}

جوائز مهرجان كارلوفي فاري الـ58: الوثائقي يفرض حضوره

سينما جوائز مهرجان كارلوفي فاري الـ58: الوثائقي يفرض حضوره
من حفل افتتاح مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي (28/6/2024/Getty)

مساء السبت، 6 يوليو/ تموز، أُسدِلَ الستار على فعاليات الدورة الـ58 لـ"مهرجان كارلوفي فاري السينمائي"، التي انطلقت في 28 يونيو/ حزيران الماضي. وذلك بعد حفل ختام جرى خلاله منح الممثل البريطاني كلايف أوين جائزة "رئيس المهرجان الشرفية"، ومنح المُمثل التشيكي المرموق يان ترويان جائزة "رئيس المهرجان الشرفية" التي تمنح لعلم من أعلام السينما التشيكية، وأيضًا، الإعلان عن جوائز المُسابقتين الرئيسيتين للمهرجان، مُسابقة "الكرة البلورية" و"بروكسيما"، وقد عرض في كل واحدة منهما 12 فيلمًا من أنحاء العالم.
الفوز بالجائزة الكبرى، "الكرة البلورية"، ومبلغ 25 ألف دولار أميركي، كان من نصيب الفيلم الوثائقي "لمحة مُفاجئة لأشياء أعمق" للبريطاني مارك كازينز (59 عامًا)، أحد أهم المُخرجين المُهتمين فعلًا بالتوثيق الصادق والأصيل، وتأريخ وتحليل تاريخ السينما والأفلام، وفي رصيده أكثر من عمل لافت في هذا المجال. في جديده، وهو الوثائقي الوحيد المعروض في المُسابقة، ينتقل مارك كازينز إلى عالم الفن التشكيلي. ورغم الشغل الاحترافي والأرشيفي والجهد الجلي المبذول من جانب المخرج لإلقاء أقصى قدر من الضوء على حياة وأعمال الفنانة التشكيلية البريطانية فيلهلمينا بارنز جراهام، وهي واحدة من أهم الشخصيات الفنية الرائدة في مجموعة "سانت إيفز" الفنية الحداثية، والرحلة المحورية التي غيرت حياتها ونظرتها للفن والعالم، إلا أن الفيلم لم يكن يستحق "الجائزة الكبرى"، مُقارنة بأفلام أخرى كانت تستحق فعلًا، نظرًا للطرح الفني والجمالي، وتناول ومعالجة الموضوع، والاشتغال البصري، وأيضًا الجرأة.
أما جائزة "لجنة التحكيم الخاصة"، ومبلغ 15 ألف دولار أميركي، فذهبت إلى الفيلم الاجتماعي والنفسي المُهم جدًّا "محبوب" للنرويجية ليليا إنجولفسدوتير. وكذلك جائزة "الفيبريسي"، أو الاتحاد الدولي لكتاب ونقاد السينما، وأيضًا، جائزة "أحسن مُمثلة"، التي ذهبت لبطلة الفيلم، لهيلجا جيورين، عن الأداء الرائع لشخصية ماريا، المرأة الجميلة الأربعينية، التي تصبح أمًا لأربعة أطفال، وتصير مُمزقة بينهم، وبين عملها الذي تفقده، وكذلك زوجها وحبيبها. إذ أنهما في سبيلهما إلى الطلاق. كل هذه الأمور، وغيرها، تُلام عليها ماريا، الموصومة بالخطأ والعصبية والاضطراب النفسي، في حين أن الأمور ليست على هذا النحو إلى حد بعيد.
أما جائزة "أفضل إخراج" فذهبت للسنغافورية نيليشيا لو، عن فيلمها الرائع "ثقب". ويحكي قصة مراهق ومُدان سابق كان أحد أبطال لعبة الشيش بيش، يُعيد التواصل مع شقيقه الأصغر فور خروجه من السجن. ما يُزعج والدته المُتيقنة من أنه ليس سويًا وسيقتل شقيقه. تدريجيًا، نستكشف الحقيقة بعد تأرجح طويل بين الشك واليقين وامتحان للروابط الأسرية الغريبة في عالمنا المُعاصر، ما يجعل الفيلم بمثابة تنويعة مُغايرة على نفس موضوع الفيلم السابق، "محبوب".

بطلا الفيلم الهولندي "ثلاثة أيام من السمك" لبيتر هوجيندورن الفائزان بجائزة التمثيل مناصفة في مهرجان كارلوفي فاري السينمائي 


ذهبت جائزة "أحسن مُمثل" مُناصفة إلى بطلي الفيلم الهولندي "ثلاثة أيام من السمك" لبيتر هوجيندورن. ونتابع فيه زيارة الأب "تون" (تون كاس) إلى هولندا، البلد الكئيب الذي وُلِدَ فيه، قادمًا من البرتغال المُشمسة في زيارة سنوية مُعتادة لثلاثة أيام لإجراء فحوصاته المُعتادة. يقوم "تون" بمهامه الروتينية برفقة ابنه المُحبَط غريب الأطوار، "ديك" (جويدو بوليمانز). يلعب المخرج في الفيلم على العلاقة المُتوترة والجافة وحتى العدائية بين الأب والابن، وكيف تتطور في النهاية وتلين بعض الشيء، من دون الوصول إلى درجة الوفاق والانسجام التام بينهما. يُقدم الفيلم لمحة عن العلاقة بين رجلين لم يفترقا تمامًا بعد، ينخرطان بتحفظ في أنشطة تبدو عادية، ويُحاولان العثور تدريجيًا على طريق عودة أحدهما إلى الآخر قبل فوات الأوان. لا شك في أن تكامل الأداء والدورين كان الجانب الرئيسي في منحهما جائزة التمثيل.




وقد ذهبت جائزة "لجنة التحكيم الخاصة" إلى أول روائي طويل للتشيكي آدم مارتينيك. ويجمع فيه بين الدراما الاجتماعية والنفسية والكوميديا، ويُعد فعلًا دراسة ثاقبة للمُجتمع التشيكي. وهذا من خلال اجتماع عائلة كبيرة في أحد أيام مهرجان قتل الخنازير التراثي في مزرعتهم. إنها الفرصة الوحيدة لجميع أفراد الأسرة للالتقاء معًا، وقضاء بعض الوقت المُمتع وذبح وطبخ الخنزير، والاستمتاع بتحضير وتناول الطعام الرائع، لكن اليوم لا يمر من دون أن يخلو من المُنغصات والمُشاحنات والشجار، وغيرها من الأمور، بين أفراد العائلة، حيث يتبدى لنا بجلاء مدى تفسخ وانهيار العلاقات بين أفرادها.
أيضًا حَصَلَ على جائزة "لجنة التحكيم الخاصة" فيلم "سوفتكس" للمُخرج نواز ديشي، وهو الروائي الطويل الثاني لديشي. يُركز الفيلم على مُخيم يوناني للاجئين يُدعى "سوفتكس"، حيث ينتظر طالبو اللجوء السوريون والفلسطينيون بفارغ الصبر أخبارًا عن أوضاعهم كلاجئين. ولتمضية الوقت بين المُقابلات مع مكتب الهجرة، يقوم ناصر وأصدقاؤه بتصوير اسكتشات فنية ساخرة، والتحضير لفيلم رعب عن الزومبي؛ في فيلم يخلط على نحو عجيب بين التجريب والتجريد والفانتازيا والأحلام والهلاوس، وبه رؤية بصرية لافتة، وجرأة في السرد والطرح والمُعالجة، وإن كان من الصعب جدًا على الجمهور العادي فهمه أو التفاعل معه.

لقطة من فيلم "غريب" الفائز بجائزة قسم "بروكسيما" في مهرجان كارلوفي فاري السينمائي 


في مُسابقة قسم "بروكسيما"، ذهبت "الجائزة الكبرى"، ومبلغ 15 ألف دولار أميركي، لفيلم "غريب" للمُخرج الصيني زينج فان يانج. وهو مُخرج وثائقي بالأساس، ومن هنا يُلاحظ جدًا ميل الفيلم أكثر للبناء والمُعالجة والرصد الوثائقي أكثر من الروائي. يستعرض لنا المُخرج أكثر من غرفة في أحد الفنادق المجهولة، كمكان يكون فيه الجميع غُرباء. بداية من المقطع الأول الذي تقوم فيها فتاة تنظيف الغرف بعملها وتُغادر من دون أن تترك أي أثر، وحتى اللقطة الأخيرة، حيث نُتابع من الخارج النوافذ المُشرعة، وبالكاد نرى ما يفعله الأشخاص خلفها. الفيلم عبارة عن مجموعة مشاهد مُنفصلة، تجمع بينها وحدة الموضوع، وإن كان كل مشهد بمفرده عبارة عن لقطة واحدة، تحكي قصة حياة أفراد، وهواجس ومخاوف بشر يجمع بينهم السخيف والمُضحك والمُؤثر والغامض والمُحزن. ومع ذلك، فإن كل ما نُشاهده يفتح أبعادًا جديدة ومُثيرة للدهشة وحميمية، في كل مقطع من المقاطع.

لقطة من فيلم "لقد حان الليل" االفائز بجائزة لجنة التحكيم 


وحَصَلَ على "جائزة لجنة التحكيم الخاصة"، ومبلغ 10 آلاف دولار أميركي، فيلم "لقد حان الليل" للبيروفي باولو زيزون، وكذلك جائزة "الفيبريسي"، أو الاتحاد الدولي لكتاب نقد السينما. الفيلم هو الوثائقي الأول لمُخرجه، ويرصد فيه التدريبات العسكرية القتالية الشرسة لمجموعة من المُغامرين العسكريين الشباب، لتحويلهم إلى مُحاربين يعملون في مناطق عالية المخاطر، ومعروفة بانتشار العصابات المُسلحة، العاملة في تجارة وتهريب المُخدرات، وغيرها. يُحاول المُخرج تقديم صورة إنسانية لهؤلاء الشباب اليافعين، في رصد ثنائي للحساسية الإنسانية في مُقابل العُنف، والقوة في مُقابل الضعف البشري. يُعد فوز الفيلم غريبًا إلى حد كبير، ويصعب التكهن بما رأته فيه لجنة التحكيم من تميز، أو فرادة. على أية حال، الفيلم ليس بالتأكيد من الأفلام الاستثنائية، أو حتى البارزة المعروضة في هذا القسم.




أخيرًا، فاز الفيلم السلوفاكي "من مارس إلى مايو" لمارتن بافول ريبكا بجائزة "لجنة التحكيم"، ومبلغ 10 آلاف دولار أميركي. المُثير أن هذا الفيلم الكلاسيكي التقليدي البناء والحبكة والشخصيات والدراما يقف على النقيض تمامًا من الفيلم الوثائقي السابق. فكيف جمعت اللجنة في رأيها بين العملين؟ تدور أحداث الفيلم، وهو دراما اجتماعية سلوفاكية بالغة العادية والبساطة والحميمية، حول عائلة من خمسة أفراد في إحدى القرى. يتقدم الوالدان في السن ببطء، بينما يكبر أولادهما وينضجون، ويسير كل منهم في طريقه الخاص. يضطرب إيقاع الحياة اليومية بعض الشيء بسبب الأخبار غير المُتوقعة عن حمل الأم. تدريجيًا، تُؤثر فكرة الأخ الجديد على أفراد الأسرة. رغم عادية الأحداث، وعدم حدوث الكثير تقريبًا باستثناء التفاصيل اليومية العادية الصغيرة، إلا أن الفيلم بالغ الأصالة والمصداقية، وعلى قدر كبير من العمق، وإجادة رسم الشخصيات.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.