}

رسومات ماريو الظاهر.. ابتسامة صغيرة ضمن ظلام كثيف

سامية التل 5 نوفمبر 2021
ببساطة تبدو أحيانًا مبالغًا فيها وبرموز مباشرة، يقدّم الفنان اللبناني ماريو الظاهر لوحات يمكن وصفها بـ"اللطيفة" والشاعرية. رسوماته تناسب نوستالجيا طفولية لحد ما، وتمنحنا ابتسامة صغيرة ضمن هذا الظلام الكثيف.

وإذا كان البوب آرت قد ولد ردًّا على التعبيرية المجرّدة التي أغرقت الفن الغربي في ضجيج تعبيرية فارغة، فإن لوحات الفنان اللبناني ماريو الظاهر تأتي من ألبومات العائلة الشخصية، والتي تشبه كل عائلات منطقة بلاد الشام، مضيفًا إليها خصوصية لبنان، بإضافاته "المتفجّرة" التي لا تنتهي، بدءًا بالحرب الأهلية وانتهاءً بانفجار مرفأ بيروت.

الناس حاضرون دائمًا

يعود ماريو إلى ألبومات صور أهله القديمة، ويبتكر منها ثيمات تتراوح بين الكاريكاتورية والطفولية؛ الكاريكاتورية بمعنى وضوح الخط وصلابته وصناعة الفاصل بدون أبعاد هندسية. وطفولية بمعنى التعبير البسيط غير المركّب على الوجوه التي يأتي بها من "زمان". هي شخصيات بملامح بسيطة تدلّ بسهولة على صاحبها، يكفي أن تنظر إلى الشخصيات لتعرف أنّ ماريو الظاهر هو من رسمها.

تلهمه كلمات أغان فينطلق منها ليرسم لوحاته، ويلجأ إلى عبارات ثقافية يضيفها على زجاج اللوحة لتكَمّلها وتعطيها بعدًا جديدًا، وتستمرّ "الشوارب" الرجولية بالظهور في أغلب اللوحات، متضخمة على حساب الملامح الأخرى، لتدلّ على "شرقية" الرجل.

ماريو الظاهر شاب لبناني في التاسعة والعشرين من عمره، حائز على ماجستير في هندسة العمارة الداخلية. يحضّر الآن لمعرضه الفردي الأول، ويعمل حاليًا على 40 لوحة بالحجم الكبير، يجمع فيها "فكرته" عن الـ"لبنان" الذي نفقده جميعًا اليوم، العلاقات، العائلة، الألوان، والحياة التي تتسرّب شيئًا فشيئًا من أيدي اللبنانيين.

إليكم بعض أعمال ماريو الظاهر الفنية:



بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس 2020، قام ماريو برسم لوحتين كتحية لمدينة عاشت وتعيش أقسى الظروف وأبشعها (أعلاه إلى اليمين). يوم الانفجار كان ماريو في منزله في منطقة الأشرفية التي تأثرت بشكل كبير، ونجا وعائلته بأعجوبة من انفجار دمّر كلّ شيء. يقول ماريو إنّ هاتين اللوحتين تخبران قصة شاب وصبية تمثل لهما بيروت الدنيا بأكملها. وتظهر العناصر "اللبنانية" بشدّة في هاتين اللوحتين، من خلال "فنجان الشفة" الذي تحول إلى "طربوش" رجالي، والعيون المائلة التي توحي بالانكسار المصاحب لفقدان الأمل والرغبة بالعيش حتى، في مدينة تتحايل لتدبير يومها.

عالم خاص يعيش فيه الرجل في اللوحة (أعلاه إلى اليسار) والمقسومة إلى قسمين بخط يبدو وكأنه أفق، تتوسطه شمس حمراء دامية، تحيط برأسه، بينما الشاربان يغطيان ملامح الرجل ويحتلان منتصف اللوحة، ويجعلان "الدني" أصغر مما هي عليه أصلًا.

 
من أغنية رقيقة لزياد رحباني، يمزج ماريو التطريز والرسم في العمل الفني الذي يحمل اسم "بلا ولا شي"، ليظهر الحب بين ثنائي. وكأنه يقول إن الحب لا يحتاج لأكثر من هذه البساطة اللونية والخطّية لينشأ، بدون التعقيدات الأخرى.

 


"ست الستات" و"شيخ الشباب" تعبيران متواجدان في كل العائلات، يستحضره ماريو الظاهر لجلب ذاكرة لبنانية شعبية وبسيطة إلى اللوحة، يرهقه بتلك العيون المنكسرة التي أصبحت سمة لشخوصه والتي يبدو أنها، إضافة إلى الشاربين والشعر الطويل، تيمات تحضر بكثرة في أعماله. اللافت في هذين العملين استخدام الرسام لأوراق الباترون أو البوردا، وهي أوراق كانت تُستخدم للخياطة قديمًا. فأضافت هذه الأوراق بحجمها وألوانها وبالطباعة الموجودة عليها إلى لوحات الظاهر وأعطتها لمسة خاصة.

في لوحة "قهوة وذكريات" يضيء ماريو الظاهر على جمال "الصبحية" اللبنانية، أي الجلسات العائلية الصباحية التي يتخلّلها عادةً شرب القهوة وقراءة الفنجان والأحاديث المتفرقة. وهي من العادات التي بدأت تختفي شيئًا فشيئًا في عالم لا وقت فيه لاجتماعات مشابهة، بعدما تلاشت حميمية العائلة والعلاقات البسيطة المبهجة.

تذكّر ماريو وهو يرسم هذه اللوحة جدّته وذكرياته القديمة معها، وهي التي فارقت الحياة باكرًا قبل أن يتمكن الحفيد من اغتنام فرص أكبر للاتصال والتواصل معها.

ولوحة "يومًا ما" تروي قصة شاب يحلم أن يسافر يومًا ويجول العالم بأكمله. شاربه الذي على شكل موجة ينتهي بقارب من ورق يعكس أحلام الطفولة التي نتخلّى عنها حلمًا تلو الآخر، وكأننا عندما نكبر بالعمر نفقد جزءًا هامًا من العالم الذي صنعناه في طفولتنا ومن الأحلام التي اقتتنا عليها.

لوحة "بدنا نروق" هي عبارة تُقال في هذا السياق للشاب المفرط الاهتمام بلياقته البدنية والذي لا يفوّت فرصة لاستعراضها، فكأنه هنا يدعو الجميع إلى التمهل والنظر للحياة بعين باردة، لا عنف فيها ولا استعجال.



انطلق ماريو في عمل "خذني معك" الفني من كلمات أغنية "خدني معك" العزيزة على قلبه ليرسم لوحتين. وتعكس العنق الطويلة التي تظهر في اللوحتين طول درب الحبيبين وصعوبته، كما نشعر بالابتعاد الذي يطوّق الحب ويمنعه من الاستمرار، نتيجة الصعوبات التي تخنق العلاقات في مدينة ملوثة.

وفي لوحة "شو هل الإيام للي وصلنالا"، أراد ماريو تجسيد قصة فتاة في رأسها ألف فكرة وفكرة. تراها تسترجع الماضي من جهة ويشغلها التفكير في كل من الحاضر والمستقبل. تضجّ اللوحة برموز تدلّ على أفكارها وأحلامها وذكرياتها. نجمة وقمر وقارب صغير، الكثير من الرموز البسيطة التي يمكن أن تشغل بال فتاة صغيرة، إضافة للمفاهيم الغيبية الأخرى، كأنها تمتلك أحلامًا كبيرة لكنها أيضًا تفتقد الشجاعة لوضعها حيّز التنفيذ والحضور.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.