}

أمركة هنري ماتيس بعد عبوره من طنجة

أسعد عرابي 17 مارس 2024
تشكيل أمركة هنري ماتيس بعد عبوره من طنجة
هنري ماتيس (Getty)
عقدت منذ فترة قريبة ندوة دولية تحت عنوان "ماتيس في المغرب، تأثيره وأصداؤه" (المعهد الأكاديمي للفنون في الرباط). ندوة بالغة الأهمية العلمية، شاركت فيها أسماء بحثية معروفة بإدارة د. نور الدين أفاية. كانت لي حظوة المشاركة النظرية، من دون التمكن من السفر لأسباب صحية.
يستحق هذا المعلم الاهتمام البحثي الجدي والجديد كما أرادته إدارة الندوة، ليس فقط بسبب رحابة ارتشافه للموروث التعددي في الفن المتوسطي المشرقي الإسلامي - البولينيزي (عبورًا من طنجة وتاهيتي ومتاحف الأرميتاج والمترولوليتان ومتحف فيلادلفيا)، وإنما أيضًا بسبب خصوبة كينونته الإبداعية المركبة، هي التي جعلته الرائد الأول في القرن العشرين لمفهومي الحداثة والمعاصرة. من التعسف سلخه عن تأثير الفن الإسلامي خاصة وأن احتكاكه به كان مبكرًا منذ عام 1906 وزار مطولًا الجزائر والأندلس. وجذب هاجسه الروحي أيضًا الأيقونات القبطية والأرثوذكسية وصولًا حتى الفن البولينيزي كما سنرى.
لكن طموحه الفني تمثل في أَوْرَبة الأرابيسك باستشراق محدث.

* * *

لو راجعنا دراساته الفنية الحرة في المعاهد الخاصة في باريس، ابتداء من "محترف سيرتا مورو" (الذي كان ينسخ المنمنمات الإسلامية)، ثم "أكاديمية جوليان"، وصولًا حتى "محترف جوستاف مورو"، الذي زار الجزائر، وصور نسوتها وحرمة منازلها عام 1906م، ثم زار حي بسكره، لتبين أنه عرف بالموضوعات المحلاة "بالأرابيسك" (الزخارف الهندسية الإسلامية). كان هؤلاء جميعا، وكذلك تلميذهم هنري ماتيس، يتعقبون خطى نموذجهم الأول أوجين دولاكروا (1798 ـ 1863)م، الذي شرد عن البعثة الرسمية (1831م) ليسافر إلى فنون الجزائر والمغرب والأندلس، مسجلًا اكتشافاته الفنية المشرقية الروحية ضمن بواطن دفتري الرسم بالألوان المائية كحصيلة رحلته هذه.

ما قبل طنجة: الرقص، ألوان زيتيّة على قماش 1909-1910م، قياس 260*391 سم

يسجل مثلًا ما سماه "عود زرياب"، مما يشير إلى معرفته الموسيقية اللحنية المشرقية. وعند عودته يؤسس التيار المدعو بـ"الرومانسية" على أنقاض التقاليد الاستشراقية الملفقة. هي التي استمر بها زميله دومينيك آنغر (مثل المحظيات والحمام التركي وسواهما). لعل ما أثار ماتيس قبل كل شيء في الفن الإسلامي: رسوم مخطوطاته (المنمنمات) حتى تقاربت تكوينات لوحاته من نظائرها هذه مثل الحرية تقود الشعب، ومثل "موت ساندارا بال" (المروية الرافدية) الأقرب إلى ألف ليلة وليلة، وأصبح يلون رسم الفرس بالأحمر بدلًا من الأسود، هي أولى بوادر "وحشية" ماتيس 1905، مع توأمه أندريه ديران (الذي كان قد سبقه لتصوير مناخات الجزائر)، وإذا اكتشف من أعمال جوستاف رينوار الخاصة بنسوة الجزائر ودورها المشمسة، فإنه تحالف بسرعة مع أعداء النظرية الانطباعية من أمثال بول سينياك (التجزيئية) التنقيطية، وبول جوجان (جماعة بونت آفين)، بل توصل مثله إلى إغراء الثقافة الفنية "البولينيزية" عند سفره إلى الولايات المتحدة، ومنها إلى تاهيتي؛ مع استدراك عبوره من بلد سيزان إكس إن بروفانس، وجبل سان فكتوار، ناهيك عن تأثره بنوافذ بيير بونار ومنافذها على الطبيعة، ثم على ألوان بول جوجان.

* * *

إن إعجابه بالانطباعيين وفروعهم يتمركز حول رمزية السفر المتوسطي في مراكبهم العائمة: مثل محترف - مركب كلود مونيه (صوره مع زوجته إدوار مانيه)، ثم مركب بول سينياك الذي خاض به عباب البحر الأبيض المتوسط حتى وصل إلى إسطنبول، فوجد أن نظرية التجزيئية التنقيطية (التي اتبع منهجها في تلك الفترة ماتيس نفسه) سبقه إليها الفسيفساء البيزنطي ـ العثماني المزجج انحيازًا لفنون النار والنور الإسلامية.
لعل أبرز هذه المقدمات التي هيأت لاكتشافه "الفن الحميم" في طنجة هو ما أثارته عروض الفن الإسلامي (ما قبل سفره) ما بين معرض باريس 1903م، وجناحه المحدث في متحف اللوفر، ثم وهو المنعطف المركزي: المعرض الاستعادي للفن الإسلامي في ميونيخ؛ سافر إليه يتأمل الـ3500 قطعة نادرة من نماذجه المعروضه، وذلك عام 1910 م. من المنمنمات ورسوم السيراميك والزخارف وتشكيلات الخط من نسخ القرآن والمخطوطات جزأت أسفار فناننا الفنية، إذًا، إلى طنجة إلى ثلاثة مراحل: تشتمل الأولى على تفاصيل هذه المحرضات والنوازع للوصول ميدانيًا إلى امتحان المعاش من هذه الفنون: من مفهوم المدينة الحضرية إلى صناعاتها اللونية من سيراميك إلى أقمشة وسجاجيد وزريبة وبسط إلى صناعات الخزف، والزيلليج المزجج، والفوانيس والحرفيات النورانية المقزحة بألوان الفردوس والغيطان والجنان والأرابيسك التجريدي… إلخ. بمعنى أن سفره إلى طنجة ليس استثنائيًا، وإنما هو الحلقة العاطفية الأشد ارتشافًا لتعطشه إلى متوسطية الفن الإسلامي.

المرحلة الأولى: ما قبل طنجة
من الخطأ المنهجي الكبير تجاهل تفاصيل المرحلة التمهيدية التي مرت معنا توخيًا من البعض (تحت دعوى العلمانية) أن يتجنب المصطلح العلمي: الفن الإسلامي التعددي. إن تأكيد انتسابه إلى جماعة الذوق والصناعة الصوفية، ينفي البعد اللاهوتي ذلك أن ابن عربي نفسه يؤكد بأن الذوق (بمعنى ممارسة الفنون) هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحق. وتلميذه المريد جلال الدين الرومي صاحب المولوية يكتب: "كثير من الطرق تقود إلى الحق، أما أنا فقد اخترت طريق الموسيقى والرقص".
هو ما يؤكده اكتشاف المستعرب الحلاجي لوي ماسينيون للنقابات الروحية التابعة للطرق الصوفية (خاصة آخرها النقشبندية) الداعية إلى تجويد الصناعات. وذلك من خلال محاضرته عام 1932م في بيروت، المركز الجيولوجي للشرق الأوسط.
كان لا بد من هذا الاستدراك الفلسفي الذي يؤاخي بين السماعي والبصيرة (راجع كتاب أبي حامد الغزالي: "البصر والبصيرة"، الذي يشرح من خلاله القطب المنظور العربي الإسلامي التنزيهي (منظور عين الطائر، أو العنقاء، أو السيمورغ، المطبق في شتى نماذج رسوم المخطوطات (المنمنمات)، وأكداس رسوم الفنون الشعبية في المغرب، من أمثال فاطمة المرنيسي، ملهمة ألوان المرحوم محمد المليحي، وسلادي (من أبرز فناني المغرب المتزامن مع آخر مصور للمنمنمات النخبوية محمد راسم في الجزائر)). ويمكن أن نضيف إلى هذا التراث التصويري الذي ضاع أغلبه ما بين محمود بن سعيد الواسطي، وابن جنيد، ومحمدي، في القرن الثالث عشر في بغداد، وبهزاد أكمل الدين، وتلامذته مثل شيخ زاده، الذين سيطروا على البلاط المغولي (الذي كان يتدرب على بورتريهاته رامبرانت العظيم)، أما بهزاد فلم يكن صفويًا كما يشاع، وإنما نقشبندي ما بين هيرات وتبريز، رغم أنه التحق بالأتولييه الصفوية لفترة من أجل تدريب تلامذته على رسم أنواع الطيور الروحانية (مثالها منطق الطير لفريد الدين العطار) وأصول المنظور اللوني المتعدد الوجود ومصادر الإضاءة "منظور العنقاء".




هناك لوحات مدهشة سابقة لهذا التاريخ القسري مثل السجادة الحمراء 1906 وبوابة ونافذة 1914 على أعقاب سفره طنجة.
لا شك بأن منمنمات المعرض الموسوعي في ميونيخ ساعده تأملها على اكتشاف المنظور الثالث المجهول بالنسبة إلى عصر الاستشراق والانطباعية، وحتى الرومانسية المتأخرة، فقد ظل شائعًا "منظور ألبرتي" الذي يعود إلى تطبيقات عصر النهضة الإيطالي بالقرنين الخامس عشر والسادس عشر بهروب الخطوط خاصة المعمارية إلى الأفق (المزدوج) الخلفي، واكتشف متأخرًا عن طريق الاستامب الياباني في القرن الثامن عشر المتوسطية ما بين كورسيكا وإسبانيا والجزائر 1906. هو المنظور العمودي، أو الطاوي الكونفوشيوسي، الذي تهرب خطوطه بالعكس إلى الأمام، فتبدو الأشكال في الأول صغيرة كلما ابتعدت وتبدو في الثاني صغيرة كلما اقتربت. بعكس المنظور العربي الإسلامي التعددي على مستوى المكان والإضاءة، لأنه متخيل في مركز القبة السماوية ويرى الأشكال (مثل البركة والمشربية) من شتى الجهات وكذلك الإضاءة مما يسمح برصف الألوان الموسيقية البصيرية (وفق تعبير أبي حامد الغزالي).
تمثل بعض النماذج المشهورة السابقة للسفر إلى طنجة تطبيقًا جديدًا لهذا المنظور، كما هي حال لوحتي الرقص عام 1909 والموسيقى 1910م المطلوبتين من متحف الأرميتاج في سان بطرسبورغ، وبقياس عملاق 391 × 260 سم، أعاد إنجازهما من أجل متاحف الولايات المتحدة: فيلادلفيا والمتروبوليتان في نيويورك بدعم من التاجر وليام غويوم، صاحب الصالة والمجموعة الأميركية الشهيرة.
لعله من الجدير بالذكر أن ماتيس كان مولعًا ببول جوجان، وتعقب خطاه بالانحراف عندما سافر إلى الولايات المتحدة باتجاه تاهيتي والثقافة البولينيزية التي تسربت فنونها إلى توليفاته الأسلوبية.
* * *
أثناء طنجة: مقهى غربي مع حوض سمك، ألوان زيتية على قماش 1912-1913، قياس 176*210 سم.

كان معرض ميونيخ إذًا بالنسبة لماتيس كفيلًا بعدم الخلط بين مصطلحي الذوق واللاهوت. هو الجانب الصوفي مما دعاه بالتصوير الحميم، وإن اكتشافه داهمه من الشرق يقصد المغرب المتوسطي، وظل التأثير البولينيزي وسواه هامشيًا.

المرحلة الثانية المحورية: العبور إلى طنجة
تمثل رحلتا ماتيس (1869 ــ 1954) إلى طنجة خلال شتائي 1912 و1913م مركزية مجهرية في الندوة الدولية المذكورة، أنجز خلال هذه الفترة 23 لوحة وخمسة وستين رسمًا. إن تكرار خطأ اختيار وقت السفر المربك للتصوير بسبب الأمطار الغزيرة نوعًا من خطأ تقدير وحدة الفصول المتجانسة نسبيًا حول المتوسط. وتعميم تخيل الدفء المطلق المسيطر على شمال أفريقيا المناقض لصقيع أوروبا. يقضي ماتيس على سبيل المثال نصف شهر إقامته من دون أن يغادر غرفته ويستمتع بشمس ما بقي في الخارج مقتصرًا في البداية على موضوعات الطبيعة الصامتة الداخلية المشرفة على فراديس وغيطان الخارج، يقارنها في ملاحظاته بخضرة النورماندي وأوصاف دفتري دولاكروا بخصوص نبات الأكانتة (المتمثل في تيجان الأعمدة الرومانية والهلنستية).
وهكذا اقتصر بادئ ذي بدء على رسوم ورقية بفحم الفوزان وقنع بلوحات متواضعة القياس، وبموضوعات داخلية، من حوض الأسماك الحمراء، إلى الفواكه السيزانية، أو آلة الكمان المحمولة على طاولة محلية واطئة، إلى أنواع الزهور وأصص النباتات الصالونية المألوفة في البيوتات المغربية، ناهيك عن أنواع الإكسسوارات والزركشات الزخرفية على أنواع الأقمشة (بما فيها الحريرية والسجاجيد والزريبة والبسط والستائر والأغطية والقفاطين والأردية النسائية)، ثم الأواني والزجاجيات والسيراميك والخزف، مطلة جميعها على نوافذ (بونارية) مشرعة على كوامن المدينة ومسجدها الجامع ومقاهيها وساحات تجمعها الشعبية، أو التنزهية المتفيئة بالظلال.
* * *

تبدو الرحلة الثانية في العام التالي أشد أهمية من الأولى من ناحية استغراق تصويره ورسومه الاختزالية في مناخات مغامرة طنجة، خاصة وأنه اصطحب زوجته هذه المرة ليتهيأ له العبور الأشد حميمية في مجتمع حريم البيوتات المغلقة على الغريب، واقتحام بالتالي بواطن الخمار، وأحجبة الحريم وأستارها الحميمة، مستعيدًا دواخل هذه الإكسسوارات موضوعه الأثير العادي الأنثوي، أو المحظيات بمفاتنهن الخجولة، ناهيك عن عدد من البورتريهات الأنثوية، وحتى الأوتوبورتريه، بنظارته الفضولية واحدة من أبدع رسومه يتخيل فيها نفسه وأدواته في العراء يصور المدينة ونسوتها في الخارج مع قبة المسجد الجامع، وبطليه السرديين المحليين المعروفين، حميدو وزوراح، استعيرت شخصيتاهما الشعبية لتشيع في الأفلام المبكرة عن العرب، ومناخ طنجة الأسطوري، كما هي سيرة علاء الدين ومغارته وفانوسه السحري من أشد أعماله إثاره في هذه الفترة: بوابة القصبة بما فيها قبة المرابطين.

أمركة هنري ماتيس: العاري، ورق مقصوص وملوّن بألوان الغواش، 1950م، قياس 132*238 سم.

تبدو الموضوعات الداخلية بدورها أساسية الأقرب إلى تكوينات المنمنمات واللوحات الشعبية خاصة لعبة مباراة الشطرنج على أكداس السجاجيد والزخارف والشخوص المطبقة جميعها بمنظور ثنائي الحجم (منظور العنقاء) ثم بعض اللوحات الأصيلة باستعارة عند عالم المقاهي والجلسات العامة بالقفطان المغربي والبابوج وسواهما، وخاصة المسجد الجامع (القصبة) مع تضاد لوني بين الأزرق والناري الملتهب.

المرحلة الثالثة: ما بعد طنجة... أمركة هنري ماتيس
من أكبر الأخطاء الأكاديمية في هذه الندوة على أهميتها اقتصار حدود البحث على أعمال هنري ماتيس خلال زيارته لطنجة أي فقط خلال عامي 1912 و1913م، بالنظر إلى أن هذا الحدث انعطافي في مسيرته الفنية. وهو ليس أكيدًا، بل إنه يناقض الواقع، فتأثيرات مناخات طنجة الداخلية والخارجية، بما فيها الأيام الثلاثة التي كرسها لزيارة فاس وتطوان، لا تعدو مغربيتها أن تكون محطة  تأثير، بل تأكيد لاكتشافه قبل ذلك بسنوات بعيدة للفن الإسلامي (في معرض ميونيخ على الأخص) الاكتشاف الذي دعاه بـ"التّصوير الحميم"، الذي "داهمه من فنون الشرق" واستمر في طنجة وما بعدها.
وواقع الأمر أنه لم ينقطع بعد هذا التاريخ عن إعادة زيارة طنجة والجزائر. وإلا ماذا يعني تاريخيًا تسمية مرحلته اللاحقة (1915 ـ 1916) ذكريات مغربية، ثم المرحلة المتوسطية (1917 ـ 1925)، ثم يعترف أغلب النقاد والمؤرخين في الفن المعاصر أن أبرز لوحاته الاختبارية عرفت ما بين الحربين العالميتين، بل إن المعرض الباريسي الأخير البالغ المنهجية، يرى أن الثلاثينيات كانت ختامًا لهذا المنعطف والتحول والذروة البحثية الماتيسية الأميركية التي ختمت مغامرته باكتشاف مقص ورق الغواش (بعد أن بلغ الثمانين وأقعدته الشيخوخة في كرسي متحرك). إن تاريخ أمركة الفن الفرنسي يعيد نفسه خلال فترة التأسيس العصيبة في الولايات المتحدة. كما جرى لأول مرة مع دور التاجر الأميركي وصاحب الصالة والنفوذ الفني في نيويورك أن أمرك مؤسس الانطباعية كلود مونيه، واقتنت لوحاته أبرز المتاحف الأميركية الطافحة بأعمال الانطباعيين الفرنسيين مما برر تأسيس متحف الانطباعية الأميركية بجانب متحف مونيه وقصره في مدينة جفريني. كذلك كان الأمر مناظرًا لأمركة هنري ماتيس بعد انتهاله من مشرقية المغرب.




وهكذا هيأ بول غويوم، أشهر تاجر لوحات ومجموعات خاصة وصالة عرض أميركية، ابتداء من 1930م، الشروط الملائمة لشهرة هنري ماتيس في فيلادلفيا واقتناء متحفها لقناعته بأنه أشد أصالة وريادة ومستقبلية حداثية من توأمه بابلو بيكاسو. مع اجتياحه لكبار المتاحف خاصة المتروبوليتان في نيويورك تعملقت قياساته على الطريقة الأميركية، وتحولت إلى مساحات شاسعة مثل التصوير الجداري وانهالت الطلبات المؤسساتية على فنه ابتداء من مؤسسة غويوم نفسه، وجدد بعض الكاتدرائيات وصولًا حتى جدران باركينغ في نيس.
عن عمر الثمانين، تضاعف تأثير ماتيس على مدرسة نيويورك مع اكتشافه لتقنية قص الورق الملون بالغواش مباشرة من دون تخطيط، معتمدًا على الاستلهام المباشر من الزخارف الإسلامية (الأرابيسك). لعل أبرز أعماله الأميركية المزهرية الأتروسكية (متحف كليفلاند) والزهور المؤسسة العائمة في الفراغ عام 1940م تحول بعدها إلى المقص، متجاوزًا تأثيره القارة الأميركية إلى الأوروبية من جديد[1].
أثناء طنجة: منظر حضري في طنجة، ألوان زيتية على قماش، 1913م.

بما هو مرتبط "بالوهم البصري" "Optique-cinétique"، ما بين جيل الباوهاوس الألماني (على غرار لسلي موهولي ناجي الذي نقله إلى فرع الباوهاوس في واشنطن مع ألبير هربًا من النازية، وظل مزدهرًا حتى اليوم) وتلميذه من بودابست المستقر في باريس فيكتور فازاريللي، لم يهمل ماتيس في كل مرحلة ذاكرته الاستشراقية بدليل قصة الأشكال العاريات من المحظيات المشرقية السابقة باللون الأزرق، استجابة لرغبته المزمنة في تبسيط الأشكال، حتى لو غامرت بالحساسية الزخرفية.
إثر وفاته في 1954م استعار بابلو بيكاسو موتيفاته المقصوصة، ليطورها خلال عقدين قبل وفاته في 1973م، مؤكدًا على ضرورة تواصل أبحاث ماتيس لأهميتها وديمومتها، هو ما يؤكده نقض تأثيره على أي فنان مغربي خلال محطته العابرة من طنجة؛ لأنه لم يكن معروفًا في ذلك التاريخ، وكذلك الفنانون المغاربة (ما عدا الشعبيين منهم)[2].

بعض المراجع:
ــ القسم الثقافي لجريدة "الحياة" المحجوبة بعد بيعها، وليس بالإمكان الإحالة إلى مادتها.
ــ دراستان في قسم "التشكيل" لمنبر ضفة ثالثة (العربي الجديد) ـ لندن.
1- لوحات هنري ماتيس.
نوافذ مشرعة على الحداثة والمعاصرة 27 أكتوبر 2020 م.
2- منعطف الثلاثينات الجديد في معرض هنري ماتيس 10 أبريل 2023 م
“Matiss au Maroc” peinture et dessins 1912 - 1923
Pierre Schneider, Jack Cowart, John Elderfield, Albert Kostenevitch et Laura Coyale. E: ADAM BIRO.

Le “Maroc de Matisse” Institut du Monde Arabe - Gallimard 1919 - 2000 Paris 

“Matisse” - Volkmar Essers - E: Taschen 2022

“Matisse et le Maroc” Christophe Domino Gallimard I. M. A

Matisse / Diebenkorn , Esthétique comparée.

Sam Francisco Museum of Modern Art.

John Elderfield and Jodi Roberts.

Thèse de Doctorat en “Esthétique de l’art musulman” 

2 - “L’influence de l’art musulmane sur l’art européen du vingtième siècle “. sous la direction d’Alexandre Papado Yelo , préparé par: Asaad Arabi , université de Paris I Panthéon - Sorbonne, année: 1986 - 1987

Une partie consacrée à H. Matisse.

هوامش:
(1) تعتقد إدارة المعرض الباريسي الأخير أنه ابتداء من 1930 أصبح هنري ماتيس نموذجًا أميركيًا، منجزًا ما بين الحربين أبرز أعماله على مثال: العاري بالسروال الرمادي 1935م، والنائمة باللون الزهري 1935، والثوب الأزرق 1937، والقط 1938، ثم المحظية بالرداء الأصفر.
(2) شاركني في هذا الرأي عدد من الأشخاص أبرزهم مدير البوزار في تطوان عبد الكريم الوزاني.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.