بدأت شخصية أدب الأطفال الخاصة بالنضوج مع تنظيرات المفكّر الإنكليزي جون لوك في القرن السابع عشر، وخاصة عندما قَرن التعلّم بالمتعة، من أجل إكساب الطفل القيم الأخلاقية والسلوك العقلاني، مستلهمًا مقولة الراهب جون اِيرل: (الطفل يأتي إلى الحياة كالورقة البيضاء)، فبحث عن نصوص أدبية مناسبة تحمل الحكمة والمعرفة والموعظة الأخلاقية والمتعة، فوجدها في خرافات إيسوب التي تدور في معظمها على ألسنة الحيوانات كـ كليلة ودمنة. ومن ذلك الوقت أخذ أدب الأطفال يرسم طريقه الخاص وذلك بالاختلاف عن بقية الأجناس الأدبية، من حيث أنّه أصبح يُكتب لأجل القارئ الطفل أولًا، لكي تُملأ هذه الصفحة البيضاء وتُجهّز الطفل ليكون مواطنًا صالحًا وفاعلًا في مجتمعه. ومن ثمّ توطّدت هوية أدب الأطفال مع كتاب (التربية العاطفية – إميل؛ لجان جاك روسو) ليضيف العواطف والمشاعر على تنظيرات لوك التي كانت تستهدف عقل الطفل، وبذلك تم استكمال طرفي شخصية الطفل عبر السلوك الأخلاقي والأفكار والعواطف والمشاعر، ممّا يؤمّن للطفل خبرة عقلية وعملية بموجب ذلك.
لقد كان روسو أقل اهتمامًا بالفضائل والشرور على العكس من جون لوك، باعتبارها السبيل إلى السعادة البشرية، فلقد أراد روسو أن ينخرط الطفل في الحياة العملية ليستخلص النتائج بنفسه، لذلك كانت رواية (روبنسون كروزو؛ لدانيال ديفو 1719) التي تم فيها تناول حياة رجلٍ على جزيرة غير مأهولة، وكيف أعاد هذا الرجل إنتاج الحضارة الإنسانية، تمثل الكتاب الأهم الذي يجب أن يقرأه إميل من أجل أن يكتسب شخصيته الحقيقية، وبالتالي أي طفل آخر. لم يكن كتاب ديفو معدًّا للأطفال، لكن تم تكييفه لهم، ليصبح فيما بعد من أسس كتب المغامرات التي استهدفت الأطفال. تطوّر أدب الطفل كثيرًا منذ جون لوك، وأصبح جنسًا أدبيًا في القرن العشرين، له تنظيراته النقدية وجوائزه وكتّابه الكبار، ولم تعد وصمة العار تلحق بالكتّاب الذين يكتبون للأطفال.
لقد تنبّه أدب الكبار إلى الكثير من المواضيع المهمّة في حياة الإنسان، من الحرية السياسية والدينية إلى الجنسية، وسلّط الضوء على الحقوق المهضومة التي تقمعها العنصرية الجندرية والعرقية إلى جانب حقوق الأقليات، لكنّ الأدب عمومًا، سواء أدب الكبار أو الصغار، قد تأخر كثيرًا حتى تبنّى حقوق ذوي الإعاقة، فقد امتلأ أدب الكبار بازدراء واضح لذوي الإعاقة، لدرجة قال بها عالم الإعاقة بول لونجمور بأنّ استعارة ثيمة الإعاقة في الأدب سلبية دومًا!
لم يخرج أدب الأطفال عن توصيف لونجمور، فحتى سبعينيات القرن الماضي كانت صورة المعوّق في أدب الأطفال غير صحيحة، لكنّها أخذت بالاعتدال رويدًا رويدًا فيما بعد. وقد خصّص (مجلس الكتب بين الأعراق البشرية) في أميركا عام 1977 عددًا من دورياته، تناول فيها الإعاقة في أدب الأطفال، فوجد الباحثان دوجلاس بيكلين وروبرت بُجدان بأنّ صور الإعاقة في أدب الأطفال تتحدّد في العديد من الصور النمطية السلبية، أوجزناها في ما يلي:
1- عادة ما يتم تصوير الشخص المعوّق على أنّه مثير للشفقة لا أكثر؛ وهذه الصورة منتشرة جدًا في الأدب الكلاسيكي والحديث. ومن الروايات التي استخدمت هذه الثيمة رواية تشارلز ديكنز (ترنيمة عيد الميلاد، 1843) في شخصية الولد ذي الإعاقة (تيني تيم).
2- عادة ما يتم تصوير الشخص المعوّق، بأنّه دومًا هدفًا للاعتداء والعنف، لأنّه غير قادر على الدفاع عن نفسه.
3- عادة ما يتم تصوير الشخص المعوّق، بأنّه شرير! لذلك يستحق إعاقته جزاء وفاقًا؛ وهذا التصوّر عن الإعاقة كان يكتسح أكثر القصص التي أتتنا من التراث الإنساني. ففي رواية تعتبر من أوائل الروايات التي تناولت شخصية معوّقة وهي بعنوان (مغامرات وسادة الدبابيس 1787 لماري جين كيلنر)؛ تصاب فتاة بالشلل بسبب ركلة حصان. وتبرّر الكاتبة شللها، بأنّه بسبب كذبها المتواصل! هذا المنطق في التصوير كان يعود إلى جوهر التربية التي سادت أزمنة طويلة في الماضي، فلقد كان يهدّد الطفل بسبب سلوكه الناشز بالعقوبة، سواء من الأهل أو الإله.
4- عادة ما يتم تصوير الشخص المعوّق كداعم لإبراز أخلاق الشخصية الرئيسية في الرواية أو القصة، وليس من أجل ذاته. فوجود الشخصية المعوّقة كان لأجل إبراز لطف البطل وأخلاقه الجيدة.
5- عادة ما يتم تصوير الشخص المعوّق كضعيف العقل، لذلك حتى يتواجد في أدب الأطفال يجب أن يكون استثنائيًا ومتفوقًا، وإلّا ليس من داعٍ لوجوده. وفي دراسة حديثة من عام 2016 أجرتها الباحثة سوزان أبو غيدا على سبع وأربعين قصة عربية تتناول ذوي الإعاقة وجدت بأنّ الغالبية العظمى منها تتناول أصحاب الإعاقات من الأطفال، بأنّهم أصحاب مواهب استثنائية أو قدرات خاصة. إنّ ما يترتب على هذه النظرة في هذه القصص على الصعيد الاجتماعي المحيط بالطفل، أنّه لن يتم قبوله كعنصر فيه ما لم يكن متميزًا بمواهبه. وتكمل أبو غيدا القول، بأنّ الخطأ في هذه القصص يكمن بأنّ التميّز سيكون الثمن الذي يجب أن يدفعه الطفل المعوّق، حتى يكون مقبولًا في مجتمع الأصحاء!
كان إيسوب عبدًا معوّقًا، وكان العبيد بنظر كلّ من المفكّرين اليونانيين والرومانيين غير قادرين على التعبير الفنيّ (Getty) |
6- عادة ما يتم تصوير الشخص المعوّق كموقع للفكاهة والسخرية؛ وهذا ما نراه كثيرًا في الكوميديا، حيث تصبح التأتأة أو العرج أو العمى سببًا للضحك بسبب المفارقات التي تسبّبها.
7- عادة ما يتم تصوير الشخص المعوّق ككاره لنفسه. والسبب في هذه النظرة يعود إلى أنّ قبول المعوّق في المجتمع يعتمد على تميّزه بموهبة ما، وعندما لا يستطيع أن يكون كالأديبة والناشطة هيلين كيلر التي فقدت السمع والنظر في طفولتها، فهو كاره لنفسه بسبب إعاقته، لذلك قال عالم الإعاقة لونجمور بأنّه لا يريد أن يكون ملهمًا لأحد، على الرغم من تجاوزه إعاقته، لأنّ إصراره على دور الملهم، سيتسبّب بأذية لمن لا يستطيعون أن يكونوا مثله.
8- عادة ما يتم تصوير الشخص المعوّق كعبء على الآخرين. ولربما نجد تمثيلًا لهذه الحالة في كتاب للأطفال صدر في الأردن بعنوان (نحن جميعًا متشابهون... نحن جميعًا مختلفون) كما تذكر الباحثة د. إيمان محمود السعدي في ورقة قدّمتها للمؤتمر السنوي الثالث لعام 2018 عن أدب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث عرض الكتاب لمشاعر الآباء والأطفال بقالب شعري مسجوع. وفي إحدى القصص نسمع صوت الأهل يرددون، بعدما ولد لهم طفل مصاب بمتلازمة داون، فيقولون: "قال الطبيب: ابننا سيعيش في سبات/ وأنّه سيبقى مدى الحياة/ وأنّنا سنرجوا لو أنّه مات". أمام هذه القصة المخيّبة للآمال، والتي أُعدت ليقرأها الأطفال وأهاليهم، فما الذي سنتوقّعه عن طبيعة اندماج المعوّقين في المجتمع بعد ذلك!
9- عادة ما يتم تصوير الشخص المعوّق، بأنّه لا جنسي، فحياته العاطفية أو الجنسية لا اعتبار لها!
هذه التصوّرات كانت تحكم أدب الأطفال في أكثر الأحيان، ولكن مع الأخذ بالاعتبار أنّها نسبية، ففي بعض الحالات تمَّ ذكر ذوي الإعاقة بشكل جيد إلى حدٍّ ما في الأدب، على الرغم من أنّ ذكر ثيمة الإعاقة في أدب الأطفال كان نادرًا، ولم تأخذ حيّزها الحقيقي، إلّا بعد السبعينيات من القرن المنصرم، ممّا يستدعي الانتباه إلى أن تغييب ذوي الإعاقة عن أدب الأطفال؛ يعني بأنّهم كانوا مهمّشين، وليس غريبًا بعد ذلك أن يتوصل بيكلين وبُجدان إلى تلك الصور النمطية السلبية التي تتعلّق بثيمة الإعاقة في أدب الأطفال، فما دام أصحاب الإعاقة مهمّشين، فلماذا يجب الاعتناء بحقوقهم في النص الأدبي؟
وإذا أردنا أن نشبّه العلاقة بين أدب الأطفال والإعاقة من الناحية التاريخية والحالية، فهي تحوي مفارقة عجيبة، ولربما أقرب تمثيل لهذه العلاقة، هو الوصف الذي وضع للحكيم إيسوب صاحب حكايات الحيوان التي ذاعت وانتشرت في العالم حتى عصرنا الحديث، وتعدّ من أسس أدب الأطفال والكبار معًا، فقد كان: "عبدًا قبيح المنظر، عظيم البطن، مشوّه الرأس، أفطس الأنف داكن البشرة، قزمًا، مقوّس الساقين، قصير الذراعين، أحول، مشقوق الشفة" لكنّ أبا القصص هذا، هو الذي استدعاه سقراط في محنته، فنظم خرافاته أشعارًا ليزجي بها وقته في انتظار إعدامه! كان إيسوب عبدًا معوّقًا، وقد كان العبيد بنظر كلّ من المفكّرين اليونانيين والرومانيين كـــ كوانتليان وبليني غير قادرين على التعبير الفنّي والأدبي، ولذلك قال كوانتليان: "إنّ أسوأ ما يفعله خطيب ناشئ هو أن يمثّل دور العبد"!
إنّ أدب الأطفال مدين بشكل كبير لإيسوب، حتى أنّ جون لوك اعتبر خرافاته الألف باء لتعليم الصغار، ومع ذلك صوّر أدب الأطفال وأدب الكبار أصحاب الإعاقة بصورة سلبية عندما كان يذكرهم، لأنّه كان في أكثر الأحيان يتجاهلهم، مع أنّ معوّقًا كانت قصصه وخرافاته الأساس الذي انطلق منه أدب الأطفال والكبار أيضًا. وعندما ذهب أدب الكبار لتصوير الشخصيات الشريرة ونتائج الأفعال الشريرة وجد في المعوّقين ضالته، فهم من ناحية يثيرون مشاعر الخوف لدى الأصحاء أن تنتهي حياتهم كمعوّقين، إذا ارتكبوا الشرور. ومن ناحية أخرى؛ يجعل المعوّقون الآخرين يشعرون بالشفقة، فتتحرك دوافعهم الأخلاقية والعاطفية؛ هكذا كان دور المعوّق في الآداب مطية لتحقيق مصالح من يعدّون أصحاء.
لم تكن قصص الحكيم إيسوب هي المبتدأ الوحيد لأدب الأطفال، فقد شاركت القصص الشعبية التي جمعها الأخوان غريم من الفولكلور الألماني وتراث المنطقة الأوروبية بدعم قصص الأطفال عبر العالم، فقصة الأميرة النائمة، وبياض الثلج، وليلى والذئب وغيرها الكثير، والتي استلهمتها السينما العالمية وخاصة ديزني، لتكون الوجبة الممتعة والمثقِّفة للأطفال، تعتبر من أسس أدب الأطفال. لقد خضعت هذه القصص إلى عملية تطهير وتنظيف، فيما يتعلّق بالأمور الجنسية والعنفية التي كانت ترد فيها، لتصبح مناسبة للأطفال، لكن تركت الإعاقة! فالساحرة التي كانت تكره بياض الثلج، لأنّها أزاحتها عن عرش الجمال، تحوّلت إلى ساحرة شمطاء معوّقة عندما أرادت أذية بياض الثلج. كذلك في قصة (بيت الحلوى/ هانسل وغريتل) فإن الطفلين اللذين تركهما أهلهما في الغابة، فاهتديا إلى بيت من الحلوى تسكنه ساحرة تأكل لحم الأطفال. استطاعت غريتل أن تدفع الساحرة إلى جوف فرن النار وذلك بسبب إعاقتها وضعفها وأنقذت أخاها. وفي قصة أخرى عن طحّان أراد أن يتزوج الملك ابنته، فأخبره بأنّها تستطيع أن تغزل القشّ وتحوّله إلى ذهب. وهكذا وضعت الفتاة في قبو مع كمية كبيرة من القش وحارت ماذا تفعل، إلى أن ظهر لها قزمٌ وحوّل القش إلى ذهب، بعد أن وعدته بأن تمنحه طفلها الأول. لم تف الفتاة بعد أن أصبحت زوجة الملك بوعدها، فهدّدها القزم بالموت، لكن أخبرها إنْ عرفت اسمه، سيحرّرها من وعدها له.
تنتهي القصة بأن تخبر الفتاة القزم باسمه وهو: رامبيل ستيلتسكين وهنا يُصدم القزم ويضرب قدمه في الأرض بغضب. تبدو القصة وكأنّها لا تحمل أي ضغينة واضحة تجاه ذوي الإعاقة، لكن بعد أن نعرف أنّ معنى اسم القزم: صاحب القدم المشوّهة، يختلف الأمر! هكذا كان أصحاب الإعاقة تُؤخذ منهم العبر، لكن من دون وضعهم بالحسبان!
امتلأت قصص الأخوين غريم بالشخصيات المعوّقة، وخاصة من تمت معاقبتهم أو سحرهم ليصبحوا معوّقين، لكن في النهاية ينتصر الخير ويصبح المعوّقون أصحاء. تبدو هذه القصص المثل المشتهى لما يفضّل أن تكون عليه قصص الأطفال، وخاصة أنّها تنتهي نهاية سعيدة. لكنّ السؤال، ماذا عن القارئ المعوّق الذي يبحث عن صورة له في القصص الموجّهة إليه، والتي لن يجدها، كما في رواية (هايدي؛ ليوهانا شبيري 1880) والتي حوّلت لمسلسل كرتوني للأطفال تكون (كلير) فتاة مقعدة تستخدم الكرسي المتحرك، وفجأة تشفى بعد أن تذهب مع هايدي إلى جبال الألب! والسؤال الذي يُطرح؛ هل في واقع المعوّقين ما يشبه ذلك؟ إنّ الكثير من قصص الأطفال التي تناولت الإعاقات تكون النهاية بحدوث معجزة يشفى الطفل فيها من إعاقته، لكن في الواقع هذا لا يحدث إلّا عن طريق العلاج الطبي. هذه النهايات المفتعلة لقصص الأطفال تترك حسرة في قلب الطفل المعوّق، وأيضًا حكمًا أخلاقيًا في عقل الطفل الصحيح الذي سيُحدث نفسه، لو كان الطفل المعوّق يستحق الشفاء بمعجزة لحدثت!
تدفعنا تلك الأمثلة المذكورة إلى ملاحظة، كم من الضرر يكمن في النوايا الجيدة، عندما لا يتم التبصّر بنتائجها! ومن هنا يجب على أدب الأطفال أن يكون مستنيرًا بشكل كبير، فما دام الطفل كالورقة البيضاء، فيجب الحذر فيما يدوّن عليه. إنّ التطبيق العملي للمسؤولية الأخلاقية التي يتحمّلها أدب الأطفال تجاه مستهلكيه من الصغار، نجدها بوضوح في رواية (كيف تروّض تنينك؛ لكريسيدا كويل 2004) والذي حوّل لفيلم سينمائي. تدور قصة الفيلم عن ولد يجد تنينًا معوّقا، وذلك بسبب فقدانه قسمًا من ذيله. يقوم الولد بتعويض القسم المفقود من جناح الذيل لدى التنين ويصبحان صديقين ويخوضان مغامرات عديدة معًا. لقد كان التنين في أول الفيلم منطويًا على ذاته غاضبًا حانقًا من إعاقته، لكن بعدما استطاع الولد أن يعوّض له الجزء المفقود من جناح ذيله عاد تنينًا يحب الحياة. إنّ الإعاقة لدى الطفل لا تصبح عقبة لا يمكن تجاوزها، إلّا عندما توضع العقبات في طريق تعويضها، فالكرسي المتحرّك أو العكاز أو لغة الإشارة وغير ذلك من وسائل تساعد الطفل المعوّق في الواقع وفي الخيال على استكمال متطلبات حياته، هي التي تجعله فردًا فاعلًا لذاته ولغيره. ومن هنا كان على أدب الأطفال الذي يتناول الإعاقة أن يقدّم الحلول العملية، لا المعجزات ولا الأحكام القيمية، حتى يستطيع الطفل المعوّق أن يفتح نافذة وبابًا على الحياة. وفي الوقت نفسه يصبح طبيعيًا بالنسبة لغيره من الأطفال وللمجتمع أيضًا، لا كائنًا غريبًا لا يعرفون كيفية التعامل معه. في إحدى القصص روت أمٌّ تجربة ابنها المعوّق في إحدى حدائق لعب الأطفال، فقد تجمهر عدد من الأطفال حوله، وبدأوا بالتنمّر عليه، وهو لا يقابلهم بالمثل، وعندما همّت أمّه بالاقتراب، لتدفع عنه أذية الصغار، أشار لها بالابتعاد. وعندما رجع إليها، سألته، لماذا تركتهم ينالون منك بكلامهم وتصرفاتهم القبيحة؟ أجاب الولد، هم يحتاجون إلى الوقت للتعوّد عليّ! إنّ ما يفعله أدب الأطفال بتناوله لثيمة الإعاقة بطريقة صحيحة وإيجابية هو أن يحوّل المعوّق إلى شخص طبيعي يشبه أقرانه وإن كانت له ميزة خاصة عنهم.
ملاحظة لغوية
هذه الملاحظة تتعلّق بعنف اللغة نحو المعوّقين! إنّ الأسماء والصفات والنعوت التي تُطلق على الأشخاص من ذوي الإعاقة تحمل بذاتها عنفًا مضمرًا من مثل: (أهل الزمانة – المقعدون- العاجزون – العطيلة- المعوّقون – المعاقون – أصحاب الهمم – ذوو الاحتياجات الخاصة...). وعندما بدأت أكتب هذا المقال بحثت في معنى الجذر اللغوي للإعاقة والذي هو: (عَوق) فوجدته بمعنى (سجن)؛ هذا في اللغة العربية، دلالة على أنّ المعوّق مسجون في إعاقته لا يستطيع فرارًا منها. أمّا في اللغة الإنكليزية فكلمة (handicap) التي تعني المعوّق تعود إلى اللاتينية وإلى مصطلح (القبعة في اليد) دلالة على الفقر وممارسة التسوّل، حيث كان الشحاذ يضع قبعة أمامه يلقي فيها المحسنون بعضًا من نقودهم. ليس القصد من إيراد هذه الملاحظة البحث عن أسماء وصفات ونعوت أخرى جديدة تكون أقل عنفًا، بل للقول بأنّ الكلمات تغيّر دلالاتها القديمة، أو تتنكّر لها وفق أسلوب التعامل بها في المجتمع، فعندما تتبدّل المعاملة مع المعوّق من السلب إلى الإيجاب، ستصبح للكلمة ذاتها دلالاتها الجديدة، فتصبح كلمة الإعاقة دالة على كسر قضبان السجن، وكلمة (handicap) دلالة على الاحترام، كما عندما تخلع القبعة في مكان مقدّس.
*كاتب من سورية.