}

عن المُنتج الفنّي البصري الفلسطيني ما بعد 7 أكتوبر

يوسف الشايب 4 مايو 2024
هنا/الآن عن المُنتج الفنّي البصري الفلسطيني ما بعد 7 أكتوبر
جلسة حواريّة نظمتها مؤسسة عبد المحسن القطّان برام الله
لفت الفنان التشكيلي الفلسطيني سليمان منصور إلى أن الغالبية العظمى من الفنانين البصريّين الفلسطينيين لم يتمكنوا من إنجاز أعمالٍ جديدة ما بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مُدللًا على ذلك بأن غالبيّة محتوى ما تحتضنه قاعات المؤسسات الكبرى من معارض منجزة في سنوات سابقة، مشيرًا إلى أنه لم يتمكن من مغادرة منزله في أول شهرين من الحرب، وحين توجّه إلى مرسمه بدأ يحاكي، حدّ التماهي، ما رسمه من قبل.
جاءت أقوال منصور هذه في حواريّة نظمتها مؤسسة عبد المحسن القطّان في رام الله، أخيرًا، وأدارها يزيد عناني، حول دور الفنّانين التشكيليّين والبصريّين الفلسطينيّين، ومُنتَجهم الفنّي، ما بعد حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة، والتي تقترب من دخول شهرها السابع.
وأشاد منصور بما أسماه تمرّد بعض الفنّانين في غزة نفسها، خلال الحرب، ليس فقط من خلال توثيقها بصريًّا، ولكن من خلال التقنيّات التي عبّروا من خلالها، والأدوات المستخدمة، عمّا يعيشونه ويعايشونه، لافتًا إلى تجربتيّ الفنّانين ميسرة بارود، وباسل المقوسي، على وجه الخصوص، بحيث ابتعدا عن اللوحة بشكلها التقليدي، واصفًا الأمر بأنه محمود.
الفنان التشكيلي حسام صليبي، والمقيم في العاصمة الأردنية عمّان، الذي شارك عبر الأقمار الاصطناعية، شدّد على ضرورة اهتمام الفنان الفلسطيني بشكل أكثر، لا سيما في المرحلة الراهنة، بوسائل ووسائط التواصل الاجتماعي، والتي عبرها يمكن الوصول، ليس فقط إلى المجتمع من حولنا، بل إلى كل العالم، وتقديم ما يتم إنتاجه فنيًّا إلى العالم، سيما أن دور هذه الوسائل، رغم أهميته على الدوام، بات أكثر فعالية وحضورًا، وتحديدًا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، منذ السابع من أكتوبر، بحيث استطاع نشطاء "السوشيال ميديا" لعب دور محوري لصالح "قضيّتنا العادلة، وإيصال الصورة الحقيقية لما يحدث ليس فقط في القطاع، بل في فلسطين بشكل عام هذه الأيام"، وهو ما يجد أنه يمكن للفنّانين استثماره بشكل مهم ومؤثّر.




وأكد الفنان التشكيلي الفلسطيني تيسير بركات أن الحرب والمجازر المتواصلة، والتي هي امتداد لما يمارسه جيش الاحتلال ومن قبله العصابات الصهيونية على أرض فلسطين، "جعلتنا نعيش في محطة من هذه المحطات التي تزداد صعوبة، حيث أن كمّ الجرح منذ السابع من أكتوبر بات عاليًا للغاية، والألم شديد، رغم أن هذا لا يعني خلو الحروب السابقة منذ 1948 وما قبلها وما بعدها من مجازر فظيعة، لكن الزخم الإعلامي، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، جعلنا كما غيرنا نشعر بكِبر حجم الفاجعة".
بركات أشار إلى أنه، ومنذ ولادته، وهو يعيش الأجواء ذاتها، مع صعود وهبوط، فالاحتلال لا زال قائمًا، ويمارس جرائمه ضد أصحاب الأرض وما عليها، أي "نحن أبناء الشعب الفلسطيني"، لكن البث المباشر للمجازر اليومية في قطاع غزة، حيث "ولدتُ وعشتُ سنوات طِوال، جعلني أسيرًا لحالة من العجز، فمن الصعوبة بمكان أن أفكر، في ظلّ ما يحصل في كل فلسطين من مآسٍ على يد جنود الاحتلال ومستوطنيه، وخاصة في غزة، بقادم الأعمال الفنيّة".
ولفت بركات إلى أنه، وللمصادفة، كان، وقبل السابع من أكتوبر، قد أنجز مشروعًا عن "المفقودين" من أبناء الشعب الفلسطيني والشعبين السوري واللبناني وغيرهم، وهم كثرٌ في تاريخنا المعاصر، وهو ما بات قضية أساسيّة ترافق يوميّات الغزيّين ما بعد السابع من أكتوبر، فأنجز معرضه الفنّي تحت عنوان "المفقودون"، ضمن التظاهرة الفنيّة المتواصلة في المتحف الفلسطيني ببلدة بير زيت القريبة من مدينة رام الله، والموسومة بــ"هذا ليس معرضًا".
ورأى بركات أنه من الصعب عليه أن يُنجز أعمالًا جديدة هذه الفترة، خاصة أنه ليس من أنصار أو أصحاب القدرة على إنجاز الأعمال التي تدخل في إطار ردّة الفعل، والتي تحاكي الأحداث مباشرة، لكنه على قناعة بأن ما حدث ولا يزال في غزة يختمر في داخله، ويسكنه كفلسطيني له مع القطاع المدمّر حكاياتٍ وحكايات، وأن ذلك قد يُنتج بعد عام، أو اثنين، أو أكثر، أعمالًا ما قد تكون مُبهرة، تعكس جزءًا من الإبادة المتواصلة لكل من وما هو في غزة، خاصة أن هذا الاختمار، و"تخزين الحدث"، قد يُحدث نقلة في تفكير الفنان لجهة اكتشاف الفن في مرحلة لاحقة.
واستذكر بركات تحوّل أربعة من روّاد الفن البصري المعاصر في فلسطين، هو أحدهم، بالإضافة إلى الفنانين: سليمان منصور، ونبيل عناني، وفيرا تماري، تِبعًا لتداعيات انتفاضة الحجارة التي اندلعت ضد الاحتلال عام 1987، فأربعتهم شكّلوا ما عُرف وقتها بمجموعة "التجريب والإبداع"، بحيث لجأ سليمان إلى الطين والقش، ونبيل إلى الجلد، وتيسير إلى حرق الخشب وتدوير المواد الملقاة في القمامة، وفيرا إلى تطويع السيراميك بطريقة مُبتكرة، وهو ما قد ينبئ، في رأيه، بأن هذا "الجنون الحاصل في بلادنا من قبل الاحتلال قد يؤدي بعدد من الفنانين، وخاصة الجيل الشاب منهم، إلى الخروج بإبداعات تُغادر الصندوق"، مؤكدًا أن "الحدث يتطلب حركة جديدة في الفن الفلسطيني"، من دون أن يقلّل من أهمية التوثيق عبر الفن، ومُمارسيه.

 سليمان منصور 

بدورها، أكّدت الفنانة البصرية الفلسطينية الشابة ريم مصري أنه ومنذ السابع من أكتوبر، وسؤال: "ماذا نفعل؟" يُطارد الفنّانين والكتّاب والأكاديميّين والفاعلين، وغيرهم في القطاعات المرتبطة بشكل أو بآخر بالثقافة والفنون، إضافة إلى قطاعات أخرى بطبيعة الحال، خاصة أن "الخوف لا يزال يتملكنا، باعتبار أننا نعيش المجهول منذ ما يقارب سبعة أشهر، ولا نعرف ماهية القادم، حد التيه والضياع".
وتحدّثت مصري عن ضرورة التوافق على آليات التعاطي مع المنح الأجنبية للأفراد والمؤسسات الثقافية والفنية الفلسطينية، فبعد سنوات من مقاطعة مِنح الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وبعدها مِنح الاتحاد الأوروبي، لذات الاشتراطات المتعلقة بضرورة إدانة ما يصفونه بالإرهاب لتمرير هذه الأموال، ما يعني "إدانة أنفسنا وحقنا في تقرير مصيرنا"، فإنه ما بعد السابع من أكتوبر بات على الفنانين والمؤسسات ليس فقط رفض مِنح هذه المؤسسات، بل أي مؤسسة لا تدين حرب الإبادة على قطاع غزة، أو جرائم الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية، خاصة في السبعة أشهر الأخيرة، بل وعدم التعاطي مع دعوات لإقامات فنيّة عبر مؤسسات تمثّل تلك الدول التي أعلنت تأييدها علانية للاحتلال في حرب الإبادة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر، وأن هذا الرفض يجب أن يكون جماعيًّا ومُتوافقًا عليه، وهو أمر لم يُحسم بعد، وإن كان عدد من هذه الدعوات والمنح رُفضت بالفعل من عديد الفنانات والفنانين البصريّين الفلسطينيّين.
ولفتت مصري إلى أنها لم تكن قادرة في الأشهر الأولى من الحرب التوجّه إلى مرسمها، حالها حال جلّ الفنانات والفنّانين الفلسطينيين، خاصة من يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكّنها مع الوقت بدأت تقضي وقتًا أطول ممّا سبق الحرب في العمل الفنّي، كنوع من التفريغ من جهة، والتعبير عن الغضب والرفض، فاللوحة بالنسبة لها باتت "طريقة الخلاص من حالة الحصار الجوّاني الذي يسكننا".
وكان الفنان التشكيلي الفلسطيني تيسير بطنيجي، المقيم في العاصمة الفرنسية باريس، أرسل رسالة إلى مؤسسة عبد المحسن القطان، تعبّر عن حال الفنّانين ربّما في مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر، وجاء فيها: ما حدث ويحدث يختلف عن كلّ ما اختبرناه في الماضي من دموية وتدمير يستهدف حاضرنا وماضينا، ولا تزال تداعياته ومضاعفاته تتصاعد يوميًّا، وبشكل متواتر، وكلّ هذا يتطلب من الفنان، ربّما، مزيدًا من الوقت للتأمّل واستيعاب ما يجري، بحيث لا يتحوّل العمل والممارسة الفنيّة لمجرد ردّة فعل على الأحداث.
وبعبارة "لم أصل بعد إلى المرحلة التي أستوعب فيها تمامًا الكارثة التي حدثت لنا، سواء على الصعيد الشخصي أم الجمعي، بما يسمح بترجمتها إلى عمل فنّي"، لخص بطنيجي حاله وحال كثير من الفنّانات والفنّانين البصريّين الفلسطينيّين داخل الوطن وخارجه.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.