}

الدراما الجزائرية: هل تشهد تحوّلًا غير مسبوق؟

سارة جقريف 3 أبريل 2024
هنا/الآن الدراما الجزائرية: هل تشهد تحوّلًا غير مسبوق؟
نوميديا لزول في "دموع لولية"

 

يمكن القول إن الدراما الجزائرية تشهد تحولًا غير مسبوق، برز بشكل خاص من خلال الأعمال التلفزيونية التي تعرض خلال شهر رمضان الحالي، سواء من حيث أعداد المشاهدات القياسية التي حققتها أو من حيث الجدل الواسع والنقد الكثيف الموجه لها.

وقد بدأت موجة التحول هذه خلال السنوات الأخيرة، وبالتحديد منذ سنة 2019 بعرض المسلسل التلفزيوني "أولاد الحلال" الذي حقق نجاحًا باهرًا، لتمتد أكثر السنة الماضية مع عرض مسلسل "الدامة" الذي تربّع على قائمة المسلسلات الأكثر تتويجًا بالجوائز، وصولًا إلى مسلسل "البراني" الذي يعرض حاليًا ويوصف بالأكثر إثارة للجدل جنبًا إلى جنب مع مسلسل "الرهان" الذي يعتبر الأكثر انتشارًا وامتدادًا للجمهور العربي بفضل بثه في قنوات عربية وعلى منصات إلكترونية.

ولادة جديدة وجمهور من فريقين

وقبل كل هذا، ظلت الدراما الجزائرية لعقود طويلة بعيدة كل البعد عن الجمهور، الذي لطالما نفر منها واعتبرها فاشلة من الناحية الفنية وضعيفة جدًا من ناحية النص ومملّة من جانب الإخراج، لا تقدّم جديدًا ولا تصوّر واقعه أبدًا، لكن يبدو أن الدراما الجزائرية ولدت من جديد ونجحت في استقطاب المشاهدين لا سيّما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بنسب مشاهدة لا تقل عن مليوني مشاهدة للحلقة الواحدة في اليوم الأول لعرضها.

وانقسم جمهور المشاهدين الجزائريين بشكل أدق، إلى جمهور يشيد بهذه الأعمال من حيث قوة الإخراج والنص ويرى أنها تصوّر فعلًا الواقع الاجتماعي الجزائري وتكشف خباياه ومحظوراته، وجمهور يرى أنها أعمال فنية بعيدة عن الحياة الحقيقية للجزائريين ولا تمسّ واقعهم، وأكثر من ذلك تهدّد قيمهم وتروّج للآفات الاجتماعية على غرار العنف والمخدرات.

ويعود انقسام المشاهدين لهذه الأعمال إلى عدة نقاط، فنجد أنه إلى جانب اختلافهم حول مدى تصوير قصص المسلسلات للواقع الجزائري والرسائل التي تحملها، اختلفوا حول مشاركة أسماء العديد من المؤثرين المثيرين للجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الأعمال الدرامية وانتقاد الأدوار التي قاموا بتجسيدها. وفي بعض الأحيان، يتجاوز جدل الجمهور حول هذه النقطة بالذات الجدل حول العمل ككل. وهو ما حدث السنة الماضية عند عرض مسلسل "الدامة" الذي شهد مشاركة المؤثرة هناء منصور، التي أشعلت الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين من يرى أنها أتقنت الدور وأبدعت وبين من يرى أن ظهورها على التلفزيون ودخولها بيوت العائلات الجزائرية خطأ فادح ومحظور حسب تعبيرهم. 

 وينطبق الأمر نفسه على مسلسل "البرّاني" الذي تشارك فيه الممثلة الكوميدية المعروفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي باسم "يامنة" في دور فاطمة، الأستاذة الجامعية التي تعيش علاقة حب مع رجل مافيا وخادم أخيها، حيث هناك من اعتبرها فشلت في تأدية الدور تمامًا زيادة على عدم واقعية الشخصية التي تتقمصها، ومن اعتبرها نجحت في كشف تناقضات شخصية الأستاذة الجامعية.

أضف إلى ذلك الظهور القوي والصادم للناشطة عبر التيكتوك تورين حايد في أول حلقة من نفس المسلسل، في مشهد تتعاطي فيه جرعة زائدة من المخدرات مع محمد الذي جسّد دوره الممثل عبد الكريم دراجي، ما يؤدي لوفاتها ورمي جثتها في البحر من قبل أخوي محمد، وهو المشهد الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي، وجعل المسلسل "ترند".

وعلى سبيل المثال لا الحصر، لعبت دور البطولة في المسلسل الدرامي "دموع لولية" الذي يعرض حاليًا، المؤثّرة نوميديا لزول، وهي ناشطة بشكل كبير على "الانستغرام"، وهي من الشخصيات المثيرة للجدل في الجزائر، لا سيما بعد دخولها إلى السجن ومكوثها فيه سبعة أشهر كاملة رفقة عدد آخر من المؤثرين بتهمة الاحتيال على الطلبة، ليتم تبرئتها لاحقًا وتعود بقوة.

تميزت الأعمال الجزائرية الدرامية هذه السنة بنسب المشاهدة العالية التي حققتها ولكن أيضًا بانتشارها على المستوى العربي

 
"أولاد الحلال": بداية تحرير الدراما الجزائرية من التكرار

بعد عرض مسلسل "أولاد الحلال" عام 2019 بدأ الجمهور يتساءل عن مستقبل الدراما الجزائرية، وهل سيكون هذا العمل بداية تحررها فعلًا من الاجترار والتكرار الممل والفشل، ويبدو أن الأمر كان كذلك، حيث أن المتابع للأعمال الدرامية خلال هذه السنة أو تلك التي عرضت السنة الماضية سيكتشف نوعًا من الجرأة في طرح القضايا والمواضيع التي كان مسكوتًا عنها، وتطورًا من الناحية الفنية والمؤثرات البصرية في التصوير، على طريقة "أولاد لحلال".

قدم "أولاد الحلال" للمخرج نصر الدين السهيلي، في 28 حلقة، قصة مختلفة عما تعود عليه الجمهور الجزائري، فالأحداث لا تدور في فيللات وقصور العاصمة التي لا يعرفها، وإنما في حي "الدرب" الشعبي في مدينة وهران، غربي الجزائر. وهو حي فقير، قصديري، تمتهن فيه الأمهات بيع الأغراض المستخدمة، وينتشر فيه العنف والظلم الذي يمارسه القوي في حق الضعيف.   

يروي المسلسل قصة مرزاق، شاب يتيم يبحث عن أصوله رفقة أخيه زينو، ليكتشف أن والده قتل أمه غدرًا بسبب شكه واتهامها بالخيانة، فيواصل البحث مع زينو عن أختهما وإثبات شرف أمهما. يصور المسلسل يوميات الأخوين وما يتخللها من أعمال نهب وشرب للكحول، ويكشف عن العنف ضد النساء، وتشغيل الأطفال، والإيمان بالسحر والشعوذة في المجتمع الجزائري وغيرها من القضايا الحساسة. وقد حقق المسلسل بفضل ذلك نجاحًا باهرًا، مسجّلًا أكثر من 20 مليون مشاهدة للحلقة الواحدة عبر اليوتيوب.

مسلسل "الدامة" الأكثر تتويجًا 

إن النجاح الذي حققه مسلسل "الدامة" العام الماضي، كان بمثابة تحدٍّ للأعمال الدرامية الجزائرية حيث ظل الجمهور يتساءل قبل بداية شهر رمضان الجاري عن مستوى الأعمال القادمة مقارنة بـ"الدامة" والتي يقصد بها "لعبة الشطرنج"، وهو المسلسل الذي يعتبر الأكثر تتويجًا بالجوائز، على غرار جائزة المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون.

وعلى خطى "أولاد الحلال" تم تصوير المسلسل في حي شعبي بالجزائر العاصمة: "باب الواد"، ويروي قصة امرأة أرملة وأم لطفلين، يقعان ضحية لشاب يتاجر في المخدرات ويستغلهما لترويج المخدرات والحبوب والأقراص المهلوسة وسط الأطفال في المدارس. ونجح فريق الممثلين خاصة الأطفال في تجسيد الأدوار بشكل لافت للانتباه. وأشاد المتابعون بالعمل وطريقة تناوله لهذه القضية الحساسة والموجودة بقوة في المجتمع الجزائري.


مسلسل "الرهان" الأكثر انتشارًا على المستوى العربي

وتميزت الأعمال الجزائرية الدرامية هذه السنة بنسب المشاهدة العالية التي حققتها ولكن أيضًا بانتشارها على المستوى العربي، كما هي حال مسلسل "الرهان" للمخرج المصري محمود كامل، الذي يعتبر المسلسل الأكثر انتشارًا على المستوى العربي، حيث يبث خلال شهر رمضان الجاري في قنوات عربية وعلى منصتين إلكترونيتين.

ويعتبر المتابعون المسلسل من الأعمال التي تميزت بقوة النص، الذي تعود قصته لبطل العمل عبد القادر جريو، في حين كتبت السيناريو والحوار بوجداي رفيقة بمساهمة الروائي المعروف سعيد خطيبي بصفته مستشارًا فنيًا للسيناريو. ويروي العمل قصة عيسى زياني، رجل نبيل، يكتشف ملفات فساد فتلفق له التهم ويحكم عليه بالسجن ظلما لمدة 5 سنوات، يخرج في سنة 2019 خلال فترة الحراك ويسعى إلى الانتقام من رجل الأعمال الذي تسبب في سجنه. ونجح العمل الدرامي في استقطاب المشاهدين مسجّلًا ما يفوق ثلاثة ملايين مشاهدة للحلقة الواحدة على منصة اليوتيوب وحدها.

مسلسل " البراني" الأكثر إثارة للجدل

إن نجاح وانتشار مسلسل "الرهان" كما أشرنا سابقًا، لم يغطِّ على نجاح مسلسل "البراني" بمعنى "الغريب" الذي يبث منذ بداية شهر رمضان، ويعتبر المسلسل الأكثر إثارة للجدل في الجزائر بشكل خاص، حيث ومع انطلاق الموسم الرمضاني 2024، تصدّر المسلسل منذ الحلقة الأولى "الترند" على مواقع التواصل الاجتماعي.  

وبدأت موجة الانتقادات للمخرج يحيى مزاحم، الذي اشتهر السنة الماضية بإخراجه لمسلسل "الدامة" وتحقيقه نجاحًا واسعًا، ليدخل هذه السنة المنافسة بعمل "البراني". ويرجع المتابعون الجدل حول المسلسل إلى الجرأة التي تميّز بها في تناول قضية المتاجرة بالمخدرات، حيث يظهر في الحلقة الأولى البطل وهو يشجع طالبة جامعية على تعاطي حبوب مهلوسة ثم يعطيها جرعة زائدة من "الهيرويين" ما يتسبب في وفاتها، وهو ما اعتبره العديد من المتابعين ترويجًا للظاهرة وليس معالجة لها، وأن الأحداث لا تعبر عن واقع أغلبية الشعب الجزائري.   

ويصوّر المسلسل قصة ثلاثة إخوة يعملون في مجال تجارة المخدرات، وما يرتبط منها من أعمال عنف، فساد، جرائم وتصفيات ومطاردات الشرطة في إطار درامي.
يذكر أن قصة العمل كتبها المخرج يحيى مزاحم، الذي سبق أن أخرج مسلسل "الدامة" السنة الماضية والذي يعالج نفس الظاهرة لكن بطريقة مختلفة.

إجمالًا نستطيع القول إن الدراما الجزائرية شهدت ولادة جديدة فعليًا، وتشهد تحولًا سريعًا من سنة إلى أخرى، ونجحت في جذب انتباه الجمهور الجزائري بقوة والعربي إلى حد ما، رغم انقسام هذا الأخير بين مؤيد للقضايا المطروحة وطرق معالجتها وبين منتقد لها.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.