}

مهرجان "رؤى" للفيلم القصير في القاهرة.. أحلام الشباب

وائل سعيد 14 يونيو 2021
سينما مهرجان "رؤى" للفيلم القصير في القاهرة.. أحلام الشباب
ملصق مهرجان "رؤى" للفيلم القصير في القاهرة 2021



للمرة الثانية على التوالي، يلجأ مهرجان القاهرة للفيلم القصير "رؤى" إلى وسيط الفضاء الإلكتروني في إقامة فعاليات الدورة الرابعة، التي استمرت على مدار تسعة أيام (2 ـ 10) من الشهر الجاري عبر عروض غير حيّة. وكان للمهرجان السبق العام الماضي في الانتفاع بطريقة العروض "أون لاين" تجنبًا للإلغاء، أو التأجيل، وذلك من خلال حفلات مشاهدة جماعية في أوقات محددة، وفق جدول العروض، بمعدل ثلاث حفلات يوميًا ـ بث مباشر ـ تبدأ من السابعة مساء، وتنتهي في العاشرة.
قدمت تلك الطريقة في العرض حلولًا بديلة لاستمرارية ممارسة الفن والحياة بالطبع، ويبدو أن إدارة المهرجان تفكر خارج الصندوق بالفعل؛ حيث أضافت إلى قاموسها التشغيلي المفردة الجديدة الخاصة بـ "كوفيد ـ 19"، وموجاته المتلاحقة، الأمر الذي يجعله ضيفًا ثقيلًا من الممكن أن يستمر معنا إلى فترات غير معلومة، ويتجلى ذلك في تعديل آلية العرض هذا العام، وقد كانت أكثر براحًا وإتاحة، حيث رُفعت الأفلام المقررة يوميًا من الثانية عشرة ظهرًا وحتى التاسعة من صباح اليوم التالي.
يخضع مهرجان "رؤى" إلي منهجية التطوع في الأساس، التي يشترك فيها الشباب السينمائيين، من طلبة معهد السينما، أو قسم السينما في الجامعة الأميركية (الجهة المُنظمة)، وتعدُّ هذه الخطوة هامة في عملية تمكين الشباب، وإشراكهم في العمل الجمعي، الأمر الذي انعكس على إقبال المشاركين من هؤلاء الشباب، وغيرهم، واتضح في تزايد أعداد الأفلام المشاركة دورة بعد دورة، باستثناء الدورة الفائتة (47 مشاركة). نجد أن الدورة الأولى ضمت 40 فيلمًا؛ الثانية ضمت 71 فيلمًا، فيما يشترك هذا العام 123 فيلمًا على التنافس، منهم 45 فيلمًا بتمثيل نسائي لمخرجات (70 فيلم روائي، و45 وثائقي، و8 تحريك)، وتحقق الدورة الافتراضية نسبة مشاهدة تخطت 11 ألفًا؛ وهو رقم بعيد كل البعد عن المشاركة في العروض الحية. وهو ما استدعى بيانًا من إدارة المهرجان عقب الانتهاء من الدورة الحالية، للتأكيد على النهج الذي سيتبعه المهرجان في ما بعد بداية من الدورة المقبلة 2022، بدمج نظامي العروض الحية والرقمية معًا.




يقول د. مالك خوري، مؤسس ورئيس المهرجان، لـ"ضفة ثالثة"، إن هذا العدد كان أكثر بحوالي عشرة أفلام، رفض صناعها المشاركة بأفلامهم بالبث الإلكتروني، مؤثرين الانتظار للعودة إلى قاعات السينما وعروضها الحية التفاعلية، وهي إشكالية واجهت المهرجان العام الماضي؛ حيث اضطرت الإدارة إلى استفتاء صناع الأفلام على اقتراحها قبل البدء في التنفيذ، وجاءت النتيجة موافقة بنسبة 70% على هذا الحل.
تألفت لجنة التحكيم من مدير التصوير د.محسن أحمد، المونتيرة وأستاذة المونتاج رحمة منتصر، المخرج المسرحي وأستاذ الفنون المسرحية د. محمود اللوزي، وارتأت اللجنة عدم منح جائزة التحريك لأي من الأفلام المتسابقة، وهو قرار يمكن تلمسه بوضوح لمن شاهد الأفلام الثمانية، وهي تجارب ينقصها كثير من القيمة الجمالية والتقنية، حتى أن بعضها لم يخرج عن منهج الدعاية المباشرة والإرشادية، مثل فيلم "المكالمة ـ مينا ماهر"، وفكرة الترويج لجهود الجيش الأبيض في مواجهة الوباء.
في النهاية، تبقي الوجبة الفيلمية هي الأساس والمُحرك والمتعة الحقيقية، لا سيما حين تبدأ باستعادة لاسم من الأسماء النادرة في تاريخ النقد السينمائي العربي، وهو الراحل سامي السلاموني، الذي خصص المهرجان الافتتاح لعرض ثلاثة أفلام قصيرة من إخراجه "الصباح"؛ "اللحظة"؛ "كاوبوي".



السلاموني.. حين تسرق اللحظة وتعيشها

سامي السلاموني.. في لقطة من فيلم "الصباح"


عاش الناقد سامي السلاموني عقدين من الزمان في محراب السينما والثقافة السينمائية يُعدان نصف عمره القصير تقريبًا، بداية من السبعينيات وحتى رحيله مطلع التسعينيات عن 55 عامًا. قدم خلالها نموذجًا للسينمائي الناسك الذي لم يشغله شاغل في العمل الفني سوى الصورة والأداء والرؤية الجمالية؛ حتى مع كبار المخرجين والفنانين، وكان من بينهم أصدقاء مقربون للسلاموني، لم يسلموا من تعنيفه النقدي. لذلك تعدُّ مجموعة السلاموني النقدية من أهم وأميز الكتب العربية، صدرت المجموعة في أربعة أجزاء عن الهيئة العامة لقصور الثقافة منذ عشرين سنة، وتضم مجموعة المقالات التي كتبها في أكثر من صحيفة ومجلة عن الأفلام العربية، ولا تزال مقالاته التي كتبها عن السينما الأجنبية لم يتم جمعها في كتاب، فيما يبحث كثير عن الطبعة القديمة للهيئة من دون جدوى.




للسلاموني ستة أفلام قصيرة، وتجربة روائية لم تخرج للنور، منها فيلم "الصباح" الذي يرصد فترة مطلع الثمانينيات، حيث يبدأ اليوم بصياح الديك تعقبه تنويعات إذاعية متوالية من نشرات أخبار وبرامج ترفيهية ورياضية. بانتقال الكاميرا، نشاهد الاستعدادات لنماذج مختلفة من الأفراد يسعون لغاياتهم، بمصاحبة مقطوعات سيمفونية في تحركاتهم وقفزهم في الحافلات، أو ملاحقاتها في نوع من الكرنفال الأوبرالي.
في إحدى اللقطات يشترك السلاموني مع مجموعة من الأفراد الفطور على عربة للفول، فبرغم أن نزوله المبكر كان بغرض الفن، إلا أنه نزل لأكل العيش، أيضًا، مثل كل من حوله، ويؤكد ذلك بظهور صوته من وراء الكاميرا مخاطبًا عامل المقهى أثناء رص الكراسي، ورش المياه "صباح الخير يا سيد.. شاي في الخمسينة وحياة أبوك.. نهارك فل".
بين الإنساني والفني، يقبض السلاموني على لحظات شديدة الرهافة، وإن كانت مجرد إهداء.. (إهداء فيلم الصباح "إلى أبية فريد، المصورة.. لم تكن معنا في هذا الفيلم.. ولكننا كنا نذهب فجر كل يوم لنصحب زوجها المصور.. كانت تضيء النافذة لتقول أنه سينزل حالًا.. وماتت فجأة أثناء المونتاج").

ملصق فيلم "الرحلة"


كان من المقرر إقامة برنامج احتفائي مختلف لتكريم السلاموني في دورة هذا العام، إلا أن العرض الرقمي وقف حائلًا دون تحقيق ذلك. ومن ضمن البرنامج شهادة لمدير التصوير سعيد شيمي، الذي احتفل منذ شهور قليلة بصدور كتابه الجديد "صديقي.. سامي السلاموني" في ذكرى ميلاده، وفيه يحكي شيمي عن صديق رحلة الكفاح السينمائي، لا سيما وقد قام بتصوير أفلام السلاموني، وكان شاهدًا على ميلاد فيلمه الروائي الموؤود.
يقول شيمي: (وبدأ سامي يكتب بحماس، لنتقابل كل بضعة أيام لأقرأ سيناريو من أحلى ما قرأت، سيناريو فيه نبت قوي جديد يهز المشاهد بقوة، مُحبك الصراع والشخصيات، ولتبقى النهاية لا يكتبها ـ لتمر أيام وشهور وسامي لا يكتب ـ وأنا في إلحاح وتساؤل، وهو لا يكتب، ليصدمني فجأة بأنه سيعيد الكتابة مرة أخرى من جديد).
يستمر الشيمي في دفع صديقه (وفي أحد هذه المواعيد ثرت عليه قائلًا حتموت قبل ما تخلص السيناريو ـ وكان لم يمرض بداء القلب بعد ـ لأنك تخشى من نقد الغير لك. فأوقفني قائلًا: "أبدًا.. أنا عاوز أتفرغ للإخراج السينمائي.. أنا تعبت من الكتابة ومحدش بيقرا").



سجون مُختارة وآفاق رحبة

من فيلم "رفقاء سكن"


لا شك أن مهرجانًا كهذا يُعدُّ البداية للعديد من التجارب المشاركة، ولم يخل كثير منها من مشاكل عامة على مستوى السيناريو "الورق"، والديكور، والمكياج، وشريط الصوت، والتصوير أيضًا، وغلبت الدراما على نسبة كبيرة من الأفلام، لتسجن العديد منها داخل الحيز البصري للمسلسلات، مؤثرة على زوايا التصوير، والكادرات، إلى جانب التصاعد الدرامي أيضًا، كـ "زوار الشمس" لأمير طلعت، و"اعتذار ولكن" لإسلام عبد الجواد، أو "الطرحة" لمحمد يوسف. وهو من بين الأفلام القليلة جدًا التي طرحت الظرف الكوروني الجديد، وقد ظن كثير سابقًا بأن الكورونا ستغلب على مواضيع الأفلام المنتجة بعد ظهورها؛ إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن.




من ضمن السجون، أيضًا، التي آمن إليها صُناعها، أفلام ذات حس إرشادي، وبعض الموضوعات المصنوعة التي تُعلي من دور التوجيه المُباشر: "رسالة حب إلى العالم"؛ "فوق الركبة"؛ "الحفرة"، و"فرصة واحدة"، من تأليف وإخراج يوسف الزعفراني، الذي يُقدم توجيها مباشرًا لمعاناة مرضى الشلل الميلادي، في قالب ديني يدعو المشاهد إلى التأمل في النعم التي يحياها مقارنة بحالة الشلل. وفي مشهد النهاية، ينتقل الابن من العادي إلى الحالة المرضية أثناء إلقائه موعظة الفيلم مختتمًا حديثه "بصوا علينا..". وفي فيلم "الكابوس" لمحب وديع، لم يخرج السيناريو عن اللغة التعليمية بشكل إرشادي حول رحلة الرضى بالقضاء والقدر في قالب ميلودرامي مُفرط.
وإذا كانت أفلام التحريك لم يحالفها الحظ هذا العام، فالأمر لا يختلف كثيرًا مع الفيلم الوثائقي، رغم حصول أحد الأفلام على جائزة المهرجان في التسجيلية، وهو "الرحلة" لسارة غيته، عن كفاح إحدى ذوات الهمم في طريق الوصول كي تُصبح طبيبة أسنان ناجحة. وبرغم أن الموضوع إنساني من الدرجة الأولى؛ فلم تخرج الأفلام التسجيلية المتنافسة (45) في مجملها، عن العادي والمألوف من حيث اختيار الموضوعات، أو كتابة السيناريو، وطريقة التصوير، حتى على مستوى الأداء في التعليق الصوتي، وكانت نسبة كبيرة من هذه الأفلام من إنتاج الجامعة الأميركية في القاهرة.
في المقابل، لم يخل المشهد من كثير من المحاولات المكتملة فنيًا وجماليًا، على مستوى الأداء الفردي، أو الجماعي، في التمثيل والإخراج تحديدًا، حتى وإن لم تحصد جوائز، منها: "متقولش لبابا" لعمر رضا، و"يوم بيوم"، فكرة وإخراج إسلام بدوي، رغم تصاعد الميلودراما المطروحة في تناول مشقة العيش لعمال التراحيل من خلال الأداء التمثيلي، وأغنية الفيلم "يوم بيوم عايش في حيرة وكرب.. يوم بيوم مكتوب عليا الغلب.. فين الحياة يا رب".
في "40 ثانية"، يقوم المخرج يوسف علي بتوريط المشاهد متخذًا حبكته من إحصائية تقول إن هناك منتحرًا بسبب الاكتئاب كل 40 ثانية، معنى ذلك كما يُخبرنا الفيلم، هناك 8 أشخاص أنهوا حياتهم أثناء العرض. أما "مشوار" لمحمد فاروق"، فإلى جانب الأداء الجماعي الطبيعي للفريق التمثيلي؛ يغامر فاروق بمكان واحد للتصوير "عربة ميكروباص" لا تبرحها الكاميرا، رغم النقل الرهيف لديناميكية الحركة في الشارع، وهو استدعاء لتيمة استخدمها بعض المخرجين، أشهرهم جعفر بناهي في"تاكسي طهران"، مع الفيلم المصري القصير يتدارك المخرج سرقة الكاميرا في مشهد النهاية للفيلم الإيراني، فيسارع السائق إلى أخذ الكاميرا من فوق "تابلوه" السيارة معلقًا كي لا تُسرق!
ومن الأفلام الجريئة "حامل" لعبدالرحمن عوض، يطرح فيه عبر 4 دقائق نتيجة الاعتداء على الأطفال في الصغر، وكيف يؤثر ذلك على بقية الحياة، وفيلم "البحث عن أمل"، وقد تم تصويره بالكامل في المنزل أثناء فترة الحظر الأول للكورونا، بالإضافة إلى فيلم "اللامرئي"، سيناريو وإخراج أحمد فاروق، عن إحدى المسرحيات الفلسفية لتوفيق الحكيم، ويطرح فكرة العود الأبدي للإنسان في حيوات أخرى، كإعادة إنتاج.




إلى جانب ذلك، شاهدنا بعض الأفلام الأخرى ذات العنصر اللافت، فقد يكون الفيلم في عمومه لا يخلو من المشاكل، ولكن كان لعنصر واحد، أو أكثر، تميز انفرادي: "الظل" من تأليف وإخراج محمد أشرف، وهو فيلم صامت يتمتع بإضاءة جيدة ورهيفة، و"هاللويا"، لمارك مارمينا، ديستوبيا تجريبية، و"ماجما" لطارق الشربيني، سينماتوغراف احترافية.
أو حتى على مستوى الفكرة، "النهاية" للسيد عبد النبي، حيث يتماس الفيلم مع كتاب كليلة ودمنة لعرض وحشية الإنسان وجهله على ألسنة الحيوانات المحبوسة في حديقة الحيوان، و"القاهرة ليست مدينة للحب" من سيناريو وإخراج محمود جودة، وفيه يطرح المخرج فكرة المدينة الحديثة حين تأكل أبناءها.



الجوائز.. ليست معيارًا

من فيلم "الرحلة"


حصل فيلم "الزيارة" لأحمد بيلي على أربعة جوائز "الإخراج ـ التصوير ـ الصوت ـ وأفضل فيلم روائي"، فيما حصدت المخرجة رانيا زهرة الثلاث جوائز المتبقية عن فيلم "رفقاء سكن".. المونتاج والسيناريو وأفضل فيلم تجربة أولى. وقد يكون هناك بعض من المُغالاة في النتيجة؛ إلا أن ذلك يخضع دائمًا لتقدير لجنة التحكيم.
هنالك أفلام قدم بعضها مضامين إنسانية برهافة تحسد عليها، وإن لم يحالفها الحظ في الإمكانيات المحدودة والإنتاج المستقل في كثير من الأحيان: (شكرًا على الشوكولاته يا عمو)، الجملة التي ينهي بها المخرج محمد حسام فيلمه "عبر النافذة"، حيث يلقي البطل السبت (سلة) فيها شوكولاتة من النافذة، داعيًا العابرين إلى أخذ واحدة وكتابة جملة، عبر مشاهد قليلة ومتنامية قدم الفيلم حالة انتظار الصيد من خلال حبل السبت، واستجابته حين ينجذب الصيد.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.