}

التاريخ لا يكتبه المنتصرون فقط.. في وداع ليلى الشوّا

دارين حوماني دارين حوماني 9 نوفمبر 2022
هنا/الآن التاريخ لا يكتبه المنتصرون فقط.. في وداع ليلى الشوّا
ليلى الشوّا وعملها "حيث تسكن النفوس" (2012)




"مشكلة القضية الفلسطينية هي أنها تناقش من منتصف القصة بينما يتم تمامًا تجاهل أصل الصراع، ومعظم الناس لا يعرفون التاريخ الحقيقي لما حدث في فلسطين، فالتاريخ يكتبه المنتصرون والحقيقة مشوهة. ولكن المعلومات متوفرة لمن يهتم بالعثور عليها"- بهذه الكلمات توجهت الفنانة التشكيلية الفلسطينية ليلى الشوّا ذات يوم في رسالة إلى المجتمع الدولي وخصوصًا الأجيال الشابة فيها لقراءة التاريخ من وجهة نظر الفلسطينيين.

ليلى الشوّا التي رحلت في الرابع والعشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت لم تتوجه بهذه الكلمات فقط إلى المجتمع الدولي، بل كان فنها كله عبارة عن رسائل متوالية إلى هذا المجتمع للتعريف بالقضية الفلسطينية ولإحيائها بشكل مستمر مستهدفة موضوعات الاضطهاد والظلم. فقد أرّخت الشوّا معاناة الفلسطينيين في لوحات معاصرة وعبّرت عن نضالها من أجل تحرير فلسطين والمرأة أيضًا، وعُرفت على صعيد عالمي بأنها "أم الفن الثوري العربي"، وتتوزع أعمالها في عدد من المتاحف العالمية وأبرزها لوحتها المعنونة بـ"يد فاطمة" المعروضة ضمن مجموعات المتحف البريطاني في لندن.

هي ابنة غزة، رائدة من روّاد الفن التشكيلي المعاصر في العالم العربي، ولدت عام 1940، والدها الناشط السياسي رشاد الشوّا، والذي شغل منصب رئيس بلدية غزة بين عامي 1971 و1982، وكان لنشاطه السياسي ومحاولة اغتياله لاحقًا أثر في وعي الفنانة الفكري والسياسي والذي كان المادة الخام لأعمالها. شهدت الشوّا على الأحداث الكبرى في فلسطين ثم الحرب الأهلية في لبنان قبل انتقالها الأخير إلى لندن منذ عام 1987 حتى وفاتها. درست الفنون في معهد "ليوناردو دافنشي للفنون" في القاهرة بين عامي 1957 و1958 ثم تابعت تخصصها في الرسم في "أكاديمية روما للفنون الجميلة" لمدة ست سنوات حتى عام 1964 بينما كانت تصقل فنها في الصيف على يد الفنان النمساوي أوسكار كوكوشكا في أكاديمية الفنون التي أسّسها في سالزبورغ بالنمسا (School of Seeing). عادت إلى غزة في عام 1964 والتحقت بوكالة الغوث الدولية (الأونروا) حيث أشرفت على تعليم الفنون والحرف في مخيمات اللجوء الفلسطينية وعملت كمراقبة للآثار والحفاظ عليها مع الوكالة، وحاضرَت في دورات تعليمية للفنون مع برنامج اليونسكو التعليمي، كما عملت مع المصوّر الحربي التابع للأمم المتحدة الفلسطيني، الأرمني هرانت نكاشيان.

"الحلم المستحيل1"، السجين"، "الحلم المستحيل 2" - من سلسلة أعمال بعنوان "النساء والحجاب"



في عام 1967 ستنتقل ليلى الشوّا إلى لبنان، وفي بيروت سيكون معرضها الأول عام 1970 في غاليري "وان" وفيه سيظهر لنا ارتباطها بخريطة فلسطين كاملة، كنوع من التعبيرية الواقعية التي تستقصي الألم الفلسطيني والفولكلور الفلسطيني. وستتابع مشوارها النضالي الهوياتي عبر الفن في معرضها الثاني في الكويت في غاليري "سلطان" عام 1972 الذي غلب عليه الطابع العربي وتضمّن تشكيلات فنية لعدد من المدن العربية. ومن لوحاتها في هذا المعرض: "الظلال الزرقاء، المدينة المشتعلة، مدينة قوس قزح، ظلال القدس وآية صوفيا، غروب الشتاء، المدينة الخضراء، انعكاسات ليلة فضية، مدينة الفيروز، وبيارات غزة". بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان ستعود الشوّا إلى غزة مع زوجها المهندس المعماري السوري سعد محفل والذي تعاونت معه في رسم لوحة جدارية عملاقة في اليمن. وفي غزة ستعمل على بناء صرح ثقافي في تحقيق لرغبة والدها ببناء مركز ثقافي لربط غزة ثقافيًا بالعالم الخارجي، ولإبراز الهوية الفلسطينية في ظل الاحتلال وإحياء الوعي الثقافي وتطوير الأنشطة الثقافية في المدينة، وسيُشرف زوجها المعماري على بنائه. تم افتتاح المركز عام 1987 بعد عشر سنوات من عمليات البناء وأُطلق عليه اسم والدها "مركز رشاد الشوّا الثقافي" لكن والدها توفي بعد عام من افتتاحه، وكان بمثابة أول مركز ثقافي فني في فلسطين.

لأكثر من خمسين عامًا صاغت ليلى الشوّا الفولكلور الفلسطيني ووظّفت عناصر من التراث العربي والإسلامي بأسلوب معاصر وبأسلوب مغاير للسائد يعبّر عن تجاوز الفنانة الثورية في فنها لجيلها من الفنانين. صاغت سردياتها عن فلسطين وأفكارها الثورية وفق ابتكارات فنية غير مألوفة، لتكون بطريقة أخرى مؤرخة للأحداث، واستخدمت الألوان القوية والجريئة في تناولها للواقع السياسي وللتوحش الإسرائيلي ولندوب الفلسطينيين وللمقاومة. ومع تعاملها بشكل مكثف مع الألوان، انتقلت بسهولة عبر الوسائط من الزيت على القماش إلى الطباعة والكولاج والغرافيتي والأعمال التركيبية. تقول عن أسلوبها: "أبحث دائمًا عن العبث في أعمالي"، وتقول أيضًا "الفن القديم لا يبحث في أعماق المشاكل، أما الآن فإنه أصبح يبحث في القضايا الإنسانية محاولاً إيجاد حل لها". وجدت الشوّا نفسها في الكتابة على الجدران وفي التصوير الفوتوغرافي، واستخدمت تقنية طباعة الشاشة الحريرية التي عُرفت بها على صعيد عالمي من لوحاتها بهذه التقنية "رسالة أم، الصفقة، بوابات داخل بوابات، ممرات الحرية" وغيرها من الأعمال، واشتغلت على التركيبات لتتبنى عددًا من الخيارات الفنية.. "إنها مسألة ضرورة وتطور"، كما تعلّق الشوّا في أحد حواراتها.

ليلى الشوّا في أحد معارضها وعملان لها بعنوان "يد فاطمة" من سلسلة "النساء والسحر"



تميزت ليلى الشوّا بتقنياتها المتنوعة التي دمجت بين التراث الفلسطيني والبوب آرت. وتعتبر من رواد البوب آرت (الفن الشعبي) العربي، فهي من أوائل الفنانين العرب وأول فنانة فلسطينية تدمج التصوير الفوتوغرافي والكولاج على خطى فناني البوب آرت ​​مثل آندي وارهول. اكتشفت ليلى أن الرسم وحده لا يفي بما تريد قوله؛ "مع تطورنا كفنانين، اكتشفنا أن أداة واحدة من هذه المهنة لا تفي بجميع المتطلبات"، تقول الشوّا، في تأكيد على أهمية استخدام الفنان لكل الوسائل البصرية المتاحة له المتوافقة مع الثقافة الشعبية من منظور الفنون الجميلة. جرّبت الشوّا التصوير الفوتوغرافي لأول مرة في أثناء دراستها في أوائل الستينيات وشُغفت بالتصوير مع مصور الحرب هرانت نكاشيان الذي وثّق حياة اللاجئين الفلسطينيين من خلال صوره. حملت الكاميرا مرة أخرى بجدية خلال الانتفاضة الأولى كما بدأت بالغرافيتي عبر الكتابة على جدران غزة كإعلام بديل لمواجهة التعتيم الإعلامي الإسرائيلي ولم يكن الغرافيتي وقتها معروفًا في فلسطين والعالم العربي، "أردت أن أظهر حقيقة هذه الجدران كمساحات سياسية"، تقول الشوّا.

أول عرض للشوّا خارج العالم العربي هو معرض "النساء والسحر" Women and Magic في لندن عام 1992 وفيه استمدت من المعتقدات الإسلامية والمصادر المصرية القديمة. من أبرز لوحاتها في هذا المعرض "يد فاطمة" منفذة بأسلوب الفن الحديث، أسلوب زخرفي فطري بتقنية الشاشة الحريرية، وفيها نرى مجموعة من النساء يرتدين الحجاب الملون ويمسكن "اليد" والتي تعدّ تقليدًا إسلاميًا. خلفية اللوحة قاتمة مع هلال (قمر) أصفر، لكنها توازي الألوان الزاهية والنابضة بالحياة للنساء المرتديات النقاب بنقوش فريدة في كل منها. يغطي عيونهن اللون الأسود، وهناك أيادٍ مفتوحة عليها علامة العين الشريرة، رُسمت عليها نقوش الحناء. تستكشف الشوّا في سلسلة "النساء والسحر" ممارسة شائعة وهي السحر في الشرق الأوسط، وكيف يترك الناس مصيرهم لقوى غير معروفة، معتبرين أن الأشياء التي يفعلونها تأتي من سلطة غامضة خارجة عن سيطرتهم. والعين الشريرة هي اعتقاد في العديد من الثقافات، حيث يمكن للناس من خلال الحسد أن يتسببوا في إلحاق الضرر ببعضهم البعض. من خلال تضمين العين الشريرة في عملها، تستخدم الشوّا هذا الاعتقاد لأن النساء في اللوحة يمنعن الأذى الذي قد يقترب منهن.

"أطفال الحرب، أطفال السلام"، "برجا التجارة العالميين"، و"مصمم أزياء إرهابي"



سؤال الهوية وقضايا المرأة

في عام 1994 تعاونت الشوّا مع الفنانتين منى حاطوم وبلقيس فخرو في معرض بعنوان "قوى التغيير: فنانون من العالم العربي" في المتحف الوطني للمرأة في العاصمة الأميركية واشنطن، وقد كان هذا المعرض بوابتها الفعلية إلى العالمية.

في مقابلة تلفزيونية مع الصحافية البريطانية لورين بوث تقول الشوّا: "هتلر سقط، الاتحاد السوفياتي سقط، والإمبراطورية الرومانية سقطت. إمبراطورية الولايات المتحدة الأميركية ستسقط أيضًا، أنا أؤمن بالوقت، قد لا يحدث هذا وأنا على قيد الحياة، لكن ليس ثمة شك نهائيًا في رأسي حول انتهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين". وفي مقابلة خلال أحد معارضها الدولية اعتبرت الشوّا أن تهميش الدول العربية للفنون والثقافة انعكس على أذواق الشعوب العربية، وتقول: "إن أكبر مشكلة يعاني منها الفنان العربي عدم وجود شعب يحب الفن نظرًا للدور السلبي الذي لعبته غالبية المؤسسات الحكومية في الدول العربية في تهميش الفن والحراك الثقافي بصورة عامة، المشكلة الأساسية في منطقة الشرق الأوسط تكمن في عدم وجود ارتباط بين الحركات الفنية والشعب، وعدم ارتباط اقتصاد الدولة والفن والعكس صحيح في الدول الغربية التي تربط اقتصادها بالحراك الفني والثقافي بصورة عامة".. وقالت أيضًا: "أؤمن بتلاقي الحضارات والاستفادة من الآخر، لكنني أرفض الانفصال عن الأنا التي تعني الهوية".

رسمت الشوّا للنساء وقالت: كيف نصل إلى التحرر إن لم تكن النساء في مركزه. ربطت بين الشخصي والسياسي، وبين جسد المرأة والحروب. وتشير في أحد حواراتها إلى أنها في أثناء خضوعها للعلاج الإشعاعي لسرطان الثدي عام 1990، كانت تشاهد عبر شاشة التلفزيون قصف الطائرات الأميركية لبغداد، وربطت بين الحدثين، "غزو السرطان يتساوى مع غزو الآخر والحقيقة الضمنية بأن كلاهما يترك ندوبًا". من أبرز أعمال الشوّا عن المرأة "الحلم المستحيل" وهو عمل من سلسلة أعمال بعنوان "النساء والحجاب" بدأت فيها عند انتقالها إلى لندن عام 1987 وهي عبارة عن نقد اجتماعي سياسي للحجاب. في اللوحة الأولى بعنوان "الحلم المستحيل" نرى نساء يرتدين النقاب ويغمضن أعينهن في محاولة لأكل "الآيس كريم" لكنهن لا يستطعن لأنهن مرتديات للحجاب. في لوحة "الحلم المستحيل" الأخرى نرى النساء يحملن الآيس كريم بينما تحمل إحداهن زجاجة "كوكا كولا" وقد فتحن أعينهن وكأنهن يكافحن لأكل الآيس كريم، كل امرأة تحمل نظرة مختلفة للآيس كريم ولكنهن يجتمعن على ثيمة واحدة هي استحالة الفرح والحياة بوجود الحجاب. الحجاب هو ما تسميه ليلى الشوّا "بدعة"، وتؤكد أنه "تم إدخاله إلى الإسلام، ربما من قبل البيزنطيين في أواخر القرن السابع، ولكن لا علاقة له بتعاليم الإسلام". تعتبر الشوّا أن عودة الحجاب، ابتداء من الثورة الإسلامية في إيران وانتشارها في الشرق الأوسط، أكثر من ظاهرة اجتماعية سياسية تهدف إلى السيطرة على المرأة وإخضاعها نتيجة فقدان الرجال السيطرة على حياتهم بسبب الهيمنة الغربية والمتواطئة والديكتاتوريات الفاسدة بأشكالها المختلفة، وتقول: "جئت من سلسلة طويلة من النساء القويات. كانت جداتي قويات جدًا. كانت والدتي من أتباع سيمون دي بوفوار. لقد نشأت على قدم المساواة مع الرجال وتعلمتُ أن أؤمن دائمًا بقوة وقدرة النساء لا بل تفوقهن. إن مشاهدة النساء خاضعات، وقبل كل شيء، رؤية النساء قابلات لهذا الخضوع، شيء لا يمكنني تحمّله".

من سلسلة "جدران غزة"



أكثر أعمالها شهرة هي سلسلة لوحات بعنوان "جدران غزة" Walls of Gaza بدأتها منذ عام 1992 وعادت إليها في عام 2009. ظهرت هذه الأعمال على جدران مدينة غزة فيما بعد باستخدام السبراي على طريقة فن الغرافيتي بنَفَس توثيقي للألم. إحدى أقوى هذه اللوحات لوحة The Sponsors وفيها ترسم العلم الأميركي على الجدار فيما تنتشر جثث الأطفال وبقايا القنابل على الأرض أمام الجدار. ولوحة "الصفقة" The Deal تضع فيها العلم الفلسطيني وعليه رمز العملة الأميركية فيما تنتشر القنابل وأشلاء أخرى تحت العلم. وثمة لوحة أخرى من ضمن هذه السلسلة بعنوان "الهدف" Target لطفل مع خلفية من الأحرف تقول "الحرب تحرم الأطفال من طفولتهم" ودائرة حمراء تشير إلى الحرب، وكأن الشوّا تحرّك الرماد في وجه الرقابة الإسرائيلية المشدّدة، وقد عُرض عملها في "غاليري أكتوبر" بلندن. وتتنوع أعمال "جدران غزة" لتحمل كل لوحة ثيمة مختلفة لكن ثمة حكاية في كل لوحة تعمل على تأثيث الجدار بالحقيقة التي تفضح الاحتلال والتي يجب أن يراها كل العالم. تقول الشوّا: "أعتقد أن رسومات غزة على الجدران تختلف تمامًا عن رسومات الغرافيتي المعروفة والتي يراها المرء في المدن الكبرى حول العالم. في غزة، كانت الكتابة على الجدران هي الوسيلة الوحيدة المتاحة للفلسطينيين. منع الاحتلال الإسرائيلي أي شكل من أشكال الإعلام في غزة، مثل الصحف أو الراديو أو التلفزيون. الكتابة مخطوطة وعفوية ومستعجلة. لقد تغيرت بشكل شبه يومي للإعلام عن كل ما كان يحدث في غزة".

في عام 2002 عُرفت بعملها التجهيزي "برجا التجارة العالميين" Clash Twin Towers تنقل فيه إدانتها للإجرام بأسلوب رمزي مزين بعبارة "لا إله إلا الله" مكتوبة بالخط الكوفي على البرجين، وفي أسفل البرجين العلم الأميركي، والعمل موجود حاليًا في متحف روتردام بهولندا. ومن أبرز أعمالها لوحة معنونة بـ"مصمم أزياء إرهابي" (Fashionista-2010 Terorrista)، نرى فيها أربعة بورتريهات لمقاتل فلسطيني ملثّم بالكوفية الفلسطينية يرتدي سترة على الموضة مزينة بكريستال شواروفسكي في نيويورك لتصوير كيف يستخدم الغرب النضال العربي كتعبير عن الموضة. الصور الأربعة مؤطرة برصاصات حربية. إنها عمل ساخر من التعامل مع القضية الفلسطينية التي يتداول بها العرب كقطعة أزياء تزّين المشهد بأخبار إضافية.

"طيور الجنة"، "الخنق"، و"سماء غزة" 



عمل "حيث تسكن النفوس" Where Souls Dwell ، هو عبارة عن بندقية مزينة بالفراشات وبأحجار الراين وبالقليل من طلاء الذهب حيث لم تعد البندقية رمزًا للحرب بل قطعة للزينة، وتمثل الفراشات في الأساطير العالمية الأرواح التي قُتلت بواسطة هذا السلاح. وكان معهد الفن المعاصر في لندن قد كلّفها عام 2012 بلتحويل بنادق الكلاشينكوف AK-47 التي تم إيقاف تشغيلها إلى فن، وذلك ضمن معرض AKA Peace في مترو أنفاق لندن (وهو المعرض الذي كان المصور بران سيموندسون أول من ابتكر فكرته) وقد جمع عددًا من الفنانين المعاصرين الذين عمل كلّ منهم على إعادة تشكيل البندقية في عمل فني. يقول المصور بران سيموندسون: "الجميع يعرف AK-47 وجاءتني فكرة بأن آخذ هذا السلاح الشهير، وأحوله إلى شيء فني، بدلًا من أن يصبح رمزًا للخوف"، وفي المعرض وبينما كانت تقف الشوّا أمام عملها وجهت كلامها إلى بران: "أنا على دراية بهذه البنادق، لذا لم يكن شعوري غريبًا وأنا أحمل البندقية، لكن سؤالي لك، كم من الناس قتلت هذه البندقية؟".


"الشجاعية"

عملها "الشجاعية" يحكي مأساة إنسانية موقّعة بخط يد القاتل الإسرائيلي نفسه، ونشاهد مجسّمات لأشلاء أطفال غزة إثر المجزرة الاسرائيلية صباح الأحد 20 تموز/ يوليو عام 2014 في حي الشجاعية في عمل فني متعدّد الوسائط مشغول مع خيطان وألوان تكثّف الأحمر الذي ارتكبه الإسرائيلي. لوحتها "أطفال الحرب، أطفال السلام" Children of War, Children of Peace، ترسم فيها صفّين من الأطفال يحملون ما يشبه البنادق فيما ينتعل كل طفل منهم فردة حذاء عسكرية واحدة بينما القدم الثانية حافية، وفيها تعيد تبويب الحكاية المأساوية للأطفال الفلسطينيين بين الحرب والرغبة في الحياة بطبيعية. أما "سلاح الدمار الشامل" فهو عمل تركيبي لرمز المقاومة الفلسطينية "المقلاع" مشغول من جذع الشجر والحجر والمطاط.  

"الرصاص المصبوب"، "سلاح الدمار الشامل"، و"الشجاعية"



في معرضها الفردي عام 2012 "الجانب الآخر من الجنة" الذي أقامته في صالة أكتوبر في لندن، سنرى في "سماء غزة" طائرات بدون طيار بألوان مختلفة لكن السماء زرقاء وقد كُتب بين الطائرات Whamm كصدى لقصف الطائرات على المدينة، واستخدمت الشوّا هذه الكلمة في إشارة إلى عمل الفنان روي ليشتنشتاين بنفس الاسم. تعمل الطائرات بدون طيار على تعطيل هدوء البجع والغربان والشلالات وغيرها من رموز الحياة الجميلة في لوحة أخرى بعنوان "طيور الجنة". ويعبّر المزيج الجريء من الألوان والصور والعناوين عن الاحتكاك بالغضب وإبراز هذه القضايا بشكل أكثر تأثيرًا.



يعدّ عملها "الرصاص المصبوب" Cast Lead من أقسى اللوحات، حيث نرى صرخة امرأة حقيقية حاولت تفجير نفسها ولم تنجح، وقد تم اقتطاع صورتها من كاميرات المراقبة الأمنية عند اعتقالها من قبل الجنود الإسرائيليين عند معبر بيت ياحون (حاجز إيرز) شمال غزة. اشتغلت الشوّا على عمل تركيبي وضعت فيه وجه المرأة مع جثث أطفال محترقة ودمى متقطّعة بفعل القصف الإسرائيلي على غزة، وهي لوحة من سلسلة لوحات في هذا المعرض تناولت فيها الشوّا قضية النساء الانتحاريات على الحواجز الإسرائيلية، تقول إنها طوّرت أعمالها في هذا المعرض بعد مشاهدتها عام 2007 الفيلم الوثائقي "عبادة الانتحاري"  Cult of the Suicide Bomber والذي بثّ لقطات تلفزيونية لشابة فلسطينية تم القبض عليها وهي تعبر الحدود مرتدية حزامًا ناسفًا. تمت محاصرتها في قفص وأُجبرت على خلع ملابسها، ويُطهر الفيلم الوثائقي المروّع إحباطها وعدم قدرتها على إنهاء الضغط الذي يحيط بها بعد أن توقف عمل الجهاز الذي كان معدًّا للتفجير. تستخدم الشوّا لقطات من هذا العمل وتجمعها رقميًا مع لقطات الأخبار وصور دمى تعيد فيها تمثيل الصدمات السياسية، بين التمثيل الصارخ للوجع والتفسير الحي للحقائق المأساوية مع كتابة متكررة مصفوفة بالشاشة الحريرية وخربشات عربية تؤكد على الإيمان بالقضية والهوية والثقافة المتجذرة. تقول الشوّا في هذا المعرض: "نحن نتعامل مع طرق أساسية للغاية للمقاومة ولن نذهب من هناك. إنه لأمر مثير للشفقة، إسرائيل تقتلنا بطائرات بدون طيار وطائرات M16؛ إنهم يلوثون المياه. ماذا نفعل؟ إما أن نفجر أنفسنا أو نستخدم الصواريخ، وهي تمامًا غير فعالة وتسبب ضررًا لأنفسنا أكثر مما تلحق بهم. نحن تحت احتلال وحشي للغاية. نحن لا نتعامل مع أشخاص يستعمروننا ويتركوننا وشأننا؛ إنهم يقوضوننا ويخرجوننا من أرضنا. لقد فعلوا ذلك بنجاح في أجزاء كبيرة من البلاد. أنا مدفوعة بالأسى والضياع وقضايا لا تعد ولا تحصى تتعلق بالاحتلال. وهناك أيضًا تلاعب بالعقل وفكرة أن هؤلاء الانتحاريات سيحصلن على الشهادة، وهو أمر محزن ويائس".

نساء، أطفال، أشلاء، بنادق، طيور، أقنعة موت، أحرف عربية وغيرها الكثير.. هي أبواب ونوافذ حاولت ليلى الشوّا أن تفتحها للغرب ليسمع الحقيقة ليس فقط من المنتصر.. الوجوه في لوحاتها، وكذلك الموتى، كلهم ينقلون صوت الفلسطيني إلى العالم، وها هم منتشرون في عدد من متاحف العالم، وقد تكون الشوّا لم تقدّم حلولًا ولكنها على الأقل دفعت المتفرجين في الغرب لطرح الأسئلة عن قضية فلسطينية يكاد لا يُسمع صوتها حتى في وضح النهار.  

مصادر:

 

https://www.thefreelibrary.com/Laila+Shawa%3A+%27The+Other+Side+of+Paradise%27.-a0282914872

https://www.theartnewspaper.com/2022/10/28/laila-shawaa-revolutionary-palestinian-artist-who-found-international-famehas-died-aged-82

https://shemakesarttoo.medium.com/laila-shawa-a-prolific-and-revolutionary-artist-from-palestine-56fd6727203c

https://geographicalimaginations.com/tag/laila-shawa/

https://muslima.globalfundforwomen.org/content/political-personal

https://octobergallery.co.uk/artists/shawa

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.