لطالما تعرض المخرج المصري محمد فاضل إلى سخرية المهتمين، بسبب ما يعتبرونه مجاملة متكررة لزوجته الممثلة فردوس عبد الحميد بإعطائها دورا في عمل درامي هنا أو آخر هناك. هي تنفي قائلة إنها لم تكن مجهولة قبل الزواج منه: "كنت نجمة واسمي على كل لسان". ربما لديها حق، لكن هذا ما يقال.
وبغض النظر عن صحة هذه الأقاويل من عدمها، يُعتبر محمد فاضل من أصحاب العلامات المهمة في تاريخ الدراما المصرية، بمجموعة مسلسلات قام بعضها، بالأساس، على مواجهة القبح بتنويعاته: فساد، قمع، ظلم، جهل. ودومًا ما كانت تُقدم هذه الأفكار مؤطرةً بفن جميل يبتعد عن الهتاف والمباشرة الرديئة، منها مسلسلات: "الراية البيضاء"، "أبنائي الأعزاء شكرًا"، "أبو العلا البشري"، "النوة"، "عصفور النار". وأفلام من قبيل "حب في الزنزانة" و"طالع النخل".
من هنا، كان مُدهشًا موافقة المخرج المعروف على تولي رئاسة لجنة الدراما التي أنشأها مؤخرًا المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. والدهشة ليس سببها كون المجلس يُعبر عن سياسات الدولة بما تعيشه من زمن شديد التوتر فيما يخص ملف الرأي وحرية التعبير. هذا ليس الموضوع. الدهشة سببها الرئيسي هو جلوس الفنان صاحب الأعمال سابقة الذكر على مقعد رقابي مُلتبس، مُمسكًا عصا سلطوية لزملائه ممن يخالفون شروط لجنته غير اللائقة بأي من معاني الفن. متوسمًا في ذاته درعًا من دروع صدّ المؤامرات المُحاكة على الوطن، والمارة بين سطور سيناريوهات الدراما. هكذا أعلن من دون مواراة في تصريحات صحفية. قال: "بعض الأعمال الدرامية مؤامرة على مصر".
وكانت اللجنة أصدرت، قبل موسم الدراما الرمضاني بأيام، بيانًا بمعاييرها وضوابطها المطلوب توفرها في الأعمال الفنية، من أبرزها، وفق موقع إعلام دوت أورج:
ـ إفساح المجال لمعالجة الموضوعات المرتبطة بالدور المجيد والشجاع الذي يقوم به أفراد المؤسسة العسكرية ورجال الشرطة في الدفاع عن الوطن.
ـ ضرورة الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص في كل مجال في حالة تضمين المسلسل أفكارا ونصوصا دينية أو علمية أو تاريخية، حتى لا تصبح الدراما مصدرا لتكريس أخطاء معرفية.
ـ إفساح المجال للدراما التاريخية والدينية والسير الشعبية للأبطال الوطنيين، وذلك بهدف تعميق مشاعر الانتماء وتنمية الوعي القومي.
ـ التوقف عن تمجيد الجريمة واصطناع أبطال وهميين يجسدون أسوأ ما في الظواهر الاجتماعية السلبية التي تسهم الأعمال الدرامية في انتشارها.
ـ التوقف عن تجاهل ودهس القانون عن طريق الإيحاء بإمكانية تحقيق العدالة والتصدي للظلم الاجتماعي باستخدام العنف العضلي والتآمر والأسلحة بمختلف أنواعها، وليس بالطرق القانونية.
عدد من الفنانين المصريين، أصدر، تحت مظلة ما يسمى بجبهة الإبداع، بيانًا يستنكرون فيه هذه المسألة. هم مندهشون لكون "قامة مثل المخرج الكبير محمد فاضل، الذي رافق طريق الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، والذي دافع عن مفاهيم الحرية والتعددية في العديد من أعماله يقبل أن يزج باسمه في مثل هذا القرار الغريب".
يقولون: "قد نتفهم أن يكون لتلك اللجنة الحق في إصدار قائمة مواضيع تنتجها الدولة بشكل مباشر مثلا كلجنة استشارية لمؤسسة إنتاجية، ولكن وضع تلك القائمة بشكل عام فيه وصاية غير مقبولة على مبدعي مصر وعلى المتفرج سواء. لا نستطيع أن نجد مثالاً واحداً في التاريخ لقيام مؤسسة من مؤسسات الدولة بدور مماثل إلا في ألمانيا النازية في عهد هتلر ووزير دعايته جوبلز الشهير واستديوهات أوفا التي كانت تنتج المواضيع والرسائل التي يوافق عليها ويشجعها جوبلز. هل تلك هي الصورة التي نرغب في أن يكون عليها المشهد الفني في مصر؟ فن تحت الوصاية؟ فن مدجن؟".
كل ما سبق لم يكف اللجنة الميمونة ورئيسها، حيث لم يفق المهتمون من دهشتهم مما يحدث، حتى بادرت اللجنة بما يجزع النفس من مزايدة بنُكتة ثقيلة الظل.
بينما يتحدث الرأي العام ورواد السوشال ميديا عن فجاجة بعض المسلسلات في عمدها تصدير صورة وردية لرجل الأمن، اختارت اللجنة أكثر المسلسلات مبالغة في هذه المسألة، واتهمته بتشويه صورة رجل الشرطة! وكأن المخرج محمد فاضل يخشى على سمعة رجل الأمن المصري أكثر من الممثل محمد رمضان بطل مسلسل "نسر الصعيد"، الضابط المحبوب من الجميع، ورجل المستحيل الذي يقضي بطرف إصبعه على أعتى المجرمين، ويفارقه النوم أيامًا بعدما أنّبه ضميره لعدم الاهتمام بسيدة بسيطة لجأت إليه. الضابط المكروه من قوى الشر وتحبه الأمهات والأطفال! محمد فاضل يتهمه بتشويه الشرطة! المرء منّا يلجأ في هذه الأحوال للطم على الوجه عمومًا.
على أي حال، كتب محمد فاضل، ولجنته، تقريرًا رفعه إلى المجلس الأعلى للإعلام لاتخاذ الإجراءات الرادعة.
وأنت هنا، لا يجب عليك أن تتوقع من الجميع حمل رايات النضال ضد قمع الحريات. بالتالي لا يصح، طبعًا، تخوين أحدهم لتبنيه قناعة سياسية تختلف عن قناعتك. لكنك بأدنى درجات المنطق لن تستطيع منع دهشة من فنان يتولى، بيديه، تقييد حرية الفن في أسوأ صور الرقابة والقيود.
الفنانون المستاؤون تذكروا، ونتذكر معهم، المشهد الأخير في مسلسل فاضل "الراية البيضا"، بكتابة أسامة انور عكاشة:
"نداء:
الجالسون على الرصيف حول فيللا أبو الغار بالإسكندرية ينادونكم للجلوس معهم، حتى لا يضطر الدكتور مفيد أبو الغار وفريقه إلى رفع الراية البيضا".