}

في حصاد الثقافة العربية 2023: آراء ورؤى (1)

عماد الدين موسى عماد الدين موسى 5 يناير 2024
هنا/الآن في حصاد الثقافة العربية 2023: آراء ورؤى (1)
(Getty)

بالرغم من الأوضاع الاقتصادية المتردية نتيجة الحروب التي تعصف بالعالم، لا يزال للثقافة حضور بالغ الأهميّة على الصعيدين العربي والعالمي؛ فمن المهرجانات الفنية والأدبية، إلى المعارض، وتحديدًا معارض الكتب، ثمّة حضورٌ لافت، وجمهور يأبى الخضوع لصوت الرصاص، بل يتجه إلى الثقافة وحدها، وكأنها البلسم لكل ما يسود العالم من ظلم، أو عبوديّة.
في حديثنا إلى مجموعة من الكتّاب والمثقفين العرب حول أهم الكتب التي صدرت خلال العام المنصرم 2023، وكذلك حول أبرز الفعاليات الثقافية، نجد أنّ للثقافة الدور البارز في معظم البلدان العربيّة، إذْ ثمّة توجّه ملحوظ نحو إحيائها بعد ركود طاول هذا القطاع أيضًا بسبب الموجات المتتالية والمستمرة لكورونا (كوفيد ـ 19).
هنا القسم الأول:

محمود شقير (كاتب وروائي فلسطيني):
لطواف الحجري" وكتب أخرى



قرأت خلال هذا العام 94 كتابًا توزّعت على النحو التالي: روايات عربية وأجنبية مترجمة، كتب سيرة، كتب تراثية ودراسات، دواوين شعر، مجموعات قصصية، وأدب أطفال.
وقد بلغ عدد صفحات هذه الكتب: 20000 صفحة، ويمكن إضافة نصف هذا العدد من الصفحات (10000 صفحة) لقراءات يومية في السياسة، والاجتماع، وعلم النفس، والفلسفة، والرسائل، والأدب، والنقد الأدبي، في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي.
قرأت خلال هذا العام كتبًا جيدة، أختار من بينها:
"الطوف الحجري": رواية للحائز جائزة نوبل، جوزيه ساراماغو، ترجمة وتقديم: د. طلعت شاهين (480 صفحة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2007). يلتقي ثلاثة رجال وامرأتان في رحلة داخل سيارة قبل أن يصبح عددهم خمسة، ثم في عربة تتسع للخمسة يجرها حصانان، وذلك لمشاهدة حدث غير عادي وقع من جراء ممارسات عادية تسببت في انفصال شبه الجزيرة الأيبيرية/ إسبانيا والبرتغال عن القارة الأوروبية. تحدث خلال الرحلة أحداث كثيرة تدلل على رغبة البشر في التواصل ومواصلة الحياة، رغم ما يحيط بهم من ظروف سوية حينًا، وغير سوية في بعض الأحيان.
"شمس اليوم الثامن": رواية إبراهيم نصر الله (114 صفحة، دار طباق للنشر والتوزيع ـ نسخة خاصة بفلسطين، 2023). تشتمل هذه الرواية المؤسّسة على حكاية شعبية ترويها الأم على خيال يصل حدّ الإدهاش، وعلى سرد رشيق بالغ المتعة والتشويق، وعلى تفاصيل كثيرة لافتة للانتباه تجعل فلسطين، بجمالها وبإنسانية الناس فيها، جديرة بأن يحبها القراء والقارئات. وهي مؤسسة على حكاية شعبية ترويها الأم، ثم يتولّى ابنها الكاتب الروائي إكمال هذه الحكاية محلقًا فيها عبر الخيال نحو عوالم فيها كثير من العجائبية والفانتازيا التي تفتح عيوننا على القيم النبيلة في الحياة.
"سلالة السنديان": سيرة ذاتية كتبها الدكتور إبراهيم السعافين (357 صفحة، الدار الأهلية، عمّان، 2023). وفيها يسرد الكاتب تفاصيل من طفولته وشبابه، ومن مراحل التعلُّم التي عاشها في المدارس، وفي الجامعات. كما يسرد بأسلوب سلس لا تعقيد فيه، وبلغة متقنة رشيقة، تجاربه في التدريس، ويتطرق باستمرار، وفي كل المراحل، لذكر زملاء له وزميلات وأساتذة وأستاذات، بحيث يخرج قارئ السيرة بفيض من الدروس القيّمة في الأخلاق، وفي ضرورة التزوّد بالمعرفة، وفي التعاطي مع الحياة بمسؤولية والتزام.
قرأت كذلك كتاب "المدينة الفلسطينية... قضايا في التحولات الحضرية" (بمشاركة 20 كاتبًا وكاتبة، تحرير: د. مجدي الخالدي، ود. سليم تماري، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 438 صفحة، بيروت 2021). إنه كتاب مهم شارك في تأليفه نخبة من الباحثين المتخصصين/ات في العلوم الإنسانية المختلفة، وأشرف على تحريره عالما اجتماع متخصصان، وفيه تناول بحثي عميق لواقع المدن الفلسطينية المختلفة في فلسطين التاريخية، ومتابعة مستفيضة للتطورات التي وقعت على هذه المدن من جراء الغزوة الصهيونية الممتدة لعشرات الأعوام.
ولعل أبرز فعالية ثقافية خلال العام هي التنظيم الدوري المعتاد لمعارض الكتب في عدد من البلدان العربية وفي فلسطين، حيث يقبل جمهور غير قليل على زيارة المعارض، وتنشط عملية تداول الكتب التي تظلّ متعثرة طوال العام، ما عدا بعض استثناءات، بسبب ضعف الإقبال على القراءة، ثم تأتي المعارض لتحرّك المياه الراكدة إلى حدّ ما.

د. بسام البزاز (كاتب ومُترجم عراقي):
ظاهرة معارض الكتب



بالإضافة إلى مطالعاتي الكثيرة لدراسات تناولت روايتين مهمّتين ترجمتهما هذا العام، وهما رواية "أنا الأعلى" للبراغواياني أوغوسطو روا باستوس (صدرت عن دار ممدوح عدوان/ سرد في تمّوز/ يوليو من هذا العام)، ورواية "الترسانة" للأورغواياني خوان كارلوس أونيتّي (انتهيتُ من ترجمتها وستصدر عن الدار المذكورة أيضًا)، فقد راجعتُ عددًا من المقالات حول بعض الكتب التي تتناول الفتح العربي للأندلس، وما رافقه من مزاعم تحاول النيل من الأثر العربي والإسلامي الذي تولّد عنه.
أمّا في شأن أهم الفعاليات والأحداث الثقافيّة على المستوى الخاص فقد كانت مشاركتي بمحاضرتين عن الترجمة في ملتقى (أقرأ) الذي نظّمته مؤسسة (إثراء)، بالتزامن مع معرض الشرقيّة للكتاب في المملكة العربيّة السعوديّة في آذار/ مارس 2023. وحصولي على جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي عن فئة الإنجاز من الإسبانية إلى العربيّة في دورتها التاسعة بالتزامن مع مؤتمر الترجمة وإشكالات المثاقفة (10) الذي عقد يومي 11 و12 من ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي. وأثناء زيارتي إلى بغداد في سبتمبر/ أيلول من هذا العام قدّمت محاضرتين، كانت الأولى في بيت الحكمة، حول الترجمة الإبداعيّة، وكانت الثانية في بيت المدى عن رحلتي الأكاديميّة والثقافيّة بين العربيّة والإسبانيّة.
أمّا عربيًّا وعالميًا، فأرى أنّ معارض الكتاب التي تنظّم في جميع الأقطار العربية تقريبًا (أحيانًا أكثر من معرض في البلد الواحد) تمثّل ظاهرة صحيّة في سبيل نشر الكتاب العربي والمترجَم والوصول به إلى أقرب نقطة من القارئ.

د. نجاة عبد الصمد (روائية سورية):
حراك السويداء



حصاد عام 2023 في عمومه ثقيل، الحرب الروسية الأوكرانية وأثرها على العالم، زلزال تركيا وشمال سورية، انقلابات عسكرية في أفريقيا، حرب غزّة... عالم تنخره حروبٌ تطغى على كل نموٍّ ثقافيّ. تتابعت معارض الكتب واللقاءات والندوات، ربما أبرزها معرض الشارقة الدولي هذا العام في محاولته لتجسير الثقافات وتفعيل دور الكتاب والقراءة، إنما يبقى السؤال: إلى أي حدٍّ استطاعت هذه الفعاليات أن تحقّق أهدافها، أو أن تتغلغل أفقيًا بين ملايين الناطقين بالضاد في مجتمعاتنا، التي من شدة تخلّفها لم يعد لديها حيل على القراءة؟
وفي المقابل، لم يتوقف النتاج الثقافي الرفيع من كتب وأفلامٍ ولوحاتٍ وموسيقى وغناء، والقلة التي تزاوله أو تتلقاه لا تزال تهتمّ لأمره، بل وتؤمن به كواحةٍ وارفة تجعل حياتها العسيرة ممكنة.




من قبل، كان لي طقس الجلوس إلى نفسي في آخر العام أراجع تدويناتي لأحداثٍ لم تمرّ عابرة، وأبني عليها استنتاجاتٍ وخططًا. كان من أجمل الطقوس وأكثرها تحفيزًا. في السنوات الأخيرة، لم أعد أفعل، كم أصبحنا في فوضى! إنما طوال هذا العام، وكل ما سبقه لم أتخلّ عن القراءة كفعل وجودٍ وبحثٍ عن المعنى، وزوادة تحمي روحي من فقر الدم. لستُ في وارد إحصاء ما قرأتُ، فلا مكان للفخر بأمرٍ يعيدني إلى الحياة كلما هربتْ أسبابها مني، بقدر ما أنا مدينة له بالشكر العميق. إنما لحظتُ أن قراءاتي تغيّرت. طالعتُ كثيرًا من الإصدارات الجديدة، وأعدت قراءة كتبٍ بعينها، معظمها بأقلام نساء، وتجمع بين السيرة والرواية والفلسفة والسياسة وعلوم الاجتماع والنفس، ووجدتني أتلقاها بطريقة مختلفة، وأستقصي منها أفكارًا بعينها وأسقطها على مجتمعي وحياتي وكتابتي، ربما لأننا كلما رأينا منافذ الضوء تصغر وتضيق، نركّز اهتمامنا على القضايا الصغيرة المتاحة، ونكتشف أننا ننجح في إحداث فارق.
أدين لهذا العام بفرصة تحكيم أكثر من مسابقةٍ في القصة القصيرة للشباب، كشفت عن مواهب شابة في غاية الجمال، اعتنتْ بنفسها وسط اليأس من انعدام الأفق في حياة هؤلاء الشباب، وسوف تعيد للقصة القصيرة حضورها الرفيع في ساحة الأدب، وليكتشف قرّاؤها كم أن أرضنا ولّادة، وكم أن القمع، ولا التجويع، غير قادر على وأد الإبداع.
في سورية، أعتقد أن الحدث الثقافي الأهم في حصاد عام 2023 هو حراك السويداء المستمر منذ أكثر من أربعة شهور، اجتماع الآلاف في ساحة الكرامة، في وقفةٍ سلميّةٍ حضارية. رجالٌ ونساء وشيوخ وأطفال يقدّمون أبهى احتفاليةٍ ثقافيّة، يكتبون شعاراتهم بخط اليد على كرتوناتٍ سمراء: (كرامة، تنفيذ القرار 2254)، ويرفعون معها كتبًا ولوحاتٍ فنيةٍ من رسم فناني البلد، يؤلّفون لثورتهم أغانيها ورقصاتها ودبكاتها الشعبية، ينادون المدن السورية، بأسمائها، للانضمام إلى حراكهم، وينظمون أنفسهم جماعاتٍ مهنيةٍ، أو نقابية.
حضور النساء بينهم هو الأميز، يتقدمن جماعاتٍ جماعات، بالأزياء الشعبية والتاريخية وبالكوفيات وأغصان الزيتون وخريطة سورية على الصدور، وينشدن: علّي صوتك، ويحملن كتبَ وصور قادة ثوراتها ضد المستعمر الفرنسيّ، وصور شهدائها ومعتقلي الرأي والمغيّبين قسريًا، وأدبائها وفنانيها وأبطالها الشعبيين من جميع المكونات السورية. وتدور بينهم القهوة المرة، وضيافات الفاكهة من حقولهم، ويُعقَد فيها حفل خطوبةٍ، أو يُحتفى بمولودٍ جديد، وفي السهرة تبدأ ورشات الأطفال غناءً ورسمًا ومسرحًا وحفلات موسيقى... حراكهم منظّم، ولا يغفلون عن تنظيف الساحة بعد انفضاض الجمع، ولم تُسجّل بينهم حادثة عنفٍ أو تخريب مؤسسات الدولة، أو اعتداء على أحد، أو إشهار سلاح. احتفالياتٌ ثقافيةٌ تعلي الصوت وتُحيي فنون الحب، وفنون الحياة، وفن القدرة على الحلم.

شاكر الأنباري (كاتب وروائي عراقي):
تنتهي سنة 2023 وتترك خلفها الحرائق



في هذه السنة المكتظة بالأحداث، يمكن للمتابع ملاحظة ظواهر عديدة راحت تتنامى من حولنا، ومنها على سبيل المثال خفوت الاهتمام بالجوائز التي شغلت في العقود الأخيرة أذهان المثقفين العرب، والمهتمين بالفكر والفن، ومنها جائزة نوبل التي تمنحها لجنة نوبل في السويد.
ويسري القول كذلك على الجوائز العربية مثل الجائزة العالمية للرواية العربية، وجائزة كتارا، ومعهد العالم العربي في باريس، والجوائز المحلية في معظم البلدان العربية ووزاراتها الثقافية، كجائزة الطيب صالح، وجائزة الجامعة الأميركية للرواية، ومسابقة القصة القصيرة في الكويت.
ويمكن تفسير الأمر بأسباب كثيرة، وحسب المفسّر لذلك الانحسار. منه على سبيل المثال تقاطع السياسي بالثقافي، وثقل التدخلات من قبل دور النشر، وحتى الحكومات، إضافة إلى تصاعد الأزمات العالمية، كالكوارث الطبيعية، والحروب المستعرة في معظم القارات، والهيمنة المتصاعدة للقوى الكبرى. ولا يمكن إغفال التحول الكبير في مجالات المعرفة، ومنها الثقافة البصرية والذكاء الاصطناعي، وانصراف أجيال جديدة إلى وسائل التواصل البصرية. وأيضًا، يمكن لأي متابع وضع أسباب أخرى غيرها، لكن ذلك لا يحجب حقيقة تضاؤل الاهتمام بالتقاليد الأدبية القديمة في النهاية.
وحسب متابعتي الثقافية، كان لصدور مذكرات يوسف الصائغ، الشاعر العراقي المعروف، عن "دار سطور" البغدادية التي حققها د. قيس الجنابي، وقع عال. انشغلت بتلك المذكرات الصحف العراقية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وجلسات المثقفين. فصدور مذكرات الصائغ أثارت كثيرًا من اللغط في الأوساط العراقية، كون الصائغ شاعرًا إشكاليًا ظل فترة طويلة محسوبًا على قوى اليسار الشيوعي حتى نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي. بعدها، تحول من الشيوعية إلى تأييد السلطة البعثية آنذاك، والحرب مع إيران، مما عدّه بعضهم تماهيًا مع الديكتاتور.
ويوميات يوسف الصائغ الأليمة شاعرية اللغة، تشير من بعيد ولا تفصح، حتى في استعراضه لأسماء عشيقاته وأصدقائه. هي وإن جاءت بتحرير مرتبك، وغير دقيق، لتلك الأوراق بعد أربعين سنة من تدوينها، ووجدت صدفة في شارع المتنبي معروضة للبيع، لكنها تشي بوضوح عن عزلة روحية شاسعة. لقد ارتكن الصائغ من خلال يومياته إلى نفسه وحيّزه الضيق، واعتزل المجتمع، وتلك فترة شاحبة من حياته كتب خلالها يومياته المرتبكة.
أما ضمن قراءاتي الأخيرة فجاءت رواية الأردني خالد سامح المعنونة "بازار الفريسة"، التي منع الرقيب الأردني تداولها كما كتب الروائي على صفحته الفيسبوكية. وتسبح الرواية في عالم حيتان الفساد الذين نبتوا وترعرعوا على هامش الثورة الفلسطينية، في بيروت وعمان ورام الله، واستفادوا من تقلبات الظروف المحيطة بالقضية.
كما لاحظت فيها رصد الكاتب لتحولات مدينة عمّان خلال أكثر من أربعين سنة. فلسطينيون وأردنيون ولبنانيون وعراقيون عاشوا هناك ذات زمن. وحيث تشهد المدينة اليوم ظواهر غريبة على تقاليدها، مثل إدمان المخدرات، والكساد الثقافي، واختفاء الخطاب الثوري. وحل محل ذلك فضائح الماضي، مثلما جرى لزوج هالة المناضل السابق رشيد، وتبين علاقاته المشبوهة مع السفارة الأميركية. وكانت رواية الأحداث على لسان امرأة مات زوجها الثري المعروف، ومضت في النبش عن ماضيه الغامض. كذلك حركة العاصمة اليومية وشوارعها وزحامها وبصمتها التي طبعت سكانها. هنا نلتقي بشخصيات تتحرك ضمن ذلك المحيط الجديد.




وما جذب النظر والتأمل لشخص يقيم في أوروبا تصاعد المظاهرات في شهور السنة الأخيرة للشعوب الأوربية تضامنًا مع فلسطين. وهذا تحول حضاري ستكون له ترجيعاته في السنين المقبلة، على صعيد السياسة، والفكر، والثقافة.
وضمن تلك الفورة من المواجهة بين الشعب الفلسطيني والعربدة الصهيونية في فلسطين، منعت الروائية الفلسطينية عدنية شبلي من معرض فرانكفورت للكتب. وتساءل أكثر من متابع للمعرض عن سبب إلغاء الألمان لفقرة الاحتفاء بعدنية شبلي على أرض المعرض، وتبين لاحقًا أن الأمر جاء بسبب روايتها "تفصيل ثانوي". طبعًا، ترافق معرض فرانكفورت للكتاب مع تفجّر الحرب على غزة، وتهديم مدن بكاملها على رؤوس ساكنيها من قبل الجيش الإسرائيلي، وقتل يومي في الضفة الغربية. والنخبة الألمانية، كأنها بقرار الاستبعاد، كانت تكفّر عن ذنوبها بسبب المحرقة التي أقامتها النازية ليهود أوروبا في الحرب العالمية الثانية.

د. علياء الداية (ناقدة وأكاديمية سورية):
"الخروج من النفق"



أكثر ما تابعته وقرأته في عام 2023 على صعيد الكتب أولًا بأول هو الجديد الذي تصدره الهيئة العامة السورية للكتاب، ولا سيما عشرات الكتب في أدب الأطفال، على شكل كتاب إلكتروني قابل للتحميل من موقع الهيئة، وهي متنوعة ما بين القصص والشعر، والكتب التعليمية، منها العربي، ومنها المترجم. ومن الروايات قرأت رواية "لعبة الخيول الخشبية" لأحمد الزناتي، الصادرة عام 2019، مما يجعلها وثيقة الصلة بما ينتاب الإنسان في أيامنا هذه من تساؤلات الوجود. ففي الرواية جو نفسي تأخذنا إليه رحلة البطل الشاب، واختباره أسرارًا في بيئات الطفولة والعمل، ممزوجة بالترقب والشك. وعلى صعيد آخر، ثمة روايات للدكتور طالب عمران، منها: "الخروج من النفق"، و"كنوز الأعماق"، صدرت عام 2022، وهي حافلة بسرد الخيال العلمي، الذي يتنوع بتنوع الروايات، ما بين ارتياد الفضاء، والغوص في أعماق الأرض. ومن الكتب التي تهتمّ بميدان مفردات الجمال وتلقّيه نجد كتاب الدكتور سعد الدين كليب بعنوان "العربية وفلسفة الجمال: قراءة جمالية في لسان العرب" الصادر عام 2022، الذي يتقصى كلمات لغتنا العربية المتعلقة بالجمال على وجه الخصوص، ويفصّل في أبعادها الثقافية والفكرية. أما شعريًا فوجدت في ديوان "أهب النهر مصباحي" الصادر في 2023، للشاعرة رولا عبد الحميد، رشاقة اللغة، وقربًا من أحلام الإنسان وتوقه إلى الحنان والوداعة والإخلاص، ومفردات الطبيعة والألحان والأغنيات، ولا سيما في قصائد عدة تحمل عنوان: كلكامش.
ولعلّ زلزال السادس من فبراير/ شباط هو الحدث الأبرز هذا العام، على الرغم من أن الزمن قد يكون طواه الآن إلى حدٍّ ما، وقد وصلنا إلى ختام العام، ولكننا نعايشه من جديد كلما تذكرنا لحظاته كأنه واقعي ومباشر، وقد شغل الساحة الأدبية ووسائل التواصل، إذ عبّر مبدعون كثر بالقصائد والقصص عن التحولات التي عصفت بهم، والأفكار التي حفّزها في خيالهم.

كريم سعدون (تشكيلي عراقي مقيم في السويد):
التضييق على الحريات الثقافية



من الكتب التي لفتت انتباهي هذا العام؛ كتب الفن التشكيلي المتنوعة التي أصدرتها دار خطوط وظلال، وأخص بالذكر كتاب "فنانون عراقيون في البر الإسكندنافي"، للفنان والناقد العراقي علي النجار. كما لفتت انتباهي كتب الفنان والناقد المغربي إبراهيم الحسين، ومنها "ايقونوغرافيا العُري"، و"بهاء العين"، وفيهما مقاربات في الفن التشكيلي العربي. كذلك ديوان الشاعر السوري عماد الدين موسى "كسماء أخيرة"، لأن فيه ملامسة عميقة لحياة المغترب والمنفي والمهاجر، وهو ما يقترب من جروحهم. بالإضافة إلى "مذكرات كلب عراقي"، وهي رواية الأديب د. عبد الهادي سعدون، حيث صدرت في طبعات جديدة، وصدرت ترجمات لها بلغات غير العربية.
وعلى صعيد المشهد الثقافي العالمي، فإنّ ما يشهده العالم اليوم في ظل الحروب والمواجهات من أحداث تتعلق بالثقافة والفن خصوصًا، لم يكن مسبوقًا، فقد أظهرت السلطات نوعًا جديدًا من السلوك المعادي، ليس من شأنه التضييق على الحريات الثقافية، بل السعي الحثيث إلى فرض الإملاءات عليها، أو إلى تحييدها، فشهدت الأحداث الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا مثلًا، اصطفافًا مبالغًا فيه، واستخدامًا لكل الوسائل التي من شأنها إحداث تأثيرها المضاد لكل ما يمت للثقافة والإرث الفني الروسيين الذي له أثره الإنساني المتجذر، بل وتقييد تداولها إلى أقصى حد ما، وفي بعض الدول جرى محو عدد من الآثار الفنية العظيمة التي لها صلة معينة بها. وهذا النوع من الرقابة يصدر من الأماكن التي احتضنت في الماضي القريب الأفكار الإنسانية التي تحث على حرية الفكر والديمقراطية لتتحول إلى الطرف الذي يعمل على تقويض تلك الأسس، بل وتستخدم هذا السلوك منطلقًا لتبرير أفعالها. كما تعاظم هذا الدور الرقابي الجديد الذي يمتاز بتعسفه الشديد وتنمره، وعزز معايير الازدواجية في التعامل مع الأحداث بشكل يهشم خيارات التسامح والعمل الإنساني السامي. إذ يستخدم القائمون به كل ما من شأنه أن يساهم في تشويه الحقيقة، وتسويغ ارتكاب الجرائم المروعة ضد الإنسان وتاريخه. ففي الحرب التي تشن ضد غزة وفلسطين عمومًا مؤخرًا جرى التلاعب بالألفاظ إلى حد لا يمكن التغاضي عنه، وأصبح من المنطقي النضال ضده، فالقسر بلغ حد المعاقبة بقسوة كل من يقف بالضد، سواء من الأفراد، أو من الكيانات الثقافية، وأصبحت تهمة معاداة السامية لافتة وذريعة لاتهام كل من يذكر الحقيقة المتعلقة بفلسطين وثقافة شعبها التي تتعرض للإزاحة، حيث تم إلغاء كثير من الفعاليات الثقافية المهمة في العالم لهذا السبب.
كما لفت نظري في المقابل التوسع الكبير في رعاية الأنشطة الفنية في مدينة إسطنبول التركية، وخصوصًا افتتاح عدد من المتاحف التي تعنى بالفنون التشكيلية المعاصرة الممولة بشكل خاص، كما تم افتتاح عدد من صالات العرض الفني، وهي سابقة جميلة، في الوقت التي بدأ فيه انحسار مثل هذه النشاطات.

أمير عدنان مصطفى (شاعر سوري):
"إمبراطورية الشمس"



أنهيت مؤخرًا رواية "إمبراطورية الشمس" للبريطاني جيمس غراهام... أكثر ما أسعدني أنها رواية غائبة؛ "رواية الضمير الغائب" كما أسمتها صديقتي. الرواية سريالية في جانب، أو هي ربما بحث عن عادة أخرى للحرب، فبشاعات الحرب العالمية الثانية التي عاشها بالارد تتكشف من دون فلاتر، تتعرى بدهشة، إذ يجد الراوي نفسه في معسكر اعتقال!
هنا أتذكر بلادنا؛ ففي روايته، شنغهاي حاضرة بألمها؛ وملحها المفروش على الجراح... فعندما كنت أقرأ توقفت مرات عدة؛ رغبت لو أصافح الكاتب؛ أقبله وأشتمه في آن... كقارئ يلملم روايات العالم؛ تلك التي تتشبع أكثرها برائحة البارود. فإزاء المدن المنتهكة؛ التي يعرضها الكاتب تتماهى ككائن بات يتسرب من دمه توحش الحروب؛ وعطفًا على هذا فالبريطاني لا يقدم المجازر على أنها هويات بديلة كما يحصل في البلاد العربية، بل يقدمها كشريط تسجيلي تخييلي في لحظات متداخلة ما دفعني لأركل بقلبي نوافذ الغصة.
في مكان حاد آخر، قرأت مع بداية العام 2023 حوارًا قديمًا مع غونشيرو تانيزاكي، فبعد تجدد صعود اسمه في الأوساط الثقافية العربية، وفي وسطي، كأصدقاء، مقربين... أرسل لي أحدهم كيف تحدث غونشيرو عن الزلزال الكبير الذي ضرب طوكيو عام 1923، قال: "الآن ستصير طوكيو مدينة محترمة". ربطت مجازًا الاحترام بين قوله القديم ومقولتنا في فبراير/ شباط 2023. فتانيزاكي انتقل إلى مدينة أوكاموتو بعدها، وكتب رواية "حب الأحمق"، التي تمثل محاولــة لفهــم ما يحــدث للأحبة ولعلاقاتهم مع مدنهم المدمرة... ليحكي بعدها كيف كتب رواية "أخوات ماكيوكا"، التي تتحدث عن حياة عائلة في عقد الثلاثينيات من القرن العشرين، ونشر الفصول الأولى من هذه الرواية أثناء الحرب العالمية الثانية.
كم أنا محظوظ، فحتى في لقاء لكاتب أحبه تقفز في وجهي كفئران تفتك بيتًا قرويًا... لكن الرقابة العاطفية لأمير صادرت الفكرة، وأرادت أن تكمل الحوار للياباني... فاستمر صاحب التحولات اللامرئية في الشارع الياباني، ومحيك العلاقات الاجتماعية، بالحديث، وبالأخص عن رواية "الذين يحبون الشوك"... تلك النوتة الشهية التي حملت صوتًا رقيقًا لبلاد تنهض مع كل طعنة!
أما كفعاليات؛ أعجبني ما تقدمه مؤسسة الإمارات للآداب. تعمل على دعم شرائح متنوعة، وأخص مبادرة "أصدقاء المؤسسة" التي من خلالها تساهم في تفعيل دور الكاتب والقارئ معًا؛ النشاط الذي لا شك سيعمل وباستمرار على تطوير فعل الكتابة.


مؤمن سمير (شاعر مصري):
غياب النشر الورقي



طغت الأحداث العسكرية التي بدأت بضربات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، واستمرار الضربات الهمجية البربرية التي يمارسها الاحتلال الصهيوني على أهالينا في غزة، بما يتجاوز حدود كل تصور إنساني، والحراك الشعبي العالمي المتاخم لها، على كل اهتمام آخر في عام 2023، حتى أن كثيرين نسوا ما فات من أحداث أو فعاليات ثقافية، أو غيرها، نتيجة ثباتنا جميعًا في موقع المراقب المرتعش والمتابع المكلوم، وتوهج أرواحنا جميعًا بالغضب، وما يصاحبه من حصار الإحساس بالعجز الذي يكبلنا تجاه الإبادة الجماعية والمجازر غير المسبوقة التي تنفذها قوات الاحتلال الاسرائيلي في غزة...




لكننا بغير جهد كبير نستطيع ملاحظة استمرار ظواهر ثقافية عدة كانت قد ظهرت في السنوات الماضية، واستقر تأثيرها، مثل توالي إقامة كثير من معارض الكتاب في العواصم والمدن العربية المختلفة، وما يصاحبها من ندوات فكرية وفعاليات فنية وثقافية، حيث تتوزع المعارض بطول شهور العام، وبطول الجغرافيا كذلك، وتمثل بعض تلك المعارض أعراسًا ثقافية صادقة تصنع وَهَجًا ملموسًا وحالة تنويريةً حقيقية، وبعضها يكون محدودًا وباهتًا، ويكون نشاطه الأساس هو بيع الكتب فقط... أيضًا، لا مناص من متابعة الجوائز العربية المختلفة والضجيج الذي يصاحب إعلان القوائم الطويلة والقصيرة، ثم إعلان أسماء الظافرين بها، وهي جوائز تنجح كثيرًا في لفت الانتباه لكُتَّاب رائعين لم يكونوا معروفين في الأساس، أو ربما كان الاهتمام بأعمالهم خافتًا من قبل، وبالطبع تجديد الاهتمام بكُتَّاب راسخين، وإعادة اكتشافهم، هذه الجوائز بقيمتها المالية الكبيرة قد تساهم كذلك في تكريس اتجاهات وزوايا نظر ربما ليست محايدة ومُوجَّهة عبر كُتَّاب آخرين ربما لا يستحقون جزءًا كبيرًا من هالاتهم... ومن اللافت كذلك أنه قد أقيم هذا العام عدد من مهرجانات الشِعر في كثير من العواصم العربية، وهو أمر محمود ككل، أمر يخص هذا الفن العظيم الذي يُصر بعضهم، ويساهم كذلك، في محاولة تهميشه لصالح فنون أخرى لأغراض ربما بعضها تجاري في الأساس... مع ملاحظة أن التنظيم في هذه الملتقيات قد لا يخلو من أغراض تنتصر لأشكال كتابية من دون الأخرى، مما قد يخرج بالأمر عن البراءة والموضوعية، هذه المهرجانات التي تُعنى بالشِعر لا تنفي إقامة مهرجانات وتجمعات وملتقيات تخص فنونًا أخرى، مثل الرواية والقصة القصيرة، وظهور أنشطة "مختبرات السرد" في عدد من المدن العربية، وينطبق الأمر كذلك على المسرح والفن التشكيلي، وما شاكلهما... كذلك استمرت المواقع الثقافية على الشبكة العنكبوتية في استقطابها عددًا من أصحاب الأقلام، ومحاولتها سد غياب النشر الورقي الذي تراجع في العالم العربي كله، وهي مواقع توفر الحرية والسرعة في ردود الأفعال والتجاوب... وبالطبع استمرت مواقع التواصل في تقديم فضاءٍ أكثر رحابةً للمبدعين الشباب، وفي الوقت نفسه تغري الكبار بالمشاركة في هذا الحضور المَوَّار، وهو ما يسبب تلاقحًا فنيًا يلقي الضوء باستمرار على المشاريع الإبداعية المتحققة، وكذا المشاريع التي في طور التحقق... كما شهد هذا العام رحيل كثير من أصحاب القامات الفكرية الفنية الكبيرة، وكذلك الشباب منهم، على حد سواء، بطول الدول العربية، ويمكن التمثيل لهذا الغياب الفادح بما يخص شكلًا كتابيًا واحدًا فقط هو قصيدة النثر، حيث فقدت الحياة الشعرية في بلدٍ واحدٍ فقط هي مصر، الشعراء محمود قرني، وسامي الغباشي، وعبد الحفيظ طايل، ومحمود سليمان، وشهدان الغرباوي، وأشرف عامر، ومهاب نصر، وأميرة الأدهم، وهم الذين ينتمون لجيليْ الثمانينيات والتسعينيات الشعريين الطليعيين في مصر، وذلك بعد أن فُجع كل كُتَّاب قصيدة النثر في الوطن العربي في وفاة الشاعر الفلسطيني زكريا محمد... وبالنسبة للكتب، فقد مَثَّل فوز الكاتب المسرحي النرويجي يون فوسه بجائزة نوبل في الأدب لعام 2023 مفاجأة ربما صارت معتادة مع اختيارات لجنة الجائزة العريقة التي تخالف في كل مرة التوقعات والترشيحات بالكامل... وقد صدر في أغلب الدول العربية كثير من الكتب المتنوعة عن دور نشر عريقة استمرت في نشاطها رغم كل الظروف المالية القاسية، وكذلك عادت كثير من دور النشر التي كانت متوارية في السنوات الأخيرة للإنتاج الثقافي مرة أخرى، وتم تدشين ظهور كثير من دور النشر الجديدة، الصغيرة والكبيرة كذلك... وربما صار في الإمكان الحديث عن ما يُسمى بروايات الجوائز، مثل البوكر العربية، أو الشيخ زايد، أو كتارا، أو ساويرس،... إلخ، حيث تتسبب هذه الجوائز في رفد المكتبة العربية بروايات رفيعة المستوى، ومن ثَمَّ توجيه بوصلة الاهتمام لصالح مبدعين رائعين، لكن لا يخلو الأمر من روايات متوسطة القيمة يمثل اختيارها لغزًا لا يمكن تفسيره بأريحية... وكأثر طبيعي للأحداث العسكرية في غزة، زاد الاهتمام بشكل واضح ومثير للبهجة بالكتب الفكرية التي تتناول القضية الفلسطينية، وخاصة التاريخية منها، التي تحكي قصة المأساة التي كنا نعيشها وحدنا، لكنَّ العالم أصبح يشاركنا في هذا الاهتمام... وهنا يجب لفت الانتباه إلى انتشار عدد من المواقع التي تختص بالكتب، وتوفير الحديث منها، حيث جذبت كثيرًا من القراء بمقاومتها أسعار الكتاب المتزايدة... وبشكل شخصي، صدر لي هذا العام ديوانان شعريان هما "ذاكرة بيضاء" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، و"شَوْكَة الراوي العليم" عن دار "بتَّانة" المصرية.

د. آلاء السعدي (ناقدة وأكاديميّة عراقيّة):
مئوية نازك الملائكة



اعتادت النفس البشرية أن تصاب بنوبة حزن، أو غيمة كدر تعكر صفو المزاج عند مغادرة مكان ما، أو انقضاء وقت جميل، فكيف بها إذ تطوي عامًا بكل ما فيه من حصاد مثمر، أو غير مثمر! ولكنْ، لننظر إلى طي تلك الصفحة الماضية بحثًا عن المكاسب والجني الذي يدفعنا في اتجاه قطع أشواط انتظرناها لبلوغ المطامح. لعل النفس البشرية تفرح بما أتت من أُكلها الزمني، وبلحاظ هذا العام الباذخ بالجمال، وكثير من السيل المعرفي والعلمي والثقافي الهادر، وجدنا من فيوضات هذا العام الاطلاع على نخبة من الكتب الماتعة، وباختصاصات متنوعة، وبعد قراءة كل كتاب ألمس مصداق ما قاله أيمن العتوم "كلّما قرأتُ كتابًا شعرتُ بتفاهة الدنيا، وحماقة لهاث النّاس فيها، وصراعهم على حُطامها، ونُشوب النزاعات بينهم"، فأجد نفسي مندمجة بعوالم الورق والكتب والمؤلفين، ومبتعدة عن فوضى ما نعيشه، فتسرقني إليها، ومن بين تلك النتاجات المعرفية التي لفتت انتباهي، وسدت الرمق المعرفي، وردمت بياضات كنت أجهلها، على نحو:  "مؤلفات زيجمونت باومان" (ومنها: "أرواح مهدورة"؛ "الأخلاق في عصر الحداثة السائلة"، و"في مديح الأدب"...)، وكتاب الموسيقى العربية في مئة عام... أفكار وأصوات وأنغام (1900 ـ 2000) لعادل الهاشمي، أما الروايات فمنها: رواية "الكرنتينة"، ورواية "السمي". أما القصص فمنها: "بهجة الأفاعي"، وقصص "عين العدو"، أما المؤلفات الأخرى التي لاقت استحساني فهي مؤلفات دافيد لوبروطون ("أنثروبولوجيا الحواس"؛ "أنثروبولوجيا العواطف"، و"نثروبولوجيا الألم"...)، وكتاب "الموضة" دراسة فلسفية للارس سفندسن، وغيرها من الكتب التي لا يتسع المقام لذكرها. أما في خصوص الفعاليات الثقافية فهي كثيرة ومتعددة، ولكن منها ما ترك بهجة في النفس، وعلقت في الذاكرة، لما لها من خصوصية وانمياز مثلًا: مئوية نازك الملائكة التي أُقيمت في بغداد، ومعرض الكتاب في الشارقة، الذي امتاز بحضور دور نشر مهمة، بعدد كبير ولافت للنظر، فضلًا عن النشاطات التي أقيمت فيه من جلسات حوارية، واستضافة للمطرب كاظم الساهر، وغيره من الشخصيات المؤثرة، وحفلات توقيع الكتب لأهم الكتَّاب العرب. أما المؤتمرات التي حضرتها، سواء في داخل العراق، أو خارجه، فكانت مشجعة داعمة للبحث العلمي والباحث، ولإدامة التواصل بينه وبين الكتاب والمعارف والباحثين.

شهاب عبد الله (روائي تونسي):
لماذا نكتب؟



حرصت منذ عام 2020 على وضع قائمة سنوية للكتب التي يجب عليّ قراءتها. قائمة أولية منتقاة بعناية تتكوّن غالبًا من روايات في تصنيف الفانتازيا، بحكم اهتمامي بالأعمال التي يُطلق على أصحابها Rulers of the realm، أو حكّام المملكة، والمقصود بهذا المصطلح الغربي الكتّاب الذين ابتكروا حكاية تدور أحداثها في عالم خيالي بالكامل، وأمثال هؤلاء كثر، ولعلّ أكثرهم تأثيرًا فيّ كروائي، وحتّى كمتفرّج، جون تولكين، جورج مارتن، سي إس لويس، ماساشي كيشيموتو، هاياو ميازاكي، فرانك هيربرت، وغيرهم كثر.
لا تقتصر قراءاتي على هذا التصنيف فقط، إذ أنّ ترشيحات الأصدقاء الذين أثق في ذوقهم وجدّيتهم تدفعني لاكتشاف بعض الأعمال، فعلى سبيل المثال، لم أكن لأكتشف الأدب الياباني لولا ذلك الصديق، الذي اتّصل بي في أحد الأيّام وهو في حالة حماسيّة مفرطة، وقال لي: يجب أن تقرأ "الغابة النرويجية" لهاروكي موراكامي.
وبطبيعة الحال، استجبت لطلبه وقرأتها ولم أندم. تجربتي مع "الغابة النرويجية" بدأت في زمن كورونا، وبينما كان الناس حول العالم يموتون بسبب الوباء، عثرت في هذه الرواية على مشترك إنسانيّ ترك فيّ أثرًا كبيرًا، وهو التعامل مع الفقد، ومع أنني لم أعرف أحدًا في محيطي المحلّي قد توفّي جراء الإصابة بالفيروس، إلا أنّ أخبار الموت التي يعلن عنها الأصدقاء الافتراضيّون على فيسبوك، صنعت حالة عامّة من التعاطف والألم. ربّما لهذا السبب، وفي الأوقات الأكثر وحدة ورغبة في التذكّر، أفتح تلقائيّا هذه الرواية لقراءة بعض الفصول المفضّلة لديّ.
وبما أنّ الحديث عن الأدب الياباني ممتع دائمًا وقد يطول، أفضّل عرض قائمة بالعناوين التي سُعدت بقراءتها مؤخرًا: "اعترافات قناع" (يوكيو ميشيما)؛ "مدرسة الحرية" (شيشي بونروكو)؛ "وسادة من عشب" (ناتسومي سوسيكي)؛ "بوتشان" (ناتسومي سوسيكي)؛ "حزن وجمال" (ياسوناري كاواباتا)؛ "عرق الضفدع" للمخرج أكيرا كوروساوا؛ "عالم الإخراج... رحلة مع المخرج هاياو ميازاكي"، للكاتبة الأميركية سوزان جاي نابير.
وبالنسبة لما يجري في العالم من أحداث ثقافية، ففي مرحلة ما من هذا العام اهتممت بما يحدث في أميركا، أتحدّث عن إضراب هوليوود. انخرط في هذا الإضراب أكثر من 11500 كاتب مطالبين بحقوقهم المادية، في ظلّ زيادة ميزانيّات الإنتاج من بدون زيادة ميزانية الأجور، ولقد طالبت النقابة من بين مطالب أخرى حظر استخدام الذكاء الاصطناعي الذي بات يهدّد آلاف الوظائف والعاملين في القطاع. يعد إضراب هوليوود حدثًا تاريخيًا ثقافيًّا نادرًا، فللمرة الأولى منذ عام 1960 ينضمّ الممثّلون، والذين يبلغ عددهم قرابة 160 ألفًا، ممثَّلين باتحاد SAG-AFTRA إلى الكتّاب، مُعطّلين بذلك إنتاج عشرات الأفلام والبرامج والمسلسلات، مهدّدين صناعة ضخمة تقدّر بمليارات الدولارات. انعكاسات هذا الإضراب ستظهر في الأشهر القليلة المقبلة، حيث ستشهد سنة 2024 ضعفًا في إنتاج الأعمال، وتأخير بعض الأجزاء من العروض التي كانت مبرمجة. ومع أنّ الكتّاب قد حصلوا على اتّفاق مع اتحاد المنتجين (AMPTP) إلّا أنّ المسألة لم تحسم نهائيًا، ويُرجّح أن يُستأنف الإضراب في السنوات القليلة القادمة، بسبب جشع المنصّات والاستوديوهات الضخمة، مثل نتفليكس، وديزني وHBO، فشبكات البث الرقمي قد دمرت سوق الإنتاج، وأضرت بالكتّاب، وهذا الضرر سيتفاقم أكثر فأكثر بمرور الوقت.
بدا عام 2023 جيدًا في الحقيقة من نواحٍ عدّة، لكن الحرب في غزة ومشاهد القتل والقصف والتهجير، وسقوط الشهداء، وتدمير مباني الأبرياء فوق رؤوسهم، أفقدني الشعور بالعدالة. هذا العالم مكان قاسٍ يدفع فيه الفلسطينيّون ثمن توقهم للحرية. العدوّ الصهيوني يقتل بدم بارد، لا يبالي بالقوانين والمواثيق وحقوق الإنسان. هذه الحرب الجائرة فضحت زيف مقولات كثيرة، كحقوق الإنسان والكرامة وتحديد المصير. هذا العالم الذي لم تجعله الثقافة أفضل، ولم يصيّره الفكر والفن والجمال إلى مكان تُحترم فيه حرمة الأجساد والأوطان والمعتقدات، يجعلني اليوم أسأل نفسي وأسائلها: لِماذا نكتب؟ لِم نقرأ أصلًا؟ أيّ جدوى لهذه المثاليّات التي بدأت تصبح زائفة وغير واقعية؟ أخشى أن يتحوّل العالم إلى أقطاب متنازعة تحرّكها الكراهية. تلك الكراهية الممتدّة، العابرة للأوطان، قد تصير المزاج العامّ للقادة والشعوب والمفكرين. أرجو ألّا نصل إلى هذه الحالة القصوى، لأنّ الرجوع إلى الحالة الطبيعية وقتها سيكون ضربًا من المستحيل.
العالم تسوده الآن حالة من العمى والتضليل، وأرجو ألّا نفقد صوابنا. أرجو أن تتغيّر الأوضاع نحو الأفضل، فالأمور تسير نحو المجهول، وكلّ ما أخشاه بلوغ نقطة اللاعودة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.