}

في مواقف أدبائنا من اتحاد الكتّاب اللبنانيين وكسر القطيعة

دارين حوماني دارين حوماني 23 يناير 2024
هنا/الآن في مواقف أدبائنا من اتحاد الكتّاب اللبنانيين وكسر القطيعة
من اليمين: داوود، بزيع، العويط، صبح، وازن
قبل أيام جرت انتخابات اتحاد الكتّاب اللبنانيين، وقاطعها الأدباء المخضرمون، وهذا ليس بجديد، فمنذ أن مدّت الأحزاب اللبنانية أياديها على الاتحاد انفرطت أهدافه وتحوّل إلى ترسانة حزبية مضافة إلى الترسانات في المجلس النيابي. صار معيارًا لقوة الأحزاب وهيمنتها، وصورة طبق الأصل عن أي مؤسسات تمثيلية سياسية أو نقابات مهنية، لم يعد حيّزًا نقابيًا وأدبيًا للمّ شمل الكتّاب، وصيانة حقوقهم، ورفع مستواهم الماديّ والمعنويّ، وتنشيط الحركة الفكرية، وتشجيع الكتّاب الناشئين، والدفاع عن حريّة الفكر والتعبير، وتمكين الوعي النقدي، ومحاربة أدب وثقافة التفاهة، من هذه الأهداف ما وضعها الروائي الراحل سهيل إدريس قبل 66 عامًا عند تأسيس الاتحاد، وعدم تحقيق الأهداف التي قام عليها بسبب الهيمنة الطائفية من أسباب هجرة أدبائنا منه، والتي لخّصها ذات يوم الشاعر جوزيف حرب يوم استقالته من الأمانة العامة للاتحاد كاشفًا عن "فساد ثقافي لا يُحتمل، وأجواء مخابراتية تتحكّم في العمل الثقافي"!  

نسأل اليوم: ماذا الذي تبقى من الاتحاد، ولماذا يقاطعه أدباؤنا المخضرمون ولا يسعون للمشاركة وإعادة بنائه على أسس أدبية وفكرية وثقافية وليس طائفية؟ إذا اجتمع من بقي لنا من هؤلاء الأدباء وأخذوا الخطوة لإزاحة الاتحاد عن التسييس والحزبيّة والمحاصصة، ألا يمكن أن يُحدث ذلك خرقًا للعالم السياسي والطائفي التافه الذي نعيشه في لبنان، وكسرًا لصمت الاتحاد المزمن في معركة الثقافة والحريات؟
استطلعنا آراء عدد من كتّابنا الذين هجروا الاتحاد، والذين يشكّلون هوية لبنان الأدبية أمام العالم، ويحتاجهم الواقع الثقافي اللبناني لتغيير هوية الاتحاد القائمة على التوازنات الطائفية. 

 

علوية صبح:

أي معنى لوجوده ما دمنا خارجه ومَن هم داخله تابعون؟

 لقد نسيت اتحاد الكتّاب منذ أعوام طويلة، ومع دخول لبنان زمن الميليشيات الطائفية المقيتة والمدمرة للبنان، ومن بين ذلك كل المؤسسات الوطنية الجامعة، من مهنية وثقافية واجتماعية وغيرها...

انهار اتحاد الكتّاب، ولم يبق منه سوى الاسم على غير مسمى.

من هم هؤلاء المنتخبون اليوم، هل هم كتّاب حقًا؟ ما هي أعمالهم ومنجزاتهم؟ فعالياتهم؟ نشاطاتهم؟

أين هم في المجال الثقافي أو الإبداعي أو الفكري؟ 

الكتّاب الفعليون في لبنان هم خارج هذه المؤسسة، في كل المجالات.

المنتخبون يصلون ويُنتخبون بحسب المرجع السياسي الذي يقرّر الأسماء، ومنهم من له كل الولاء للمرجع.

ولو وضعنا جانبًا المهمات الثقافية جانبًا، لم يستطع اتحاد الكتّاب أن ينجز أي حق للكاتب على مستوى الحقوق الصحية أو الطبية.

فأي حاجة لهذا الاتحاد إذًا؟ 

وأي معنى لوجوده، ما دمنا كلنا نحن المبدعين خارجه، ومَن هم داخله تابعون...

 

عبده وازن:

اتحاد كتّاب لا يدين حركات القمع والمنع ولا يؤمن بالحرية هل يكون فعلًا اتحادَ كتّاب؟ 

التحقت مرة باتحاد الكتّاب اللبنانيين عندما كان الدكتور سهيل إدريس أمينًا عامًا له، ولكنني لم أمارس أي نشاط فيه، وحتى، كما أعتقد، لم أزره سوى مرة واحدة. لا أعرف مقر هذا الاتحاد. مشكلة الاتحاد تاريخية، على الأقل منذ الفترة التي عرفته فيها، واطّلعت على نشاطه أو بنيته وهيئته العامة. كان في فترة ما، أيام ما كان اليسار اللبناني مهيمنًا، وكان الطابع اليساري مسيطرًا عليه من خلال أسماء مهمة ولكنها ملتزمة سياسيًا. لم أهتم بتاتًا بعضويتي تلك في الاتحاد التي لم تدم أكثر من أشهر، ثم تحول الاتحاد، لا سيما في التسعينيات تحديدًا، إلى اتحاد تسيطر عليه حركة أمل، وكما تعلمين حركة أمل تضم كتّابا غالبًا لا نعرف أسماءهم ولم نقرأ لهم، واستمر هذا الوضع حتى الآن، ولا تزال السيطرة لحركة أمل أو للثنائي الشيعي. وقد جرت مؤخًرًا انتخابات الاتحاد وشاهدت بعض الفيديوهات من حفلة الانتخابات التي أُجريت ولكنني لم أتعرّف إلى أحد من هؤلاء الكتّاب الذين ترشحوا أو حتى الذين صوّتوا للمرشحين.

صراحة أقولها: لا علاقة لي بتاتًا بالاتحاد مثل كل الأدباء المهمين  في حقول الأدب، الشعر والرواية والنقد. صار الاتحاد وقفًا على فئة حزبية طائفية، هو مطعّم ببعض الأسماء المسيحية التي ليست مهمة ببعضها، ولا حضور لها في الساحة الإبداعية ولا النقدية، وهناك الكثير من النقاد لا علاقة لهم باتحاد الكتّاب. اتحاد الكتّاب خاص بالكتّاب المبدعين، لكن حملات كثيرة قامت سواء في الفترة اليسارية التي ميّزت الاتحاد، أو الفترة الأملية أو الشيعية، صاروا يجلبون أي شخص له كتاب، حتى الذين لديهم كتب في الطبخ أو الأبراج، والكتب السياسية، وحتى أن بعضهم صحافيون، ولا كتب لهم، هذا تم في إطار التجييش لجلب أعضاء لاتحاد الكتّاب كي تتغلب فئة على فئة أخرى.

في فترة ما قبل سنة تقريبًا، حاول بعض الأصدقاء، وكنت معهم من بعيد، أن يُنشئوا رابطة أدبية جديدة تضم الأسماء الأدبية الحقيقية والمعروفة والمشهود لها نقديًا والمترجمة إلى اللغات العالمية، أسماء كبيرة، لكن المشروع لم يكتمل. شخصيًا لا أميل إلى الدخول في أي تجمّع أو في أي حزب، أي مجموعة، ولا يهمني الآن بتاتًا أمر هذا الاتحاد التعيس، الذي تهيمن عليه الطائفية والمذهبية وأحوال الفولكلور الطائفي في لبنان، فكرة أن يأتوا بمسيحيين وبدروز أو بسنّة حتى تكتمل البنية الطائفية. لست معنيًا بتاتًا بهذا الاتحاد ولا أعترف بأدبية الناس الذين يهيمنون عليه.

أذكر جيدًا أن هذا الاتحاد في العقدين الأخيرين لم يصدر أي بيان يدعم فيه كاتبًا أو مؤلفًا حوكم أو طُلب إلى المحاكمة أو مُنع كتّابه، وحتى لم يستنكر مقتل بعض الأدباء والمفكرين، لأنه كما نعلم اتحاد تابع للسلطة، سلطة حركة أمل بشكل خاص، وهذا معيب. اتحاد كتّاب لا يدين حركات القمع والمنع، هل يكون فعلًا اتحادَ كتّاب؟! واتحاد كتّاب لا يؤمن بالحرية كيف يكون اتحادًا للكتّاب؟!! 

قبل أيام جرت انتخابات اتحاد الكتّاب اللبنانيين وقاطعها الأدباء المخضرمون


شوقي بزيع:

من الصعب جدًا استعادة الاتحاد ولا يمكن أن يكون
هناك إصلاح إلا إذا بدأنا بإعادة التنسيب

أود أن أشير، بادئ ذي بدء، إلى أن جمع الكتّاب والفنانين والمشتغلين بالإبداع والمعرفة في اتحاد واحد هو أمر شاق جدًا، لأن المادة التي يشتغل عليها هؤلاء ليست من الصنف إياه الذي تقدّمه مهن أخرى، مثل الأطباء والمحامين أو الحدّادين أو النجارين، وسواء ذلك، من هؤلاء من يتحول إلى مهنة عادية ووظيفة عادية وينتج صنعًا متشابهة. لكن الأمر بالنسبة للكتّاب أنهم يعملون على مادة صعبة وتعتمد على الفرادة وهي غير قابلة للتقاسم. لم يحدث من قبل أن تشارك شاعران في كتّابة قصيدة أو كتّابة رواية، عدا استثناءات قليلة. أذكر "عالم بلا خرائط" التي اشتغل عليها جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف، وهذه مسائل استثنائية ونادرة. لذلك مسألة اتحادات الكتّاب مسألة صعبة وتم تجاوزها في الغرب بحيث هناك ما يشبه النقابات التي تضم داخلها الرسامين أو الروائيين أو الشعراء أو المغنين، ويعمل كل في نطاقه.

وينبغي القول، في هذا السياق، إن اتحادات الكتّاب هي من موروثات الحقبة السوفياتية والواقعية الاشتراكية، حيث كان يسهل على السلطات السياسية الحاكمة والأيديولوجية أن تجمع هؤلاء في إطار واحد وتسخّرهم بالتالي لخدمة الأيديولوجيا، وقد بدا واضحًا أن أزمة اتحاد الكتّاب اللبنانيين تفاقمت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي حيث تخلى الحزب الشيوعي اللبناني ومعه قوى علمانية أخرى عن دورهم في هذا السياق، وتسلّلت إلى الاتحاد قوى أخرى، معظمها حزبي ضيّق أو طائفي أو تابع للسلطة اللبنانية، وسيطروا على الهيئة الإدارية للاتحاد في منتصف التسعينيات من القرن الفائت، وهذه هي المرحلة التي غادرنا فيها الاتحاد، نحن الذين كنا نأمل أن يؤدي الاتحاد وظيفة إيجابية خاصة فيما يتعلق بقضايا الحريات والدفاع عن حقوق الكاتب والدفاع عن الكتّاب المضطهدين بحيث يكون الاتحاد منصة حقيقية للثقافة وللحرية، وهذا ما بطُل حدوثه قبل ثلاثة عقود تقريبًا فغادرنا الاتحاد، وغادرت أسماء من الطراز الأول، وبقي اتحاد الكتّاب تحت هيمنة السلطة اللبنانية بتشكيلاتها المختلفة حتى يومنا هذا.

مسألة استبداد الاتحاد مسألة صعبة جدًا لأن القيّمين عليه عمدوا إلى التنسيب العشوائي، كل "من يفك الحرف"، كل الكتبة والمستكتبين انضموا إلى الاتحاد، بحيث بلغ عدد أعضائه حوالي 1200 عضو، وهذا يفوق عدد أعضاء اتحاد الكتّاب الصينيين أو السوفيات، وهذه فضيحة مجلجلة، لذلك بات من الصعب جدًا استعادة الاتحاد.

حاولنا مع الانتفاضة التي حدثت عام 2019 أن ننشئ رابطة للأدباء اللبنانيين، لكن فشل الانتفاضة أدى إلى فشل المؤسسات الرديفة التي كان يمكن لها أن ترافقها، وبالتالي أصيب الجميع بالإحباط. بشأن سؤالك فيما إذا كان البديل متعذرًا، بتقديري كان بالإمكان أن يعمد المستقلون والعلمانيون والديمقراطيون والفاعلون الأساسيون في الثقافة إلى استرداد الاتحاد بعد أن وصلت أموره إلى الحضيض وصنع لائحة قوية كان يمكن لها أن تنجح بنسبة كبيرة، وهذا لم يحدث، ربما نتيجة اليأس من إمكانية التغيير. وهذا التغيير تتحمّله القوى العلمانية والديمقراطية بقدر ما يتحمله المبدعون السياسيون الذين رحل بعضهم عن هذا العالم وبعضهم يعانون من أمراض وبعضهم يحاول أن يغالب شؤون دهره. أعتقد أن الهيئة الإدارية التي فازت، وقد تشاورت مع بعض أعضائها، إذا كان لها أن تفعل شيئًا فهو أن تتواصل مع الكتّاب والمبدعين الأساسيين في البلد الذي يشكلون صورة البلد وواجهته، وأن يصل الجميع إلى خلاصات ومآلات معينة فيما لو تم التوافق عليها، أن تتم استقالة الهيئة الإدارية والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة لكي نخرج إلى العالم العربي باتحاد مختلف، على الأقل يكون هناك اعتبار لأعضائه ولأعضاء الهيئة الإدارية. وأعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك إصلاح إلا إذا بدأنا بإعادة التنسيب، لأنه لا يجوز أن يكون عدد أعضاء الاتحاد 1200 عضو، في حين يجب أن يكون العدد لا يتجاوز الـ 200 أو 250 عضوًا، وعدا ذلك لا أرى حلًا في الأفق.


حسن داوود:

أستصعب إمكانية تحقيق الدعوات لجعل الكتّاب
ينضوون مرة أخرى تحت شعار اتحاد الكتّاب

منذ عقود لا أعرف عن اتحاد الكتّاب شيئًا. أعرف أحيانًا أن أحدًا ما صار أمينًا عامًا للاتحاد ثم يأتي غيره. مشكلة الاتحاد تتعدى مسألة الكتّاب المخضرمين أو غير ذلك، الكتّاب المخضرمون، كما عبّرتِ، عازفون عن المشاركة أو العضوية، كان هذا السؤال يُطرح منذ أن صار الاتحاد أداة بيد الأحزاب والسياسات، وهذا من قبل الأحزاب الحالية. كان الاتحاد في البداية يجمع شمل الكتّاب وفجأة صارت فيه هيمنة أحزاب، وانفضّ الكتّاب عنه.

اتحاد الكتّاب في لبنان بخلاف بعض اتحادات الكتّاب في الدول العربية وغير العربية، مؤسسة بلا فعالية، حتى بأساسه منذ ستين سنة لم يكن عنده أي نشاط. بينما نرى أنه في بلد مثل مصر، المؤسسات الأدبية الرسمية تقوم بنشاطات مدعومة من الدولة، أو تنشر كتبًا، وغير ذلك. في لبنان الاتحاد هيئة تمثيلية جامعة من حيث الأصل، ولكن لم تعد هيئة جامعة، وليس له فعالية، لأن البلد كله لم يعد قادرًا على جمع الناس من مختلف الأطياف الطائفية والسياسية بالبلد، لم يعد قادرًا على جمعهم سويًا في أي مؤسسة أخرى، ليس فقط في اتحاد الكتّاب اللبنانيين. فلننظر لما يجري في المجالس التمثيلية في البلد، مثل المجلس النيابي وخلافه، هذه المؤسسات هل هي أمكنة جامعة تعمل الآن لما أُعدّت له في السابق؟ ووصولًا إلى المجالات الثقافية المختلفة، مثل معرض الكتاب السنوي، الزمن عادة يطوّر الأشياء، وهنا بدل أن يطوّر الزمن هذا المعرض، ما جرى أنه يتفرّع منه معارض أخرى، معرض للكتاب في أنطلياس، ومعرضان للكتاب في بيروت في وقت متقارب.

لا أعتقد في ظل الأوضاع الراهنة والتي أصبحت مزمنة أن هناك مجالًا لإحياء مؤسسات ذات طابع جامع للبنانيين. لا أعتقد أنه يمكن بعد الآن أن يتم إنجاز شيء موحّد، وهذا شيء موجود في البيئات الثقافية نفسها، معارض الكتّاب منقسمة بدون دافع سوى دافع إثبات نفوذ الأطراف المهيمنة على أنها بمحيطها أو في الحيز الجغرافي الخاص بها يمكنها أن تفتتح معرضًا للكتاب مختلفًا عن المعرض الأصل والذي عمره 66 عامًا.

وفي موضوع اتحاد الكتّاب، لا نعرف ماذا يحدث، لا نعرف من هو الأمين العام للاتحاد أو ماذا يفعل الاتحاد، وماذا يُنجز. إن كان هناك ما ينجزه الاتحاد فيبقى في أوساط الهيئة الإدارية الضيقة المختصة به، أو بين الأشخاص القليلين المواظبين على حضوره.

في زمن كل منطقة ومدينة وقرية لديها مؤسساتها وفعالياتها والأدبية الخاصة فيها، أرى صعوبة في تحقيق الدعوات لجعل الكتاب ينضوون مرة أخرى تحت شعار اتحاد الكتّاب، أستصعب إمكانية تحقيق ذلك، ليس فقط بسبب وضع اتحاد الكتّاب وتاريخه، بل كذلك بسبب وضع البلد حاليًا، فليس هناك ما يدعو إلى أن يجتمع أشخاص، بل الترند والاتجاه هما نحو التشرذم والتقسيم. 

عقل العويط اكتفى بهذه الكلمات:
مع منظمات متخلفة، حديدية، أسدية، سوفياتية، ديكتاتورية، طائفية، مذهبية.... ليس من فائدة من أي جهد أو مشاركة أو عملية تغيير.
يحتاج الاتحاد إلى دفن ومقبرة. لا تعذبي نفسك.

 

 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.