}

فعاليات "مهرجان فينيسيا" بدورته الـ80: مستوى فني متقلّب

سينما فعاليات "مهرجان فينيسيا" بدورته الـ80: مستوى فني متقلّب
(Getty)

 

افتتح "مهرجان فينيسيا السينمائي" فعاليات دورته الـ80 مساء الأربعاء الماضي 30 أغسطس/ آب في قاعته التاريخية الكُبرى "صالة غراندي". الحفل المُكثف والمُختصر، كما جرت العادة، قدَّمَته المُمثلة الإيطالية كاترينا مورينو، وجرى خلاله منح المُخرجة الإيطالية المُخضرمة ليليانا كفاني (90 عامًا) جائزة "الأسد الذهبي" الفخرية تقديرًا لمسيرتها المهنية الحافلة، وقامت بتسليمها الجائزة الفخرية المُمثلة البريطانية الكبيرة شارلوت رامبلينج.
ليليانا كفاني ليست الوحيدة التي منحها المهرجان جائزة "الأسد الذهبي" الفخري هذا العام، إذ جرى منحها أيضًا للمُمثل الصيني المعروف توني ليونج (61 عامًا)، لتُضاف الجائزة الفخرية هذه إلى جوائز سابقة حصل عليها توني ليونج من مهرجان فينيسيا، إذ سبق أن فاز بجائزة "أحسن مُمثل" 3 مرات، وذلك عن بطولته للأفلام التالية: "مدينة الحُزن" (1989)، إخراج هو هسياو هسين، و"سايكلو" (1995) إخراج تران آنه هونج، و"شهرة واهتمام" (2007) إخراج آنج لي.

"كوماندانتي"

عقب انتهاء حفل الافتتاح، عُرض فيلم الافتتاح الإيطالي "كوماندانتي" (المُشارك في "المُسابقة الرسمية") للمخرج الإيطالي إدواردو دي أنجيليس. وبطولة بيير فرانشيسكو فافينو، وماسيمليانو روسي. فيلم "كوماندانتي" اختير قبل بدء المهرجان بأيام قليلة فحسب. وذلك بعدما أدت الإضرابات في هوليوود إلى سحب شركة الإنتاج والتوزيع الأميركية فيلم الافتتاح المُعلن عنه سابقًا، وكان بعنوان "المُتحدون"، للإيطالي لوكا جوادنانينو، وتأجيل عروضه إلى الصيف القادم، ما أجبر المهرجان على استبداله بفيلم "كوماندانتي". تبعات الإضراب لم تتوقف عند هذا الأمر فقط، إذ لم يتمكن الكثير من النجوم والنجمات والمُخرجين من القدوم إلى المهرجان لتقديم أفلامهم والترويج لها، وبالطبع السير فوق السجادة الحمراء في العروض الافتتاحية للأفلام، وكذلك حضور المؤتمرات الصحافية وجلسات التصوير، ما أضعف قليلًا من وهج وبريق المهرجان المُعتادين خلال السنوات الماضية.

أحداث "كوماندانتي"، الذي كتبه ساندرو فيرونيسي بالاشتراك مع إدواردو دي أنجيليس، تستند إلى واقعة حقيقية في تاريخ البحرية الإيطالية والعالمية، وقعت في بداية الحرب العالمية الثانية. وتتناول قصة إنقاذ القائد والبطل الإيطالي سلفاتوري تودارو (بيير فرانشيسكو فافينو) لحياة 26 شخصًا من البحارة البلجيك الأعداء الذين نجوا بعد غرق سفينتهم التجارية التي دمرها سلفاتوري، بعدما أطلقوا النار على غواصته كوماندانتي. هذا العمل النبيل عرَّض سلامة غواصته ورجالها لخطر مميت. لكن رؤية سلفاتوري أنه حتى في ظل مُحاربة العدو يجب ألا ننسى أبدًا أنهم بشر. يُمكن، بل يجب مُحاربتهم وهزيمتهم، لكن أيضًا إنقاذهم والحفاظ على حياتهم، ما دام هذا مُمكنًا.

بتدشين فيلم الافتتاح، انطلقت فعاليات الدورة الـ80 لمهرجان فينيسيا السينمائي بمستوى فني يغلب عليه التقلب الشديد، تمامًا مثل طقس فينيسيا، شديد التقلب بين البرودة والأمطار الغزيرة، والشمس الساطعة والحرارة الشديدة. إذ تراوحت الأفلام المعروضة حتى الآن، سواء داخل "المُسابقة الرئيسية" أو خارجها أو في غيرها من الأقسام، بالتفاوت الشديد في المُستوى الفني والجمالي. هناك المُمتاز، والجيد، والمُتوسط، وإن كانت الغلبة للجيد أو المُتوسط. حتى اللحظة، لم تبرز تُحفة فنية سينمائية بمعنى الكلمة، وذلك رغم عرض أفلام كثيرة كانت مُنتظرة لمُخرجين بارزين، ومُخضرمين، ومُكرسين.

لقطة من فيلم "كوماندانتي" لإدواردو دي أنجيليس ولقطة من فيلم "مربي الكلاب" للوك بيسون


الأفلام المعروضة

من الأفلام المُخيبة للآمال، المعروضة في النصف الأول من المهرجان، فيلم "الكونت" للمخرج التشيلي بابلو لارين. وفيه يتناول شخصية الدكتاتور الفاشي أوغوستو بينوشيه كمصاص دماء يطير ويحلق فوق سماء البلاد ليختار ضحاياه ممن سيقتلهم ويمتص دماءهم ويلتهم قلوبهم. ورغم الرؤية الجديدة، بعض الشيء، إلا أن الفيلم جاء دون المستوى تمامًا، حتى مُقارنة بأفلام المُخرج السابقة. كذلك، فيلم "القتلة" لديفيد فينشر، وهو فيلم جريمة وإثارة، عن سفّاح أو قاتل مُستأجر (مايكل فاسبندر) يفشل في تنفيذ عملية مُكلف بها، ما يُعَرِّض زوجته لانتقام رؤسائه، فيضطر للانتقام من جميع من ألحقوا بها الأذى. أيضًا فيلم "وحش" للفرنسي برتران بونيلو، ويُعتبر من أكثر الأفلام التي نالت استياء واستهجان النقاد والصحافيين حتى الآن، عن جدارة واستحقاق، مع الأسف. الفيلم بطولة ليا سيدو وتجمع قصته بين الفانتازيا والرومانسية والخيال العلمي. وتدور أحداثه في الماضي والحاضر والمُستقبل، عن دور الذكاء الاصطناعي في البشر، وتدخله في مشاعرهم ومصائرهم ومقاديرهم، وبحث البشر اليائس والصادق، معًا، عن التواصل والرفقة، والحب قبل كل شيء.

من بين الأفلام الجيدة، وإن كان ينقصها القليل لتصل إلى جودة مُمتازة، فيلم "فيراري" لمايكل مان. الفيلم بطولة المتألق فعلًا آدم درايفر في دور بطل سباقات السيارات ورجل الأعمال وأحد أساطير الصناعة الإيطالية، إينزو فيراري. يتناول الفيلم مرحلة صغيرة جدًا، لكنها فارقة، في حياة فيراري. حيث فقدانه لابنه الشرعي، والمُنافسة مع الشركات الإيطالية الأخرى، وإحلال وتجديد فريق سباقات السيارات الخاص به، وعلاقته السرية مع عشيقته وابنه السري منها، ولاحقًا، معرفة زوجته بالأمر. وأخيرًا، حالة الإفلاس الوشيكة التي كادت تعصف بالشركة.

من أهم أفلام المسابقة أيضًا "مايسترو" للمخرج والممثل برادلي كوبر، والذي تناول فيه شخصية وحياة أحد أكبر وأهم المُؤلفين المُوسيقيين المُعاصرين، وقائد الأوركسترا وعازف البيانو، ليونارد برنستاين، وكيفية صعود نجمه وبروز موهبته الفذة، من ناحية، ومن ناحية أخرى، تعرف ليونارد على حبيبته وزوجته المُمثلة المسرحية الموهوبة والشهيرة فيلتشيا (كاري موليجان)، وزواجهما الذي استمر لربع قرن، رغم الصعوبات والعقبات، وأيضًا الكوارث التي وقعت بينهما، وذلك حتى وفاة فيلتشيا. الفيلم مليء بالموسيقى، وأيضًا بعض الاستعراضات، والبهجة والرومانسية والنجاح والخلافات، وذلك في خليط حيوي مُدهش جدًا بفضل براعة أداء برادلي كوبر في دور ليونارد برنستاين.

أما أبرز الأفلام المعروضة حتى الآن، وتصل لدرجة الامتياز، "أشياء فقيرة" لليوناني يورجوس لانتيموس، و"رجل الكلاب" للفرنسي لوك بيسون. نُعاين في الفيلم الأول الدكتور باكستر (وليام ديفو) غريب الأطوار أو المكافئ لفرانكشتاين، وقيامه بإحياء امرأة شابة من الموت تُدعى بيلا (إيما ستون) وإعادة الحياة لها، وإن بشكل غير طبيعي، وذلك عبر زراعته لمخ جنينها في مخها. ومن ثم، نتابع مع بيلا رحلة نضوجها كامرأة طفلة، وذلك في جو من الغرابة والفانتازيا والكوميديا والسوداوية، ومزج بين اللونين الأبيض والأسود. أما الفرنسي لوك بيسون فتدور أحداث فيلمه المؤثر والإنساني للغاية "رجل الكلاب" في أميركا. حيث تُؤدي قسوة أب بابنه المُراهق دوجلاس، (كايلب لاندري جون، في أداء تمثيلي هائل)، إلى إحاطة نفسه طيلة حياته بالكلاب، الذين أصبحوا بالنسبة إليه كل شيء في الحياة. وبدورها، منحته الكلاب، بمُختلف أنواعها وأحجامها، حُبها غير المشروط، وطاعتها العمياء لأوامره، ودفاعها عنه حتى إخراجه من محبسه بعد إلقاء القبض عليه.

لقطة من فيلم "أشياء فقيرة" ليورجوس لانتيموس ولقطة من فيلم "القصر" لرومان بولانسكي


أما فيلم "القصر" جديد المخرج البولندي المعروف رومان بولانسكي، المعروض خارج المُسابقة، فيُؤكد على أن المخرج لا يزال لديه الجديد ليقوله ويُقدمه. تدور أحداث الفيلم كلها داخل فندق بالاس أو القصر، وهو عبارة عن قلعة استثنائية الجمال، صُممت في بداية القرن العشرين، وتقع مباشرة وسط الجبال المغطاه بالثلوج في سويسرا. يستضيف الفندق كل عام ضيوفًا أثرياء ومُدللين من جميع أنحاء العالم للاحتفال بليلة رأس السنة. الأمر مُختلف هذا العام، إنها ليلة رأس السنة لعام 1999، ليست مُجرد نهاية قرن، بل ختام لألفية كاملة، وحدث لن يتكرر كل عام. هناك مُجموعة من النوادل والحمَّالين والطُهاة ومُوظفي الاستقبال رهن إشارة النزلاء، بل ويستميتون لتلبية احتياجاتهم الغريبة جدًا والشاذة، وذلك تحت إشراف مُدير الفندق المُتفاني. تجتمع القصص المُختلفة لتُنتج كوميديا سوداء عبثية جدًا واستفزازية للغاية. من هنا، تبرز الفجوات والتفاوتات، ليست المادية أو الطبقية أو اللغوية أو العرقية أو اللونية فحسب، بل السياسية أيضًا، وفي المقام الأول. إجمالًا، الفيلم كوميديا صارخة، فظة وساخرة وجريئة إلى حد بعيد، تدين الجميع تقريبًا، رغم إعلاء الجوانب الإنسانية، وتقديم الشخصيات كبشر، بعض الشيء.

من أبرز الأفلام المُنتظر عرضها خلال الأيام القادمة وحتى ختام المهرجان في 9 سبتمبر/أيلول الحالي، "ضربة حظ" للمُخضرم وودي آلن، المعروض خارج "المُسابقة الرئيسية". أما في المُسابقة، فبانتظار عرض "بريسيلا" لصوفيا كوبولا عن حياة بريسيلا زوجة المُطرب إلفيس بريسلي، و"خارج المُوسم" للفرنسي استيفان بريزيه، و"أنا القبطان" للإيطالي ماتيو جاروني، و"الشر غير موجود" للياباني رويسوكي ياغوتشي، و"الحدود الخضراء" للبولندية المُعروفة أجنيشكا هولاند، وأخيرًا، "ذاكرة" للمكسيكي ميشال فرانكو.

المُشاركة العربية

عادة ما تكون المُشاركة العربية قوية في مهرجان فينيسيا، خاصة في السنوات الأخيرة. إذ وصلت في إحدى الدورات إلى تسعة أفلام، في أقسام مُختلفة، وإلى حصد جوائز غير مسبوقة. المُشاركة العربية هذا العام لا تكاد تُذكر فعلًا، حتى على مُستوى الأفلام القصيرة. في قسم "آفاق"، المُوازي لقسم "المُسابقة الرئيسية"، يُشارك التونسي محمد بن عطية بفيلمه الروائي الثاني "خلف الجبال"، ويدور حول شخص يخرج من السجن بعد 4 سنوات، ويُقرر اصطحاب ابنه خلف الجبال ليُريه اكتشافات مدهشة.

وفي تظاهرة "أيام المُؤلفين" في نسختها العشرين، والتي تُقيمها "جمعية المُؤلفين السينمائيين والمُنتجين المُستقلين"، يُعرض في "المُسابقة الرئيسية" فيلم "وراء الكواليس" للمُمثلة والمُخرجة التونسية عفاف بن محمود، والمُخرج المغربي خليل بن كيران، أول أفلامهما الروائية الطويلة. وفي نفس التظاهرة، يُعرض في قسم "أحداث خاصة" التسجيلي "باي باي طبريا" للمُخرجة الشابة لينا سوالم، وهو عن جانب من سيرة حياة والدتها المُمثلة الفلسطينية المعروفة هيام عباس.

من ناحية أخرى، ثمة مُشاركة عربية قوية في لجان تحكيم المُسابقات الرئيسية في المهرجان، إذ يُشارك المُمثل الفلسطيني صالح بكري في عضوية لجنة تحكيم المُسابقة الرئيسية، وتُشارك في عضوية لجنة تحكيم مُسابقة "آفاق" المُخرجة التونسية كوثر بن هنية. وأخيرًا، يُشارك في لجنة تحكيم مُسابقة "أسد المُستقبل" (جائزة دينو دي لورانتيس لأفضل عمل أول) المُمثل والمُخرج المُغربي فوزي بن سعيدي.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.