}

عن معرض عمّان الدوليّ للكتاب.. أبرز الظواهر والتوجّهات

عمر شبانة 14 سبتمبر 2022
هنا/الآن عن معرض عمّان الدوليّ للكتاب.. أبرز الظواهر والتوجّهات
من افتتاح المعرض

 

تتغيّر قيَمُ القراءة ومعاييرها وتوجّهاتها، وتختلف بوضوح ما بين معرض للكتاب ومعرض آخر، في المعارض داخل البلد الواحد، كما بين المعارض العربية أيضًا، ويجري هذا التغيّر بين الأجيال في الأساس، وبين محطّات الحياة وتحوّلاتها، ضمن ظروف سريعة التغيير على نحو غير مسبوق، الأمر الذي يجعل معارض الكتب العربية تشهد مفاجآت على صعيد تسويق الكتاب وتوزيعه، الإقبال على عناوين وموضوعات، والنفور من نمط آخر منها. هذا ما تشهد عليه تجربة معرض عمّان الدولي للكتاب الذي انقضت دورته الحادية والعشرون قبل أيّام (من 1-10 أيلول/سبتمبر الحالي)، بمشاركة ما يقارب أربعمائة دار نشر عربية وأجنبية، في اتجاهات وأطياف متعددة ومختلفة، وبكلّ ما شهدته الدورة من إقبال ونفور، ورضى واستنكار.

المعرض الذي قامت بافتتاحه وزيرة الثقافة الأردنية هيفاء النجّار، برفقة وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف، ووزير الثقافة والإعلام الكويتي عبد الرحمن المطيري، بدأ الخلاف بشأنه ابتداءً من مكان إقامته المعرض، في مركز تجاريّ ضخم (مكّة مول Mall)، في أطراف العاصمة عمّان، وتقسيمه إلى أروقة؛ رواق عمّان (بوصفها العاصمة المضيفة)، ورواق الكويت (ضيف الشرف)، ورواق القدس (تحت شعار عاصمة فلسطين). فثمّة من رأى في المكان صبغة تجارية لا تتلاءم مع معرض للكتاب، فيما رآه البعض ملائمًا، لكنه شكّل متاهة للزوّار، ففي كلّ رواق تتكرّر أرقام الأجنحة، ولا يعرف الزائر أن (B7) مثلًا يتكرر في كلّ رواق.

 

من أجواء المعرض



رعاية وزارة الثقافة

ولعلّ نقل المسؤولية عن المعرض من أمانة عمّان الكبرى، التي كانت ترعاه طوال سنوات، إلى وزارة الثقافة، كان علامة بارزة لعدد من المشكلات في المعرض وأنشطته الثقافية، وخصوصًا ما يتعلّق بالندوات الثقافية المتخصصة، واختيار المشاركين فيها. فبينما تم تخصيص وقت لثلاث مشاركات لوزيرة الثقافة (النجّار)، في مواضيع شتّى، منها حديث عن "المشهد الثقافيّ العربيّ" مع الوزير الفلسطينيّ، الذي شارك في ندوتين أيضًا، وشاركت الوزيرة كذلك في "قراءة قصصية للأطفال"، واختتمت مساهماتها بمشاركة في ندوة "بناء الأسرة في ظلّ التحديات المعاصرة"، ما لفت الانتباه إلى تعدد مشاركاتها.

هذا كلّه بينما جرى منع أحد الكتّاب السّاخرين الأردنيين (أحمد الزعبي) من المشاركة في إحدى الندوات المخصصة للأدب الساخر وأثره في توعية المجتمع، وصدر قرار المنع من الوزيرة، بصرف النظر عمّن يقف وراءه حقيقة. وجرى إثر هذا المنع اعتذار عدد من المشاركين في الندوة، لكنّ أحدهم (يوسف غيشان) شارك وقدّم ورقة أشار فيها إلى الأسباب "الأمنية" وراء المنع، وأنه يشارك من موقع التحدّي لما جرى، وقال في كلمته "أنعي لكم ما تبقى من لهاث الحرية وخوار الديمقراطية، وأكاد – لولا انخراطي بالأمل- أن أنعي لكم الكتابة الساخرة الأردنية، بعد أن تم استبعاد الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي من هذه الندوة، وشطب اسمه من البوستر دون إعلامه، بعد أن كان وافق على المشاركة فيها وصدر اسمه مع المشاركين". ووصف غيشان المنع بأنّه "عمل يائس محدود الأفق، وأنّ الكتابة الساخرة ستستمر بأداء دورها بقهقهة حتى النصر". 

وفي ما يتعلّق بالحظر والمنع، فقد حظرت وزارة الثقافة توزيع رواية للكاتب- الروائيّ الأردنيّ الأكثر شهرة أيمن العتوم تحمل عنوان "صوت الحمير" (إشارة إلى الآية القرآنية "إنّ أنكر الأصوات لصوتُ الحمير"). وتُعدّ روايات العتوم من الأكثر مبيعًا في هذا المعرض وغيره من المعارض العربية، لما يتميّز به الكاتب من جمع بين الصوت الإسلامي وبين معارضة سياسية، ما يجعله الأشدّ حضورًا لدى جيل من الشباب خصوصًا، لكنه حضور غامض ربّما كان مدعومًا من قبل جهات إسلاميّة معلومة، رغم إنكاره ذلك. رواية فلسفيّة ساخرة، بطلُها الحمار (أبو صابر)، يروي الأحداث بلغته، من خلال رفقته للشّيخ (عليّ). الرّواية تُحاول أنْ تُقارن بين الإنسان والحيوان، وتُسفِر من خلال السّرد عن طبائع البشر وصِفاتهم. ورغم سذاجة الطرح في هذه "الرواية" فقد وجدت من يدافع ضدّ منعها لأنّ لها "جمهورها" وقرّاءها، مثل بقية أعمال العتوم.

ويأتي الاهتمام بمنشورات العتوم هذه، الموزّعة على دور نشر عدة، والتي قام بتوقيع عدد منها في مواقع مختلفة، محدثًا ضجّة في المعرض، على حساب روايات وأسماء روائيين كبار من أمثال غالب هلسا الذي لم تحظَ روايته الأشهر "سلطانة" بشيء من الاهتمام، رغم الحضور الكبير لأعمال هلسا في السابق، لكن يبدو أن الذائقة الأدبيّة قد أخذت تتغير وتتحوّل نحو أسماء وموضوعات مختلفة.

جرى منع أحد الكتّاب السّاخرين الأردنيين (أحمد الزعبي) من المشاركة في إحدى الندوات المخصصة للأدب الساخر وأثره في توعية المجتمع


 
أجيال واهتمامات

وممّا لفت انتباه المتابع للمعرض، حضور بارز لفئة الشباب والفتيان، وحتّى الأطفال، والإقبال على كتب موجّهة لهذه الفئة، وإقبال هؤلاء على عناوين فكرية وأدبية تبدو أكبر من أعمارهم ووعيهم، فقد تمت ملاحظة الإقبال على كتب في الفلسفة والسيكولوجيا، الجسدية والروحية، لم تكن ظاهرة من قبل، ولمن يتفحّص المشهد يبدو أن الظروف العالمية تدفع باتّجاه الرّوحانيّات، هروبًا من الكوارث الحاصلة في عالم اليوم. ولا يستغرب المتابع مشاهدة طفلة تسأل عن ثمن كتاب في الحكمة الصينيّة، أو سؤال فتاة في مقتبل العُمر عن كتاب في "اللامبالاة" أو في كتب "العبث"، فنحن حيال جيل موزّع بين الضياع والبحث عن الذات.

ومن بين الاهتمامات البارزة في المعرض، إقبال على كتب التاريخ، أي تاريخ، والمذكّرات، أيّ مذكّرات، وكأنّ ثمة جيلًا يتشكّل في سياق وعي يتكئ على فهم التاريخ، ويبرز هذا الاهتمام أكثر ما يبرز، في ما يتعلّق بالتاريخ الفلسطيني القديم والمعاصر، وارتباط ذلك بالكيان الصهيوني الاستعماري، ولعلّ المفاجئ في هذا السياق مدى الإقبال على كتاب باحث بريطاني مهتمّ بتاريخ فلسطين القديم والحديث، هو البروفيسور كيث ويتلام صاحب كتاب "اختلاق إسرائيل القديمة"، والكتاب البارز في المعرض هو "إيقاعات الزمن: إعادة كتاب تاريخ فلسطين"، وبالاستفسار تبين أنه الأكثر مبيعًا لدى دار النشر، إضافة إلى كتاب "القدس: تاريخ مختطف وآثار مزوّرة" للبروفيسور الفلسطيني المؤرّخ عصام سخنيني.

 

ثقافات قادمة بقوّة

شهد معرض هذا العام أيضًا، وعبر دور نشر أردنيّة معروفة، حضورًا بارزًا للكتاب الصينيّ المتعلّق بالحضارة الصينية، بحكماء الصين، بالعلاقات الصينية- العربية، والإقبال عليه والبحث عنه بين الأجنحة، فيما بدا أن مؤسسات صينية بدأت التعاون مع دور نشر عربية لتصدير ثقافتها، أدبًا وفكرًا وسياسة واقتصادًا، بما ينبئ بـ"هجوم" صينيّ ناعم عبر الثقافة هذه المرّة، وبما يُظهر قوّة الصين القادمة وتأثيرها العالميّ المهول. وهنا لا بدّ من التمييز بين دور نشر ذات توجّهات فكرية/ فلسفية تترجم حكماء وفلاسفة مثل أوشو، وهو حكيم معنيّ بالتأمّل والفلسفة، وبين دور نشر تعمل على الترويج للثقافة الصينيّة بأصنافها المختلفة، وخاصة توجّهات الصين الراهنة، ومحاولاتها تحدّي "الإمبرياليّة" الأميركيّة بإمبرياليّة صينيّة صاعدة.

أخيرًا، وفي حقل جديد في النشر العربيّ، يفاجئنا حضور مركز سعودي متخصص بدراسات وأبحاث تتعلق بالشؤون الإيرانية، فنجد فيه سياسات إيران واستراتيجيّاتها في المنطقة (الإقليم) وفي العالم، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، لكن اللافت أن هذه الدراسات والأبحاث لم تحظَ بالاهتمام، بل لعلّها قوبلت باللامبالاة، وربّما بالنفور، لأن عنوان الجناح كان أقرب ما يكون إلى دار نشر إيرانية، وقد صار لدى الأردنيين نفور من كل ما هو إيراني، منذ الثورة السورية والتدخّل الإيرانيّ في الشأن السوريّ.


الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.