}

عن الهجرة من القصة إلى الرواية في عُمان

محمود الرحبي محمود الرحبي 1 أغسطس 2022
هنا/الآن عن الهجرة من القصة إلى الرواية في عُمان
جوخة الحارثي تحمل جائزة البوكر العالمية في لندن (21/5/2019/Getty)


في 2007، خصصت مجلة "أخبار الأدب" المصرية عددًا كاملًا للقصة القصيرة العُمانية، أشرف عليه الروائي الراحل، جمال الغيطاني، حيث يمكن أن تقرأ مقالًا تحت عنوان "انفجار قصصي في عُمان"، وقبله قرأت مقالًا لكاتب مغربي يتحدث فيه عن ازدهار القصة القصيرة في عمان والمغرب.
لم يعد الأمر كذلك بعد أن شهدت كتابة الرواية في عُمان فورة وتصاعدًا. البداية الفنية كانت مع رواية "الطواف حيث الجمر"، لبدرية الشحي عام 1999، ولكنها عدت تلك الرواية يتيمة قياسًا بزخم المجاميع القصصية التي كانت تصدر تباعًا في ذلك الوقت.
في عام 2007، أصدر القاص والروائي عبد العزيز الفارسي، الذي رحل عن دنيانا في شهر نيسان/ أبريل الماضي، وترك رحيله فجيعة اجتماعية وأدبية كبيرة في عمان، روايته الأولى "تبكي الأرض يضحك زحل". ولأن الفارسي هو أحد فرسان القصة في عمان، فقد عدت خطوته الروائية بمثابة انعطاف لجيل ما فتئ يكتب القصة، تحول فجأة نحو كتابة الرواية. عزز ذلك أن رواية الفارسي كانت أول رواية عمانية تدخل في منافسة عربية على جائزة البوكر في دورتها الأولى، حيث صعدت إلى القائمة الطويلة عامئذ.





مع الوقت، بدأت تخفت الإصدارات القصصية قياسًا بالتنامي والصعود الذي شهدته الرواية. برزت روايات صار لها نصيب من التداول، مثل رواية "سيدات القمر"، لجوخة الحارثي، التي نالت جائزة البوكر العالمية حين ترجمت إلى الإنكليزية، ورواية "دلشاد" لبشرى خلفان، التي دخلت القائمة القصيرة في جائزة البوكر هذا العام. هنالك كذلك روايات حظيت بالتفاتة نقدية عربية، مثل رواية "الذي لا يحب عبد الناصر" لسليمان المعمري. من الروايات اللافتة كذلك "دفاتر فارهو"، لليلى عبد الله، ببطلها الشاب الصومالي، ورواية "سر الموريسكي" لمحمد العجمي، التي تتخيل التاريخ العربي في الأندلس، ورواية "أنا والجدة نينا" لأحمد م. الرحبي، التي تدور أحداثها في موسكو، ورواية "سجين الزرقة"، لشريفة التوبي، التي تدور في فلك اجتماعي غاية في التعقيد يتعلق بحياة وأحلام مجهولي النسب. فازت هذه الرواية بجائزة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء في عام صدورها. هنالك كذلك روايات هدى حمد، التي تصدر تباعًا عن دار الآداب في بيروت، وروايات زهران القاسمي، ويونس الأخزمي، ويعقوب الخمبشي، وأسماء أخرى. الملاحظ هنا أن عدد كاتبات الرواية في عمان مساو لعدد الكتاب، مع إضافة الإصرار عندهن على تواتر الإصدارات كل عام، أو عامين.
لا شك في أن الطريق ما زال في بدايته قياسًا بالروايات العربية التي قطعت أشواطًا كبيرة منذ الستينيات، ونجح بعضها في الولوج إلى فضاء الأدب العالمي والترجمات إليه، كما يحصل مع الروايات المصرية، مثلًا، وخير مثالين على ذلك روايات نجيب محفوظ، والطيب صالح. تلك الروايات التي ما زالت تمتلك جاذبيتها، وتصدر في طبعات جديدة، ويعاد ترجمتها كل مرة. والأمثلة العربية لا تقف عند هذين المثالين، بل تتعداهما إلى أمثلة أخرى في سياق الرواية.




نتذكر هنا روايات الطاهر بن جلون، وأمين معلوف، التي غدت تترك ما يمكن تسميته بأفق انتظار لدى مختلف القراء في العالم، فأي واحد من هذين الاسمين بمجرد أن يصدر رواية ترى القراء يتلقفونها. بل إن القراء كثيرًا ما يتابعون أخبارهما الجديدة في انتظار ما سيصدرانه. على مستوى البحث، كان يحدث ذلك مع الباحثة وعالمة الاجتماع الراحلة، فاطمة المرنيسي، التي كانت تشتكي من قرصنة أعمالها. من قبل، دخل كتاب سردي قوائم التداول الواسع في اللغات الحية، رغم أنه كتب بالألمانية، وهو السيرة السردية "مذكرات أميرة عربية" لسالمة بنت السيد سعيد بن سلطان، هذا الكتاب مهم على أكثر من مستوى، وخاصة في ما يتعلق بتوثيق مرحلة غامضة ليس فقط من تاريخ التواجد العربي في شرق أفريقيا، وطبيعة الحياة هناك في القرن التاسع عشر، إنما كذلك ـ ومن خلال الأجزاء اللاحقة ـ وصف الحياة حتى في أوروبا في ذلك القرن. من غرائب ما يمكن أن يقرأ في هذه المذكرات ذلك الفضول الاجتماعي الذي قد لا يتناسب مع مجتمعات الحداثة، وكان يتمتع به الإنسان الأوروبي في ذلك الزمن، فحين كانت سالمة، مثلًا، تنتقل مضطرة من مدينة إلى أخرى، كان سكانها يحتشدون لكي يتعرفوا إليها، وكانوا يدعونها إلى بيوتهم ويزورونها، وهو ما كان يضايقها كثيرًا. وهي تصرّفات اجتماعية حميمية غدت نادرة حتى في مدننا وقرانا العربية. ففي مرّة اجتمع لاستقبالها في محطة القطار عشرات القرويين، حين كانت منتقلة من مدينة هامبورغ إلى قرية رودولشتات.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.