}

عالم آشوريات يترجم لوحًا سومريًا نادرًا عن قصة الطوفان

علي لفتة سعيد 1 ديسمبر 2023
آثار عالم آشوريات يترجم لوحًا سومريًا نادرًا عن قصة الطوفان
عالم الآشوريات إرفينغ فينكل والدكتور حسين الهنداوي
لم تتوقّف حتى الآن عمليات البحث والدراسة في الكتابات المسمارية وألواحها، خاصّة في الجانب الأوروبي، حيث تخصّص كثير من الباحثين بالمسماريات، من الذين عشقوا هذه الكتابات، وما تمّ تدوينه منها على الألواح الطينية. ومن بين هؤلاء الدكتور إرفينغ فينكل، عالم الآشوريات، وأمين الألواح المسمارية في المتحف البريطاني في لندن، الذي قام بترجمة لوحٍ طينيّ سومريّ نادرٍ يعود إلى الحقبة البابلية الأولى، أي قبل حوالي 4000 عام قبل الميلاد، والذي كشف عنه الباحث العراقي الدكتور حسين الهندواي. فعن ماذا تحدث هذا اللوح؟ وإلى ماذا توصل الدكتور فينكل عن موضوعة الطوفان، وكم طوفان في الأصل؟
الدكتور إرفينغ فينكل/ Irving Finkel‏ هو عالم إناسة، وعالم آشورياتٍ بريطاني، ولد في سبتمبر/ أيلول 1951 في لندن، بالمملكة المتحدة. وهو يعمل حاليًا كمساعدٍ في قسم النصوص واللغات والثقافات لبلاد الرافدين القديمة في قسم الشرق الأوسط من المتحف البريطاني، حيث يتخصّص في النقوش المسمارية على ألواح الطين من بلاد ما بين النهرين القديمة، ومتخصّص في الحضارة العراقية القديمة كلّها. حصل على الدكتوراة في علم الآشوريات من جامعة برمنغهام تحت إشراف ويلفريد ج. لامبرت، إثر تقديمه أطروحةً حول التعاويذ البابلية لطرد الأرواح الشريرة والأشباح. أمضى بعدها ثلاث سنواتٍ كزميلٍ باحثٍ في المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو. وفي عام 1976، عاد إلى المملكة المتحدة، ليتم تعيينه مساعدًا لأمين قسم الآثار لغرب آسيا في المتحف البريطاني، ومسؤولًا عن تنظيم وقراءة وترجمة مجموعة المتحف من الألواح الطينية المسمارية المكونة من حوالي 130.000 لوح، مظهرًا حميميةً خاصة في العلاقة مع الكتابة المسمارية التي وصفها بأنها "جسر سحري لعالم مات منذ زمن طويل، كان يسكنه رفاقٌ معروفون لنا من البشر". له إصدارات عديدة، منها كتاب "الأشباح الأولى: أقدم الموروثات"، و"السفينة قبل نوح: فك قصة الطوفان"، و"ألعاب الطاولة القديمة"، وكذلك "مؤتمر ويلكوم للطب البابلي"، و"تقرير عن لوح صيدا المسماري"، و"وثائق الطبيب والساحر في سيبار"، وأيضا "النقوش المسمارية في متحف المتروبوليتان"، و"الكتابة في الحجر" 2018". وله بحث "عن بعض المرمر البابلي المنقوش" منشور في مجلّة الجمعية الملكية الآسيوية. وله كتابٌ "لعبة أور الملكية"، وهي لعبة طاولة يبلغ عمرها 4600 سنة اكتشفت في أور، لتكون أقدم لعبة طاولة مكتَشفة في العالم، حيث تباع نماذج متحفية منها مصنوعة من السيراميك في المتحف البريطاني، إلى جانب لعب طاولة بابلية أخرى منسية. وله مبادرة في تأسيس مشروع المذكّرات الكبرى، الذي يهدف الى الحفاظ على مذكّرات الناس العاديين عبر أرشفتها. وقد ساعد بالفعل في أرشفة أكثر من 2000 يوميات شخصية.




تمكّن إرفينغ فينكل، أخيرًا، من ترجمة أحد الألواح السومرية التي عثر عليها خلال زيارته الأخيرة للأماكن السياحية في العراق. وهو ما كشفه الباحث والمهتم بالفكر العراقي القديم الدكتور حسين الهنداوي، صاحب كتاب "الفلسفة البابلية"، الذي التقى بالباحث الإنكليزي في لندن، وكشف له الأمر. ويشير الهنداوي الى أن إرفينغ فينكل زار مواقعٍ أثريةٍ سومريةٍ عدة، من بينها زقّورة عكركوف، التي بناها في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، ملك الكيشين كوريغالزو الأول لتكون معبدًا للآلهة السومرية. كما زار مواقع في جنوب العراق. ويشير الى أن هذا العالم لا يضاهيه في شهرته إلّا رائد علم الآشوريات بالمتحف البريطاني جورج سميث، الذي اكتشف وترجم في عام 1872 أوّل حسابٍ مسماريّ للطوفان العظيم، متمثّلًا باللوح الحادي عشر لملحمة جلجامش، وكذلك الكبير صموئيل نوح كريمر. ويبيّن الهنداوي أن الدكتور فينكل تمكّن من ترجمة لوحٍ طيني سومري نادر عائد للحقبة البابلية الأولى، أيّ قبل حوالي 4000 عام قبل الميلاد، يكشف عن وجود توجيه للإنسان من إله الحكمة إنكي (إيا)، يقضي ببناء سفينة لمواجهة خطر طوفان مرتقب. ويشير الى أن الترجمة التي توصّل إليها الدكتور فينكل كشفت عن قرارٍ بأن ينقل إلى البشر السرّ الإلهي بإرسال الطوفان على الأرض التي شاخت بالذنوب والخطايا، فقام بتلقين الإنسان (أتراحاسيس) المعرفة الوافية لبناء السفينة اللازمة، بخطابٍ غير مباشرٍ عبر جدار كوخ القصب. ويورد الهنداوي جزءًا من الترجمة:
"جدار، يا جدار!
جدار القصب، يا جدار القصب!
أتراحاسيس، انتبه لنصيحتي،
وقد تعيش إلى الأبد!
اترك منزلك، وقم ببناء قارب
ازدري الممتلكات... وأنقذ الحياة!
وارسم القارب الذي ستصنع
على مخطط دائري
وليكن طوله وعرضه متساويين،
واجعل شخصًا آخر يلف السعف وألياف النخيل من أجلك!
مع إصبع واحد من القار لأطرافها الخارجية
وإصبع واحد من القار لداخلها...".
ويذكر الهنداوي أن ما توصّل إليه الدكتور فينكل هو أن شكل السفينة يختلف عن سفينة نوح بكونه مستديرًا كالقفّة من جهة، ومشيّدًا من القصب وحبال ليف النخيل والقير من جهةٍ أخرى.
وهنا يمكن طرح السؤال: هل هذا يعني أن هنالك أكثر من قصةٍ للطوفان؟
يجيب الهنداوي أن الترجمة تفيد أنه لم تكن لبلاد ما بين النهرين قصّة واحدة، بل ثلاث قصص طوفانٍ تسبق النسخة التوراتية بألف عام. ويمضي بالقول إنه مع الاستنتاج المنطقي بأن مؤلّفي "الكتاب المقدس" استعاروا قصّة الطوفان البابلي، والتي تشبه تلك الموجودة على هذا اللّوح الطيني، وعدّلوها لإنتاج سفينة نوحٍ التوراتية المستطيلة. بينما كان هذا القارب، أو الفلك العائم، مصنوعًا من القصب المربوط بحبالٍ من ليف النخيل ومغطّى بالقار، وربّما مادّة شبيهة بالقطران من أجل العزل المائي، وهو ما يستعمل في جنوب العراق إلى الآن. ويذكر أن الدكتور فينكل دافع عن أفكاره في أكثر من دراسة، وقد نشر الدفاع في كتابه الذي حمل عنوان "السفينة قبل نوح: فكّ قصة الطوفان" والذي كشف فيه أن الفلك الموصوف في اللّوح الأصلي كان مستديرًا مثل "قفّة" كبيرة جدًا، ودعم رأيه بمعلومات تفصيلية وافية عن أبعاده وبنيته.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.