخيالية، تقول: "لوحتي بالنسبة لي تجربة لرسم ما في داخلي في محاولة لاكتشاف الهدف من الحياة أو الحقيقة أو بالأصح ربما هي محاولة اكتشافي لذاتي، ربما كل محاولاتي هي في العودة لوعي الطفولة الفطري واكتشاف ما في العمق. عبر اللوحة أعطي فرصة لما في داخلي بالظهور والتجسد".

 





الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.