}

"قاعة هند": إحياء موسيقى الاحتجاج في أميركا المعاصرة

نجيب مبارك 10 يونيو 2024
هنا/الآن "قاعة هند": إحياء موسيقى الاحتجاج في أميركا المعاصرة
الطفلة الفلسطينية الغزاوية هند رجب

"قاعة هند" (Hind’s Hall) هو عنوان أغنية احتجاجية لمغني الراب الأميركي ماكليمور، تدعم بشدة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي الأميركي، وتطالب بوقف الحرب بين إسرائيل وحماس. يشير عنوان الأغنية إلى حصن أقامه الطلبة ضد رجال الأمن داخل "قاعة هاملتون" في جامعة كولومبيا، حيث أعادوا تسميتها "قاعة هند"، بشكل غير رسمي، تخليدًا وتكريمًا للطفلة الفلسطينية هند رجب، ذات الست سنوات، التي قتلتها القوات الإسرائيلية مع أهلها في غزة في بداية هذا العام.
حصدت الأغنية ملايين المشاهدات حتى الآن، منذ إطلاقها في 7 أيار/ مايو 2024، خصوصًا في منصتي إكس، وإنستغرام، وتمت مشاركتها على نطاق واسع، رغم تقييدها في موقع يوتيوب بالسن، واتهام وسائل التواصل الاجتماعي بفرض أشكال مختلفة من الرقابة عليها، كما خصصت الأرباح المحققة من بثها للتبرع إلى وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). ويذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يعرب فيها ماكليمور عن تضامنه مع فلسطين. ففي بداية الحرب، وقع على رسالة مفتوحة لوقف إطلاق النار وإنهاء الحصار على غزة، وشارك في مسيرات مؤيدة للفلسطينيين، كما عبّر عن دعمه لفلسطين بأشكال أخرى، مثل ارتداء الكوفية خلال عروضه وحفلاته، ومشاركته بانتظام للمحتوى المؤيد للفلسطينيين على منصات التواصل الاجتماعي.

مغني الراب الاميركي ماكليمور صاحب أغنية "قاعة هند/ Hind’s Hall" 


ينتقد ماكليمور في أغنيته التمويل الأميركي للجيش الإسرائيلي، وقبول السياسيين الأميركيين للموارد المالية المقدمة من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، مثل منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل". ويدين أيضًا الحظر الذي فرضه الكونغرس على منصة "تيك توك"، ووهم التفوق العرقي الأبيض الواضح في القرارات الأمنية والسياسية، والخلط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية. كما تشير الأغنية أيضًا إلى الإبادة الجماعية، والنكبة المستمرة، وقتل الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة. إضافة إلى ذلك، لا ينسى ماكليمور إعادة تذكير الرئيس الأميركي بأنه متواطئ في قتل الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية في غزة، وربما لهذا السبب صرح مؤخرًا أنه لن يصوّت لبايدن في الانتخابات الرئاسية التي ستجري هذا العام. وسبق لهذا المغني أيضًا أن انتقد دونالد ترامب في أغنية شهيرة ولاذعة ظهرت عام 2016. وهو يدين أيضًا صناعة الموسيقى في أميركا لعدم استغلال مواقعها للتصدي للمذبحة التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية بحق السكان المدنيين في غزة.




يستوحي ماكليمور إيقاع أغنية فيروز "أنا وحبيبي"، ويدمجها ببراعة ضمن نسيج أغنية راب حديثة، مستلهمًا أيضًا الكلمات القوية لأغنية "اللعنة على الشرطة" (1988) لفرقة الهيب هوب الأميركية NWA، ذات الشهرة والرمزية الكبيرة في نقدها العنيف للشرطة. يستهدف المقطع الأول الشرطة الأميركية، ويعرض لقطات خاطفة من مظاهرات طلابية في جميع أنحاء البلاد، حيث تتدخل قوات حفظ النظام بعنف لتفريق الاحتجاجات السلمية في أغلبها. ثم ينتقد الخطاب المقموع على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقول: "يمكنك أن تدفع لشركة ميتا، لكن لا يمكنك أن تدفع لي"، في إشارة إلى الرقابة التي يفرضها فيسبوك على الآراء المؤيدة للفلسطينيين. وفي مقاطع أخرى، يركز على الصراع في غزة، وكذلك عدم رغبة الرئيس جو بايدن في الضغط على إسرائيل لتغيير مواقفها. يسأل: "أين تقع الإبادة الجماعية في تعريفك؟"، ثم يضيف: "أن تدمر كل مدرسة وكل مسجد في غزة؟". وفي إشارة إلى الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح، التي كان من المفترض أن تكون منطقة آمنة لأكثر من مليون مدني، يقول: "ادفع الجميع إلى رفح وأسقط عليهم القنابل".
تثير هذه الأغنية مجددًا النقاش حول موسيقى الاحتجاج في الولايات المتحدة الأميركية، وخاصة تلك المعادية للحروب والعنصرية. فلقد شهدت الأغاني الاحتجاجية انتعاشًا في السنوات الأخيرة في أعقاب احتجاجات "حياة السود مهمة" عام 2020، لكن الفنانين الموسيقيين ظلوا صامتين إلى حد كبير حتى الآن بشأن موضوع فلسطين. لقد اختفت الموسيقى الاحتجاجية من القاموس الثقافي المعاصر، وقد يكون ظهور وسائل التواصل الاجتماعي أحد الأسباب وراء ذلك. ورغم الإرث الطويل من الموسيقى الاحتجاجية في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كان يسير النضال والموسيقى جنبًا إلى جنب دائمًا، فإنه يبدو كما لو أن عقودًا طويلة مرت على ازدهار الحركات الموسيقية المطالبة بالتغيير السياسي والمقاومة. مثلًا، شهدت السبعينيات كثيرًا من أعمال الشغب، وخلقت حرب العراق نصيبها العادل من الموسيقى المسيّسة ردًا على التدخل الأميركي. ومع ذلك، صارت أغنيات مثل American Idiot لفرقة Green Day (2004)، أو موسيقى الراب ذات الوعي الاجتماعي لدونالد جلوفر، والنشيد المناهض للأسلحة النارية في عام 2018، مثل أغنية This is America، نادرة هذه الأيام.
ربما يكون الموت المحتمل لموسيقى الاحتجاج في فن البوب قد أُعلن في 1992، عندما أصدرت فرقة الهيفي ميتال Body Count ألبومها الأول، الذي تضمَّن الأغنية المثيرة للجدل Cop Killer، وهي أغنية تحتج على العنصرية ووحشية الشرطة بعد حادثة ضرب عناصرها لرودني كينج، حيث أجبرت السلطات متاجر التسجيلات في جميع أنحاء البلاد على إزالة هذا الألبوم من رفوفها. وقد أساء هذا الأمر كثيرًا إلى صورة أميركا، لدرجة أنهم نجحوا في الضغط على شركات الإنتاج لفسخ العقد مع هذه الفرقة، والتأثير على اسم ومسار مغنيها Ice T. وحتى يومنا هذا، يصعب العثور على نسخة معتمدة من هذه الأغنية.




ربما نشهد اليوم شيئًا يشبه بشكل غامض أوائل السبعينيات، حيث تضع العلامات التجارية كثيرًا من المال وراء عدد صغير من الفنانين الذين يأملون في الحصول على مداخيل أكبر، بغض النظر عن مضمون أغانيهم وحمولاتها السياسية. فأذواق جمهور المستمعين أصبحت أكثر تخصصًا على نحو متناقض، وتحديد الوعي السياسي أصبح أكثر صعوبة من السابق. لذا، ليس من المرجح أن تقوم شركات التسجيل، التي تريد تجنب المخاطرة، بقمع كثير من النشاط السياسي بين فنانيها. وقد تطورت موسيقى الاحتجاج دائمًا على هذا النحو.
عندما يتم الحديث عن موسيقى "الاحتجاج"، ربما يفكر الغالبية في فرق موسيقية تعود إلى حقبة الستينيات، مثل بافالو سبرينغفيلد، وبيتر وبول وماري وهم يغنون الأناشيد المناهضة للحرب، ويمثلون جمالية الهيبيز بشكل واضح. وهذا لم يكن صحيحًا تمامًا. لأن الطريقة التي تمت بها كتابة الثقافة المضادة في الستينيات مبالغ فيها بعض الشيء، لأنها تظهر هذه الثقافة أكثر تجانسًا مما كانت عليه بشكل عام، لكن بمجرد ظهور حقائق جديدة كشفت عن عدم تجانسها، أصبح من الصعب تحويلها إلى سلعة. من جهة أخرى، ربما كانت حقبة ما بعد ترامب بمثابة فترة راحة للموسيقى الاحتجاجية، على الرغم من أن المظهر الحالي للتظاهر في الحرم قد يؤدي إلى إحياء هذا النوع. ولكن إذا كانت أغنية "قاعة هند" تلمح إلى هذه العودة، فهنالك عوامل أخرى معقدة تؤثر على موسيقى الاحتجاج في أميركا المعاصرة، ذلك أنه لا توجد حتى الآن علاقة سببية واضحة بين تحفيز الجمهور لاتخاذ موقف من قضية ما، والتأثير المباشر على القرار السياسي بشأنها.
الأكيد أن الموسيقى الاحتجاجية تعمل بشكل أكثر فعالية عندما تكون جزءًا من البنى التحتية الموسيقية، ذلك أن العنصر البشري صار حاسمًا في جمع الناس حول قضية ما. وهذا عنصر من عناصر الاحتجاج الموسيقي يمكن القول إنه لم يكن موجودًا بالفعل منذ حركات الحقوق المدنية والحركات المناهضة لفيتنام، عندما كانت الموسيقى جزءًا نشطًا من المقاومة المجتمعية. وبينما كان للموسيقى الشعبية الأميركية تاريخيًا نصيبها من لحظات الوعي الطبقي، مثل أغنية "يا أخي، هل يمكنك توفير عشرة سنتات؟"، صار فنانو البوب ​​المعاصرون باهتين للغاية في الاستجابة لعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي المستمر منذ ركود عام 2008. كما أن المشهد الموسيقي الشبابي المعاصر لم يعد مسيّسًا بالكامل، وهذا لا يساعد أيضًا على نمو وانتشار موسيقى الاحتجاج.
في النهاية، لا شك في أن الأثر المباشر الذي تحققه الأغاني الاحتجاجية هو تقوية الروابط بين الأشخاص المتضامنين، الذين يتفقون على دعم قضية ما في لحظة تاريخية محددة، لأن الموسيقى لديها القدرة على تحريك أحاسيس ومشاعر الناس بقوة، عبر ترجمة الرسائل السياسية بطريقة يسهل تداولها وانتشارها بين الشباب. وبهذا قد تشجع هذه الأغاني الاحتجاجية، كما حدث مع "قاعة هند"، فنانين عالميين آخرين على دعم القضية الفلسطينية، وكسر الحواجز التي يضعها الساسة الأميركيون أمام الشباب للتعبير عن مواقفهم ضد حكومتهم في كل ما يتعلق بسياساتها الخارجية الخاطئة، وخصوصًا مساندتها الدائمة لإسرائيل في حربها على الشعب الفلسطيني.


أغنية "قاعة هند/ Hind’s Hall" لمغني الراب الأميركي ماكليمور

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.