}

عن الكاريكاتير وتاريخه.. تكثيف بصري للنقد الساخر

دعد ديب دعد ديب 3 سبتمبر 2021
تشكيل عن الكاريكاتير وتاريخه.. تكثيف بصري للنقد الساخر
من اليمين: غويا، بوش، دافينشي، صنوع، رولاندسون، هوغارت

الفن لون من ألوان الثقافة الإنسانية، فهو كل إبداع تحققه يد الإنسان، وهو الأسلوب الذي يظهر فيه الفنان انفعالاته النفسية وردود أفعاله على الحياة والواقع في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية، وأبرز فروعه الفن التشكيلي حيث يقوم الرسم بالتعبير عما يدور في داخل الشخص من خواطر وأفكار عن طريق الخطوط والبقع التي يرسمها، فالتصوير والرسم أشبه ما يكونان بالشعر الصامت، ولعل فن الكاريكاتير أحد أهم الفنون البصرية النابعة من الرسم ولكن بطريقة غير مألوفة من التحريف والتغيير بقصد السخرية والنقد فهو فن ساخر يعتمد على  بعدين فقط، ويقوم بتحريف الملامح الطبيعية للموضوع؛ أو ميزات منه؛ أو جسم شخص ما؛ لما  فيه من تهكم وانتقاد اجتماعي وسياسي معتمدًا على الصورة الهزلية والمبالغة في إظهار الجوانب السلبية كما يتميز بقدرته الفائقة على التقاط النكتة المكثفة والمعبرة بشكل يتفوق فيه على المقالات والتقارير الصحافية، ويوصف بأنه تمثيل للذات المشخصة حيث يظهر الرسم الصفة الغالبة للشخصية التي تفيد الاستصغار أو التحقير أو تجسد الوظيفة الحقيقية المناطة بالشخص من واقع أدوارها الحياتية، وهو فن جريء وجاد رغم الدعابة والابتسامة التي يرسمها على الوجوه، كونه يتضمن موقفًا فكريًا ثاقبًا يتطلب الغوص في عمق الفكرة الناقدة.  

يعتبر فن الكاريكاتير أكثر التصاقًا بالمتلقي والأكثر شعبية في تكثيف اللحظة الضاجة والمنعكسة على مشهد الواقع، حيث السخرية والمبالغة لتضخيم الزاوية المنتقدة مما يسمح برؤية تامة للجانب الذي نتناوله بالنقد، فحيوية الكاريكاتير تتطلب وصولًا سريعًا إلى المتابع بتواتر مع الحدث الموحي، ومن هنا علاقته الوطيدة بالصحافة اليومية لأن المعارض الفنية غير كافية لوحدها في خلق التفاعل الحي والمباشر مع الجمهور.  

تاريخ فن الكاريكاتير

تعود كلمة كاريكاتير إلى أصول إيطالية وهي مشتقة من كلمة "كاريكاتورا" والتي تعني المغالاة والمبالغة في إظهار العيوب، وهي مصطلح ثقافي. وفي الحضارات القديمة تكمن جذور السخرية والمبالغة كفن مركب من التشكيل والكوميديا عبر الرسوم التي انتقلت إلينا، إذ أمكن العثور على الرسوم الكوميدية في آثار تعود لحضارات وفنون ما قبل التاريخ، حيث كان الإنسان يصور على جدران مغارته وعلى الصخور حياة الحيوانات المحيطة به وحياته الشخصية، وقد عثر على الكثير من الرسوم التي تحتوي على عناصر الكوميديا والسخرية في الكثير من جدران الكهوف في فرنسا وإيطاليا وأميركا الجنوبية والجزيرة العربية والصحراء الجزائرية وقبرص وفي الكثير من الأمكنة الأخرى التي تنتمي لأحقاب ما قبل التاريخ. ويقال إن فكرة الكاريكاتير نشأت ببداية الخليقة عندما سخر قابيل من أخيه هابيل لأن أخته أحبت هابيل دونه، ويقال أيضًا إن بداياته قديمة جدًا بدأت من أيام الفراعنة، فهناك برديات كثيرة عليها رسوم كاريكاتيرية تتحدث أيضًا عن انقلاب الأوضاع عليها، مثلًا فرس النهر واقف بحجمه الكبير على شجرة، أو طائر يضع سلمًا على جذع شجرة ويحاول أن يصعد على درجاته، أو الذئب في صورة راعي الغنم، وهذا نوع من السخرية الراقية جدًا، كما أن التصوير ذا الطابع الديني يمثل الشكل الجنيني للسخرية حيث صور الإله الغاضب بسحنة مخيفة، والأرواح الشريرة صورت بشكل قبيح جدًا، وفي سورية وفي قرطاج أيضًا ظهرت تلك الأقنعة الفخارية الضاحكة بحواجب دائرية وأسنان بارزة تنذر بالسوء رغم ضحكتها الظاهرة، وفي حضارة المايا التي سادت في المكسيك يمكن ذكر رسمين يمثلان آلهة الجحيم ويعودان للقرنين السادس والتاسع، وكانت هناك رسومات ليوناردو دافينشي التي اعتمدت المبالغة في تشويه الوجوه وهي إحدى البذور الجنينية لفن الكاريكاتير الذي لم يتبلور حضوره كفن مستقل إلا بعد عصر النهضة.

من رسومات حضارة المايا   


ولعل المبالغة أخذت حدها الأعلى لدى الفنان الفلامنكي جيرونيم بوش وخاصة في أعماله التي لامست القضايا الدينية، فمثلًا لوحة "حمل الصليب" يصور فيها السيّد المسيح على طريق الجلجلة وحوله صور وجوه محيطة به بشكل كاريكاتيري مشوه وسواها الكثير، وهذه المبالغة هي التي شكلت جذور الفن السوريالي كذلك.

أما في أوروبا، فقد تميزت أعمال رواد النهضة الأوروبية وخاصة الأعمال الغرافيتية التي تظهر فيها عناصر المبالغة الساخرة عند الفنان الفرنسي جاك كالو الذي اعتمد على تصوير العيوب الخلقية والجسمانية عبر سلسلات من الرسوم استخدم فيها المبالغة مثل سلسلة "الحدب" التي يصور فيها الأحدب بوضعيات مختلفة، وأخرى يجسد فيها أهوال الحرب. أما أقرب منجز يقارب الفن المعاصر بالمبالغة الساخرة التي تثير الضحك فهو للإيطالي بيير ليونيه غيتسي الذي فاقت رسومه الثلاثة آلاف رسم، إذ تعتبر أعماله بداية فن الكاريكاتير المستقل، وهي سبب شهرته برغم براعته بالعلوم والطب والآثار والموسيقى.

وفي القرن السابع عشر ظهرت السخرية السوداء ولكن أول من استخدم الكاريكاتير الساخر في النقد هو الإنكليزي وليم هوغارت، الذي يعتبر مؤسس اتجاه النقد الاجتماعي في الفن الأوروبي وجسدت أعماله الظواهر السلبية والشاذة في المجتمع مثل مهنة الدعارة والتبذير والإسراف والانتخابات، وبذات المرحلة ظهر في إسبانيا فرنسيسكو غويا حيث تميزت رسوماته بالتجديد والانفعالية والخيال الواسع في معالجته الظواهر الاجتماعية بأسلوب ساخر، إذ اعتبر غويا مؤسس الكاريكاتير الأخلاقي الناقد، غير أن فن الكاريكاتير أخذ شكله الرئيسي على يد الرسامين الإنكليز وأشهرهم توماس رولاندسون ولكن الفرنسيين هم من أعطوه بعده السياسي مثل غوستاف دوريه. وكان لحروب نابليون انعكاس كبير في تطور هذا الفن فقد تبدى عند الفنانين الروس عقب اجتياح نابليون للأراضي الروسية مثل أليكسي ستيبانوف، كما أن العداء لنابليون جعل الإنكليزي جيمس غيلاري يجسد لوحات ساخرة تشي بالمضمون المعارض النقدي لهذه الشخصية الديكتاتورية بالإضافة لبعض الظواهر الاجتماعية، أما الفنان جورج فودفارد فقد تميّز بتصوير الوجوه وكان من أبرز رسامي البورتريه. ومن رسومه لوحات التنبؤات أو الضرائب القادمة بلوحات تعبيرية تصور جامعي الضرائب في أوضاع مختلفة ورسوم الأقزام المجسدة للعقلية التي تؤمن بالخرافات، وعلى يده تأسس الكاريكاتير الاجتماعي وتبلورت مضامينه ممهدة السبيل للكاريكاتير السياسي.

وقد كان الفرنسيون أول من استخدم هذا الفن في القضايا السياسية نتيجة الصراع السياسي الحاد في نهاية القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وازدياد أعداد الصحف التي توظف الكاريكاتير في هذا الصراع وتعطيه صفة الديمومة. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهر رسامون فرنسيون جدد مثل تولوز لوتريك ومنهم بيلو تيل الذي نفذ لوحة "مالك البيوت" أيام الثورة الفرنسية، وفي روسيا برز عدد لا بأس به من الفنانين الذين مارسوا فن الكاريكاتير مثل الكسندر أرلوفسكي الذي اشتهر بلوحة "نابليون على جزيرة القديسة هيلانة" والفنان الكسندر نتيفيسيانوف الذي تناول أيضًا حياة الفلاحين الروس مثل لوحتي "زاخاركا" و"على البرج".

برزت في منتصف القرن التاسع عشر مجموعة من فناني الكاريكاتير الألمان نذكر منهم فيلهلم بوش الذي عالج قضايا اجتماعية ودينية على غرار: هيلينيا الورعة، أما كيتي كولويتس فقد صور أعمالًا تاريخية وسلسلة رسوم تصور انتفاضة عمال النسيج، أما بالولايات المتحدة الأميركية فقد ازدهر فن الكاريكاتير بشكل متسارع في المجالين الاجتماعي والسياسي خلال القرنين الثامن والتاسع عشر بسبب الأحداث العاصفة وبفضل الفنانين الأوروبيين المهاجرين إلى أميركا.

وفي القرن العشرين دخل فن الكاريكاتير متجذرًا بثبات راسخ، له جمهوره وشعبيته وأتباعه من الفنانين والمريدين وازداد عدد الفنانين والصحف التي تنشر أعمالهم لدرجة صار من الصعب إحصاء أعدادهم المتزايدة.

"الأحدب" لجاك كالو  



فن الرسوم المتحركة عبر التاريخ وعلاقته بالكاريكاتير

فن الرسوم المتحركة يعتبر أحد الفنون التي انبثقت عن الكاريكاتير وامتاز عنه بالأبعاد الثلاثية ويعتبر بمثابة ابن شرعي له، قبل أن تستقطبه الشاشة الكبيرة والصغيرة لجهة اللقطة المتحركة الأمر الذي ساهم بتطوير هذا الفن بشكل مضطرد. ربما تعود جذوره إلى مسرح الظل حيث مواضيعه الأساسية الحكايات الشعبية والأساطير الدارجة ورسوم تجسد الآلهة والبشر والحيوانات، حيث  توجه الأنظار إلى شاشة بيضاء من الكتان مشدودة إلى أوتار وتشكل الجدار الرابع لغرفة من ثلاثة جدران وتتوهج مصابيح في الجدار المقابل لها، وبين الشاشة والمصابيح كان الممثلون يقومون بحركات تعبيرية وظلال الرسوم تسقط على الشاشة، بالإضافة لوجود رواة وموسيقى تصويرية، وفي مخطوطات تعود إلى أعوام 840-907 ميلادية ظهر ما يسمى مسرح الأشباح الموازي لمسرح الظل وقد وضعت هذه الألعاب حجر الأساس لهذا الفن، وأول خطوة في هذا المجال ترجع للبلجيكي  جوزيف بلاتو الذي قام عام 1832م باختراع آلة لاختبار الاستمرار البصري من خلال الألواح الكرتونية الأسطوانية العاكسة صورتها على مرايا يتيح تعاقبها على رؤية الحركة كاملة.

وفي عام 1877 قام الفرنسي إميل رينو باختراع جهاز اسمه تراكسينوسكوب باستخدام مواد حساسة للضوء تطلى على صفائح مرنة شفافة وتنفذ عليها الرسوم المتتابعة التي تظهر الحركة عند الدوران وهذه الرسوم الصامتة تستمر من 7 إلى 15 دقيقة. ويعتبر إميل رينو مخترع الرسوم المتحركة وعام 1877 هو عام ظهورها وقد توج باختراع الأخوين أوغست ولويس لوميير لآلة التصوير السينمائي، وأول من استخدمها لإنتاج الرسوم المتحركة هو اميل كول بفيلم عنوانه: مغامرات البانتوشيين وبعدها امتد إنتاجها إلى أميركا وإلى البلدان الأوروبية، ففي الولايات المتحدة الأميركية تطور فن الرسوم المتحركة بشكل كبير على يد الفنان والت ديزني الذي ساهم بإضافة المحتوى الكوميدي والمبالغات الساخرة، وأشهر شخصياته ميكي ماوس، وتقنيات ديزني ما زالت مستمرة إلى وقتنا الحالي، وأول فيلم استخدم الدمى في عمله هو للروسي فلاديسلاف ستاريفتش بفيلمه "حرب الخنافس ذات القرون"، ولا تقتصر الرسوم المتحركة على الأطفال بل صار جزء كبير منها ينتج للكبار بموضوعات مختلفة مثل السياسة والاقتصاد وخلافها، وبالفترة الأخيرة صارت أجهزة الكمبيوتر تستخدم بشكل كبير في إعداد الرسوم ومن غير المستبعد أن يقوم الكمبيوتر باستبعاد كل تلك التقنيات السابقة والحلول محلها.

من رسومات دافينشي



أنواع الكاريكاتير

نميز بين مدارس ثلاث لفن الكاريكاتير، فهناك المدرسة الأوروبية الشرقية التي اعتمدت على الرسم فقط في التعبير، وهناك المدرسة الأوروبية الغربية التي ابتدعت حالة حوارية مع الصورة عبر كلام مرافق للرسم، وهناك المدرسة الأميركية التي حاولت أن تجمع بين هاتين المدرستين، فتشعب هذا الفن وتطوره الصاعد جعل له فروعًا وتصنيفات عدة تباينت وتنوعت فمنها تصنيف وفق الأسلوب ومنها وفق المحتوى وآخر وفق الشكل.

فالأنواع التي عكست الأسلوب برزت في أشكال ثلاثة: الكاريكاتير الساخر والبشع والحديث، فالأول الساخر هو الأكثر شيوعًا ويختص غالبًا بالأمور السياسية التي يسخر فيها من شخصيات بارزة عبر تضخيم صفة ما من صفاتها السلبية والتندر بمواقفها عبر رسوم تعكس الحالة، أما البشع فهو تصوير الشخصية التي يسخر منها بأسلوب يظهر شناعتها كتكبير الأنف أو الكرش أو اليد ولكل منها دلالتها الناقدة وأيضًا إبراز صفات لها هالة ما بشكل بشع لتسليط الضوء على الوجه الآخر لها. أما الكاريكاتير الحديث فقد تجاوز المواضيع السابقة في نقل رسالة فكاهية أو اجتماعية ليثبت اقتراحات لأفكار جمالية مفصلة اتسعت لتأخذ شكل تيار كامل.

بالنسبة للمحتوى، هناك كاريكاتير الواقع وكاريكاتير الخيال والكاريكاتير السياسي. فما يخص الواقع يتعلق بموضوعات تتعلق بأحداث حقيقية أو وقائع يومية حياتية تهم القارئ العادي من الحياة البسيطة حتى أعقد الأمور. أما كاريكاتير الخيال فيهتم بالحكايات البعيدة عن الواقع مثل غرائبيات الطبيعة أو رسم مشهديات في أماكن غير مألوفة كالقمر مثلًا، وتكون الشخصيات في مواقف أقرب للعبث مما يؤدي للتشكيك والهزء من بعض المواقف والسلوكيات في المجتمع وإعادة ربطها بما يهم المتابع الذي هو الهدف من العمل بالنهاية. أما الكاريكاتير السياسي فيرتبط بنقد القضايا السياسية العامة مما هيأه للعب دور مهم في التأثير على الرأي العام وخاصة في القضايا الحرجة والمطلبية للجمهور.

في التصنيف وفق الشكل نلحظ ثلاثة أنواع: الأول وفق الصورة والثاني وفق النص والثالث وفق الشرائط المصورة. فالنوع الأول وهو الشكل الأساسي المعتمد في الكاريكاتير يعتمد على الصورة وتكون مكتفية بذاتها وكاملة الدلالة على ما يراد منها ولا تحتاج إلى مزيد من الإيضاح، أما النوع الثاني فتكون الأولوية فيه للكلام المرافق للصورة التي تفترض حوارًا ما أو كلامًا يعطي خلاصة الفكرة في رسم موقف أو مفارقة ما تثير سخرية أو توضح رأيًا ناقدًا. أما النوع الثالث المعتمد على الشرائط المصورة فقد برزت الحاجة إلى سرديات تاريخية أكثر مع شخصيات مختلفة بعد تطور الرسوم الكاريكاتيرية بشكل كبير تكون الحركة المتتالية فيها أو ما سمي بالرسوم الكرتونية أو ما عرف بالرواية المصورة. وهناك تصنيفات أخرى مثل المحلي والعالمي والرياضي والسياسي والاجتماعي وتتسع الأنواع باتساع الحياة ذاتها.

الأخوان أوغست ولويس لوميير    



علاقة الكاريكاتير بالصحافة

على الرغم من أن الكاريكاتير أحد الفنون التشكيلية المستقلة إلا أن علاقته الشديدة بالصحافة جعلته يتداخل مع كل منهما بذات الوقت، إذ يجمع الكاريكاتير بين مضمون المقال وخصائص الصورة، فالصحافة هي النافذة الأكثر سرعة لإيصال الكاريكاتير إلى الجمهور عبر الخطاب البصري الذي يعبر عن نبض الشارع وسلاحه الأبيض في وجه الاستبداد حين أعيته السبل الأخرى، رغم أنه اقتصر في بداياته على الإضحاك والتسلية، ولكنه ما لبث أن تبنى المواضيع الناقدة الجادة عبر القوالب الهزلية. 

سجلت الصحافة العربية دخول الكاريكاتير إليها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر على يد يعقوب صنوع الذي لقب بـ"سيد الساخرين في العصر الحديث" من خلال جريدته الأسبوعية "أبو نظارة زرقاء" التي صدرت في القاهرة أيام الخديوي اسماعيل الذي أصدر أمرًا بإيقافها كونها تهاجمه مما اضطر صاحبها لتغيير اسمها مرارًا وتكرارًا، وبعدها أصبح الكاريكاتير علامة بارزة في الصحف العربية والمصرية مثل مجلة "خيال الظل" عام 1907 لأحمد حافظ عوض التي طغى الكاريكاتير على موادها، ومجلة "الكشكول" التي كانت تسخر من سعد زغلول وحزب الوفد كما لعبت مجلة "روز اليوسف" دورًا مهمًا في الصراعات السياسية القائمة.

وفي تونس وظف الكاريكاتير في الكثير من الصحف الناشئة وأهمها جريدة "السرور" التي أصدرها الأديب علي الدوعاجي مع بيرم التونسي والتي تتبع جماعة تحت السور، أما في سورية فقد تشابهت الصحافة الهزلية الكاريكاتيرية بمثيلتها المصرية ومن أهمها جريدة "المضحك المبكي" التي استمرت بالصدور حتى عام 1966 كما حفلت البلاد العربية بالكثير من الصحف التي اعتمدت الكاريكاتير في أبوابها كتعبير عن منهجها ورؤيتها.

يعتبر الإسباني- الأرجنتيني خواكين سلفادور لابادو الملقب بـ"كينو" من أشهر رسامي الكرتون والكاريكاتير بالعالم  



من أعلام الكاريكاتير في العالم والوطن العربي

يعتبر الإسباني- الأرجنتيني خواكين سلفادور لابادو الملقب بـ"كينو" من أشهر رسامي الكرتون والكاريكاتير بالعالم، وهو الحائز على "جائزة أمير أستورياس" الإسبانية، إذ تميزت رسوماته بالكونية بشكل يستطيع أي إنسان أن يفهمها أينما وجد، وهو الذي حاول تغيير العالم بالأفكار والفن والكلمة لا بالسلاح، وكان ابتكاره لشخصية  الطفلة مافالدا هو الذي كرّسه عالميًا إلى حد ما، إذ إنها انطبعت في أذهان الملايين لأن أسطورتها اعتمدت على النقد الذكي واللماح من خلال أسئلة "مافالدا" لوالديها والشروح التي كانا يقدمانها إليها عن الديكتاتورية والاكتظاظ السكاني والحرب النووية و"الزعيم الكوبي" فيدل كاسترو وسواه من المواضيع، وقد عبر أمبرتو إيكو عنها بقوله "إنها تحاول البقاء صغيرة كي لا تقفز إلى عالم الكبار"، فـ كينو يعتبر أن الناس عندما يكبرون ينسون أوليات السعادة التي عرفوها في الطفولة فهم يتزوجون بلا حب ويلهثون لجمع المال ويبتعدون عن المنطق. وكينو الذي اعتبر علمًا في عالم الكاريكاتير غادرنا عام 2020 تاركًا خلفه إرثًا فنيًا باهرًا.

وهناك الكثير من رسامي الكاريكاتير في العالم العربي مثل ألكسندر صاروخان وجورج البهجوري ومحمد رخا وصلاح جاهين في مصر، وعلي فرزات ورائد خليل في سورية، ولكن الوجه الأبرز كان لناجي العلي من فلسطين والذي بلغت رسومه أكثر من 40 ألف رسم كاريكاتيري كثف من خلالها عمق المعاناة الفلسطينية ووضح فيها للرأي العام حجم المعاناة الفلسطينية في الأرض المحتلة ممثلًا صوت المقاومة الوطنية والتي كانت الصورة الناقدة والمتهكمة للكثير من الظواهر السلبية والتي دفع حياته ثمنًا لمواقفه. وقد اختار لرسوماته شخصية "حنظلة" وهو رسم يظهر فيه طفل يعقد يديه خلف ظهره، وأصبح هذا الرسم توقيعًا يمهر به العلي رسومه فهو الشاهد والشهيد في جل أعماله.


خاتمة

فن الكاريكاتير فن مشاغب ومشاكس ومحرض وهو من أكثر الفنون شعبية والتصاقًا بالناس كونه يعتمد على التفاعل المباشر مع المتلقي، على الرغم من كونه مهملًا ومهمشًا من قبل الدارسين والنقاد إلا من محاولات خجولة بعض الشيء، لتأرجحه بين الفن التشكيلي والصحافة ودائمًا في الغالب ترجح كفة جهة على جهة في الأعمال المنجزة مما يجعل وجوده قلقا وغير مستقر وبالتالي فإن انتماءه غير محدد تمامًا ولكن الثابت فيه تلك الابتسامة التي يتركها على شفاه محبيه. 

مصادر:

فن الكاريكاتير – ممدوح حمادة، دار عشتروت دمشق، 1999

بحث بعنوان "استلهام تشكيلات نحتية معاصرة مستوحاة من خطوط فن الكاريكاتير لتنمية الخيال والإبداع"، إعداد ولاء نشأت حسن عبد العال، منشورات جمعية أمسيا – مصر (التربية عن طريق الفن) لعام 2016

موقع www.lifepersona.com، https://www.lifepersona.com/the-most-outstanding-caricature-types

"الكاريكاتير في الصحافة"، د. حمدان خضر السالم، إصدار دار أسامة للنشر والتوزيع، ونبلاء ناشرون وموزعون، الأردن 2014

بحث بعنوان "ثقافة النص في الرسم الكاريكاتيري وتأويلات المتلقي"، إعداد د. عاطف سلامة، مجلة "الهدف"، 21/3/2015

مقال بعنوان "رسام الكاريكاتور الأرجنتيني كينو رحل قبل أن يرى العالم يتغير" لهوفيك حبشيان نشر في الإندبندت عربية، 6/10/2020

مقال بعنوان "الكاريكاتير من منظور فلسفي" لمحمد عرفات حجازي نشر في صحيفة "المثقف"، 3/11/2018

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.