}

عادات الحمل والولادة عند يهود العالم العربي

أحمد الجندي أحمد الجندي 13 أبريل 2023
اجتماع عادات الحمل والولادة عند يهود العالم العربي
عملية ختان لطفل يهودي بريطاني (Getty)
تظهر دراسة العادات المختلفة أن الشعوب عادة ما تتأثر بتراثها الديني، أو قد تتأثر بالخرافة التي تكون أكثر انتشارًا كلما تدنى المستوى الثقافي والاجتماعي. وحديثنا السابق عن عادات الزواج عند اليهود كشف إلى أي مدى يمكن أن يكون الخوف من الأرواح الشريرة، أو الحسد، أو أعمال السحر، باعثًا على ممارسة طقوس غير مفهومة حتى لمن يقومون بها. وعلى الرغم من عدم القدرة على تفسير كثير من هذه الطقوس، أو العادات، فإن قوة المأثور الشعبي تظل دافعة للناس إلى ممارسة ما لا يفهمونه، أو ربما لفعل أشياء قد تتعارض وما يؤمنون به في أحيان كثيرة.
حين ننتقل للحديث عن عادات الحمل والولادة والختان عند اليهود في العالم العربي لن يكون الأمر مختلفًا كثيرًا. ووجه الاختلاف هو أن العادات المرتبطة بالحمل والولادة والختان أكثر ارتباطًا بالمرأة، على عكس عادات الزواج التي يتشارك الطرفان، الرجل والمرأة، فيها.
في ما يتعلق بعادات الحمل عند اليهود في البلاد العربية، نجد في المغرب، مثلًا، أن النساء اليهوديات كن يعتقدن أن غضب الأرواح قد يؤدي إلى عقم المرأة، ولإرضاء هذه الأرواح كن يخلطن الكسكس مع الزيت، ويضعنه في زوايا غرف بيت هذه المرأة من أجل إرضاء الأرواح، حتى يحدث الحمل. وبينما كان يحتفى بحمل المرأة اليهودية في المغرب مصحوبًا بالولائم، كانت يهوديات اليمن يخفين خبر حملهن خوفًا من الحسد.
ومن الاعتقادات التي انتشرت عند اليهود في العالم العربي أن تجاهل الرغبة الشديدة للحامل قد يتسبب لها في الإجهاض، أما الاعتقاد الأكثر انتشارًا فهو أن تجاهل رغبتها في شيء ما (الوحم) سوف يؤدي إلى أن تنطبع صورة ذلك الشيء على جسم الطفل، وأن الموضع الذي سيظهر فيه ذلك الأثر في جسم الطفل يقابل الموضع الذي تلمسه من جسدها وهي تفكر في الطعام الذي تشتهيه، ويعيد ذلك في أذهاننا مشاهد الأفلام العربية الكثيرة التي تخص مسألة الوحم عند المرأة، والتي يدل تكرارها على أن الوحم عادة عربية فولكلورية كانت منتشرة في أرجاء العالم العربي وما زالت. كذلك كانت نساء اليهود في المغرب ينسبن سقوط الحمل إلى روح أنثى شريرة، ولذلك كانت الحوامل يضعن تمائم خاصة للحماية من هذه الروح.
بعض العادات كانت مرتبطة بمعرفة نوع الجنين؛ ففي تونس كان اليهود يعتقدون أن ظهور علامات على وجه المرأة الحامل يعني أن المولود سيكون ذكرًا، أما في الجزائر فكانوا يقدمون مفتاحًا للحامل؛ فإن أمسكته من جانبه الدائري فذلك يعني أن المولود سيكون أنثى، وإن أمسكته من الجانب الآخر فسوف يكون ذكرًا. وفي المغرب قبل الولادة بشهر تأتي القابلة إلى المرأة الحامل وتقوم بطقس يعرف بتقطيع الجداور (القماط الذي يلف فيه المولود) من أجل الطفل المنتظر أمام مجموعة من الأمهات، وهو طقس يهدف إلى تهدئة هذه الحامل، وتقوية الصلة بينها وبين القابلة.



ونظرًا لتأخر الطب في القرون الماضية، كانت تكثر حالات الوفاة أثناء الولادة، لكن عند اليهود كان هنالك تفسير مختلف يربط ذلك بذنوب النساء وخطاياهن؛ في هذا السياق نصت "المشنا" على أن موت النساء أثناء الولادة عادة ما يكون نتيجة لما ارتكبنه من خطايا وذنوب، وكان الحاخامات يعلمون النساء بأن الصالحات منهن لن يعانين الآلام التي قضى بها الرب على حواء "بالوجع تلدين أولادًا" (التكوين 3: 16). ومع ذلك، تدرك النساء المتدينات أن آلام الولادة تقع على كل النساء عقابًا لحواء على خطيئتها طبقًا للعهد القديم، ومن هنا كن يصلين، وكذلك أزواجهن، لتخفيف آلام المخاض عليهن. لكن التراث الفولكلوري اليهودي لم يربط موت النساء أثناء الولادة بعدم صلاح المرأة فقط، بل ربطه أيضًا بخرافة وجود شيطانة أنثى مجنحة تسمى ليليث، تهاجم النساء عند الولادة، وتقتل الأطفال حديثي الولادة، وهو اعتقاد ساد بين اليهود في جميع أنحاء العالم، ولذلك استخدم اليهود التمائم والتعاويذ للحماية من هذه الشيطانة، كما كانوا يحرصون على إغلاق جميع فتحات الغرفة التي تجري فيها الولادة، وكتابة أسماء الملائكة، حتى لا تدخل ليليث إلى المكان. وكانت النساء في شمال العراق يغطين وجوههن بستائر المعبد أثناء الولادة للحماية منها، وفي المغرب كن يرتدين حزام أحد الرجال المشهود لهم بالصلاح، أو يطلبن العون من قبر أحد الصالحين.
وكان الاعتقاد بين اليهود في عدد من البلاد العربية بأن كلًا من الأم ووليدها في أيامه الأولى يكونان في خطر عظيم، وأن أرواحًا تتهددهما لضعفهما، وللتغلب على هذه الأرواح حرصوا على أن تكون غرفة الولادة مباركة؛ فكانوا يضعون فيها بعض الأغراض المقدسة من المعبد اليهودي، ويحضرون طينًا من قبر أحد الصالحين اليهود وينثرونه حول غرفة الولادة، وأحيانًا يقومون بطقس يلوحون فيه بنصل حديدي لتخويف الأرواح الشريرة وطردها. ويكون ذلك كله مصحوبًا بقراءة صلوات وأدعية، وبعض المزامير التوراتية. وقد يقوم شخص ما بربط طرف خيط بلفيفة توراتية في المعبد، والطرف الآخر من الخيط بسرير المرأة، وينفخون في الشوفار، ويضعون مفتاح المعبد تحت سرير المرأة... وهكذا.
اعتبارات مشابهة جعلت نساء يهود اليمن يأخذن الاحتياطات، لكن بطريقة مختلفة؛ فحينما تشعر المرأة بآلام الطلق تعتزل سرًا في غرفة من غرف العائلة غير المستخدمة، وعندما يشتد الألم تستدعي العائلة امرأة كبيرة من نساء العائلة، أو الجيران، لديها خبرة بأمور الولادة، وهي التي تطلع العائلة على ما يحدث، على أن يبقى ما تخبرهم به سرًّا كي لا يعرف أحد أن هناك امرأة تلد.
أما ما بعد الولادة، فكانت الفرحة بميلاد الذكر أكبر من ميلاد الأنثى عند اليهود كافة؛ فكانت العادة في المغرب إذا كان المولود ذكرًا أن تهتف القابلة بالعبرية "باروخ هابا = أهلًا وسهلًا". وفي حالة الأنثى، تهتف باللهجة المغربية هذه المرة "مباركة مسعودة". ومن الاعتقادات التي سادت بين يهود المغرب أن الأسرة التي يموت أطفالها الذكور فذلك يرجع لسبب ما عند والديه، وكان الحل أن يخرجوه من نطاقهما بإحدى طريقتين لكي يعيش؛ إما أن يخطبونه لأنثى حديثة الولادة، أو يقوم الوالدان ببيعه.
وكان يهود العراق يقيمون احتفالًا صغيرًا بالمولودة الأنثى في يومها السادس، ويسمى الاحتفال "ليلة الستة"، ويسمونها في ذلك اليوم، لكن في المقابل كان يقام احتفال كبير بالمولود الذكر، وتلبس الأم تميمة مخصوصة للوقاية من الحسد، وترسم القابلة سبعة خطوط حول سرير الأم، وكان الاحتفال يسمى تقسيم الشاشة؛ حيث يتجمع أطفال العائلة والأصدقاء والجيران في منزل الأم ويوزع عليهم الفوشار، مع الأغاني والموسيقى (السبوع في بلادنا العربية).
أما الختان فيكون إجباريًا للذكور من المواليد، وهو الطريق الذي يدخلون به إلى جماعة إسرائيل، بينما يكون دخول الفتاة إلى الجماعة من خلال احتفال طقسي يتم في المعبد صباح أحد أيام السبت، أو في البيت، يتم الترحيب فيه بميلادها، وقد لا يحتاجون إلى هذا الاحتفال الطقسي. ويطلق اليهود لفظة "مْهيلاه" على الختان، والمعتاد عندهم أن يتم في اليوم الثامن من ميلاد الطفل، بناء على الأمر التوراتي "ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم... فيكون عهدي في لحمكم عهدًا أبديًا، وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك الأنفس من شعبها" (التكوين 17: 12 ـ 14).




وهنالك عادة عند ختان الأطفال عند كثير من يهود العالم العربي؛ فقد كانوا يحضرون كرسيًا من المعبد، يسمى كرسي النبي إيليا، ويضعونه في البيت قبل يوم على الأقل من ختان الطفل، ليجلس عليه من سيمسك بالطفل عند ختانه، وفي ليبيا كانت النساء اللائي يُجدن الغناء يجلسن أرضًا بجوار الكرسي، ويغنين أغاني دينية من التوراة بالعربية، ويسمونها غناء السِفر "أي الكتاب"، وتكون ذات علاقة بقصة المسيح المنتظر، أو النبي إيليا، أو عن أحد الآباء (إبراهيم، إسحاق، يعقوب...) ـ طبقًا للديانة اليهودية ـ أو موسى وهارون، أو يوسف الصديق...، وفي ليلة الختان يجتمع الرجال ويقضون الليلة في غناء وصلاة، ويقرأون من كتاب الزوهار (كتاب عن المعاني الباطنية للعهد القديم، وهو كتاب أساسي في الصوفية اليهودية)، وفي المغرب خلال هذا الطقس كانت النساء يدعون النبي إيليا وملاك العهد بأن يجعل النساء العواقر يحملن، أو أن تلد الحوامل ذكورًا، وكان المرضى يضعون كأسًا فارغة أسفل كرسي النبي إيليا ليشربوا منه بعيد الاحتفال بنية الشفاء، والأغرب من ذلك أن النساء كانت أحيانًا يقطعن قلفة الطفل المختون لقطع صغيرة وتبتلعها النساء العاقرات، أو اللائي يلدن إناثًا فقط.
ويفتدى الولد الذكر البكر بعد 31 يومًا من ولادته؛ حيث يقوم الأب بتقديم حلي زوجته إلى الكاهن، وبعد أيام عدة يسترد منه الحلي مقابل مبلغ مالي يخصص لفقراء الطائفة، أما إذا كان المولود أنثى فيكون الاحتفال محدودًا، وينحصر في إقامة شعائر سريعة، وتقديم وجبة طعام خفيفة، مع إنشاد بعض الأناشيد الدينية.
وعند يهود العراق، كانت المرأة التي تلد تتجنب أن تلتقي بأي عروس جديدة، أو امرأة ولدت حديثًا، إذ كانوا يعتقدون أن هذا اللقاء، الذي كانوا يسمونه "كبسة"، مصدر خطر كبير على الطرفين، لأن كلتا المرأتين تكون تحت تأثير قوة خفية ما. وعند اكتمال الطفل سنة، وأحيانًا تسعة أشهر يجتمع أهله في بيت والديه، وأحيانًا في المعبد، ويتناولون الشاي والكعك وهم يشاهدون الحلاق يقص شعر طفلهم للمرة الأولى، في جو من السعادة، حيث الموسيقى والأغاني.
ما سبق يظهر إلى أي مدى كان الخوف مبعث كثير من العادات والطقوس التي يقوم بها اليهود، والتي هي أقرب في أكثر حالاتها إلى الخرافة منها إلى الفعل الديني، وحتى في أشد لحظات الفرح كان الخوف من الأرواح والشياطين والعفاريت منغصًا لهذه اللحظات، أو على الأقل أحد بواعث القلق الذي دفعتهم إلى هذه الممارسات.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.