على مدى أربعة أيامٍ، صدحت حناجر شعراء عراقيين وعربًا في مهرجان الجواهري ببطولات الفلسطينيين واللبنانيين الذين يتعرّضون لأبشع أنواع القتل والإبادة من قبل الكيان الصهيوني، فقد شهدت بغداد إقامة مهرجان الجواهري بنسخته الخامسة عشرة، التي حملت اسم الشاعر الراحل حسب الشيخ جعفر، الذي عُرف بدوره الخلّاق في تطوّر القصيدة العربيّة الحديثة.
ورفع المهرجان شعار "لبنان وفلسطين رافدان يجتمعان في بلاد الرافدين"، وشارك فيه أكثر من 300 شاعر عربي وعراقي من مختلف الأجيال، بينهم الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي، والشاعر المغربي محمد بنيس.
تضامن ومواقف
يقول عن المهرجان أمين عام اتحاد الأدباء والكتّاب العراقي، الشاعر عمر السراي: "إن الاتحاد إذ يقيم هذا العام مهرجان الجواهري، أراده مختلفًا عن دوراته السابقة، لأن المرحلة تتطلب الوقوف مع الشعبين الفلسطيني واللبناني من مبدأ الموقف الشعري والأدبي، إذ حمل فلسطين ولبنان وآلام الشعبين الشقيقين بقلبه من أجل مساندة حرّة وحقيقية لهما ضد الطغيان والظلم، واستطاع الاتحاد أن يستقطب الأسماء العربية والعراقية المرموقة ثقافةً وموقفًا".
وأضاف أن المهرجان اختار محاور نقديّة مدروسة لم تبتعد عن أيقونة المهرجان حسب الشيخ جعفر، ولم تغادر الأدب النسوي، مع إدراج طاولتين مهمتين لمناقشة القضايا النقدية المتداولة. ولفت إلى أن أغلب قصائد الشعراء، سواء العراقيين، أو العرب، صدحت تتغنّى بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية التي تضرب أروع الأمثلة في الصمود والتصدّي. وذكر أن شعراء من مختلف الدول العربية والمهجر شاركوا في المهرجان، ومنهم: أحمد عبد المعطي حجازي من مصر، ومحمد بنيس من المغرب، وطاهر رياض من الأردن، ومن لبنان حسن مقداد، وخليل عاصي، وأحمد نزال، ومن سورية، نزار بريك هنيدي، ومن الكويت: عبد الله الفيلكاوي، فضلًا عن عشرات من الشعراء العراقيين.
فعاليات وجلسات
أما الناطق الإعلامي باسم الاتحاد، الشاعر معن غالب السباح، فقال إن الفعاليات تضمّنت ست جلسات شعريّة، وندوتين نقديّتين، وطاولتين بحثيّتين، وُضعت لها محاور متنوعة، مع توقيع إصدارين جديدين عن منشورات الاتحاد، الأوّل عن الجواهري، والثاني مختارات للشاعر حسب الشيخ جعفر، ضمن سلسلة "ماس القصائد"، إضافة إلى جلستين مهمّتين خُصّصتا للشاعرين القديرين أحمد عبد المعطي حجازي، ومحمد بنيس، تضمنتا حوارًا مهمًّا مع قراءات شعرية ورؤى نقديّة.
وأشار إلى أن رئيس جمهورية العراق، الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد، افتتح مكتبة الشاعر ألفريد سمعان في مبنى الاتحاد تزامنًا مع المهرجان. ولفت إلى أن الجلسات توزّعت في قاعات الاتحاد وحدائقه وباحاته، لتصنع تظاهرة ثقافيّة إبداعيّة متميّزة، مع جلستين في سينما المنصور/ ساحة الاحتفالات ببغداد، وفي قاعة الفنان الدكتور سامي عبد الحميد في المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي. وبيّن أن هذا المهرجان استثنائي، سواء في موقفه من القضية الفلسطينية، أو بحضوره المتنوع، من المغرب، ومصر، وسورية، والأردن، وفلسطين، وأدباء المهجر، ولبنان.
أقوال في المهرجان
يقول الشاعر المغربي محمد بنيس: "إنه مهرجان، إضافةً إلى كونه مهرجان شعر في أرض الشعر، إلا أنه ركّز في دورته هذه على ما يجري من أحداث في فلسطين ولبنان". وأضاف: "عندما وعيت على نكبة فلسطين، أصبحت أهب كل شيء في حياتي لفلسطين، وأصبحت منتميًا لها من خلال السؤال عن أبسط الأشياء، وعن أكبر وأصغر ما نعيش، وقد تعلمنا في بيوتنا ومدارسنا بعدم النطق بالسؤال، ومن خلال ذلك بروح متمردة على آداب المجتمع التي تعد نقطة ذهابي إلى أقصى ما يمكن، وكانت في الوقت نفسه نقطة تجربة للسؤال الذي تمنعه المجتمعات العربية، والذي عندما ينتهي، ينتهي معه كل شيء". وأشار: "كنت ألاحظ أن الكتابة عن فلسطين سهلة في الثقافة العربية، وهذه كارثة، وأعتقد أن كتابتي عنها جاءت متأخرة، لأنها كانت مرتبطة بالسؤال، وأجزم بأن الكتابة عن فلسطين ليست بديهية لغرض الكتابة، إنما هي شيء آخر، وكلما كتبت عنها زاد انتمائي لها". واستعرض بعدها صداقته لمحمود درويش، وإدوارد سعيد. وذكر أنه قرأ في المهرجان مجموعة من قصائده بعنوان "ليل الحروف وظنون وطيش وكلمات"، وقد وقّع عددًا من مختاراته في كتابه الجديد "مسكن لدكنة الصباح"، الذي صدر عن دار الشؤون الثقافية في بغداد.
ويقول الشاعر عبد الزهرة زكي عن المهرجان إنه كان مهرجانًا جيدًا كما قرأنا من المحاور. وأضاف: "لاحظت أن المهرجان احتفى بشاعرين عربيين من شعراء التحديث، وهذا ما لم يحظ به شاعر عراقي حي كما أتوقع. وهو أمر مألوف في حياتنا الثقافية، قديمًا وحديثًا". وأشار إلى أن حياتنا الثقافية تضم شعراء عراقيين أحياء يستحقون الاحتفاء، مثل فاضل العزاوي، وعبد الرحمن طهمازي، وصادق الصائغ، وجليل حيدر، وياسين طه حافظ، وصلاح فائق، من شعراء الستينيات، فضلًا عن الأجيال التي تلتهم من شعراء جديرين بالوقوف عند تجاربهم ومنجزاتهم الخلّاقة. ولفت إلى أنه ليس ضد الاحتفاء بشاعرين عربيين في بغداد، لكن جدية أي مدينة في الاحتفاء تبدأ بحفظ الجميل لشعرائها. وأضاف أن المدينة التي لا تدرك قيمة أبنائها إلا بعد موتهم هي مدينة جاحدة، وهذا ما لا نتمناه لبغدادنا. كما أشار إلى أن المهرجان حمل اسم شاعر عُدّ آخر شعراء تقاليد الشعر القديم، فيما احتفى بشاعرين يعملان في إطار التحديث، وهذا يُحسب للمهرجان لا عليه.
توصيات ومواقف
وقال أمين الشؤون الثقافية في الاتحاد، الشاعر منذر عبد الحر، إن المهرجان خرج بتوصيات عديدة، تركزت في نقاط عدة:
يتقدّم جميع المشاركين بالشكر والتقدير والعرفان لدولة رئيس الوزراء لرعايته المسؤولة، والشكر موصول لوزارة الثقافة والسياحة والآثار والجهات التي ساهمت في إنجاح فعاليات المهرجان.
إن المهرجان إذ يتغنّى ببطولات الشعبين، فإنه يحرص على تأكيد موقف أدباء العراق مع القضية الفلسطينية حتى إقامة دولته على كامل التراب الفلسطيني، مثلما يتحقق الانسحاب من كل الأراضي اللبنانية.
يوصي المشاركون بأن يكون المهرجان سنويًا، وأن يُثبّت موعده، ليكون ملمحًا مهمًّا من ملامح الإبداع العربي المتجدد الذي يتخذ من بغداد ميدانًا له.
للنجاح الذي حققه المهرجان ولأهميته في الثقافة العربية الراهنة، يوصي المشاركون بأن تتوسّع مساحة الدعوات لتشمل شخصيات عالمية وعربية لها مكانتها الثقافية في الوطن العربي والعالم.
أن تمتدّ فعاليات المهرجان لأيّام أكثر كي تتسع الجلسات لمشاركات أكثر في الجلسات الشعرية وجلسات النقد وطاولات الحوار، واستضافة الشخصيات المؤثرة في المشهد الثقافي.