}

معرض "مونيه – ميتشيل".. التواصل بين الانطباعية والتجريد

أسعد عرابي 25 أكتوبر 2022
تشكيل معرض  "مونيه – ميتشيل".. التواصل بين الانطباعية والتجريد
جوان ميتشيل وكلود مونيه
يبدو أن منهج "علم الجمال المقارن" (الذي أعتمده كعقيدة كتابية) قد سيطر على التظاهرات الكبرى الفنية في باريس. ولعل المعرض الراهن "مونيه - ميتشيل" من أبلغ الأمثلة، ويقام في متحف مستقبلي لمؤسسة فويتون، معانقًا ستين لوحة من الطرفين مستعارة من متاحف كبرى خاصة ما بين متحف "الانطباعية الأميركية" في جيفرني (فرنسا)، ومتحف سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) وسواهما.

ابتدأ المعرض في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر 2022 مـ مستمرًا حتى السابع والعشرين من شباط/ فبراير العام المقبل 2023 مـ.

هو المختبر الذي يطلق حوارًا بصريًا ثقافيًا بين موروث المعلم والمؤسس الانطباعي كلود مونيه (1840 - 1926 مـ) والذي أنجزه ما بعد أعوام الخمسينيات وحتى وفاته، من جهة، وتجربة التجريد الانطباعي لفنانة من الجيل التالي وهي جوان ميتشيل (1925 شيكاغو - 1992 مـ باريس)، من جهة ثانية.

مقارنة مباشرة  بين لوحة ميتشيل (من اليمين) ولوحة لمونيه على مستوى التقنية بدون الالتزام بالألوان المسيطرة (من الأعمال في المعرض)



تعددت هذه المقاربات بعد ملاحظة التسلل الأميركي إلى الانطباعية الفرنسية، والعكس بالعكس. هو ما يفسر وجود المتحف الانطباعي الأميركي المجاور لمتحف قصر أتولييه مونيه في ضيعة جيفرني الفرنسية.

يبتدئ هذا التسلل من المعرض الانطباعي الفرنسي الأول ضمن صالون المرفوضين (الذي أسسه نابليون الثالث عام 1863 مـ). اجتمع فيه المؤسسون: إدوارد مانيه وكلود مونيه وأوغست رونوار وإدغار ديغا والإنكليزي سيسلي وبيسارو (الذي بشر بالتقنية التجزيئية)، شارك هذا الجمع فنانان أميركيان مقيمان في فرنسا، سنصادف فيما بعد الانطباعيين الأميركان السبعة الذين أقاموا في جيفرني ابتداء من عام 1887 مـ من أمثال جون سارجان، الصديق الحميم لمونيه (أغلب لوحاتهم محفوظة في متحف جيفرني السابق ذكره)، دون أن ننسى الدور الإيجابي للانطباعية الفرنسيّة - الأميركية ماريا كاسات التي كانت خلف تشجيع أصحاب المجموعات ومدراء المتاحف الأميركية بالاقتناء من الانطباعيين الفرنسيين، خاصة لوحات كواليس رقص الباليه لإدغار ديغا، كما ساهمت في امتلاك متحف فيلادلفيا لأكبر مجموعة لرونوار (عانق المتحف ضمن مجموعته مئة وثمانين لوحة انطباعية محمولة من باريس) ناهيك عن مجموعة متحف نيويورك المتروبوليتان المتأخرة. الواقع أنه ما بين عامي 1860 و1930 اقتنى الأثرياء الأميركان مئات اللوحات الانطباعية خاصة مؤسسة بارنيس. هو ما يقود إلى حقيقة لا يعترف بها الفرنسيون مفادها أن الانطباعية ذات الأصل الفرنسي أغلب لوحاتها في الولايات المتحدة. وأنه لولا فضل صاحب المجموعات والغاليري النيويوركية لصاحبها الشهير دوران رويل لظل مونيه معدمًا. رمّم له قصر جيفرني ببحيراته الآسنة التي تسبح على أديمها أزهار النينيفار، وشيد له فيها الجسر الياباني، وكان يمدّه بالمال حين يحتاجه، واختص بعرض وبيع أعماله حصرًا.

في الواقع أن الأميركان يقدرون عبقرية كلود مونيه أكثر من الفرنسيين الذين كانوا يغبنونه حقه باعتباره مجرّد مصور مناظر من الدرجة الثانية (بعد جوستاف كوربيه ومييه) فقد كان تأثير مونيه جذريًا على حداثة مدرسة نيويورك وبالذات تيار "التعبيرية التجريدية" خاصة جاكسون بولوك وويليام دوكوونينغ وسام فرانسيس، وبالذات أعماله الأخيرة التي شارفت التجريد الغنائي، الذي يعتبر في فرنسا نتيجة فنية طبيعية لرؤيا مونيه الانطباعية.

وصل تأثيره حتى فنان البوب آندي وارهول في متتالياته اللونية (مارلين مونرو مثلًا)، وذلك بتأثير مجموعة تصاوير نوتردام روان أو متتالية الشوفان في حصيد القمح.

مقارنة مباشرة  بين لوحة ميتشيل (من اليمين) ولوحة لمونيه (من الأعمال في المعرض)



أما تصاوير فنانتنا جوان ميتشيل فقد كانت تتعقب خطاه اللونية والضوئية بعد عبورها من حساسية ألوان فان غوخ وسيزان وماتيس. لدرجة أنها سكنت مجاورة لبيت كلود مونيه ومحترفه ما بين عامي 1878 و1881 مـ.

تتشبث بنفس المتتاليات اللونية وتجزئة اللوحة في مرحلة أزهار النينيفار. ونفس الحساسية الضوئية النباتية، لدرجة أن ذاكرتها كانت حبلى بلوحاته الأخيرة، قادتها إلى استكمال تجربته الانطباعية باتجاه التجريد، لذلك فإن جملة المعارض التي أطلقتها في سنواتها الأخيرة تحمل عنوان: "التجريدية الانطباعية"، سواء في باريس أم نيويورك.

 


أما المتحف الحداثي المدهش المستقبلي الذي يعانق المعرض فيتفوق في أهميته المعمارية الرائدة على المعرض نفسه، بتكليف من مؤسسة فويتون ملاصق لمنتجع شهير يدعى حدائق الأكليماتاسيون، تقع على مدخل غابات بولونيا الباريسية.

صممه أكبر معماري رؤيوي اليوم وهو المهندس الكندي - الأميركي فرانك جيهري (من تورنتو)، المولود عام 1929 مـ، وصمم البناء المدهش من قبل هذه المؤسسة عام 2014 مـ ليكون آخر متحف للفن الحديث في العاصمة، معتمدًا على ملصقات من جدران البليكسيغلاس المرصعة بصفائح خشبية، غارق في الماء مثل فلورنسا. يجذب الزوار حتى في حال خلوه من المعارض لقوة جذبه المغناطيسية العملاقة. وأصبح من أبرز معالم باريس الثقافية.

وزيارته بمعزل عن معروضاته تتمتع بإقبال منقطع النظير وببطاقة دخول مرتفعة الثمن. وتزداد إذًا أهمية معروضاته بشهرة بنائه عالميًا، ويؤمه المهندسون من شتى المعمورة.

كلود مونيه ومرحلة زهور النينيفار وبحيرات آسنة في حدائق محترف مونيه

جوان ميتشيل واستلهام تجزئة اللوحات إلى متتاليات لونية وزمنية ومرحلة الانطباعية التجريدية

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.