}

في حصاد الثقافة العربية 2023: بشاعة الحرب على غزة(4/4)

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 14 يناير 2024
هنا/الآن في حصاد الثقافة العربية 2023: بشاعة الحرب على غزة(4/4)
شن الاحتلال الإسرائيلي هجمة غير مسبوقة على غزة (Getty)
بالرغم من الأوضاع الاقتصادية المتردية نتيجة الحروب التي تعصف بالعالم، لا يزال للثقافة حضور بالغ الأهميّة على الصعيدين العربي والعالمي؛ فمن المهرجانات الفنية والأدبية، إلى المعارض، وتحديدًا معارض الكتب، ثمّة حضورٌ لافت، وجمهور يأبى الخضوع لصوت الرصاص، بل يتجه إلى الثقافة وحدها، وكأنها البلسم لكل ما يسود العالم من ظلم، أو عبوديّة.
في حديثنا إلى مجموعة من الكتّاب والمثقفين العرب، حول أهم الكتب التي صدرت خلال العام المنصرم 2023، وكذلك حول أبرز الفعاليات الثقافية، نجد أنّ للثقافة الدور البارز في معظم البلدان العربيّة، إذْ ثمّة توجّه ملحوظ نحو إحيائها بعد ركود طاول هذا القطاع أيضًا، بسبب الموجات المتتالية والمستمرة لكورونا (كوفيد ـ 19).
هنا القسم الرابع والأخير:

سعيد الباز (شاعر مغربي):
احتفاء بالأدب المغربي


لم تكن هذه السنة جيدة، ولا سيئة، فحسب. بل سنة سيئة على نحو جيد. لقد عرفت تواصلًا مستعرًا للحرب في شرق أوروبا. وفي أنفاسها الأخيرة، اندلعت الحرب على غزة، ببشاعتها وفظائعها. إنّها سنة ستبقى عالقة في الأذهان والضمائر الحية. إنّ من الأمور المعتادة، والتي جرت بها العادة، أن تكون في مقدمة الحصيلة الثقافية والفكرية لكل سنة أن تتقدمها جائزة نوبل للآداب باعتبارها أرفع الجوائز، أو على الأصح تمّ اعتمادها كذلك، وإن كانت في مرات عديدة مخيبة للآمال. هذه السنة كانت نوعًا ما استثنائية، فقد نالها الكاتب والمسرحي النرويجي يون فوسه المتعدد في الإنتاج الأدبي، فهو شاعر له مجموعات شعرية مهمة، ومترجم رواية "المحاكمة" لفرانز كافكا إلى النرويجية، وعدد من القصص والأشعار لكتاب ألهموه، وكاتب قصص للأطفال، وناقد أدبي متمرس، وروائي متميز بأسلوبه الروائي الفريد. لكن مسرحياته هي التي قدمته إلى العالم، رغم أنّه لم يكتشف نبوغه في الكتابة إلّا بالصدفة، وبشكل متأخر نوعًا ما. وكأنّي به يعود من جديد إلى أمجاد المسرح النرويجي على يد سلفه القديم هنريك إبسن، وإن كان مسرح يون فوسه أقرب إلى الأيرلندي صامويل بيكيت. إنّ الاستثناء مرده في حالة يون فوسه إلى الفوز بالجائزة من بوابة الرواية والمسرح معًا، معيدًا الاعتبار إلى المسرح الذي ظلّ ردحًا من الزمن يشكو من هيمنة الرواية عليه، وعلى غيره من الأجناس الأدبية، بالإضافة إلى أنه استطاع أن يعود لرابع مرة بجائزة نوبل للآداب إلى بلاده النرويج بعد غياب طويل. في كل الأحوال، نحن نجد أنفسنا أمام كاتب ذي ميزات خاصة أهمّها خاصية النثر البطيء شديد الولوع بالتكرار اللفظي المتجانس في الإيقاع من دون أيّ اهتمام يذكر بعلامات الترقيم، أو إشارات ترشد القارئ سوى جمله المتدفقة في نوع من الانسيابية، في إطار عام مغرق في الصمت. لكنّه صمت يكاد يضجّ بالتعابير الأكثر حدّة، والمشبع بالقلق الوجودي والإنساني، يبدو مثل شلال خافت الصوت في ما تتدفق منه المياه الهائلة... ولغرابة الصدف، فوسه اسم الكاتب يعني باللغة النرويجية (شلّال). لكن في مستوى آخر، نجد أنّ المكتبة العربية ما زالت تفتقر إلى المتابعة عن طريق الترجمة المواكبة، فليست لدينا للأسف من أعمال يون فوسه سوى رواية "صباح ومساء"، ورواية "ثلاثية"، أو مسرحية "الكلاب الميتة".
في السنة ذاتها، مغربيًا، نال عبد الفتاح كيليطو جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والأدب. وذكرت اللجنة أن سبب فوزه "براعته في تأويل الأعمال السردية العربية القديمة بدراسات مكثفة، أحاطت بها في شتى أنواعها"، رفقة زميله وصديقه عبد السلام بن عبدالعالي الذي حاز بدوره على جائزة العويس الثقافية. إنّ عبد الفتاح كيليطو، وعبدالسلام بن عبدالعالي، ليسا صديقين فقط، بل حالة فريدة من نوعها قد لا نجد مثيلًا لها في البلاد العربية، بل هي أقرب إلى شراكة ورابطة فكرية عميقة ومتينة تجمعهما باتّجاه الفلسفة ممثلة في عبد السلام بن عبدالعالي، والأدب ممثلة بعبد الفتاح كيليطو، أو بين التفكيك لدى الأوّل والتأويل لدى الثاني. كما اشتبكا معًا وبشكل متصل من خلال واجهة الترجمة حين يترجم بن عبدالعالي لكيليطو، أو يكتب الواحد عن مؤلفات الآخر، أو أن يتحاورا في أسئلة شائكة تشكل اهتمامهما ومقاربتهما الشخصية، كالتعدد اللغوي، أو قراءة النصوص والوقائع... إنّهما في نهاية الأمر مشروع واحد بأوجه عدة، مثل نهرين من منبعين مختلفين سرعان ما يتوحدان في مصب واحد. لكنّهما بفضل مؤلفاتهما المتواترة والمتعددة في اختلافاتها يكسبان الأدب المغربي الحديث والراهن حيويته المتميزة.

أصالة لمع (شاعرة لبنانيّة):
سيرة شاعر


بالنسبة لي، كان هذا عام القراءات المعمقة التي تدفعنا إلى البحث، وأيضًا إلى الكتابة. من أكثر الكتب التي أثرت بي هذا العام يخطر لي أولًا سيرة الشاعر الأميركي تشارلز سيميك "ذبابة في الحساء". أعتقد أنه على كل شاعر أن يقرأ هذا الكتاب، الذي يشرح فيه سيميك المخاض الذي اجتازه قبل أن نعرفه نحن كواحد من أهم شعراء النثر المعاصرين، وهو مكتوب بصدق ونبل، وبلا أي تكلف، كمن يقف أمام صورته في المرآة.
الكتاب الثاني هو رواية "أكاذيب الليل"، تحفة جزورالدو بوفالينو التي كانت آخر ترجمة يعمل عليها الشاعر اللبناني بسام حجار قبل وفاته (عن الفرنسية) وتابع الترجمة بعدها عن الإيطالية هذه المرة، المترجم والشاعر السوري أمارجي، لتصدر عن دار الرافدين كتحفة أيضًا باللغة العربية. اللغة في الرواية مشغولة كقطعة من الكريستال حتى نكاد ننسى أننا نقرأ رواية مترجمة. سحرني هذا الكتاب بكل المقاييس وقرأته لمرتين متتاليتين ومتأكدة أنه سيبقى معي لوقت طويل. جعل بوفالينو قصته تدور في زمان ومكان ضيقين للغاية: الليلة الأخيرة في السجن لأربع محكومين بالإعدام، لكنه ناقش أكثر أسئلتنا حيرة ووجودية، بالرقة التي تشبه الشعر. قرأت بعدها ترجمة أخرى لبسام حجار هي "شمس آل سكورتا" للكاتب الفرنسي لوران غوديه، ومع أن الفرنسية هي لغتي الثانية، وأستطيع القراءة بها، إنما أصبحتُ متأكدة أن بسام حجار يترجم كأنه يكتب، وحين أقرأ ترجمة له فأنا أقرأ أيضًا شعر بسام حجار، ولغته التي أحب.
كتب كثيرة أخرى أثرت بي، كرواية "الهدنة" لماريو بينيدتي، بترجمة صالح علماني، "محاضرة في المطر" لخوان بيورو، بترجمة ساحرة كالعادة لمارك جمال، "منازل الأمس" للكاتب السوري سومر شحادة التي تعالج بفرادة مدهشة وبكثير من العمق موضوع الزواج والعلاقات تحت ظل الحرب الثقيل، و"أحفاد سقراط" للكاتب علي حسين، كمدخل إلى مراجع فلسفية كثيرة.
في الشعر، وهو المكان الذي أشعر فيه أنني نفسي، كان هذا عام قراءة مكثفة جديدة للساحر أنسي الحاج، بعد صدور الجزء الأول من أعماله الكاملة عن منشورات المتوسط. كما أعتقد بأنني تمنيت لو عشت في القرن التاسع عشر لألتقي بسيدة أميركية أظنها كانت تشبهني كثيرًا هي إميلي ديكنسون.

مروان عثمان (قاصّ مصري):
كتب اليوميّات والسيرة الذاتيّة


بدأت العام الماضي بقراءة "يوميات وجيه غالي"، وأنهيه بقراءة سيرة عادل أسعد الميري "كل أحذيتي ضيقة". وبينهما، قرأت من التصنيف نفسه؛ السيرة الذاتية لجيوكندا بيللي "بلدي تحت جلدي"، السيرة الذاتية لدان فانتي، ويوميات همنجواي في باريس "وليمة متنقلة"، ورواية "الشاب" لإني آرنو، الحائزة على نوبل، والتي تهتم بسرد روايات مبنية على سيرتها الذاتية متجاوزة مسألة التصنيف.
للمرة الأولى، أقرأ هذه العدد من السير واليوميات خلال العام نفسه، أغوتني الصراحة المجردة، واستعنتُ بها كحيلة دفاعية، ضد الكذب الذي انتشر بفجاجة.
اهتممتُ بقراءة الأدب السعودي بسبب عيشي أكثر من نصف العام في السعودية. قبل سفري، قرأت لعبد الرحمن منيف، طاهر الزهراني، رجاء عالم، محمد حسن علوان؛ وكان عبده خال هو الكاتب الذي كشف لي عوالم جدة المميزة، وحفزني على الانتقال للعيش فيها. قرأت له روايات "لوعة الغاوية"، و"صدفة ليل"، و"وشائج ماء". ومن ضمن الإصدارات الحديثة التي حازت إعجابي المجموعة القصصية الجديدة لآية طنطاوي "احتمالات لا نهائية للغياب"، التي تحكي قصصها قصة حي تختفي منه النساء لأسباب غامضة، فتتبع القصص أثرهم. ورواية أمجد الصبان "الياقوتة" التي تحكي قصة منسي، الرجل الذي لا يملك منجزًا في حياته سوى حضوره لحفل تنصيب الملك فاروق ملكًا، ويسعى من أجل استعادة أمجاده إلى الاستمتاع برحلة في صحبة الملك فاروق. وأعتقد أنها الرواية الأولى من نوعها عربيًا، التي تقدم التاريخ معكوسًا ومنفصلًا عن ذلك الذي عشناه ونعيشه.
سعدتُ أيضًا بالتعرف على رواية "الخائن" لبول بيتي، التي تتتبع مكمن السعادة في الضحك، وكونها ممتلئة بالسخرية المفرطة، سخرية لطيفة ومريرة في آن معًا.
لا أعرف كثيرًا عن الأحداث الثقافية، أو ربما لا أجد فرقًا في الفعاليات الثقافية هذا العام عن الأعوام السابقة. لم أعد متابعًا جيدًا بحكم انطوائيتي. يون فوسه الفائز بجائزة نوبل لم أسمع به قبلها.
وبتأثير الأحداث الكئيبة التي فرضتها أجواء الانتخابات في مصر، أعدتُ قراءة رائعة ميغيل استورياس "السيد الرئيس"، وقرأت "ليلة الريس الأخيرة" لياسمينة خضرة، عن الأيام الأخيرة التي عاشها معمر القذافي، و"عالم صدام حسين" لمهدي حيدر.

أماني أبو مرّة (باحثة دكتوراة في اللغة العربية وآدابها):
الأدب والخيال العلمي


لا يمكننا الحديث عن عام 2023 من دون ذكر الأحداث الدموية والكارثية التي حلّت في الذاكرة، وفي الكرة الأرضية، وفي ضمير الإنسانية، هذا العام ليس سوى عام جديد يضاف إلى الأعوام الدموية التي سبقته. شهد 2023 دمارًا كبيرًا بدءًا من التفجير الانتحاري في باكستان في يناير، مرورًا بالزلزالين العنيفين اللذين ضربا شمال سورية وتركيا، ثم زلزال المغرب، وصولًا إلى طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، والحرب التي طغت على غزّة، والمجازر في حق الشعب الفلسطيني، إضافة إلى الكوارث الطبيعية الأخرى، من حرائق وفيضانات أدّت إلى تفاقم كارثة الاختلال البيئي.
أمّا الحدث العالمي الذي يتوجّب علينا ذكره فهو الذكاء الاصطناعي الذي يعدّ بمثابة ثورة جديدة في عالم التكنولوجيا والتقنيات الفنيّة.
ومن الأحداث التي يجب أن تستحوذ على اهتمام الجميع هي استمرار تلسكوب جيمس ويب، ومنذ انطلاقته في عام 2022، بالتقاط وبث الصور الملونة والمذهلة للكون، للسُدم والمجرات والثقوب، وغيرها، فمن خلال عودته بالزمن إلى الوراء يمكنه أن يقدّم لنا اكتشافات كبيرة وجديدة يمكنها أن تُحدث تغييرًا كبيرًا في المعرفة عن الكون وتاريخه.
أمّا في ما يخص الكتب التي قرأتها، فكان أكثرها على صلة مباشرة بموضوع دراستي حول الخيال العلمي، فكانت متنوعة ومتشعبة تتراوح ما بين الأدب والعلم والخيال والخيال العلمي.
لكن هذا لا يعني أنني لم أقرأ غيرها، على الرغم من أنني غير راضية تمامًا عما قرأته، لأنني اعتدت أن أجلد نفسي بأن يمكنني أن أقرأ أكثر، وأن أقدم أكثر. طبعًا، هذا في ظل المسؤولية التي تقع على عاتقي كأم وباحثة دكتوراة.
قرأت "جرّة أسئلة"، وهي مجموعة شعرية للدكتور عارف الساعدي، التي نشرت عام 2013 وهي تجربة فريدة تحمل لغة شكيّة مميزة تسحرك بلغتها اللافتة المدهشة وأنت تقرأ قصائدها: آدم وأول أيام الخلق، والمنسيون، ولله بيت قريب من بيتي، وغيرها من القصائد الرائعة، معنى ومبنى.
كما قرأت "الشاهد الأعمى"، وهي مجموعة شعرية للشاعر مردوك الشامي، ترى الحزن في هذه المجموعة مشغوفًا بقصائدها وحروفها، كيف لا ولطالما كان الشامي يحمل على عاتقه هموم هذا الواقع المزري الذي لا يتوقف عن نكء جراحه، فنجد فيها الحب والثورة والذكرى، التمرد والحكمة والبصيرة، كما يبرع الشامي عادة بنسج صوره الرمزية التي تضيف للمعنى معنى وللفكرة فكرة. كما قرأت له "حبر أبيض" الذي رصد فيه الحراك الثقافي اللبناني ميدانيًا في زمن الزيف والأقنعة، في زمن التملق والتزلف، حيث يسعى الكاتب في حبره الأبيض إلى كشف الستار عن واقع غارق في وحل المغالاة والادعاءات، خاصة في المشهد الثقافي في ظلّ غياب الناقد، وتبعية المثقف، وتسطيح الأدب.
قرأت رواية "مدرسة الحياة" للبروفيسور حبيب سروري، الكتاب الذي سيشكل إضافة مهمة للباحثين والقراء. يخوض الكاتب في كثير من التفاصيل التي تلازمت مع تجربته في الحياة العملية والأدبية، خلال ستة عقود، جاب خلالها كثيرًا من البلدان، ومنحه الترحال والسفر كثيرًا من الشغف بالكتابة. كما قرأت روايته الجديدة "جزيرة المطففين"، وهي من ضمن المدونات التي أخصّها في دراستي عن الخيال العلمي.

عبد الرحيم يوسف (روائي ومترجم مصري):
كتب موسيقيّة


عن قراءات العام الماضي، يمكنني القول إنني كنت محظوظًا بعدد من الكتب الممتعة والمهمة التي قرأتها في 2023، أشير من بينها إلى كتابين مهمين يتعلقان بمجال أحبه كثيرًا، وأعتقد أن كثيرين غيري يحبونه: الموسيقى، لكنهما ليسا كتابين تقنيين في الموسيقى... أولهما كتاب: "أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي"، للباحث كريم جمال، الصادر عن مكتبة تنمية، وهو سرد تاريخي وتوثيقي مشوق لفترة تاريخية واجتماعية مهمة، وتتبع دقيق لمجهود وتأثير امرأة مصرية وعربية تحولت إلى أيقونة فنية وإنسانية شغلت الناس قرنًا من الزمان، حبًا واختلافًا. والكتاب الثاني هو "كل دا كان ليه؟ سردية نقدية عن الأغنية والصدارة"، الصادر عن مكتبة ديوان للباحثة والفنانة فيروز كراوية، التي تقدم فيه دراسة تاريخية واجتماعية ونقدية فنية لتاريخ الغناء العربي والمصري منذ نهايات القرن الثامن عشر وحتى هذه اللحظة.
من الروايات التي استمتعت بها كثيرًا: "أطلس الخفاء" للروائية منصورة عز الدين، "متاهة الإسكندرية" للشاعر والكاتب علاء خالد، وكلتاهما صدرتا عن دار الشروق، "مخرج للطوارئ" للكاتبة هالة صلاح الصياد، وصدرت عن دار صفصافة، "كف المسيح" للكاتبة أمنية صلاح عن دار العين، "فرديناند المصري" للكاتب ماجد أوشي، وصدرت عن دار الكتب خان، ورواية الكاتب العماني زهران القاسمي الفائزة بجائزة البوكر العربية "تغريبة القافر"، الصادرة عن داري مسكلياني وصفصافة.
استمتعت للغاية أيضًا بقراءة رواية مترجمة للروائي والمسرحي السويسري الشهير ماكس فريش عنوانها "شتيلر"، بترجمة سمير جريس عن الألمانية، وصدرت عن دار ممدوح عدوان.
في المجموعات القصصية استمتعت بقراءة مجموعة "النوَّالة"، للكاتبة هبة الله أحمد، وصدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومجموعة "أيام سمير حمص"، للكاتبة هند جعفر عن دار الشروق، ومجموعة "ثلاثة فخاخ لذئب أعور" للقاص محمد سرور، الصادرة عن دار خطوط وظلال.
في شعر الفصحى، كان لي الحظ بقراءة ديوان "نهاية العالم كما نألفه" للشاعر إبراهيم المصري، الصادر عن منشورات المتوسط، وديوان "جيش من رجل واحد" للشاعر عبد الله الريامي، الصادر عن محترف أكسجين للنشر، وديوان "العدم أيضًا مكان حنين" للشاعر علاء خالد، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.




في شعر العامية، سعدت بقراءة ديوان "مبروك... خسرت الانتظار" للشاعر مدحت منير، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
ثمة دراسة أدبية بديعة للقاص والكاتب هيثم الورداني صدرت عن دار الكرمة بعنوان "بنات آوى والحروف المفقودة" استمتعت كثيرًا بقراءتها وحضور مناقشتها. وثمة دراسة نقدية بديعة للناقد د. فيصل دراج بعنوان "الشر والوجود... فلسفة نجيب محفوظ الروائية"، وصدرت عن الدار المصرية اللبنانية.
بالنسبة للأحداث الثقافية، سعدت بانطلاق دار نشر مصرية واعدة هي دار (وزيز)، بإصدارتها المختلفة والطموحة. وكان حدث إلغاء منح الجائزة للروائية الفلسطينية عدنية شبلي في معرض فرانكفورت للكتاب حدثًا مهمًا ضمن الوقائع الأخيرة المؤسفة الكاشفة لسقطة الغرب في التعامل مع المأساة الفلسطينية منذ ما قبل النكبة وحتى لحظة المجزرة الحالية الممتدة.

مرتضى الجصاني 
(خطاط عراقي):
قراءة وعمل فنّي


لا يمكن الحديث عن أحداث 2023 المهمة والبارزة من دون الحديث عن العدوان الإسرائيلي على غزة، وكمية القتل والإجرام والدمار الذي لحق بغزة وأهلها الأبرياء العزل. إنه حدث تذيل عام 2023، لكنه غطى على كل أحداث السنة، بما فيها الأحداث السياسية والثقافية والاقتصادية، حرب غزة أحدثت زلزالًا في السياسة العالمية، عبر فكر جديد لتغيير شكل المنطقة برمتها، ومن خلال حجج بالية أكل عليها الدهر وشرب، وأيضًا أشعرتنا بعجزنا نحن العرب، بل عجزنا وبؤسنا. في الحقيقة، حاولت أن أتضامن وأساند أهلنا في غزة، لكن في خضم هذا كله أشعر بالخجل من العجز والخيبة، خيبة من كل شيء، ولا أجد غير الصمت ألوذ به، وأسترجع في ذاكرتي ما كان يحدث في العراق في العقد الأول من الألفية، وأقصد فترة القتل والتفجير والعنف الذي جلبه لنا العرب، العرب أنفسهم الآن يقتلون أهل غزة بشكل آخر، تواصلت مع أصدقاء شعراء ومثقفين في فلسطين، وكان الوضع لا يمكن وصفه مفجع ولا زال، أعتقد أن حجم ما يحدث أكبر من وجودنا، ومن قدرتنا على أن نرفض ونستنكر ونتضامن و... إلخ. لا أجد وصفًا، أو حتى طريقة، للجواب عن السؤال الدائم: ماذا يمكن أن نقدم لهم؟ لا إجابة.

كحدث ثقافي، أيضًا، كان حدث فوز الكاتب السويدي يون فوسه بجائزة نوبل للأدب. وكالعادة، تفاجأ الكتاب والأدباء والمثقفون العرب، وأنا منهم، بفوزه. في الأساس، لم يقرأ له أحد من العرب إلا النزر اليسير. هل فعلًا أصبحت هذه الجوائز موضع استغراب، كونها تخضع لاعتبارات أخرى، وليس الأدب وحده؟ هنالك سياسة كثيرة في ما وراء الجائزة، وكذا الحال مع بوكر العربية التي هي نسخة من البوكر العالمية! لكن الأدباء العرب يتعاملون معها كأنها نسخة أصلية، وهذا شيء مضحك.
بالنسبة للقراءة، كانت مجموعة كتب من ترجمة د. علي عبد الأمير صالح هي مادة هذا العام، وهي مجموعة جيدة مهداة من الدكتور نفسه. أرى نفسي في حالة قراءة دائمة ومستمرة، وفي كل المجالات التي أحبها. كانت لي قراءات في الفلسفة، وفي التصوف، وفي العرفان، وكذلك العمل على تأليف كتب لي كانت أفكارها متراكمة ومادتها متوافرة، لكنها في حاجة إلى الترتيب والتنقيح لإصدارها، لذلك أراه عامًا مليئًا بالقراءة، والعمل الفني.

شريف الشافعي (شاعر وكاتب من مصر):
المسرح الحديث


أتصور أن العنوان العريض لحصاد عام 2023 الثقافي هو المسرح الحديث، بتمثلاته المتنوعة والتجريبية، كفن وفرجة بصرية وظاهرة جمالية ومعرفية، وأيضًا ككتب وإصدارات. لقد أثبت المسرح على مدار العام، خصوصًا في مصر، أنه "أبو الفنون" فعلًا، وليس مجازًا، فهو الفن الأعرق والأشمل، الذي يحتوي جملة من الإبداعات، من نص أدبي وسينوغرافيا وشعر وموسيقى وغناء وباليه وأداء حركي وتشكيل في الفراغ وشاشة عرض سينمائية، وغيرها من تقنيات المسرح المستحدثة وأبجدياته المعاصرة، وهو فن المواجهة المباشرة مع الجمهور والتأثير في المتلقي، وتمرير مشاهد إمتاعية تشويقية جاذبة، ورسائل ذهنية محفزة للوعي والتخييل، ومحرضة على التغيير وإعادة اكتشاف الذات وصياغة الواقع بما يليق بكرامة الإنسان وقيمته.
إلى جانب ذلك، فالمسرح هو الفن الذي بدا أكثر جرأة في التمرد والمقاومة، والأكثر ذكاء ومهارة في استغلال هامش الحرية الضيق، والتحايل على البطش السلطوي، من خلال الأقنعة والرموز والإسقاطات التاريخية، وغيرها من الوسائل. وقد لقيت العروض المسرحية، المصرية والعربية والعالمية، رواجًا نسبيًّا على مسارح القاهرة على مدار العام، خصوصًا في أثناء المهرجانات الدولية المتميزة، من قبيل المهرجان القومي للمسرح، ومهرجان الفنون المعاصرة "دي كاف"، ومهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما، ومهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، وغيرها من الفعاليات التي فتحت ذراعيها للعروض المبتكرة التي حققت ثورة على العُلبة الإيطالية التقليدية، ووسعت مفهوم الدراما والأداء الجسدي والتعبيري.
وعلى صعيد الكتب والمجلات كذلك، فإن الإصدارات الخاصة لهذه المؤتمرات والمهرجانات المسرحية، وإصدارات أكاديمية الفنون بالقاهرة، والهيئة المصرية العامة للكتاب، والهيئة العامة لقصور الثقافة، وإصدارات دائرة الشارقة في الإمارات، حول فن المسرح، هي الأبرز أيضًا في مجال التنظير للظواهر المسرحية الجديدة، التي صار لها حضور لافت في القاهرة والعواصم العربية، خصوصًا بين قطاعات الشباب.

باسم سليمان (كاتب سوري):
"شجاعة الحقيقة"


في نهاية هذه السنة، لا أريد لسعي الدهر أنْ يتوقّف بيني وبين القراءة والكتابة، فهما العكازتان اللتان حملتا روحي قبل جسدي. ولأنّهما من الجذع نفسه الذي قطع منه بينوكيو، فما زالتا تنموان ككذبة بيضاء في مواجهة حقيقة هذا العالم السوداء. لقد أثمرت هذه السنة عن كتابين، الأول أشبه بالرؤيا، ولقد أورثني حبسة شعرية بعده، ولست أدري ما فداؤها، إلى الآن! فقد صدر لي بإشراف أدونيس ديوان شعر عن سلسلة تحوّلات؛ بعنوان: "رأسي البسط، جسدي المقام، أنا كسر بين الأرقام"، وأجمل ما رافق خروج هذا الديوان إلى دنيا الشعر هو العطاء الفكري الكبير من قبل أدونيس في النقاش والجدال الذي دار بيني وبينه، فهو أشبه بمكعب الروبيك، وأكثر ما كان يكرهه أن تنتظم ألوانه. أمّا الكتاب الثاني، فهو حلم مبعثر، اقتنصته من أحلام اليقظة، بأن أنجز مجموعة قصصية بألسنة الحيوانات، فكانت: "الفراشات البيضاء" التي صدرت عن دار ميسلون.




ولأنّ الكتابة لا تفكّ عجمتها إلّا بالقراءة، فقد استوقفني كتاب فرانسوا نودلمان: "عبقرية الكذب أو هل كذب كبار الفلاسفة؟". تكمن أهمية هذا الكتاب ليس في إدانة الكذب أخلاقيًا، بل في الكشف عن غناه وخصبه ودوره الأساسي في كل عملية إبداعية، لقد كذب روسو في كتابه: "إميل/ التربية"، وأرسل أطفاله الذين أنجبهم من خادمته إلى الميتم، وفي الوقت ذاته استلهم كارلو كولودي من إميل؛ قصته بينوكيو، الذي ينمو أنفه كلّما كذب، أية مفارقات مدهشة صنعها كذب روسو لنا! كذلك فعل ميشيل فوكو، صاحب تاريخ الجنسانية، في محاضراته الأخيرة والتي كانت بعنوان: "شجاعة الحقيقة"، بينما كان يخبئ إصابته بمرض السيدا، وأن موته وشيك جدًا. كذلك فعلت سيمون دي بوفوار، وإن كانت هي مطلقة مانفيستو الحركة النسوية الأول، إلا أنّها في رسائلها إلى الأديب الأميركي نيلسون ألغرين تمنّت فقط أن تكون خادمة بين يديه! لم تعمل دي بوفوار على تخبئة الرسائل المليئة بأفكار وممارسات تتعارض بالمطلق مع مبادئ الحركة النسوية، بل تركتها لتفتح وتنشر بعد موتها. إذًا، الكذب من أهم الدوافع لدى النفس للإقدام، بل تصبح كلمة الصدق أقل دلالة وفقيرة مقابل كلمة الكذب. قال المفكر إيراسموس: "إنّ عقل الإنسان معدّ، كي يفتتن بالكذب، أكثر بكثير من افتتانه بالحقيقة". لقد اكتشفت أنّ الاشتباك الأخلاقي مع كلمة كذب سيبعد عنّا اكتشاف القوى المضمرة والفعّالة في الكذب، ألم تقل العرب: "أجمل الشعر أكذبه". لقد كان الكذب اليد الخفية التي تحرك الماريونيت الإبداعية لكل الأدباء. رويدًا رويدًا، بدأت تظهر لي الطبيعة المعقّدة للكذب، والأهم غناه الذي ينقذ الحقيقة من عريها المنفّر، والصدق من بلاهته.
أمّا الكتاب الثاني، الذي شغفت بقراءته، فكان: "نار الله" لإلياس كانيتي، بترجمة كاميران حوج، الذي يسرد فيه قصة بيتر كين الذي تمتع بذاكرة مذهلة استوعبت أكثر من 25 ألف كتاب، لكنه لم يكن قادرًا على العيش في الواقع، بل بين طيات الكتب. إنه أشبه بفرانكشتاين، ففكره مؤلف من أفكار الكتب لا شيء خارجها. إن عبرة الكتاب أن لا نستبدل العيش الحقيقي بأية نظرية، أو عقيدة، أو خيال، فالحياة أغنى بألف مرة، وتقبل الاختلاف والآخر عندما ننفتح على تنوعها، فالآخر ليس الجحيم، ولا الجنة! بل كلانا نمثل الحياة.

هويدا صالح (ناقدة وأكاديميّة مصريّة):
"أنا جائع يا رب"...


أهم ما قرأت خلال العام الفائت ديوان "أنا جائع يا رب" للشاعر المصري كريم عبد السلام، حيث يطرح أسئلة الواقع الاجتماعي عبر قصيدة النثر، وهذا ما مثل مفارقة، حيث يتوقع من الشعر أن يعلو على الواقع عبر الخيال والتكثيف والمجاز، فيكتب لنا الواقع في خطاب شعري جمالي مفارق لما طرحته تنظيراتِ سوزان برنار، وهي الفلسفة التي استند إليها شعراء ومنظِّرو قصيدة النثر العربيّة، إلّا أنّ المسيرة الفنيّة لقصيدة النثر العربية تطوّرت وخرجت عن تلك الاشتغالات الجماليّة التي حدّدتها برنار من الإيجاز والكثافة اللُّغويّة والتوهُّج والميل إلى العادي والمألوف، والانتصار للفرديّ والذاتيّ في ظلِّ سقوط السرديّات الكبرى. بل صار شعراء قصيدة النثر العرب يكتبون قصائدهم من رؤًى ملاصقةٍ للواقع العربيّ المعاصر، وما يحمله من صراعاتٍ وهزائمَ نفسيّةٍ وأيديولوجيّة. لذا انشغل الشاعر المصري كريم عبد السلام في مشروعه الشعري الذي امتد لسبعة عشر ديوانًا برؤية للعالم لم تفارق الواقع، بل عمدت إلى تأمله وتفكيكه، رؤية حاولت الانتصار لقيم عليا تنشغل بهوية الجماعة الشعبية النفسية والاجتماعية، كما تتأمل القضايا التي تهم تلك الجماعة بهدف مساءلة النسق الثقافي المهيمن والانتصار للهوامش الاجتماعية المختلفة. وقد صدر له مؤخرًا ديوان "أنا جائع يا رب" عن دار الأدهم بالقاهرة وصل فيه إلى ذروة تلك الرؤية الواعية بالعالم والمنشغلة بتفكيك مركزية المتن الثقافي الذي يعمل جاهدًا على تهميش وإقصاء الهوامش الاجتماعية في تنوعها وتعددها.
أما الحدث الثقافي الأبرز الذي شاركت فيه فهو اشتراكي في تحكيم جائزة الشارقة لنقد الفن التشكيلي العربي، في دورتها الرابعة عشرة، والذي جاءت تحت عنوان رئيس "دور الترجمة في النقد التشكيلي الحديث". كما تشرفت بحضور فعالية توزيع الجوائز في الشارقة بدعوة من دائرة الثقافة والإعلام. شارك في الجائزة نقاد تشكيليون من مختلف الدول العربية، حيث وصل للتحكيم 22 بحثًا، وفاز بالجائزة الأولى الفنان التشكيلي المصري شادي أبو ريدة، أما المركز الثاني فذهب للناقدُ زيتوني عبد الرزاق من الجزائر، فيما كان المركزُ الثالثُ من نصيبِ الناقد أحمد لطف الله من المغربِ. وقد اتخذت لجنة التحكيم آلية لحسم التداول حول البحوث الثلاثة الجديرة بالفوز ضمن اثنين وعشرين بحثًا تأهلوا للمنافسة بعد تطبيق المعايير الأولية التي وضعتها اللجنة التنفيذية للجائزة.
تتأتى أهمية النقد التشكيلي من كونه أحد الروافد المعرفية التي تسمح للناس بفهم الفن وتقديره مساهمة في الخطاب المعرفي حول طبيعة الفن ومعناه. فالنقد التشكيلي يكشف عما يمكن إدراكه بشكل موضوعي من مشاهدة اللوحة التشكيلية، وكيفية عمل أجزاء العمل الفني معًا، وفلسفة العمل عن طريق تحليله. وأخيرًا، الحكم على فعالية العمل الفني. كما أن النقد الفني هو مناقشة مستنيرة تهدف إلى تكريس الوعي بأن كل ثقافة تنتج أعمالًا فنية بأشكال مختلفة؛ ومن هنا تبرز أهمية الترجمة التي تمكن الناقد التشكيلي العربي من الاطلاع على آخر ما وصل إليه الفنانون والنقاد على مستوى العالم من تطور جمالي وفني.

ضياء حامد (إعلامي وكاتب مصري):
جائزة نوبل للأدب


تعددت وتنوعت الأحداث الثقافية ما بين معارض الكتب، وجوائز متعددة ومتنوعة، إضافة إلى تعدد وتنوع الإصدارات المختلفة لكبار الكتاب والشباب. وهنا أتوقف عند أبرز الأحداث الثقافية من وجهة نظري.
في الإصدارات، كتاب "أبصرت بعينيها، المرأة في حياة طه حسين وأدبه"  للكاتبة والإعلامية بروين حبيب، بالرغم مما عرف عن طه حسين أنه كان نصيرًا للمرأة، وكان داعيًا ومناديًا بتعليمها، إلا أن هذا الكتاب تتبع حضور المرأة في حياة طه حسين، بدءًا من أمه، مرورًا بزوجته سوزان، وابنته، وأخواته، وعرضت الكاتبة لنماذج من النساء كان لهن تماس معه، مثل حبه الأول وتلميذته، وتتبعت النماذج النسوية المختلفة التي وردت في أدبه، مقدمة صور متعددة الجوانب للمرأة عند طه حسين وموضحة دور المرأة في حياته، وانعكاس هذا الدور على أدبه.
الحدث الأبرز عربيًا اختيار الكاتب الليبي إبراهيم الكوني شخصية العام الثقافية لعام 2023 في معرض الشارقة للكتاب، وذلك تقديرًا لإسهاماته الكبيرة في إثراء المشهد الثقافي والأدبي العربي والعالمي، كذلك إقامة الدورة الأولى لجائزة سرد الذهب، والتي أطلقها مركز أبو ظبي للغة العربية بهدف دعم الفن الشعبي في رواية القصص العربية. هنالك، أيضًا، فوز مصر بمقعد داخل اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للناشرين، ممثلة في الناشر أحمد رشاد، ليكون ثالث ناشر عربي يفوز بهذا المقعد منذ تأسيس الاتحاد عام 1896م.
أما بالنسبة لأبرز حدث ثقافي عالمي، فكان فوز الكاتب النرويجي يون فوسه بجائزة نوبل للأدب، والذي تخطى كل التوقعات، خاصة أن قائمة التوقعات لهذا العام كانت تضم: الكاتب المغربي الطاهر بن جلون، والكيني نغوغي واثيونغو، والمجري لازلو كراسزناوركي، والكرواتية دوبرافكا أوغريسيتش، والياباني هاروكي موراكامي، والفرنسي ميشيل ويلبيك.

فاضل متين (كاتب سوري مقيم في كردستان العراق):
فلسفة باشلار


كل سنة أعود إلى الفيلسوف الجمالي المميز غاستون باشلار، الذي أرى أنه كي نحتويه جيدًا علينا معاودة قراءته بتواتر وذهن حالم منفتح، هو العصي على الاحتواء، إذ أن مواجهة نص هذا الفرنسي الغارق في الخيال الشعري هو بمثابة احتضان المواد السائلة، تشعر بها، تتآلف معها، تصيبك بوخزات ألم دقيقة، لكن لا يمكنك القبض عليها، وعلى كل من يود الدخول في عالم فيلسوف الماء والنار والهواء والأحلام أن يترك نفسه للغرق بصمت، ويمتثل لإرادة كلماته بلا احتجاج.
هنالك رولان بارت بأسلوبه الرائع، ولا سيما كتابه "شذرات من خطاب محب"، الذي قرأته مرتين في 2023، "ومداريات حزينة" للمبدع الآخر ليفي شترواس. فيلسوفان لا يقلان جمالًا عن باشلار. أما في مجال القصة، فدائمًا ما أنصح الجميع بعرّاب الأدب الكابوسي القوطي إدغار آلان بو، الذي عاودت قراءة أعماله القصصية الكاملة هذا العام، أجده تشكيلة من دوستويفسكي، وكافكا، وإن كان إدغار سبقهما في الولادة... أما عن الجنس الروائي فقد جعلتني "غراميات حزينة" أغرم بكالفينو أكثر. ورواية "1934" شدت ارتباطي بألبرتو مورافيا أكثر وأكثر. وبعد أن قرأت روايتيه "الخلود"، و"كائن لا تحتمل خفته" بدأت أستسيغ أسلوب ميلان كونديرا الخالي من التشويق، كونديرا الذي غادرنا قبل أشهر، وترك فراغًا هائلًا في الأدب العالمي. على مستوى آخر، العالم مدين لفهم نفسه إلى فرويد، يونغ، نيتشه، دوستويفسكي، وهيرمان هيسه، وغيرهم، لكن عالم النفس روبرت غرين أجبرني بكتابيه "فن الإغواء" و"قواعد السطوة"، لأن أضيف اسمه إلى قائمة الكاشفين لماهية الإنسان... رودريغر سافرانسكي قدم مؤلفًا رائعًا عن الزمن "الزمن ماذا يفعل بنا وما نصنعه منه" لوحة بانورامية عن الزمن بشتى تدرجاته...
الوقت قصير، والكتب كثيرة، لذا بدوري أستغل أغلب الوقت المخصص للأدب العربي لنتاجات أدباء الكرد المكتوبة بالعربية. وكان من بينها:
روايتا "مساء الفراشة"، و"قصر الطيور الحزينة"، لبختيار علي، وهو روائي عالمي ساحر، لكنه لم يكتشف عربيًا بالشكل الملائم. هيفا نبي كتبت نصًا رزينًا عن الاكتئاب ما بعد الولادة "ثوب أزرق بمقاس واحد". هيثم حسين بروايته "رهائن الخطيئة"، أكد على قدرته التحليلية للواقع السوري، أما "ماذا عن السيدة اليهودية راحيل؟" فهي استعادة لأجواء روايته "السيرتان"، وأقصد الأديب الكبير سليم بركات. شعريًا، قدم وفائي ليلى قصائد قاسية وجميلة في ديوانه "الآن مات أبي". عماد بشار، وهو شاعر كردي إيزيدي شاب، ألف ديوانًا صغيرًا بعنوان مذهل وقصائد قصيرة مؤلمة ومدهشة "البرية في مخيلة السمكة".
على صعيد الفعاليات، ففي "أربيل" المدينة التي أقطنها احتفل نادي المدى للقراءة في أربيل بالذكرى التاسعة لتأسيسه، رفقة معهد غوته الألماني، الشريك الجديد للنادي، شراكة ثقافية تفتح الآفاق لنشاطات وفعاليات كثيرة ستقام في السنة الجديدة، وهو ما فعله حينما استقطب معهد غوته كلًا من الروائيَين محسن الرملي، ومها حسن، وقدما لمدة أسبوع ورشة كتابية مكثفة لعدد من الموهوبين الشباب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.