}

مهرجان الإسماعيلية التسجيلي في دورته الـ 23.. الانحياز للسينما

وائل سعيد 29 مارس 2022




اختتم مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة فعاليات الدورة الثالثة والعشرين التي استمرت على مدار سبعة أيام، 17-23 مارس/آذار، برئاسة المخرج سعد هنداوي في أول فترة له خلفًا للناقد عصام زكريا. تقدّم لدورة هذا العام 971 فيلمًا ما بين تسجيلي وقصير وتحريكي بالإضافة إلى أفلام الطلبة. واختارت لجان المشاهدة 107 أفلام من 31 دولة عربية وأجنبية تضم عروضًا أولى على المستوى الدولي والأفريقي للتنافس على خمس مسارات للتسابق، وقد توزعت الأعداد بشكل متساو – تقريبًا- على جميع الأقسام. وحلت دولة كوريا الجنوبية ضيف الشرف هذا العام على خلفية النجاح الباهر الذي حققه فيلم "طفيلي" للمخرج بونج جون هو.  

استضاف مسرح قصر ثقافة الإسماعيلية حفلتي الافتتاح والختام، وتضمن حفل الافتتاح عرضًا لأربعة أفلام قصيرة بالتعاون مع مهرجان كليرمون فيران من فرنسا وهولندا وإسبانيا. كانت هذه الأفلام بمثابة مفاجأة للحضور وفي نفس الوقت بشارة للتفاؤل بالدورة الجديدة، فدائمًا ما يتضح الجواب من عنوانه. الحالة الجمالية التي قدّمتها هذه الأفلام كفيلة بأن تحتل الذاكرة لفترات طويلة، لا سيما وقد استطاع صُناعها تطويع الجسد واستخدامه بصريًّا بأوجه مختلفة مزجت بين الرقص الإيقاعي والباليه.

في كلمته بالمؤتمر الصحافي أعلن رئيس المهرجان عن رغبتهم هذا العام في الانحياز للسينما ولكل ما هو سينمائي، وهو ما تم بالفعل من خلال برنامج دسم على كافة المستويات وآليات جديدة نجح بعضها وأخفق البعض بالطبع، وانحصرت جوانب هذا الخلل على المستوى اللوجستي فقط؛ بين بعض الأزمات في التنظيم خصوصًا على مستوى الندوات وحديث البعض عن غياب التنسيق بين الأقسام وبعضها، إلا أنه من الاجحاف أن نتصيد هذه الإخفاقات ونتجاهل ما تم إنجازه على أرض الواقع، بداية من استقطاب جانب جديد من الرعاة تمثل في التعاون مع مهرجان كليرمون فيران، وهو من أكبر المهرجانات العالمية في الفيلم القصير، بجانب شركة سينرجي فيلم التي تتكفل هذا العام بجائزة مادية لأفلام الطلبة لأول مرة.


ريد كاربت بنجوم من خلف الكاميرا

دائمًا ما تحتل السجادة الحمراء في المهرجانات بؤرة الضوء، وفي بعض الأحيان تقاس أهميتها بعدد النجوم والفنانين المدعوين وأحيانًا أخرى ينحصر الحدث في زيارة "فلان أو فلانة"؛ هكذا صرح رئيس المهرجان في المؤتمر الصحافي في الرد على سؤال أحد الحضور عن إطلالات النجوم فوق الريد كاربت لدورة العام، حيث أفاد هنداوي بأن المهرجان يرحب بالجميع لكنهم لا يريدون أن يقتصر حدث فعاليات السجادة الحمراء على زيارة ليلي علوي وفقط على سبيل المثال.

وهو ما تم بالفعل ليلة الافتتاح في حالة من اندهاش البعض وعلى رأسهم وفود الصحافيين وقنوات البث الذين اعتادوا على الفساتين والإطلالات الجريئة للنجوم. خلق ذلك نوعًا من الربكة في التغطية الصحافية وكشف عمن هو أخطر من ذلك؛ فهناك من وقف يتساءل عن اسم هذا أو صفة ذاك من السينمائيين الذين يعملون خلف الكاميرا بعيدًا عن الأضواء، سواء على المستوى التقني كمديري التصوير أو المونتاج وخلافه، أو على المستوى التنظيري كالنقاد وأساتذة الفن السابع.

 خيري بشارة يوقع كتابه.. ويظهر في الصورة المخرج عمر عبد العزيز  



شادي وبشارة وعواد  

ضم برنامج الفعاليات الموازية هذا العام تسعة أقسام من ضمنها احتفالية بمرور 100 عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون 1922، وخلالها عُرض الفيلم التسجيلي "كرسي توت عنخ آمون الذهبي" لشاعر الصورة السينمائية الراحل شادي عبد السلام، والفيلم من إنتاج الهيئة العامة للآثار، وقد قام المهرجان بترميم نسخته القديمة التي مر عليها أربعون عامًا والتي توثق بدورها المرة الوحيدة التي تم فيها ترميم الكرسي الأثري. يتخلى عبد السلام في الفيلم عن اللغة الفصحى المغرم بها ويستخدم الحوار العامي، في قالب درامي بين طفل وعمه يتعرف الطفل من خلاله على تاريخ الكرسي والحضارة الفرعونية.

في نفس السياق، احتفى المهرجان باسمين وهما المخرج خيري بشارة الذي عُرضت له ثلاثة أفلام مُرممة من بداياته التسجيلية "صائد الدبابات - طبيب في الأرياف - طائر النورس"، بالإضافة إلى كتاب "السينما والواقع" عن تجربة بشارة مع السينما ويضم بعضًا من السيناريوهات لأفلامه التسجيلية ويعد شهادة هامه حيث هو من تأليف المخرج نفسه. يقول بشارة "أحببت أن أكتب عن تجربتي في السينما التسجيلية قبل أن أنسى".

أما الاسم الثاني فهو المخرج التسجيلي عواد شكري والذي عمل كمساعد مخرج مع خيري بشارة في فيلمه الأول "العوامة 70"، وبجانب التكريم لشكري صدر كتاب عنه من تأليف الناقدة صفاء الليثي. كما شمل البرنامج احتفالية بمئوية المخرج صلاح التهامي، وعرض مجموعة من أفلامه التي أخرجها وقت بناء السد العالي.

السينما التجريبية ومئوية ميكاس

يعتبر برنامج السينما التجريبية من أهم البرامج التي قدمها المهرجان هذا العام، وهو في نفس الوقت ينطوي على ضرب من المغامرة حين يتصدى مهرجان نوعي للاحتفاء بنوع خاص جدًا من السينما وهي السينما التجريبية، بمعنى الانتقال مما هو محدود الجماهيرية "الأفلام التسجيلية" إلى الأكثر محدودية بالتجريبية، التي لا يزال السينمائيين أنفسهم يختلفون على تعريفها ومن ثم تُفتقد المعايير المحددة لهذه السينما حيث هي من الظواهر التي تبحث في الماورائيات.

يقول عنها الناقد الفرنسي دومينيك نوجيز: "يتعامل الفيلم التجريبي مع السينما انطلاقًا من قدرتها وليس من استخداماتها، كما يهتم بمعارضتها، تجديدها أو إزالتها وتوسيع حدودها، وقد افتتح الرواد الأوائل تاريخ السينما كسينما تجريبية". وهو ما يُشركها مع السينما التسجيلية في مسألة الجماهيرية؛ فرغم أن الفن السابع بدأ توثيقيًا، فمما لا شك فيه أن السينما التسجيلية والمستقلة تعانيان من شظف الإقبال الجماهيري، بجانب عزوف الاهتمام النقدي أيضًا.

عرض برنامج السينما التجريبية سبعة أفلام قصيرة من فرنسا وكندا وألمانيا وأميركا، وكلها أفلام إنتاج قديم (عشرينيات. أربعينيات. ستينيات. سبعينيات) ويبقى الفيلم الفرنسي "بعد الحريق" هو الأحدث إنتاجًا بينهم- 2010- من إخراج جاك بيركونت، وهو محاولة لونية تلعب بتدرجات من التوهج الصارخ يمثل حالة النار وتبعاتها فيما يشبه وكأن بالتة فنان تشكيلي انصهرت ألوانها بعشوائية وأغرقت الشاشة.

النسخة المرممة لفيلم "كرسي توت عنخ آمون الذهبي" للمخرج الراحل شادي عبد السلام



ومن جانبه قدّم الأميركي لاري غوتهايم فيلمه الصامت "خط الضباب 1970" عبارة عن لقطة واحدة طويلة "16 د" لمنظر ريفي تبدأ بحجب الرؤية جراء الضباب وشيئًا فشيئًا تتضح الصورة وتظهر الأشجار. يتماس الفيلم مع تجربة آندي وارهول في "إمباير 1965" وهي من أغرب التجارب السينمائية التي يمكن مشاهدتها، فخلال مدته الزمنية المتجاوزة ثماني ساعات تُسلط الكاميرا على ناطحة السحاب الأميركية "إمباير ستيت" بدون أي حركة ولن يكون أمام المُشاهد سوى متابعة مرور الوقت البطيء قبيل غروب الشمس وحتى مغيبها، ثم هبوط الليل في سكون تام عدا حركة واهنة تتمثل في إضاءة الأنوار المنبعثة من طوابق المبنى واحدًا بعد آخر. العجيب أن وارهول حين سئُل عن هدف الفيلم قال ببساطة "لمشاهدة مرور الوقت"! 

أما أقدم الأفلام المعروضة في البرنامج فهو "أشباح ما قبل الإفطار" للألماني هانس ريختر، ورغم أن مدته لا تتجاوز ست دقائق إلا أن ريختر استطاع خلالها إعادة تشكيل العلاقات اليومية المعتادة مع الأشياء على نحو ليس معتادًا؛ فالقبعات تطير وأربطة العنق تتحرك من تلقاء نفسها، فيما تختفي الشخصيات وتظهر دون ترتيب مسبق. وبرغم اختلاف الأسلوب بين الفيلمين، نجد تشابهًا في الرؤية بين فيلم ريختر وتجربة لويس بونويل السريالية "كلب أندلسي 1929" بمشاركة السريالي الأعظم سلفادور دالي.

استكمالًا للجرعة المقدمة من التجريبية كان لا بد من استدعاء اسم جوناس ميكاس للاحتفال بمئوية ميلاده 1922/2019. وهو مخرج أميركي من أصل ليتواني وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه "الأب الروحي للفيلم الأميركي الطليعي". انتقل ميكاس من قريته الزراعية إلى ألمانيا كمجند في سن مبكرة وكان وقتها يكتب الشعر، وحين تم نفيه إلى أميركا برفقة أخيه بدأ في الانخراط في السينما واستأجر صالات لعرض الأفلام وأصدر مجلة "Film culture"، إلا أن الشعور بالتشتت ظل مسيطرًا على هواجسه وأحلامه وربما ظهر في العديد من تجاربه السينمائية التجريبية وفي كتاباته أيضًا.. "في ليتوانيا، أنا معروف كشاعر، وهم لا يهتمون بالسينما الخاصة بي. في أوروبا لا يعرفون شعري، في أوروبا أنا صانع أفلام. لكن هنا في الولايات المتحدة، أنا مجرد شخص منشق!".

في عام 2007 أطلق ميكاس تجربه بعنوان "مشروع 365 يومًا" عبر الإنترنت وذلك لتسجيل مذكراته ويومياته بصرياً، من خلال مجموعة من الفيديوهات القصيرة يشاركها متابعيه يوميًا ومدتها لا تتجاوز بضعة دقائق، متنقلًا عبر هذه الدقائق الطويلة المتصلة المنفصلة بين الماضي والحاضر، الذكريات أو حتى المشاعر الوقتية، يقول في أحد الأيام "لا أرغب اليوم في فعل أي شيء.. فقط أريد أن أستمع إلى الموسيقى"، وفي فيديو آخر يعطي بعض النصائح عن اليوجا "كيف تكون بصحة جيدة وسعيد مثلي"، وقد لا يحمل الفيديو سوى توثيق للذكرى "أنا واثنين من الأصدقاء نحتفل اليوم بالانتهاء من الشهر الأول في المشروع، نشرب، نأكل، نرقص، وننخدع بسعادة".  

جدير بالذكر أن برنامج السينما التجريبية تم بإشراف وإعداد الناقد السوري المقيم بفرنسا صلاح سرميني، ولسرميني عدد كبير من الكتابات والترجمات تهتم بظاهرة التجريبية في السينما قام بتخصيص بعضها في الكتاب الصادر ضمن مطبوعات المهرجان بعنوان "هذه السينما التي لا حدود لها"، وفيه يطرح سرميني الإشكاليات المثارة حول المصطلح والمفهوم عالميا ويسلط الضوء بالشرح والتحليل على بعض المدارس والتجارب التي نحت المنحى التجريبي المغاير، ومدى تفاعل المُتفرج أو الناقد العربي مع هذه السينما الغريبة عنه.. "لأنه لا يعرفها، ولا تتناسب مع ذوق عمر أمضاه في مشاهدة السينما التقليدية، أو بالأحرى عوَّد نفسه على مشاهدتها واكتفى بذلك، وتيقن بأنها هي السينما وهي بالفعل سينما مُريحة".   

في سياق مشابه، شكَّل التجريب الملامح العامة لبرنامج أفلام التحريك، حيث اعتمد أكثر من فيلم على فلسفة التحريك وليس الحركة ذاتها، لذلك لم يكن غريبًا حصول الفيلم الفرنسي "لم يكن بورجوني" للمخرج ماتياس بانافيو على جائزة لجنة التحكيم، ينتقل الفيلم بين مكالمتين هاتفيتين بين عدة أزمنة تروي ذكريات الجد عن الحرب التي خاضها، ورغم أن الرسوم كانت مجردة إلى حد كبير تتكون من بضعة خطوط؛ استطاع صناع العمل تطويع هذه الخطوط بما يتماشى مع الدراما السردية للفيلم.

فيما حصد فيلم "العازفون المنفردون" من فرنسا أيضًا جائزة أفضل فيلم وهو إخراج جماعي تميز بتوظيف اللون وتدرجاته بالإضافة إلى انطباعات الشخصيات التي كانت بشرية إلى حد كبير. بينما حصل كل من الفيلمين "الحلقة – إسبانيا، سبيرا – أستونيا" على تنويه خاص.

استكمالًا للجرعة المقدمة من التجريبية كان لا بد من استدعاء اسم جوناس ميكاس للاحتفال بمئوية ميلاده 1922/2019 



"حتى لا ننسى".. سينما الجائحة

حين وجدت لجان المشاهدة عددًا لا بأس به من الأفلام المتقدمة للمشاركة وتتعرض لجائحة كورونا، قررت الإدارة تخصيص برنامج منفصل خارج التنافس لعرض الأفلام المختارة تحت عنوان "حتى لا ننسى"، تضمن البرنامج ثلاثة أفلام قصيرة: فيلمان من بولندا وإسبانيا والثالث من مصر "تايم لاين" للمخرج الشاب تميم النويري. يتتبع النويري في فيلمه الروائي القصير المراحل المختلفة منذ ظهور كوفيد 19 وما صاحبها من عزل وحظر تجوال، من خلال حالات نفسية يعيشها بطل الفيلم الشاب المحاصر في شقته ولا يجد أمامه سوى الكاميرا كرفيق لتسجيل الحدث التاريخي من شرفته.

أما الفيلم البولندي "حفل موسيقى من الشرفة" إخراج ديانا وكريستوف كانلوبسكا فيقدم مجموعة من الحكايات أو الحالات الإنسانية المبتورة لسكان إحدى العمارات. ترصد الكاميرا تحركاتهم القليلة من خلال الشرفات، المحاولات المستمرة للحفاظ على ما تبقى من تواصل مع بعضهم البعض ولو عن طريق عزف من شرفة أحدهم كاحتفالية صغيرة في مواجهة السجن الذي فرضته الجائحة. يذكرنا الفيلم بأحد روائع هيتشكوك "النافذة الخلفية" إلا أن المراقب هنا ليس الصحافي القعيد وإنما المتفرج نفسه، يُشاهد التغيير الجذري الطارئ على سلوكيات حياته المعتادة والذي أصبح واقعًا ثقيلًا ومتحورًا يتحكم في تشكيل ملامح هذه الحياة مستقبليًا.

ويرصد الإسباني جورج برنجيور في فيلمه "أرجل وأياد" تأثير الهلع جراء تفشي الفيروس على أقرب العلاقات الإنسانية بين زوجين، تطاردهما داخل حيز شقتهم الضيق أشباح الإجراءات الاحترازية. ملامح الخوف والترقب سيطرت على حركة الكاميرا في الأفلام الثلاثة، في مواجهة العدو الجديد الذي لا يُرى بالعين المجردة واستطاع إرباك حركة المعيشة اليومية على مستوى العالم.   

ثلاثة عشر فيلمًا تنافست ضمن مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، تنوعت موضوعاتها بين الخاص والعام. حصل فيلم "كبير" من إيطاليا على جائزة أفضل فيلم للمخرج دانييل بيني، نعيش من خلاله وعبر 14 د معاناة ماتيلد مع جدها الذي يسخرها لتجوب الشواطئ بجهاز الكشف عن المعادن لجني بعض المال، وبرغم ضخامة جسدها تنصاع ماتيلد لكل من حولها ويظهر ذلك في أحجام التصوير المختلفة التي استطاعت خلق العلاقة القاسية بينها وبين العالم. 

أما جائزة لجنة التحكيم فكانت من نصيب فيلم "هيزيا" من فرنسا للمخرجة شابنامه زرياب المولودة في أفغانستان، ويعتمد الفيلم على الحركة والإثارة في تتبع ورطة لويز التي يُسلمها أحدهم حقيبة قبل أن يتم القبض عليه. فيما ذهب تنويه خاص لفيلمي "أول الصيف الأخير- بولندا، أمهات – ليتوانيا"، في الأول يتم إجراء تجربة غرائبية من بعض العلماء والعسكريين على مجموعة من المجرمين لتحويلهم إلى حيوانات، أما الفيلم الثاني فيطرح علاقة شائكة بين أم وابنتها الحامل جراء مخاوف وقلق من الأولى يؤثر على التواصل بينهما.  

من ضمن الأفلام المميزة "قلبي أسود" من أرمينيا، سيناريو وإخراج غروش غزريان، وإذا كان لم يحالفه الحظ بالفوز إلا أن المخرج أجاد في استخدام الكادرات الضيقة التي تحمل دلالتها النفسية في التصاعد الدرامي، لا سيما والكاميرا تتحرك طوال الوقت في حيز مغلق داخل الشقة وحجراتها الصغيرة وهي معادل لدواخلنا النفسية المحتجبة عن الجميع حتى وإن اجتمعنا على شيء واحد، فيما تأتي المشاهد الخارجية شحيحة جدا ومقتصرة على مشوار البنك ومغزاه النفعي. يناقش الفيلم فكرة النزعة الاستهلاكية المهيمنة على العصر الحديث، وهو ما يمكن تطبيقه على أجساد البشر أيضًا بهدف الوصول إلى أعلى درجات الإشباع الوجودي للإنسان والذي ندرك تمامًا، أنه لا يمكن إشباعه!   

أقدم الأفلام المعروضة في المهرجان هو "أشباح ما قبل الإفطار" للألماني هانس ريختر 



مصر خارج الجوائز

لم يكن للأفلام المصرية نصيب كبير من الفوز أو المُشاركة، حيث احتوت قوائم المسابقات الثلاث -الأفلام التسجيلية الطويلة والقصيرة والروائية القصيرة- على فيلم واحد في كل منها، وقد اتجهت بعض التوقعات إلى فوز فيلم "باب الدنيا - عبد الرحمن محمود" لما يقدمه من حالة إنسانية تقوم على الحادثة الشهيرة لتعرض عدد من المسافرين إلى الوفاة إثر عاصفة ثلجية بجبال سانت كاترين، ورغم أن المخرج الشاب أراد توثيق الحدث كمرثاة للمفقودين إلا أن العامل السينمائي في الفيلم كان أقل بكثير من أن يلفت الأنظار.

ذهبت جائزة لجنه التحكيم الخاصة للفيلم الهولندي "البحث عن الأحصنة- ستيفان بافلوفيتش" وفيه يرسم المخرج برهافة صداقة بينه وبين أحد الصيادين فقد سمعه خلال الحرب الأهلية في البوسنة. وحصد الفيلم البلجيكي "أنا حر- لورا بوتيير" على جائزة أفضل فيلم، يحكى عن أرنو الشاب المنشق عن أسرته المُفككة ليختار حياة الشوارع بديلًا، وخلال 78 د مدة الفيلم ترصد الكاميرا أدق تفاصيل الحياة القاسية للمتشردين.

أما جائزة الاتحاد الدولي "الفيبرسي" فقد أعطيت لفيلم "البحار- لوشيا كاسوف" تنويه خاص، فيما ذهبت الجائزة للفيلم المغربي "صرة الصيف" للمخرج سالم بلال، وهو الفيلم المغربي الوحيد المُشارك في الدورة. تدور أحداثه في جنوب المغرب وتحديدًا بمنطقة الحسانيه الصحراوية التي يعتمد أهلها على عدد من الأعشاب البرية في التداوي، تمثل هذه الأعشاب قيمة هامة ويتداولونها فيما بينهم كالأحجار الكريمة، نقلت الكاميرا أجواء الصحراء القاحلة ومفرداتها الخاصة بتناغم بين الصوت والصورة، وكان لوجوه البدو المنحوتة بجانب أغانيهم التراثية تأثير من الواقعية السحرية على المشاهد.

وفي مسابقة أفلام الطلبة حصلت المخرجة الشابة بسمة شيرين على الجائزة الأولى عن فيلم "كيف تجعل اثنين يقعان في الحب"، الفيلم إنتاج مدرسة الجيزويت بالقاهرة، فيما ذهبت الجائزة الثانية لفيلم "دي أول مرة- أحمد رؤوف"، وحصل فيلم "لقمة المستحية" على المركز الثالث وهو للمخرج ماريو رمزي.

تكونت لجان تحكيم المسابقات من 11 اسمًا برئاسة المخرج الفرنسي العالمي لادج لي، الحاصل على جائزة لجنة التحكيم بمهرجان كان 2019 عن فيلمه الروائي الطويل الأول "البؤساء"، والغريب في هذا الفيلم أنه كان فيما قبل فيلمًا قصيرًا بنفس العنوان حصد عنه لي جائزة مهرجان "كليرمون فيران 2017" للفيلم القصير.

في مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة نوهت لجنة التحكيم بفيلم "العربة السوداء" إخراج إديليت كارزويف، وذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الإسباني المتميز "أنيما أنيماي أيميام" إخراج جولييتا جاسروك وخوسيه بوتكسا وبوشاديس مارتينيز، وهو فيلم يجمع بين حركة الجسد البشري وحركة الدمى. فيما كانت جائزة أفضل فيلم من نصيب الفيلم الصربي "تعديل" للمخرج ديان بتروفيك، وفيه يرصد مراحل تدريب الكلاب المتوحشة في مأوى للكلاب عن طريق مجموعة من السُجناء.


الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.