}

لويزة ناظور: أبدعت فجمعت أندريه ميكيل وابنته كلود

بوعلام رمضاني 14 ديسمبر 2022
هنا/الآن لويزة ناظور: أبدعت فجمعت أندريه ميكيل وابنته كلود
(لويزة ناظور)
يحدث أن يعجز الصحافي في تقديم شخصية تنفرد بهوية تشكل كوكتيل إبداع ينطق برمزية تنير قلب وعقل الإنسان على أكثر من صعيد، وتجّمل وجوده بالشعر الذي يقول عنه البعض إنه ولى. وقعت في هذه الورطة، وأنا أقرأ ديواني "وهل يرقد الموج" و"الريشة وعناق الياسمين" للشاعرة الجزائرية لويزة ناظور صاحبة المحيا الصبوح، والقامة الشامخة والعجيبة بكل المعايير. لويزة المنحدرة من جبال القبائل الأمازيغية، تتنفس اللغة العربية التي تبدع بها في باريس التي يقول عنها بعض المثقفين الفرنسيين والعرب المتنورين إنها لغة مساجد في أحسن الأحوال بدل القول إنها لغة الإرهابيين. وأندريه ميكيل، المستعرب الكبير والأخير (92 عاما)، لم يكتب مقدمتي ديوانيها المذكورين، ولم يترجم شعر صاحبتهما، لو لم يجد ما يبرر ذلك في سن لم يعد فيه لمجد جديد، بعد أن كتب عشرات الكتب والدراسات عن الحضارة العربية والإسلامية دينا وأدبا وجغرافيا وتاريخا.

صدر للويزة عام 2010 ديوان "الريشة والأسفار" عن دار "لامارتان" (بباريس) باللغتين العربية والفرنسية، وفي عام 2014 صدر ديوان "أوديسا الكلمات" باللغتين أيضًا عن دار "بورداريك" (باريس)، والذي زاوجت فيه الشعر بالرسم، وبعده ديوان "تنهض بي بعيدًا" عن كل من دار "تيمقاد" ومنشورات "الاختلاف" الجزائرية و"ضفاف" اللبنانية. كانت لها مشاركة في الكتاب الجماعي "باريس كما يراها العرب" بنص "مدينة تصدح بتراتيل الحب والتاريخ" وصدر الكتاب عام 2016 عن دار الفارابي، والدار نفسها أصدرت كتاب "الرسائل المغربية" (2019) الذي شاركت فيه ناظور بنص "فاس طيف الغائب الذي يملأ النفس إلى حد الفيضان". توالت إصدارتها لاحقًا بديوان "وهل يرقد الموج" الذي صدر العام الماضي في الأردن عن دار "أزمنة" قبل أن تصدر عن دار "أونيسيتي" بباريس أيضًا ديوانها الجديد "الريشة وعناق الياسمين" هذه السنة.

لويزة ناظور المناهضة لكل المتطرفين كما فهمت من مجرى هويتها الفكرية والعقائدية والوجدانية والإبداعية، لا تمثل ضفتي المتوسط بروح سيزيفية ليس لها حدود جغرافية وإنسانية فحسب، وهي سفيرة ضفة ثالثة بالشعر في كل الفضاءات الزمنية والمكانية الممكنة باعتباره الأصل والفروع، والبداية والنهاية لتفسير كل تواصل إنساني حقيقي. القارئ لشعرها يكتشف بسهولة أصالتها الوجدانية والثقافية الغارقة في تاريخ أجدادها، لكنها ليست تلك الأصالة المغلقة بحيزها المرجعي الضيق الذي يناهض الإنفتاح على عذابات وسعادات تجمع الرجال والنساء وكل أنواع هويات البشر. لويزة تبحث عن عالم لا تطمس فيه القيم العاطفية والأفكار المتنوعة، والمواقف المرادفة لالتزام تفرضه حياة تعج بالباطل والظلم والبؤس والحقد والنكران والتشويه والعبث والحنين والفقدان والهجران، والقبح المتعدد الأشكال، والمشرع على أحزان وأقراح ومحن وأنوار وظلمات، ودموع ودماء ودمار. هذه الشاعرة تنطق بكل ما يميزها كامرأة لها حساسية خاصة حيال الظلم الذي تتعرض له ليس فقط في المجتمعات التي لا زالت تراها قاصرة مقارنة بالرجل، وهذا ما نددت به شاعرات شهيرات قبلها. لويزة لم تكن مضطرة لتمجيد اللغة العربية في عاصمة فرنسية لا يقبل فيها بسهولة من يجسدها اليوم وأكثر من أي وقت مضى لولا الوفاء لصلب معدنها الثقافي، وهي ليست أنثوية راديكالية تحمل خطابًا تتحدى به الرجال والنساء على السواء، وخطابها الشفاف شعريًا، هو خطاب إنساني يتخطى الشعارات الأيديولوجية المعلبة والنمطية، ومقاربتها الحب مثلا ليس شبقيًا وشكليًا أو ظاهريًا، وبضرب بجذوره في قلب وجوهر جدلية عاطفية تحكم الرجل بالمرأة التي تبقى تتميز برمزية وجودية فريدة في تجلياتها. الحب عند لويزة أوسع وأعمق وأشمل من الاستهلاك العاطفي الفردي الدائم أو العابر، ويهمها الحب الذي يجمع أبناء كل المعمورة البشرية في شكل أخوة وتقارب وتحاور وتسامح وتخطي لحواجز صنعها الجهل بالآخر المختلف دينيًا وجنسيًا ولغويًا وثقافيًا. لويزة تفضل السباحة في بحر وجداني وإنساني أشمل وأعمق يصب في مجرى كل ما ينتج جمالًا وعشقًا وعناقًا في بلاد كل الأشياء الجميلة سواء كانت من صنع الله أو الطبيعة أو الإنسان عبر كل أنواع التعابير الأدبية والفنية والثقافية وعلى رأسها الشعر ضفتها الثالثة الأزلية والأبدية. الله حاضر في شعرها كمؤمنة به، وكمنددة بالذين يتاجرون به ببشاعة طمعًا في حكم أو في وجود قوامه الاعتداء السافر، وحتى القتل الذي يمكن أن يطال العجوز والطفل الوديع والشاعر الكافر في تقدير ملاك الحقيقة كما تبدو لهم عن وعي أو لا عن وعي.



هذه الشاعرة والمترجمة والصحافية والمستشارة الخبيرة في مجالات الإعلام والأدب الثقافة والتربية وبناء الإنسان، والمشرفة على مؤتمرات ولقاءات عربيًا وفرنسيًا وعالميًا، تحاور الآخر الذي يشبهنا ولا يشبهنا داعية إلى السلام ونبذ العنف باللغتين العربية والفرنسية اللتين تجيدهما بقدرة مبهرة ومتساوية، وبتعايش يؤجج حسد وحقد المتصارعين حول مائدة أيديولوجيات إقصاء علني أو مبطن. تساهم ناظور السفيرة الثقافية للضفتين ولثالثة شعرية خالصة انطلاقًا من فرنسا التي ولدت فيها دون اعتماد رسمي يحد من حريتها في تنظيم وتفعيل تظاهرات ثقافية وفكرية في مؤسسات فرنسية بغية إبراز الثقافة العربية بأوجهها الأكثر إشراقًا، وفي تقديم بحوث في العديد من المؤتمرات العلمية الدولية والعربية والمحلية. لويزة التي وصفناها بالسفيرة قبل قراءة سيرتها الذاتية هي فعلا كذلك، إذ عينت سفيرة فخرية لمسابقة "الشعر بحرية"، وهي مسابقة موجهة للشباب أطلقت منذ عشرين سنة بدعم من وزارتي الثقافة والتعليم الفرنسيتين، وتعد من أكثر المسابقات رواجًا وانتشارًا حول العالم.  وهي لا تتعب ولا تكل من تأكيد حقيقة مفادها أن الشعر هو ماهية الإنسان وقلعة لا تزعزعها كل الأصناف الأدبية اللاحقة له، ولن يموت ما دامت توابل الصخب الحضاري ومشتقات العنف الصلب والناعم تؤكد حاجتنا إليه أكثر من أي وقت مضى. تفعل لويزة كل ذلك بإصرار وتوقيع عجيبين، لتحط بألوان إبداعها الشعري في حقول كل المناسبات الممكنة والمتاحة خدمة وتكريسا للكلمة العذبة والشفافة بغض النظر عن معتقد وجنس وأفكار ورهط متلقيها.  

هنا إطلالة أولى تعّرف بلويزة ناظور، وببعض أوجاعها وأحلامها وعذابها وسعادتها ونزعاتها المذكورة. ستقدم لويزة ديوانها الجديد الذي أهدته لموقعنا يوم الخامس عشر من الشهر الجاري في المركز الثقافي الجزائري بباريس. وكما كان منتظرًا، سيحضر الناي الحالم والريشة المعبرة لإعطاء نبض وزخم فنيين لإبداع سيدة تحمل مشعل الشعر.

سيمفونية إبداع الأب والابنة والصديقة

أول ما يلفت النظر في ديوانها الجديد "الريشة وعناق الياسمين"، قبل تصفحه ككتاب بديع، رونق رسومات الفنانة التشكيلية كلود ابنة العلامة أندريه ميكيل الذي آمن وهام بإبداع الجزائرية غير المستلبة. نقرأ في تقديم الديوان الجديد: "إنها تجربة فنية شعرية عطرة بنكهة الياسمين، تتعانق فيها نصوص لويزة باللوحات الفنية لصديقتها التشكيلية كلود ميكيل. القصائد الـ18 المختارة في هذا الديوان، ترجمها إلى الفرنسية المؤرخ والشاعر المستعرب الكبير أندريه ميكيل، المتخصص في اللغة العربية وآدابها. ميكيل نفسه أتحف هذا الديوان بمقدمة يدعو فيها إلى التأمل في هذه المجموعة الشعرية التي ضمنّها تكريما لابنته كلود التشكيلية بقوله: تضيف لوحاتها إلى كلمات القصيدة صوتها الخاص المنبثق من منعرجات الخطوط والألوان، ومن فضاءات خيال تفسح المجال لصوت آخر بينهما "... ميكيل الذي عرفته غير مجامل توقف منبهرًا عند إبداع لويزة، التي تتنفس لغات ودين وحضارة أجدادها بكل مكوناتها، ومنفتحة على لغات وإبداع الإنسان دون انغلاق وانسلاخ وتبعية عمياء في الوقت نفسه كما حدث لكثير من رفقاء دربها في وطن موليير. كتب صاحب تحف "مجنون ليلى" و"الإسلام وحضارته" و"من صحراء العرب إلى حدائق الأندلس" ومبدع درر كثيرة مقدمة اختصرت شخصية ونزعات وتوجه وهواجس الشاعرة ناظور بقوله: "لا يحمل الشعر في جعبته إلا الكلمات، غير أنه في عملية تجميعها يحدث بالتدريج نوع من أنواع المعجزات، حين تحول هذه الكلمات الواقع إلى حالة اكتشاف دائم تصيبنا باللهفة المستمرة، ونحن نخترق أسرار الأدوات والأشياء. وهكذا، فإننا عندما نقرأ قصائد لويزة ناظور، يطل من خلالها الوطن، والبحر، والاغتراب، والسعادة وخيبات الأمل وغيرها من مظاهر ملموسة تحيلنا على قدر منفرد، منفتح على أفق يكشف لنا من خلاله قصصًا عالمية تشبهنا، وما زالت في حالة ترحال دائم وكأنها بذلك ترفع روح التحدي عند كل مغامر". 

لويزة ناظور مع كلود (إلى اليمين) ومع أندريه ميكيل


فيما يلي قصيدة " ابتسم" عن الجزائر من ديوان لويزة الجديد "الريشة وعناق الياسمين":

ابتسم

ابتسم

أبشر

حلّ علينا

عهد جني البشائر

تجلّت النبوءة

في جبة الوطن

وفي حضن الوطن الجميل

نبت... مليون

ونصف مليون شاعر

ومن رحم الأحزان

تجلى

مليون ونصف مليون

وألف باسم ثائر!

إلا إن الليل سيرحل

ويشرق صبح الجزائر...!

الوهج المبارك

"نوفمبري"

يحمل أبجدية العهد المنتفض

دونه بحروف من وقد

وها الجيل

سلالة الأبرار

للغيظ كاظم

وبه حلم

من أجل الوطن

لا توجس... لا أبدًا.

صفعة الإعصار

زعزعت عروش الخوف

ماضية... تبدد العقد

في جبة الوطن

وأقبل موسم قطاف البشائر!

"قسمًا"

إلا إن الليل سيرحل

ويشرق صبح الجزائر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.