}

ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي.."الشعر شارد في الجبل مني"

وائل سعيد 20 يناير 2020
هنا/الآن ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي.."الشعر شارد في الجبل مني"
ملصق الملتقى
اختتمت فعاليات الدورة الخامسة من "ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي" التي استمرت على مدار أربعة أيام، 13-16 يناير/كانون الثاني، وحملت اسمي الشاعرين إبراهيم ناجي وبدر شاكر السياب، تحت عنوان "الشعر وثقافة العصر"، بتمثيل من 15 دولة عربية ومشاركة 100 شاعر وناقد. 

تقدم د. محمد عبد المطلب، مقرر اللجنة، في كلمته بالاعتذار لكل من لم تتم دعوته للمشاركة في الملتقى، مؤكدا أن هناك "آلافاً من الشعراء ومئات من النقاد جديرون بدعوتهم لحضور هذا الملتقى"، موجها وصيته لهؤلاء الشعراء بأحد أبيات أمير الشعراء أحمد شوقي: "أَنتمُ الناسُ أَيُّها الشعراءُ.. فاتقوا اللهَ في قلوبِ العذارَى.. فالعذارى قلوبُهنّ هواءُ".
فيما تبع الباحث التونسي د. عبد السلام المسدي نفس شعرية عبد المطلب في الكلمة التي ألقاها نيابة عن المشاركين- وفي اختياره لتمثيل المشاركين كان هناك الكثير من التساؤلات عبر الملتقى- معرباً عن فخره بالتواجد في القاهرة التى تمتلك القدرة دائماً على جمع المثقفين على اختلاف مناهجهم وتباين آرائهم، مرددا "جئنا الي مدينة السلام نُلبي دعوتها وقد زاد الشوق أن يطول"..
أما د. هشام عزمي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، فلم يكن هناك أمامه أفضل من هذا الملتقى الدولي ليستقبل به أولى فعاليات المجلس الذي تولى أمانته رسميا قبل أيام قليلة، ولذلك فرد مساحة كبيرة للحديث عن خطة المجلس الجديدة وما تحمله من مفاجآت، فضلا عن التأكيد على أن الشعر العربي هو ديوان العرب.. "حيث يحمل تاريخهم ويحتوي على محطات انتصاراتهم، وبالتالي هو المتحدث عنهم، فقد صدقهم القول فصدقوه الشعر".
من جانبها، أعلنت وزيرة الثقافة الفنانة إيناس عبد الدايم مضاعفة قيمة الجائزة المادية من 100 لـ 200 ألف جنيه مصري، الأمر الذي سبق أن حدث في الدورة السابعة من ملتقى القاهرة الدولي للرواية العربية في أبريل/ نيسان 2019 لتصل قيمتها إلى ربع مليون جنيه.
أكدت الوزيرة أن العام الجديد 2020 سيشهد أحداثاً ثقافية ثرية بداية من الدورة الخامسة من عمر ملتقى الشعر، ثم فعاليات الدورة 51 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، التي ستبدأ خلال أيام، وفعاليات الاحتفال بالقاهرة كعاصمة للثقافة الإسلامية وتعاون مصري روسي مشترك.
جدير بالذكر أن حفل الافتتاح تم بالمسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية، بالإضافة إلى حفل استقبال قدمت فيه بعض المشروبات والمأكولات الخفيفة كان المشاركون على موعد معه في الفترة التي تفصلهم عن بداية الجلسة الأولى من الملتقى، وهو أمر غير معهود في الملتقيات أو المؤتمرات الأدبية، حيث كانت تقام الفعاليات والحفلات بقاعات المجلس الأعلى.
تضمن حفل الختام إلى جانب تتويج الشاعر قاسم حداد بالجائزة في نهاية الملتقى، تكريم وزيرة الثقافة لأعضاء لجنة التحكيم المكونة من: د. جابر عصفور رئيساً، والشاعرين محمد إبراهيم أبو سنة ومحمد سليمان والناقد د. محمد بدوي – مصر، ود. عبد السلام المسدي- تونس، ود. سعيد البازغي- السعودية، ود. نبيل حداد- الأردن، ود. رشا ناصر العلي من سورية.
فيما ذهب درع المجلس الأعلى للثقافة للدكتور محمد عبد المطلب مقرر اللجنة والشاعر رفعت سلام الذي ظهرت مؤخرا إصابته بسرطان الرئة، وقامت حملة كبيرة من المثقفين بمناشدة الوزارة لتتكفل بعلاجه على نفقتها بما يليق بتاريخه الأدبي.


قاسم حداد.. عن الشعر والفوضى العربية

 قاسم حداد خلال كلمته عقب إعلان فوزه بالجائزة 


















في أحد الحوارات السابقة لقاسم حداد وتحديدا عام 96 بجريدة "أخبار الأدب" المصرية، وجه الروائي الراحل جمال الغيطاني سؤالا للشاعر حول الكيفية التي يمكن بها الخروج من الفوضى الشعرية؟
أجاب حداد: هذا السديم الذي تسمونه فوضى ربما كان قرين السديم نفسه الذي بدأ منه الخلق الأول. في الشعر ليس ثمة نظام، والذين يرون في الفوضى الراهنة مدعاة للقلق، لا أعرف بالضبط على أي شيء يقلقون، وما إذا كان يهدد ملكية شخصية لأي جهة أو مؤسسة أو شخص؟ ربما كانت هذه الفوضى هي أحد أجمل المظاهر الفوضوية في حياتنا العربية. لا داعي للمبالغة في الشاغل العام على حساب العمل الشعري. فالشعر الجميل ستكون فوضاه جميلة أيضاً. وغير ذلك ليس بشعر ولا يشعرون. وأتمنى على الجميع أن يبحثوا عن أسباب الفوضى في مكان آخر غير الشعر والكتابة.
وقد استقبل حداد بداية القرن الحادي والعشرين 2000/2001 بتتويجه بجائزة سلطان بن علي العويس الإماراتية في الإنجاز الشعري التي تبلغ قيمتها 120 ألف دولار، وجاء في حيثيات لجنة التحكيم "إن شعر قاسم حداد يتسم بالاهتمام بقضايا الإنسان في مواجهة الواقع، وقضايا الإبداع في مواجهة المكرس والثابت".
ويأتي العام المتمم للعقد الثاني يحمل له جائزة ملتقى القاهرة وتصل قيمتها لما يقارب 13 ألف دولار، وُيعلن د. جابر عصفور، رئيس لجنة التحكيم ووزير الثقافة الأسبق، في حفل الختام أن: لجنة التحكيم قد رأت بإجماع الآراء أن ثمة تجربة شعرية ممتدة لنصف قرن وما زالت في توهجها وتنوعها من الشعر الدرامي والشعر الغنائي وشعر التفعيلة وقصيدة النثر للشاعر قاسم حداد ويمتد تأثيرها لأجيال تالية.

جدير بالذكر أن مؤسسة العويس احتفت مؤخرا - أكتوبر/تشرين الأول 2019- بإقامة حفل لتوقيع كتابه الأخير "عزلة الملكات وعلاج المسافة" وتضمن الحفل عرض فيلم "هزيع الباب الأخير" للمخرج خالد الرويعي، وهو فيلم تسجيلي عن حياة الشاعر تبلغ مدته ساعة، وحصد عدة جوائز مثل جائزة "أورينوس" للأفلام، وجائزة التميز بمهرجان "كلكتا" السينمائي الدولي، والجائزة البرونزية في مهرجان للفيلم الوثائقي بمدينة أتلانتا بالولايات المتحدة الأميركية، والجائزة الذهبية في جوائز الأفلام الدولية المستقلة بكاليفورنيا.
يُعرف حداد نفسه من خلال سيرة ذاتية على موقعه على شبكة الإنترنت فيقول: أضع المرآة على الطاولة. أحملق، وأتساءل: من يكون هذا الشخص؟ أكاد لا أعرفه. أستعين بالمزيد من المرايا. وإذا بالشخص ذاته يتعدد أمامي ويتكاثر مثل صدى كاتدرائية الجبال، فأتخيل أنني قادر على وصفه: إنه قاسم حداد.. تقريبا.

 

صدى المقاطعات والغياب
كعادة جميع الفعاليات، شهدت الدورة الخامسة من الملتقى خمس جلسات بحثية تحت عنوان "الشعر وثقافة العصر" لم تخرج في معظمها عما تم طرحه عشرات المرات على المستوى التنظيري، وحين الاستماع إلى بعض العناوين التالية يتبين لك تداولها من قبل على مدار العقود الماضية: "الشعر وتحولات الواقع العربي، الشعر والدراما، الشعر والترجمة، تحولات الصورة الشعرية، شعرية الجسد في القصيدة الحديثة..". فتظهر إشكالية في منتهى الخطورة تُرسخ لانعزال البحث الأكاديمي عن التطورات الحديثة لوضع الفنون الأدبية في العموم، وحصرها تناول المشكلات الفنية القديمة في كل المناسبات.
كما تضمن البرنامج سبع أمسيات شعرية بمشاركة 65 شاعرة وشاعرا، وإصدار خاص لمختارات شعرية لكل من ابراهيم ناجي وبدر شاكر السياب، اللذين تحمل الدورة اسميهما.
على جانب آخر، أثار غياب ومقاطعة بعض الشعراء مصريا وعربيا الكثير من التساؤلات، وقد بدأها الشاعر حسن طلب، عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، بإعلان مقاطعته للملتقى عبر صفحته الشخصية على الفيسبوك قبل أيام من انعقاد الدورة، إلا أنه شارك في إحدى الأمسيات وألقى قصيدة بعنوان "صدى رجع الصدى". وقال طلب: لم أعد قادرا على متابعة الأسئلة والاستفسارات التى لا تنتهي حول ملتقى الشعر الدولي الذي سيبدأ الاثنين القادم 13 يناير؛ فليعلم السادة الشعراء والنقاد أنني قد اعتذرت عن استمرار العمل مع لجنة الإعداد للملتقى منذ أكتوبر الماضي، وحتى أستريح وأريح، أعلن هنا أني بريء من القائمة النهائية التي انتهى إليها اختيار اللجنة؛ لا سيما قائمة المشاركين من مصر، التي بدت في نصفها على الأقل، وكأنها أهملت الأهم لصالح الأقل أهمية!

الشعر الذي ما يزال شاردا
أصدر الشاعر عبد الوهاب البياتي في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ديوانه "أباريق مهشمة" وهو ما جر عليه أحكاماً بالإعدام من قبل السلطات العراقية، ليفر إلى العديد من البلدان كدمشق وموسكو والقاهرة، حيث تعرف على شعراء الستينيات، وكتب عنه شاعر العامية المصري صلاح جاهين مقولته الخالدة "الشعر شارد في الجبل مني".
يقول صلاح جاهين:"الشعر شارد في الجبل مني/ عملت أنا هجّان ورحت وراه.. قلبي دليلي، يطير ويغني/ عصفور جناحه بدمه ِمتحنِي.. لفّفني، لفّفني الجبل ولا تاه..  تسفي الرياح سبعين صباح وصباح... والشعر شارد في الجبل مني".
لا شك أن الشاعر ما يزال يبحث عن هذا الشعر؛ خاصة في ظل الأوضاع المتحكمة في نشر الشعر بمصر تحديدا ومن سنوات؛ فلا يتم النشر تقريبا سوى للأسماء الكبيرة التي لم تقدم شيئاً جديداً في تجربتها من عقود، في حين ينتظر العديد من الشعراء الدور في قوائم النشر الحكومية التي قد تستغرق سنوات حتى يتم نشر الديوان، وثمة من ينشر على حسابه الشخصي بالدفع لدور النشر الخاصة التي لا تنشر الشعر سوى بمقابل التكلفة، وهناك الكثير من الشعراء الشباب يتعارضون مع هذه التجارب السابقة ويتهمونها بأنها السبب الرئيسي في انعزال الشعر عن الجمهور العام أو المتلقي.

حين نتأمل الخريطة الثقافية وفعالياتها؛ سنجد الكثير من الانتقادات الموجهة من قبل المثقفين والمختصين- إما لأغراض نفسية أو موضوعية- للمحصلة النهائية المرجوة من الفعالية نفسها، وهذا شأن معظم الفعل البشري في العموم؛ لكنا لسنا بصدد الأحكام التقييمية حياله، غير أن تكرار السيناريوهات بنفس الطرق والوقوع في نفس الأخطاء وشيوع نفس السلبيات في معظم فعالياتنا؛ يثير تساؤلا بالفعل عن المردود الثقافي والفني والمجتمعي أيضا من هذه الفعاليات؛ خاصة وهي جميعا تُقام من قبل الجهات الحكومية وبالتالي يتم الإنفاق عليها من ميزانية الدولة وأموال الشعب.
وهناك كثير من شباب المبدعين تؤثر معهم إتاحة ذلك التواجد ومشاركة الأجيال السابقة لهم، بالإضافة إلى التقاء مجموعات من المثقفين والفنانين والكتاب من وقت لآخر تحت سقف الفن وبتنظيم من الدولة التي توفر لهم نفقات الانتقال والسفر والمعيشة وبعض التكريمات والجوائز أيضا في الطريق لذلك.
ضمن هؤلاء الشعراء الشباب، كتب الشاعر المصري عبد الرحمن مقلد على صفحته: رغم كل شيء وتفهمي الكامل لكل الانتقادات الموجهة له، إلا أنني سعدت بالمشاركة في ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي، كان أجمل ما فيه أن فاز الشاعر الكبير قاسم حداد بجائزته، وكانت قراءتي الشعرية أيضاً موفقة وأسعدتني ردود الفعل المبهجة والعظيمة التى تلقيتها على هذه القراءة من كبار الشعراء العرب والمصريين المشاركين، ومع ذلك في أوقات كثيرة كنت ألعن كل من أتى بقطيع الشعراء الموظفين المكررين، الذين أقحموا في الأمسيات وملأوها ضجيجاً وتفاهة، للأسف هناك عدد كبير من المشاركين بلا فائدة وقدموا قصائد رديئة لا تليق بالمشهد الشعري المصري وكان يجب التخلص منهم لصالح شعراء حقيقيين كثر ينعم بهم الشعر في مصر، كما أن القاعة كانت رديئة للغاية ومزعجة وضيقة وكأن مصر ضاقت ولم تعد بها قاعة صالحة لقراءة الشعر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.