}

"البُرْج" و"قَلَنْديا" و"النَّهارية"... وعن خُلَيْدَة التي رحلت بِصمت

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 27 يوليه 2024
إناسة "البُرْج" و"قَلَنْديا" و"النَّهارية"... وعن خُلَيْدَة التي رحلت بِصمت
ما تبقى من قرية البرج المدمرة

فَرَضت النّكبة على الشعب الفلسطيني تحديّات كبرى، ليست بالضرورة جميعها عامة، حيث سعت الفلسطينيات، وسعى الفلسطينيون، بمثابرةٍ حثيثةٍ، لإثبات الذات، وتأكيد إنسانيتها، وإظهار تفوّقها، كلٌّ في الحقل الذي يمكن أن تتفوّق/ يتفوّق فيه. في هذا المدى المفتوح للأعداء والذّاكرة المسنّنة، تبيّن لجموع بنات شعبنا وأبنائه أن المجالات المرتبطةَ بالعقلِ وقدْح الأدْمغة هي مساحةٌ ممكنةٌ للنّبش عن مجسّات الفرادة، ولِتحقيق بقاءٍ لا ذلَّ فيه ولا إقْواءٍ ولا نُكوص؛ التعليم بِمختلف درجاتِهِ وحقولِه، تثقيفُ النفس عن طريق قراءةِ كلِّ كتابٍ يُتاح ويصل إلى خيمِ اللجوء، الإبداع في حرفٍ يدوية، أو في الرسم، أو تجميل الخط، أو في تجريب مهارات الأداء، أو في حفظ مئات القصائد، أو في ابتكارِ باب رزقٍ لمّاحٍ مُتاحٍ لن يُعدم أهل المخيّم الإقبال عليه ودفْعِ مستحقّاته. على أن التعليم وتثقيف النفس، والاطلاع على تجارب الناس في بلدان العالم، وحيثيات حياتهم وثوراتهم، تجلت جميعها بوصفها الحقول التي تسابق عليها أهل الخيام أكثر من غيرها. لم يكن قرارهنّ، ولا قرارهم وحدهم؛ أمّهات الشتات لعبن دورًا حاسمًا في توجيه بوصلاتِ العائلاتِ المُبتلاة بالتّشريد والطَّرد من أرضِ الأجداد، نحوَ العلم، وقد رأين فيه باب فرجٍ يمكن أن يغيّر الأحوال، ويسْتعيد الحقوق، ويبْني آفاقَ مستقبلٍ أكثرَ عدلًا وإنصافًا.
في كل مناسبة، وأحيانًا من دون مناسبة، كانت أمي، رحمها الله، تُعيد على أسماعِنا قصة المُراقب الدولي الذي أرْسلوه لِيعاين أوْضاع الناس في خيام النّكبة، تقول أمي: وصل أحد المخيّمات، فإذا بهذه تَكْنُسُ أرض الخيمة، وتلك توقدُ نار الطّهو، وثالثةٌ تنشرُ الغسيل على حبلٍ رفعتهُ على وجهِ السرعة عند باب الخيمة، ورابعةٌ تضع صغيرها في (لَجَن) ماء وتجودُ عليه بحمّامٍ عفيّ الألَق، وخامسةٌ ترافقُ بعضَ صِغارها لِجمع بعضِ الحطب، وثمّة صبيّةٌ تحمل بين يديها كتابًا وتجلس في عمقِ الخيمة تقرأ فيه، وبضعة رجال يجلسون في مكان ما بين الخيام يتشاورونَ ويتدارسونَ ما جرى لهم وَما آلت إليه أحوالُهم، فإذا به، بحسبِ السّاردة أمي، يلخّص تقريرَه بأربع كلمات: هذا شعب لن يموت (وما حدا يسألني كيف عرفت أمّي بِمحتوى تقريره)، على أن الفكرةَ هي الطالعةُ من فم أمّي، إنه لسانُ حالِها الذي رأى فينا شعبًا لن يموت، من دون استبعادِ احتماليةِ وجودِ تقريرٍ ما، في زمنٍ ما من أزمان نكبتِنا، كُتِب فيه ذلك المحتوى. فالحقيقة التي يزداد سطوعها يومًا إثرَ يومٍ منذ السابع من أكتوبر 2023 هي أننا شعبٌ لن يموت، لا بل شعبٌ سوف ينتصر.

عن خُلَيْدَة...
سقتُ قصّة أمّي الأَثيرة حول المُراقب الدولي لأذهبَ عبرَها مباشرة إلى قصّة ابنة خالي خُليْدَة (للدقّة فإن والدها الحاج حسن حسين الخطيب هو خال والدتي، ولكنّ الناس في بلادنا تعوّدوا أن يقولوا لِخال الوالدة خالي).
وُلدت خُلَيْدة بعد النكبة بثمانيةِ أعوامٍ، ولِهذا فهي لم ترَ البُرج قريةَ أهلِها، وُلدت في مخيم قلنديا (11 كيلومترًا شمال شرق القدس، خمسة كيلومترات جنوب رام الله)، وعاشت فيه 11 عامًا، حيث غادرَه أهلُها في عام النكسة 1967.
قبلَ أيام، وفي سياق اعتذارِهِ عن عدم المشاركة في مناسبةٍ ما، ساق ابن خالي، الكاتب والأكاديميّ حسين حسن الخطيب، أن سبب تعذّر مشاركته هو رحيل شقيقته قبل أيام قليلة! ماذا...؟؟ مَن مِن شقيقاتك رحلت يا حسين؟ وكيف ترحل إحدى بنات خالي ولا يخبرني أحدٌ بِذلك؟ وقد بدأ يتغيّر لوني، ويرتفع ضغطي، وينكمشُ تفاعلي، فثمّة من يستمع معنا لِتواصلنا عبر مجموعة واتساب فيها عدد من الصديقات والأصدقاء. لتأتي إجاباته على التوالي؛ الراحلة هي خُلَيْدة بكر خالي، وسبب عدم معرفتي أنّه خَجلًا من دماء أهل غزّة لم ينشر الخبر، واقْتصر العَزاء على يومٍ واحِد، وهكذا أصبحتُ أمام حقيقةِ أنَّ خُلَيْدة رحلت، وما عاد ينفع لا العتبُ ولا ما يحْزنون.
آهٍ يا خُليْدَة هل تتذكّرين؟ دعيني، وقد باتت ذاكرتُكِ الآن في عهدةِ عالمٍ وراء عالم الأحياء، أذكّركِ: لا أدري لِماذا كانت تكثر أمي من زيارتكم في حي النّهاريّة الملاصق لِمخيم الوحدات في عمّان؟ ولا أدري من أين كنتِ في كلِّ مرّة نَزوركم فيها تخْترعين الطّبق القَش الملوّن الذي كنتِ تَدخلين علينا بِهِ حاضنًا فوقهُ الأطايب من طعامِ بيوت الجُود؟ من أيِّ نفسٍ طيّبة يا خُلَيْدَة كان ينبثقُ هذا الطبق؟ من أين كانت تأتي رائحة السّمن البلدي الغارقةُ فيها بضع بيضاتٍ بلديّات؟ ما تلك الرائحة الطالعة من قلّاية البندورة؟ هل هي رائحة ضيافتكِ أنت و(مرْت) خالي التي احتجتُ زمنًا طويلًا، والله، لأقتنعَ أن صوتَها وهي ترحّب وتهلّل وتصلّي ليس صوت طيرٍ مغرّدٍ؟ هل ثمّة فانوس سحريٌّ في مطبخ بيت خالي؟ وإلا فكيف في كلِّ مرّة لا تَعدمين ما تُقدمين؟ هل كنّا مدْعوين عندكم؟ أم أن الزيارة، أي زيارة، هي بالنسبة لك بِمثابةِ دعوةٍ مفتوحةٍ على (أحلى) أهلا وسهلا؟




صورٌ محفورةٌ في الذاكرة لِبيتِ بعيدٍ هناك عند حدود القويسْمة، كانت أمي، لا أعرف لماذا، تختار رفقتي لها إليه... تزورُه دائمًا... بيتٌ يُشبه بيوت الناس في مخيّم الوحدات... والناس فيه يُشبهون أهل بلادنا فلسطين... ربما أرحبَ قليلًا... لكن داخل هذا البيت... وفي قصصه المنسيّة التي قد لا يمرّ عليها أحد... كانت خُلَيْدَة توثّق صورة المرأة الفلسطينية في أوْفى تجلّياتها، وأكْثرها دفقًا بعيدٍ عن افتراءات التمظهُر، وأمْراض التقليد، فهي لم تسعَ نحوَ لوثةِ الأزياء، ولا الموضة، ولا شعارات التمرّد على القبيلة، ولم تنشُز خارج حدود القيَم التي فرضها خالي على كل ما حوله، وهي عمومًا قيمٌ فرضها الجميع على نفسه في مخيمات الشتات... كانت تفهم حقيقةَ وجودِها أنها أمٌّ وإن لم يرزقها الله الأولاد... وأنها الصورةُ التي يشْتهيها الأهل والأقارب والجِيران للبشاشةِ في أسطعِ نضارِتها... وأنها العطاء حين لا تحدّه حدود... وأن القضيّة بالنسبة لها قد يتحقق الدفاع عنها عبرَ السيرة النقيّةِ المتصالحةِ مع مفرداتِها... عبرَ المنوال اليوميّ للعفّة والعفيّة والحيويّة والانضباطِ والارتباطِ بالأهلِ والعُزْوةِ... عبرَ جَسْرِ الهوّة بين الأرض والسّماء من خلال تقريبِنا من إمكانيةِ إقامةِ ملائكةٍ بيننا... عبرَ اللهجة التي كما لو أنها عانقتْ للتوّ صخرةً من صخور البُرج...

مدخل مخيم قلنديا تزينه صور الشهداء


ما فاجأني به ابن خالي شقيق الراحلة... بعدما راجعته باكيًا بمكالمةٍ خاصةٍ حول قصةِ رحيل ابنة خالي... أنه أخبرني خلال تلك المكالمة أن خُلَيْدَة التي توقّف تعليمها عند الصف الخامس (الصف الذي درسته في مدرسةٍ تابعةٍ لِوكالة الغوْث في مخيّم قلنديا)، كانت تكتب القصة القصيرة... وتقْرض بعضَ الشعر... وأن جريدة "الدستور" نشرت لها نهاية سبعينيات القرن الماضي بعض قصصها تلك... وأنها كانت الأولى على صفّها من الأول إلى الخامس، حاصلةً بشكلٍ شبه يوميٍّ على ثناء مديرة مدرسة بنات قلنديا الأولى (مدير مدرسة الذكور التابعة لوَكالة الغوث في ستينيات القرن الماضي هو الأستاذ عزّت غيث، ولا أدري إن كان هو نفسه مدير مدرسة البنات). خمسة صفوف أساسية هي كل حظّها من العلم، كانت كفيلة بأن تُحافظَ خُلَيْدة على سلامة عربيّتها، ليس ذلك فقط، بل وتُبدع فيها قصًّا وقرْضَ شِعر، وبما رأت فيه غرفُ تحريرِ واحدةٍ من أهم صُحُف الأردن ما يستحق النشر.
كأني بها واحدةٌ من نساء غزّة، وقد ملأنَ الكوكب فرادةً وتميّزًا ودروسَ تحقيقِ ذات.
كأني بها تقول للمحتَل: غافلتَ أسنادَنا، وانتهزتَ غفلتَنا وطيبَتَنا، وسرقتَ أرضَنا، لكنكَ، أبدًا، لن تحتلّ عقولَنا، ولن تكسرَ إرادَتنا.
في موروثِنا الشعبيّ، فإن البيت الذي يريد أن يكرمه الربّ يُنعم عليه بمولودةٍ أُنثى في بكرِ ولاداتِه، لِما يرى الناس في بلادِنا ممّا سوف تضخّه البنت من حِنيّةٍ في البيت. والحق أقول لكم إن بكرِ دار خالي حسن لم تحقّق الحنوّ فقط في بيت أهلها، بل كانت، مع تأخّر زواجها، أمًّا ثانية لأبناء خالي الثمانية... ثمّ أمًّا لأبناءِ زوجها الذي ظلّت في برّه وقد تزوّجها بعد وفاة زوجتِهِ إلى أن توفّاه الله من دون أن يُكتب لها أن تنجب منه، فأراد أشقاؤها إعادتها إلى بيتها الأول، فمنعهم أولاد زوجها (خصوصًا الأصغر) من ذلك قائلين لهم هل يعقل أن تحرموا أولادًا من أمّهم؟!




هل كانت إحدى قصصكِ عن قطّة في الحيّ منسيّة؟ هل كانت عن طفلة تقف أمام طابور الصباح وتنشد لِفلسطين تحت عيونِ الرِّضا من مديرةٍ ومعلماتٍ وَطالبات؟
لا أنشد هنا تدوين الخاص بقدرِ ما أسعى إلى قراءة العام فيه... إلى تحديقِ البصر نحوَ مرافئِ البَصيرة... إلى التقاطِ المُشتركِ بين نساءِ بلدٍ أسير... إلى تخيّل كم خلف أسوارِ البيوت من أسرار...

عن البُرج...
قريةُ البُرج المدمّرة جنوب شرق مدينة الرملة المحتلة على الطريق نحو القدس ورام الله هي بلدة أخوالِ أمّي من عائلة الخطيب... وبعيدًا عن تاريخِها، وسببِ تسميتِها باسمِ البُرج، الذي يقال إنه نسبةٌ إلى حصنِ أرنولد (Castle Arnold)، الذي كان بُنِيَ في الموقع منذ زمن قديم، وعن أنها مبنيةٌ فوق تلٍّ وتُحيطها السهول من الجهات جميعها، وأن قريتنا بئر ماعين لا تبعد عنها سوى قَطْعَةِ وادٍ يفصلهما، فإن ما يرتبط بموضوعِنا أن أهل خُلَيْدَة ينحدرونَ من سُلالةِ عمر بن الخطاب... غادروا القرية بدايات الألف الثانية (ما بين 1100 و1200 ميلادية) باتجاه مصر، حيث أثْبتوا وجودهم هناك كَخطباء مساجد ومتصوّفة ورجال دين، إلى أن عادوا مع حملة إبراهيم باشا ابن محمد علي حوالي العام 1831، وحين غادر لم يغادروا معه وانتشروا في بعض قرى جنين ويافا والرملة (مثل دير أيوب والطّيرة والخيريّة وطبعًا البُرج وغيرها)، ولأنهم من فورِهم تولّوا أمورَ مساجدِ تلك القرى، فقد شاعَ مناداتِهم بلقبِ خطيب (جاء الخطيب... ذهب الخطيب)، وهكذا تحوّل اسم الحَمولة من العمري إلى الخطيب... على أن خال والدة خُلَيْدَة حافظ على لقب العمري (الشيخ طاهر العمري)... وصارت عشائر قرية البرج تتوزّع بين أسماء: الخطيب... خطّاب والعمري. بيئةٌ معتدّةٌ بجذورِها أوْحت للراحلةِ بمسؤولياتٍ مضافةٍ إلى كل ما يحيطُها من وقارٍ وحساباتٍ، من دون أن ننسى إلى أي قدر حرِصت اللاجئة، وحرِص اللاجئ أن تعكس ويعكس صورةً متماسكةً حولَهما، لا يعْتريها الضّعف، وَلا يتسلّل إليها الوَهن.

سُلالة ذِيبَة...
في الحقيقة، يصعب أن أنتقل إلى فقرةٍ جديدةٍ من فقرات الموضوع من دون أن أتوقّف قليلًا عند طَرافة طبيعةِ القَرابة التي تربطنا بآل الخطيب؛ فأخوالي وخالاتي من آل الخطيب، هم أخوال أمّي من ذيبة جدتها لأمّها، وَذيبة (سِت أمي) تزوّجت في حياتها خمسة أزواج (لا أعلم ماذا فعلت في مماتِها)، ثلاثةٌ منهم أشقّاء، كلما ذهب واحد منهم إلى (السَّفربرْلِك) ولم يعد، إذا بهم يزوّجوها لشقيقه. يقال إنها كانت طاغيةَ الجمال (وربما هذا ما يفسّر ارتباطَها بِزوجيْن آخريْن، إضافة إلى الأزواج الأشقّاء). وَعليهِ، فإن (سُلالةَ) ذيبة تنتشرُ في ثلاثٍ من قُرى فلسطين المحتلّة!


عن قَلَنْديا...
في مخيم قَلَنْديا لاجئون من قرى بئر ماعين، والبرج، وبرْفيليا، وَساريس، وإِشْوع، وصرعَة، وخِربة اللوز، والقْبيبة، وَدير أيوب، وجِمزو، ولِفتا، وخلْدة، وعلَار، وبيت جِيز، وغيرِها، إضافة إلى بعضِ اللاجئينَ من مدنٍ رئيسيةٍ، مثل اللد، والرّملة.
مخيّمٌ يقعُ تحت نيرِ الاحتلالِ المُباشرِ حتى وهُو مخيّم، وَبِما يرفع معاناتَه درجةً عن مُعاناة باقي مخيّمات اللجوء الفلسطيني... يرسم كل يوم دربًا للخروجِ من الطّوق وتحطيمِ الإِسْوَرة التي كما لو أنها دمغةٌ من قيود الأسْر... لا يبخلُ حين لا بُدَّ من الدمِ والشّهداء... غادرتْه خُلَيْدَة في عام النكسة، لأن الحاج أحمد أكبر أخوال أمّي (عمّ خُلَيْدَة الأكبر) فرض على باقي أشقائهِ مرافقتهُ إلى عمّان، فوحيدُه لا يستطيع العودة للمخيم، لأنه حين حدوث النكبة كان في مصر في سنته الجامعيّة الأولى (ذكّرتني قصة جمال ابن خالي وزوج شقيقتي بقصة مريد البرغوثي حين منعتهُ حرب الأيام الستة (أو الساعات الست) من العودة إلى رام الله، وكان أنهى متطلّباتِ حصولهِ على درجة البَكالوريوس في اللغة الإنكليزية وآدابِها، لِيحتاج وصولُه إلى الجسر مرّة ثانية إلى 30 عامًا، بحسب ما يورد في كتابه المؤثّر "رأيتُ رام الله").

عن النّهاريّة...
في حيّ النّهاريّة الفقير القريب من مخيّم الوحدات (واحد من أكبر مخيّمات الشتات الفلسطيني) التابع إداريًا لِمنطقة القويسْمة، يردّ البيتُ أنفاسَ البيتِ المُقابل، وينْثني الناسُ على أحلامٍ لا تجيء. يذكّرك خطّ سكّة الحديد بحضارةٍ مرّت من هُنا... تطوفُ أطباق الطعام من دارٍ إلى دار... توقظكَ من النومِ الخفيفِ أصواتُ باعةِ السوق الكبير، حيث تتجاور أمعاءُ الخِراف، وأجنحةُ الدجاج، مع كل خضروات العالَمِ والعامِ وفواكهِ الموسِم... عندَ باب السوق بائعةُ النَّعنع والجرْجير... وفي قلبهِ فول "السُّنْبل" الذي تنتهي جِرارُه قبلَ طلوعِ النَّهار...
في هذه البيئةِ كبُرت خُلَيْدَة على صوت مشاكساتِ طلبة مدارس وكالة الغوْث... هل كتبت قصّة عن بائعة النِّعناع؟ هل باحت بأحزانِ فتاةٍ لم تكمل تعليمَها؟ هل نَسَجت قصّةً متخيّلةً عن طفلٍ يشتري له أهله (بَدْلة سوبرمان) من محل (البالَة) القريبِ من بيتِها، فإذا به من فورِ ارتدائِهِ (البدلَة) يطير؟
يا ليت أرْشيف "الدستور" يُسعفني لأطّلع على واحدةٍ من قصصكِ... لأعرفَ كيف هي أحوال الناس وأنّات الرصاصِ في بلادٍ توقّفت فيها البنادقُ عن مَهمّة تحريرِ فلسطين... تَعِبَ القلبُ وهُو لا بد أن يتعبَ في الـ68 من عمرِ الصبرِ والرِّضى... لا بدّ أن يصمتَ بصمتٍ... فأنتِ لستِ من عاشقات (فَلاشات) الكاميرات... ولهذا... وما إنْ صمتَ الصّمت، حتى غادرتِ بصمتٍ محروسٍ بِوقارِ الخشوعِ احترامًا للشّهداءِ في غزّةِ الشاهدةِ والشّهيدة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.