}

جائزة الكتاب الوطني الأميركية: مطالبة بوقف الحرب على غزة

وائل سعيد 26 ديسمبر 2023
تغطيات جائزة الكتاب الوطني الأميركية: مطالبة بوقف الحرب على غزة
عالية بيلا تلقي بيان المتأهلين للجائزة لوقف الحرب بغزة

وسط أجواء مشحونة، انطلق حفل توزيع جوائز الكتاب الوطني الأميركي الرابع والسبعين بمدينة نيويورك في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. لم تكن كواليس النسخة الجديدة تنبئ بالخير، خصوصًا مع تأزم الوضع في قطاع غزة، حتى أن إدارة الجائزة أعلنت قبل الحفل بيوم واحد، عن احتمالية حدوث سيناريوهات مفاجئة تخص الشأن السياسي تحديدًا، وعلق المدير التنفيذي للمؤسسة قائلًا: ليس هذا بجديد على تاريخ الجائزة. وعلى جانب آخر، ظهرت تصريحات في الصحف العالمية، لعدد من الرعاة يعلنون تخوفهم وانسحابهم من الفعالية، بعضهم تحدث عن رسائل تحذره من حدث مرتقب في الحفل.

تقدم لنسخة هذا العام مئات العناوين للتنافس على فئات الجائزة الخمس: أدب الشباب، الشعر، الكتابة الخيالية، وغير الخيالية، والأدب المترجم. وفي الساعة صفر، انتصبت عشرات الكاميرات لبث الحدث في جميع أنحاء العالم، وجلس المتابعون يترقبون السيناريو المحتمل، إلا أن الأمور سارت على ما يرام ولم يكن هناك سوى الكلمات الافتتاحية المعهودة؛ حتى أن مقدم الحفل الممثل والمخرج الأميركي ليفار برتون لم يتناول في كلمته سوى موضوع حظر الكتب، ليعلن عن معارضته الشديدة لأي قيود تعيق المؤلفين ودور النشر.

من جانبها، أيدت ضيفة الحفل أوبرا وينفري، الإعلامية الأميركية، كلمة برتون، مؤكدة على أن حظر الكتب يعد خسارة إنسانية فادحة لما تحمله من ثقافات وتجارب متنوعة..، "وهو ما يعزلنا عن بعضنا البعض".

ما تزال الأجواء عادية ولا شيء ينبئ بانقلاب في الطقس، الفضوليون كُثر وهناك عدد كبير يريد التأكد من صحة توقعاته. تمر فقرة التكريمات أيضًا بهدوء وتحصل الشاعرة الأميركية من أصل أفريقي ريتا دوف على وسام الإنجاز عن مجمل أعمالها، فيما يحصد الناشر الأميركي من أصل آسيوي بول يامازاكي على جائزة التميز، ثم يبدأ الكتاب في الصعود إلى خشبة المسرح بالتوالي وبعد لحظات يجتمعون مصطفين وراء سيدة سمراء البشرة.   

إنها عالية بيلا، إحدى المتنافسات على الجائزة بروايتها "قوم المعبد" التي تدور حول تجارب المسلمين ذوي البشرة السمراء ومنطقة الصراع التي تخلقت في نفوسهم، بين الإيمان والعادات وحرية العيش بأميركا. لم تفز بيلا على أي حال، ولكنها صعدت لتلقي بيانًا قصيرًا نيابة عن المتأهلين في جميع قوائم الجائزة، جاء فيه "نحن نطالب بوقف إطلاق النار على غزة، تلبية للاحتياجات الإنسانية للفلسطينيين وخاصة الأطفال". مؤكدة على معارضتها لفكرة معاداة السامية والإسلاموفوبيا على حد سواء، "مع العلم أن إراقة المزيد من سفك الدماء لن يجلب السلام الدائم في المنطقة".

الأعمال الفائزة بكل فئة من فئات الجائزة الخمس: أدب الشباب، والشعر، والكتابة الخيالية، وغير الخيالية، والأدب المترجم


مرة أولى لكل شيء

لم تخرج معظم الموضوعات في قائمة أدب الشباب عن حدود العائلة، فثمة مراهق واسع الحيلة في رواية "مجتمع" يكافح من أجل الحفاظ على منزل الأسرة وفي ذات الوقت يجب عليه مراعاة أمه خلال رحلة تعافيها من الإدمان؛ وهي الرواية الأولى للكاتب كينيث م. كادو. هموم عائلية أخرى تتعلق بالهوية في الرواية المصورة "هدى تهتم" للكاتبة هدى فهمي المولودة بمقاطعة ميشيغان، لم تصدق هدى وأخوتها دعوة أبيهم إلى رحلة لمدينة ديزني، فرحت الفتيات ومعهن هدى إلا أن كل ما يؤرقها كان شكل أسرتها وسط المجتمع الأميركي؛ حيث يلفتون الانتباه إليهم في كل مكان كونهم عائلة مسلمة، فكما تقول "ليس من السهل أن تضع سجادة صلاة هنا، مهما كنت آمنًا".  

وفي رواية "السنة المفقودة: قصة البقاء على قيد الحياة" تعود الكاتبة كاثرين مارش إلى حقبة الثلاثينيات متتبعة آثار عائلتها - فيما يُشبه السيرة الذاتية- ومعايشتهم للمجاعة الكبرى التي لحقت بالاتحاد السوفياتي وترتب عليها ضرر بالغ لأوكرانيا عرف باسم "هولودومور"، تكتشف كاثرين في كتبها ألغاز لم تكن تعلم عنها شيئًا؛ حيث تم التعتيم الإعلامي على تلك الحادثة حتى أنها تفاجأت بمناطق مجهولة عن عائلتها مدمجة الهم الخاص بالعام. جاءت الرواية الرابعة في القائمة بغلاف بديع ودال "كبير" نشاهد فيه طفلة بحجم صغير جدا تحمل فوق رأسها عنوان الكتاب المضخم. وتتتبع وشتى هاريسون في كتابها المصور رحلة طفولتها وكيف عانت في التأقلم مع المجتمع الأبيض كونها من أصحاب البشرة السمراء، وربما تتشابه في ذلك كثيرًا مع الرواية الفائزة (أدب الشباب) بالجائزة "مرة أولى لكل شيء" للكاتب دان سانتات، وفيها نتابع المذكرات المصورة لـ "دان" عن أول رحلة يخوضها إلى أوروبا أواخر الثمانينيات، ولما كان الصبي مصابا بالخجل ساعد ذلك كثيرا لتعرضه إلى التنمر في المدرسة من زملائه بسبب لون بشرته الآسيوية.

على مدار 320 صفحة، يأخذنا الكاتب في رحلة خاصة وداخلية نكتشف من خلالها شخصية الصبي الذي كان يوما ما طفلا صالحا، يحفظ دروسه ويشتري البقالة لأمه، ولا وقت لديه لإثارة المشاكل. لم تكن رحلة دان إلى أوروبا مجرد رحلة ترفيهية مكافأة على انتهاء العام الدراسي؛ فهناك بدأ يعرف كيف يتغلب على خجله، وبدأت لذة التجريب تكتسح التردد، بداية من تدخين سيجارته الأولى وأول قبلة لفتاة وأول رشفة من كأس نبيذ اختلسها في إحدى المناسبات، ثم مغامرته الكبرى مع دراجة أحد مغني الروك؛ أول مرة يسرق فيها.



الشعر والترجمة

ضمت قائمة الأدب المترجم خمس روايات من خمس دول مختلفة: فرنسا. كوريا. إسبانيا. هولندا. البرازيل. وذهبت الجائزة للأخيرة مناصفة بين المؤلف والمترجمة عن رواية "الكلمات الباقية" للكاتب الشاب ستينيو جارديل بترجمة برونا لوباتو عن البرتغالية. يصحبنا الكاتب في روايته لتتبع حياة "رايموندو" الشاب القروي الذي لا يجيد القراءة والكتابة، ذات مرة يأتيه خطاب من صديق فلا يعرف محتواه ما يترتب عليه انحراف حاد في حياته، تتجول الرواية داخل الأحياء الفقيرة في البرازيل حيث لا يجد البطل وغالبية من حوله سوى امتهان أعمال يدوية حقيرة، ما يدفعه إلى الهجرة إلى المدينة وتغيير مسار حياته، وبرغم تحققه هناك وإتقانه القراءة والكتابة؛ بقيت كلمات الخطاب القديم تطارده أينما حل حاملة انكسارات الماضي البعيد. 

من خلال عدد كبير من الجمل المطولة يستخدمها الكاتب، تتكشف للقارئ الميول المثلية للبطل، وأن الخطاب الملعون لم يكن سوى من "حبيب" ولا يجد أمامه سوى التعنيف من أبيه حين علم بميوله واعتراضه على تعلم ابنه للكتابة، مبررا أن القراءة والكتابة لا تتناسب سوى مع الرجل الذي يأكل على طاولة. صدر لستينيو جارديل عدد من المجموعات القصصية، وتعتبر "الكلمات الباقية" تجربته الأولى في خوض مجال الرواية، وهي نتاج مشاركته بورشة في الكتابة الروائية بإشراف الكاتبة البرازيلية سوكورو أسيولي.

للمرة الثانية تذهب جائزة الكتاب الوطني (الشعر) للشاعر كريج سانتوس بيريز عن ديوانه "من منطقة غير مسجلة"؛ الجزء السادس إذا جاز التسلسل، حيث قدم بيريز خمسة دواوين شعرية منذ عام 2008 حملت جميعها نفس الاسم بإضافة صغيرة مثل "هاشا. ساينا. غوام" وكلها جزر تتبع المحيط الهادي وتحتفي بشعب الشامورو، الموطن الأصلي للشاعر. يتناول بيريز في شعره فكرة الانعزالية المسيطرة على حياة سكان تلك الجزر، مستدعيا تبعات الصدمات الاستعمارية وما نتج عنها من تهجير قسري أو معيشة متدنية.

تُرجمت أعمال الشاعر إلى العديد من اللغات من بينها الفرنسية. الألمانية. الإسبانية. الصينية. واليابانية، وفي عام 2010 كرمته حكومة جزيرة غوام كونه سفيرا "استثنائيًا لجزيرتنا، تمكن بشعرغه البارع من نقل روح الجمال والحب اللذين تتسم بهما ثقافة شعب التشامورو".

العتمة وإعاده اكتشاف أميركا

جاستن توريس، نيد بلاك هوك مواطنان أميركيان من جيلين مختلفين، الأول يكتب الرواية والثاني أستاذ جامعي، لا شيء يجمع بينهما سوى تصدر اسميهما لائحة الأكثر مبيعا، إلا أن القدر شاء أن تجمعهما قائمة أخرى "الكتب الخيالية وغير الخيالية" NONFICTION - FICTION، فاز فيها الأول بروايته "العتمة" بينما حصد هوك جائزة الكتابة غير الخيالية عن كتابه "إعادة اكتشاف أميركا: الشعوب الأصلية وتفكيك تاريخ الولايات المتحدة". 

رواية توريس عبارة عن حوار مطول بين شخصين غريبين، سجينان ربما، وهو ما يتشابه مع تيمة رواية "قبلة المرأة العنكبوت" للكاتب الأرجنتيني مانويل بوتج، التي مزجت في سردها بين تقارير السجن وحوار البطلين وقد كان أحدهما يعمل في مجال حقوق المثليين، بالمصادفة حين يذهب بطل العتمة إلى مكان في الصحراء يُدعى القصر يدخل في سجال ممتد مع عجوز يحتضر، خلال ذلك يطلعه على العديد من قصص وحكايات حول مشروعه عن دراسة الأنماط المثلية من البشر.

من منطقة الجنس البشري أيضًا، ينطلق كتاب نيد بلاك هوك "إعادة اكتشاف أميركا: الشعوب الأصلية وتفكيك تاريخ الولايات المتحدة". ينحدر هوك من أصول قبيلة شهيرة تنتمي لقبائل الهنود الأصليين في أميركا، وهو أحد ثلاثة من الهنود الأميركيين الذين يحاضرون في جامعة "ييل". تخصص هوك في دراسة تاريخ السكان الأصليين ويظهر ذلك منذ كتابه الأول "العنف على الأرض: الهنود والإمبراطوريات في الغرب الأميركي المبكر" الصادر عن جامعة هارفارد 2006، وبرغم أن الكتاب هو أطروحته لنيل الدكتوراه، إلا أنه حصد العديد من الجوائز فور صدوره، من ضمنها جائزة منظمة المؤرخين الأميركيين.

ينطلق المؤلف في بحثه حول تفكيك تاريخ أميركا من طرح التساؤل الأشهر: "كيف يمكن لدولة قامت على الاستيطان أن تكون نموذجًا عالميًا للديمقراطية"، ويستنكر هوك أي مزاعم حول الاستسلام السهل للسكان الأصليين بل ويؤكد أن "الهنود الأميركيين لعبوا أدوارًا محورية في تطور تاريخ الولايات المتحدة". يلقي الكتاب الضوء على ثلاثة قرون كاملة أعقبت رحلة كولومبوس الشهيرة جرى خلالها الكثير من الأحداث التاريخية الهامة. وهو ما دفع بهوك إلى توجيه الإدانة لمعظم المؤرخين الذين تجاهلوا الماضي الهندي الأميركي حيث يراهم "مستعبدين للحضارة الأوروبية".

ضم كل قسم من أقسام جائزة الكتاب الوطني أربعة كتب لم يصبها الحظ، منها كتاب "كان من الممكن أن نكون أصدقاء يا أبي" للكاتب والصحافي الفلسطيني رجا شحادة، في قائمة "الكتب غير الخيالية". ويعتبر الكتاب بمثابة تكملة لكتابه السابق "غرباء في المنزل، 2002". في كلا الكتابين يتعرض شحادة إلى علاقته المتوترة مع والده المحامي بتعرية وكشف تفتقر كتب السير الذاتية في المكتبة العربية إليهما. يعتبر الصراع أيضًا بين الوالد وابنه صراع أجيال سياسي حيث يمثل كل منهما جيلين مختلفين ربما يدين أحدهما الآخر فيما آلت إليه الأمور بشأن القضية الفلسطينية سواء قبل النكبة أو بعدها.  

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.