}

الأغنية... كيف خاطبت الوجدان العالمي تضامنًا مع فلسطين؟

مجدي سعيد 5 فبراير 2024
هنا/الآن الأغنية... كيف خاطبت الوجدان العالمي تضامنًا مع فلسطين؟
سيث ستاتون واتكينز صاحب أغنية "يا فلسطين يا فلسطين"

منذ بدء العدوان على غزة، قبل أربعة أشهر، حدثت حالة من الفوران في أوضاع التضامن مع فلسطين من أقصى العالم إلى أقصاه، وهي حالة لم تشهدها فقط شوارع مدن وعواصم العالم، ولكن شهدتها أيضًا منصات التواصل الاجتماعي.
صحيح أن حالة التضامن مع فلسطين كانت موجودة، ربما منذ بداية الألفية الثالثة للميلاد، مع ميلاد "حملة التضامن مع فلسطين" وتوافد عدد من الشباب على غزة للتضامن مع أهلها منذ عام 2003، وتوقيع هذا الشباب بدمائهم ممثلة في دماء ريتشيل كوري، وتوم هيراندل، وبريان أفري، وغيرهم، على وثيقة التضامن الدولي تلك. وهي الحالة التي استمرت في الأعوام التالية، مع استمرار حصار غزة، وتمثل ذلك في حركة حرروا غزة، وقوارب وقوافل كسر الحصار، ومع تكرار العدوان على غزة منذ عام 2008 استمرت هذه الحالة من التضامن، والتي كان يغلب عليها تضامن اتجاهات اليسار في البلدان المختلفة.
لكن مع انتشار حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والعقوبات (BDS) لعدد من الجامعات في بلدان العالم، ونجاحها في توسيع حالة التضامن في أوساط الشباب الذي ربما لا ينتمي لليسار بالضرورة، ثم مع رد الفعل الإسرائيلي، ممثلًا في الضغط على الحكومات من أجل تجريم هذا النشاط من خلال مساواته بـ"معاداة السامية"، ما زاد من حالة الاحتقان في أوساط المتضامنين مع فلسطين من الشباب وغير الشباب.
لكن حالة التضامن مع فلسطين التي تلت الأحداث الحالية التي بدأت منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أظنها غير مسبوقة من حيث الاتساع، ومن حيث التفاعل الشعبي الواسع، المتجلي في تعبير الشباب عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، سواء من خلال التعبير العفوي على تيك توك، ومنصة إكس (تويتر)، وغيرها، أو من خلال قنوات اليوتيوب التي صار عدد من الشباب في الغرب يخصصها للحديث عن فلسطين، فضلًا عن مشاركة عدد منهم للمقاطع التي تتضمن وجهات نظر واحتجاج النخب الغربية ضد السردية الإسرائيلية، والسياسات الغربية، أو للتعبير عن التفاعل الإنساني مع ما يحدث من قتل وتدمير، كل ذلك أظنه غير مسبوق في الاتساع، ولا في الوصول إلى قطاعات عريضة من عموم الناس ربما لم يكونوا يتفاعلون قبل ذلك مع القضية الفلسطينية.
ومن بين هذا التفاعل وحالة التضامن غير المسبوقة هذه تأتي الأغنيات التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي بلغات عدة، مقدمة تضامنًا سياسيًا، أو إنسانيًا، يخاطب وجدان الناس في العالم.
فكما نعلم، فإن تأثير الكلمة واللحن والصوت والإيقاع على وجدانات الناس أكبر من تأثير الكلمة الصامتة المكتوبة في نص، أو النقاش والمحاججة العقلية في البرامج والندوات.
هنالك على سبيل المثال الأغاني السويدية التي قدمتها فرقة الكوفية منذ زمن، وأعادت الحالة الحالية إحياءها، وأدت لانتشارها كالنار في الهشيم، وأشهرها أغنية "تحيا فلسطين/ leve palestina"، والأغنية الأقل شهرة إلى حد ما "نار/ Eld"، فضلًا عن أغنية "Rossa Palenina" الإيطالية، وأغنية "An Phailistin" الأيرلندية، وأغنية "ريم/ Rim" التركية، وأغنية مارتن ليهي Martin Leahy بعنوان "فلسطين/ Palestine"، وغيرها.




لكن أحدث ما انضم إلى تلك الأغاني هي أغنية المغني الأميركي سيث ستاتون واتكينز/ Seth Staton Watkins، الذي وعلى الرغم من أنه من الولايات المتحدة، إلا أنه يغني في المقام الأول ويشتهر بأداء الألحان الأيرلندية التقليدية/ المتمردة، يقوم بتسجيل وإنتاج جميع موسيقاه في الاستوديو الخاص به.
قدم واتكينز أغنيته الجديدة "يا فلسطين، يا فلسطين/ Oh Palestine, Oh Palestine" يوم 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهي أغنية تملأك بالحماس، الذي ينبع أولًا من الحنجرة القوية لواتكينز، وثانيًا من الإيقاع القوي المصاحب للموسيقى الأيرلندية المشهورة.
يقول مطلع الأغنية: "في عام 1948، طردوا من أرض أجدادهم، قصفت بيوتهم ومدنهم، يا فلسطين، يا فلسطين، نسمع نداءك المستغيث، أن تعود الأرض مرة أخرى، وأن يتحرر شعبك، يا فلسطين، يا فلسطين، شعبك يعيش في خوف، نطالب بتحريرك من النهر إلى البحر...".


                                    سيث ستاتون واتكينز: "يا فلسطين يا فلسطين"


أما على الضفة الأخرى، وعلى شاطئ الأغنية العربية، فقد أحيت أحداث العدوان الأخير، وغير المسبوق في حجم القتل والدمار، عددًا من الأغاني القديمة، مثل أغنية "أنا يا إسرائيل" لحمزة نمرة، وأغنية "زهرة المدائن" لفيروز، وأغنية دلال أبو آمنة "تهليلة فلسطينية"...، وغيرها.
كما قدم عدد من المغنين والفرق الغنائية أغاني جديدة، مثل أغنية "روح الروح" لفرقة مسار إجباري، وأغنية "راجعين" التي قدمتها مجموعة من الفنانين خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لكن إحدى تلك الأغنيات، والتي قدمت في أوائل كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهي أغنية "تلك قضية" لفرقة كايروكي، أحدثت صدى عالميًا، حيث أعاد عدد من برامج مراجعة الأغاني والموسيقى نشرها والتعليق عليها، وربما ما ساعد في ذلك تقديم الفرقة لترجمة لتلك الأغنية إلى الإنكليزية، التي تتميز بموسيقى الغيتار الجميلة، لكن أكثر ما أحدث التأثير الناتج عن الأغنية وفقًا لتعليقات من علق، هو كلماتها البسيطة، والتي تتضمن مفارقات منطقية موجعة للضمير الإنساني، وقد حظيت الأغنية حتى وقت كتابة تلك السطور بملايين المشاهدات...
تقول كلمات الأغنية في مطلعها:
ينقذ في سلاحف بحرية، يقتل حيوانات بشرية، تلك قضية، وتلك قضية.
كيف تكون ملاكًا أبيض؟ يبقى ضميرك نص ضمير، تنصف حركات الحرية، وتنسف حركات التحرير، وتوزع عطفك وحنانك، ع المقتول حسب الجنسية، فتلك قضية، وتلك قضية.
الأغنية بحالة النجاح التي حققتها، تعطي درسًا في كيفية مخاطبة العقل العربي للمساهمة في رفع الوعي بالقضية، وتخاطب الضمير الشعبي العالمي عبر المفارقات المنطقية، وترجمة كلمات الأغنية، وهو ما أسهم بلا شك في حالة التفاعل الكبير معها لدى الجمهورين معًا.                            

فرقة كايروكي


*كاتب مصري.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.