}

عباس خضر: العراق مخزون حكائيّ لا ينتهي

عارف حمزة 24 يوليه 2019
حوارات عباس خضر: العراق مخزون حكائيّ لا ينتهي
الروائي عباس خضر
عباس خضر شاعر وروائي عراقي ولد في بغداد في عام 1973، وغادر العراق في عام 1996، بعد قضاء سنتين في سجون صدام حسين بسبب آرائه السياسيّة، وظلّ متنقلاً بين العديد من الدول حتى وصوله إلى ألمانيا في عام 2000، حيث درس الأدب والفلسفة في جامعة ميونيخ.
صدرت له باللغة العربيّة مجموعتان شعريّتان "تدوين لزمن ضائع"، ثم "ما من وطن للملائكة". كما صدر له كتاب نقديّ بعنوان "الخاكيّة" عن دار الجمل في عام 2004. بعد ذلك بدأ الكتابة باللغة الألمانيّة، وأصدر روايته الأولى "الهنديّ المزيّف" (2008)، ثم "برتقالات الرئيس" (2011)، ثمّ "رسالة إلى جمهوريّة الباذنجان" (2013) التي حصل عنها على جوائز ومنح أدبيّة. وصدرت روايته الأخيرة بعنوان "الصفعة" عن دار هانزر (2016). وفي شهر شباط/ فبراير من هذا العام صدر كتابه الساخر "الألمانيّة للجميع".
حول هذا الكتاب الأخير، والعديد من المواضيع، أجرينا مع عباس خضر هذا الحوار:

البيت والعائلة
وبذرة الكتابة
(*) أين وُلدت؟
ولدتُ في حيّ "مدينة الثورة" الذي يُعتبر من أفقر أحياء العاصمة بغداد. لكن، وبعد أن أصبحت في الثامنة من العمر، غيّروا اسمه الى " مدينة صدّام"، ومع نهاية نظام البعث، في عام 2003، تحوّل اسمه مجدداً وهذه المرة إلى" مدينة الصدر". مكانٌ خرافي بكل معنى الكلمة؛ خرافي بإشكالياته وقصصه وشخوصه، حكاياته لا تنتهي مثل مشاكله. ورغم كلّ ذلك فهو أكثر الأمكنة في العالم التي أشتاقُ إليها. ولكني كنتُ أبتعد عنه كلما كنتُ أزورُ بغداد خلال العقد الأخير، ولا أدخل في شوارعه التي أحفظ حتى كلام الناس فيه؛ ربما للحفاظ على بقاياه القديمة في ذاكرتي، وربما لخوفي من تبدّد الشوق وما فيه من رومانسية.

(*) كم كان عدد أفراد عائلتك؟
نحن ستة أخوة، وثلاث أخوات.

(*) ماذا كان عمل الوالد والوالدة؟
كانت أمي تُساعد والدي في بيع التمر في "سوق العورة". وسُمّيت السوقُ بهذا الاسم لأنّ أول بائعة جلست فيها كانت عوراء، ومن يومها أصبح اسمها هكذا ببساطة، مثل بساطة كلّ شيء هناك. العراق، كما هو معروف، لديه أنواع كثيرة من التمور، وكان أبي مختصّاً ببيعها.


(*) هل من بين أشقائك أحد يكتب؟
لا، أنا الوحيد في عائلتي الذي قرّر أن يتخد الكتابة مهنة له، أو بالأصح أن يتحوّل إلى شخص "يفك الخط" و"يرسم الحروف"، كما كان والدي يُسمّي القراءة والكتابة.


(*) من أين جاءتك بذرة الكتابة إذاً؟
من القراءة. كنت في السادسة عشرة من عمري عندما بدأت أقرأ كتباً دينية كثيرة ومتنوّعة،

وكنت أحلم أن أصبح أحد علماء الدين. كنت يومها متأثراً كثيراً بجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده. عبر كتبِ الدين تلك اقتربتُ من كتب الأدب؛ القراءة الدينيّة فتحت لي فجأة مغارة علي بابا الأدبية، وفي السابعة عشرة من عمري بدأتُ أبتعد عن الدين وأتجه أكثر إلى الأدب، ومن يومها قرّرت أن لا أصبح عالم دين، بل كاتباً، وكان هذا أفضل قرار اتخذته في حياتي.

(*) هل بقيتَ مُخلصاً لهذا القرار؟
نعم. فأنا من يومها لم أتوقف عن الكتابة، حتى في أحلك الظروف؛ حتي خلال سنوات اعتقالي في عهد دكتاتورية البعث العراقي كانت جدران الزنزانة دفتراً لتدوين القصائد؛ كنتُ أحكُّ حجراً صغيراً بالأرض، وأدبّبهُ، ثمّ أنحتُ النصّ نحتاً على جسد الجدار. للأسف لم أستطع، بعد إطلاق سراحي من السجن، أن أضع ذلك الجدار تحت إبطي وأمشي، فالجدران ليست ورقية.

(*) ماذا عن الحارة والأصدقاء وذكريات المراهقة والجامعة؟
الذكريات كانت كثيرة، حقيقة، في الحيّ ومع الأصدقاء. والكلام عنها يطول. لكن أكثر ما يلتصق في ذاكرتي هي مرحلة مهمة من حياتي خلال فترة الثانوية؛ والتي قضيتها مع أصدقاء كانوا يهتمون بالأدب والفلسفة والفن، وكنا نقضي وقتنا في القراءة والحوارات والنقاشات، وكان لكلّ منّا اسم استعرناهُ من المثيولوجيا اليونانية. ويومها اخترت اسم عباس أبراكساس! والآن طبعا أضحك على هذا، وأحمد الله بأنّه يومها لم يكن هناك فيسبوك، ولم يعرف أحد آخر بهذا الاسم؛ وإلا لأصبحت يومها أضحوكة الجميع. للأسف لا أعرف أين أصبح أصدقائي أولئكَ الآن، ولا ماذا فعلت بهم الأيام، رغم محاولاتي الكثيرة للوصول إليهم بعد سقوط نظام البعث، لكنني لم أعثر عليهم أبداً.


(*) لديك طفل من زوجتك، هل هي يونانيّة أم ألمانيّة؟
رفيقتي هي نصف يونانية من جهة الأم، ونصف ألمانية من جهة الأب، وهي معلمة رياضيات

وقارئة نهمة للروايات الأدبية. نتكلم مع بعضنا باللغة الألمانية؛ لأنّها لا تتقن العربية، وأنا لا أتقن اليونانية بشكل جيد. ابننا أفضل منها ومني في ما يتعلق باللغة؛ لأنه يتقن اللغات التي تجمعنا كلنا؛ فهو، بالإضافة إلى إتقانه اللغة الألمانية التي تجمع أمه وأبيه ومجتمعه الذي يعيش فيه، تعلم كذلك اليونانيّة من أمه، واللغة العربية مني.

الألمانيّة للجميع
(*) كتابك الأخير "الألمانيّة للجميع" تشرح فيه، كي لا نقول تُهاجم، صعوبة اللغة الألمانيّة بالنسبة للقادمين الجدد إليها، سواء أكانوا لاجئين، أو حتى ممَن يُريدون العمل، وتُقدّم في النهاية حلولاً تطال القواعد الإعرابيّة وكذلك بناء الجمل. ما الذي دفعك لكتابة ونشر مثل هذا الكتاب؟
توجد أحياناً قضايا في الحياة لا يمكن الاقتراب منها بسهولة؛ لأنها ملغمة ومخيفة. وعلى رأس هذه الأمور تأتي مواضيع اللغة والهوية. هي أشبه بحقلِ ألغامٍ حقيقي عندما ترتبط بالآخر والمهاجرين. في الكتابة يمكننا أحياناً أن نتجاوز هذه المخاوف ونتطاول أحياناً، ننتقد ونسخر ونؤلم إذا تطلب الأمر. أردت عبر هذا الكتاب أن أكتب كتاباً ساخراً عن اللغة الألمانية، وبنفس الوقت عن العقلية الألمانيّة، وبالذات عقلية رفض الآخر، وما تعنيه من تعالٍ وعنصريّة، وكلّ هذه الأمور صِغتها بطريقة أقترح من خلالها تغيير اللغة الألمانية، واقترحت فيه مجموعة جديدة من القواعد الإعرابيّة، وتحديداً في المكان الذي كنت أشعر فيه بأنه من هنا يمكنني أن أقترب من حالة اجتماعية أو ثقافية أو سياسية تستدعي السخرية والنقد. هو كتاب اجتماعيّ ساخر لا أكثر. وما دفعني لكتابته ونشره هو طبعاً التغيرات الأخيرة التي اجتاحت ألمانيا وأوروبا؛ وبالذات صعود اليمين المتطرف، وكانت هذه هي طريقتي، عبر قناع اللغة الألمانية،

لممارسة لعبة قلب الأوراق والسخرية من عقلية رفض الآخر بسبب اللون أو الدين.
كمهاجر سابق، تعلمَ الألمانية في الكبر، حاولتُ أن أوضّح للقارئ الألماني معنى أن يتعلم المرء لغة غريبة ومعقدة مثل لغته. من جهة أخرى، هو محاولة طبعاً لتوسيع أفق تفهم القادم الجديد، الغريب والأعزل، وفي الوقت نفسه، حاولتُ أن أفتح أفقاً آخر للقادم الجديد؛ بأنه يمكن له أيضاً أن يلعب ويتلاعب بأي لغة كانت. المهم يكمن في المحاولة والاستمرار وليس الخمول.

(*) لاقى الكتاب صدى جيّداً في الإعلام الألماني، خاصة مع قراءاتك وتقديمك للكتاب في كثير من المدن الألمانيّة، من جهة أنّه كتاب من شخص غير ألماني ونُشر باللغة الألمانيّة، وكذلك من جهة أنّه كتاب ساخر وجاد في الوقت نفسه. ولكنه كتاب داخل سوق، وهذه السوق لها قوانينها. أليس كذلك؟
صحيح. هنا توجد سوق للكتب. هناك إصدارات تصدر في الربيع قبل معرض لايبزغ للكتاب، وإصدارات تصدر في الخريف قبل معرض فرانكفورت، والعدد السنوي يصل بين 80000 و90000 كتاب، من غير حساب الكتب الإلكترونية والمسموعة، وهذا عدد مهول. في وسط كل هذه المنشورات، حقيقة، أعتبر نفسي محظوظاً جداً؛ لأن كتابي هذا دخل لفترة (17) أسبوعاً في قائمة أعلى المبيعات، وهذه فترة لم أصل لها مع كل كتبي السابقة. ولكنّني أعرف أيضاً أنّ كتابي صدر في شباط/ فبراير، وستأتي كتب الخريف في شهر آب/ أغسطس، وسيصبح كتابي قديماً في عالم سوق الكتاب. هنا الكتاب سلعة، وهذه السلعة تباع، وعندما تأتي سلعة جديدة سيهتم بها المستهلك. قد يبدو وصفي للوضع وكأنّني أتكلم عن جهاز آيفون جديد وقديم. بالضبط هذا هو وضع الكتاب حالياً في سوق الكتب هنا، كتاب يأتي ويرحل وآخر يأتي ويرحل. هناك اهتمام مستمر ولكنّه يخفت بمرور الوقت، وقد يطول هذا لأشهر أو لسنة وبعدها يصبح كمادة في تناول الأكاديميّين في الجامعات ومراكز البحوث.

ترجمة الأدب العربي إلى الألمانيّة
(*) هذا الكلام يسحبنا إلى "ذهنيّة" الناشر الألمانيّ، وهو مؤسّسة تجاريّة بكل معنى الكلمة، وكذلك إلى طبقات القرّاء هنا في ألمانيا. ما الذي يُريده الناشر الألماني من الكاتب العربي، أو الأجنبي بشكل عام؟
حقيقة لم يطلب مني أي ناشر، ممّن تعاملت معهم، أن أكتب أي شيء محدد، إنما كنت أكتب،

وبعد أن أنتهي من عملي أقدمه لهم. ربما يعود السبب إلى أنّني لستُ مستجداً في سوق الكتاب الألماني. لكن، من جهة أخرى، هنالك مواضيع ترتبط بأحداث وأمور معينة تثير الناشر الذي يفكر طبعاً بالربح أولاً وأخيراً؛ فهو بائع في نهاية الأمر، ولا يعيش فقط من حب الأدب و"فساء" القوافي.
المواضيع التي تثير كثيراً هي المرتبطة بحوادث وقتيّة معينّة؛ مثلاً ينفجر الربيع العربي فيبدأون البحث عن أي شيء يتحدّث عن الثورة والدكتاتورية من الكتاب العرب أو الأجانب. هنالك مواضيع تمشي في كلّ وقت مثل كتب حكايات عن داعش أو الإسلاميين؛ كتاب يحمل عنواناً مثل "كنتُ داعشياً"، أو "رحلتي من برلين إلى الرقة"، حتماً سيجد من ينشره ويسوّقه بسرعة. كتب نقد الدين والتفكير الإسلامي تشهد أيضاً، منذ احداث 11 سبتمبر إلى اليوم، انتشاراً، وهي سهلة التسويق هنا، لأنها تدعم بالدرجة الأولى الأفكار النمطية عن الآخر هناك، وكذلك هناك من يستفيد منها هنا سياسياً. أيضاً مواضيع المرأة العربية لها حيّز كبير؛ ليست كل امرأة عربية إنما الضحية فقط. وهنا لا أتحدث طبعاً عن كل الناشرين؛ إنما عن بعضهم فقط، وليس كل مَن يكتب عن هذه المواضيع، بل مَن يكتب كي يتماشى بالضرورة مع ذوق المستثمر أو المستهلك.

(*) تُرجمت العديد من الأعمال الإبداعيّة لكتّاب عرب مختلفين إلى الألمانيّة، ولكنّها محدودة، ولا يُمكن أن نُطلق عليها "حركة ترجمة" رغم وجود "حركات" ترجمة من اللغات الأخرى إلى الألمانيّة. هل يرتبط ذلك فقط بما قلتَه قبل قليل؟
الأسباب كثيرة. أولاً، قلّة المترجمين؛ حيث يوجد في ألمانيا والنمسا وسويسرا بعض الأسماء التي تُعد على أصابع اليدين. ثانياً، لا يوجد دعم مؤسساتي عربي للترجمة إلى اللغة الألمانية. ثالثاً، العربي دوماً مستورد لكلّ شيء خارجي، من القلم واللباس الداخلي إلى الكتاب، وليس مصدّراً، وهذا يجعل الآخر، الذي تعوّدَ على أن يكون المصدّر، يفكّر كثيراً قبل أن يتقبّل مادة من الآخر، الذي تعلّم الاستهلاك فقط. رابعاً، لعبت مشاركة العرب في معرض فرانكفورت للكتاب عام 2004 دوراً مهماً في ابتعاد الناشر الألماني من يومها عن السوق العربية، والسبب هو تحوّل المعرض يومها إلى سوق لكتّاب الدكتاتوريات العربية الذين كانوا يتغنون هنا ببطولات القذافي ومبارك والأسد وغيرهم. وإلى اليوم يذكر البعض تلك الأيام ويضحك أو يسخر بصمت. وأخيراً، يرتبط الوضع أيضاً بصناعة الكتاب العربي وإشكاليات هذه الصناعة؛ وخاصة في ما يتعلق بالاحترافية، فهي لا توجد إلا عند القلة. وحقيقة هذا الأمر لا يتعلق فقط بصناعة الكتاب، إنما كذلك بالرياضة وبالسياسة والاقتصاد، وفي مجالات أخرى كثيرة أيضاً.

 القارئ الألماني ليس نخبويّاً
(*) هل تشبه طبقات القرّاء الألمان تلك الطبقات في العالم العربي، هل هي أكثر نخبويّة، أم أقل؟
القارئ الألماني ليس نخبوياً، حسب تجربتي معه، والسبب يعود للتنوّع في المنتج الموجود في سوق الكتاب هنا. هناك أنواع كثيرة من الكتب، من الخيال العلمي إلى الأدب إلى الكتب المتخصّصة، وكل نوع له مشتروه. ولكن هنالك أمر مهم، وله دلالة هامة؛ فالإحصائيّات

السنويّة تقول، منذ سنوات، إنّ ما يدفعه كلّ بيت في ألمانيا لشراء الكتب التي تُنشر هنا يتراوح بين 400 إلى 500 يورو، وهذا مبلغ ممتاز مقارنة بكثير من الدول الأخرى.
علاقة الألماني بالقراءة مختلفة عن علاقة العربي بها؛ هنا الكتاب سلعة شعبيّة وليست نخبويّة. فهو يُعتبر هدية جيّدة يحصل عليها المرء في عيد ميلاده وأعياد السنة الميلادية وحتى في حفل الزفاف. والقراءة في الباص أو المترو أو في الحدائق العامة أو المقاهي أو على شاطئ البحر، وحتى في سرير النوم، شيء يومي مثل الأكل والشرب. هناك أيضاً ثقافة الأمسيات الأدبيّة؛ وهي ثقافة عريقة ومتجذرة في المجتمع الألماني، والكثير من الأدباء هنا يعيشون مادياً من المشاركة في الأمسيات ولقاء الجمهور، لأنّهم يحصلون عبرها على أجر يتراوح بين 300 إلى 2000 يورو بحسب شهرة الكاتب واسمه وجمهوره. وهذا كلّه مدعوم طبعاً من مؤسسات مستقلة وحكوميّة. لو حاولتُ أن أكمل المقارنة بين القراءة في ألمانيا وبين العالم العربي فحقيقة ستُصاب بإحباط شديد، لذلك سأتوقف عند هذا الحد.

(*) نشرت عدة كتب باللغة العربيّة، ولكن منذ صدور آخر كتاب لك بالعربيّة في عام 2004 توقّفت عن النشر بالعربيّة. ثمّ أصدرتَ بعد ذلك أربع روايات بالألمانيّة. هل أصبحتَ تكتب فقط بالألمانيّة؟ هل يمكن أن تعود للنشر بالعربيّة؟
حقيقة أنا توقفتُ، منذ أكثر من عقد من الزمن، عن القراءة والكتابة باللغة العربية، وأصبحت اللغة الألمانيّة هي بوّابتي للعالم عبر القراءة والكتابة، وبعد تجربة طويلة في الأدب الألماني أصبح لديّ جمهوري الذي ينتظر مني أعمالاً جديدة، وهذه دوّامة حقيقيّة لا يمكن الخروج منها بسهولة. إن فكرة الكتابة بالعربية تعني التوقف عن التواصل مع جمهور كبير ينتظرني، وهذا بحد ذاته عائق كبير. لا أظن بأنّ مثل هذا المشروع من الممكن تحقيقه خلال السنوات القادمة لأنّني أعمل الآن على روايتي الجديدة بالألمانية، والتي ستصدر خلال ربيع عام 2020، عن دار هانزر، ولديّ مشروع روائي آخر واضح المعالم ينتظرني أيضاً خلال السنوات المقبلة.

كاتب ألماني من أصول عراقيّة
(*) حصلت على الجنسيّة الألمانيّة منذ عام 2007. هل ينبغي تقديمك ككاتب ألماني من أصول عراقيّة؟ وماذا يعني ذلك لك حتى لو تمسّكتَ بتقديمكَ ككاتب عراقي مُقيم في ألمانيا؟
كل كاتب يكتب باللغة العربية وينتمي لمكان محدد يمكن تسميته بكاتب مرتبط بمكانه؛ مثل كاتب سوري، كاتب لبناني وهكذا. أما بالنسبة لي فوضعي مختلف كثيراً؛ فأنا لا أكتب بالعربية أو باللهجة العراقية، إنما باللغة الألمانية مباشرة، لهذا تعتبر كتبي جزءاً منتجاً ضمن هذه اللغة، لهذا أعتبر شخصياً التعريف "كاتب ألماني من أصول عراقية" أكثر دقة. تصوّر لو أنّ كاتباً بحرينيّاً يكتبُ باللغة العربية، ولكنه من أصول هندية، كيف سنقدّمه؟ كاتب عربي من أصول هندية أم هندي مقيم في البحرين؟ بما أنّ منتجه باللغة العربية فهو كاتب عربي وأيّة محاولة لإخراجة من "منتج اللغة العربية" هو تعدّ على حقه التاريخي والشخصي. وبالضبط هذا هو وضعي في ألمانيا.

(*) السيرة الشخصيّة لا تغيب في رواياتك الأريع، التي نُشرت بالألمانيّة. مع وجود تلك الشخصيّات البسيطة والضعيفة في مواجهة شخصيّات عنيفة وحشيّة أو أقدار صادمة. متى تنتهي هذه المادة الخام التي تأتي من السيرة ومن العراق؟
العراق مخزن للحكي بسبب إشكالياته السياسية والثقافية وحروبه وقضاياه التي لا تنتهي. ورغم ذلك فأنا أكتب بشغف عن العراق، وأيضاً عن ليبيا وألمانيا ولبنان وتونس والأردن وإيطاليا وتركيا واليونان. هذه كلها أمكنة تلعب دوراً مهماً في أعمالي، ربما بسبب خبرتي ومعرفتي بهذه الأمكنة. لديّ مواضيعي ومشروعي الأدبيّ الذي لا تحدّده أيّة لائحة سوى رغبتي في إكمال هذا المشروع. وهذا المشروع سيستمر معي في الرواية القادمة وما بعدها. مشروعي لم ينته، وربما سأغلقه مع الرواية السادسة، وأفتح بعدها الباب لمشروع قادم له مكانه وزمانه المختلف. لا أعرف. أحياناً أفكر بأنّ الأديب لا يختار مواضيعه، إنما المواضيع هي التي تختار كاتبها.

(*) مَن من الروائيين الألمان يُلفتون نظرك ويستحقّون ترجمة أعمالهم إلى العربيّة؟
يوجد الكثير حقيقة وهناك بعض الكتب التي أتمنى أن يطّلع عليهم القارئ العربي مثل رواية "طفل كل العالم" للكاتبة أرمغراد كوين، أو رواية " الحياة الثامنة" لنينو هاراتشفيلي.

(*) هنالك كثير من الكتّاب العراقيين، روائيين وشعراء وكتاب قصة ومترجمين، استقرّوا في ألمانيا بعد خروجهم الاضطراري من العراق. كيف تنظر إلى تجاربهم؟ لماذا لم تلتقوا كمجموعة كتّاب تُقدّم مشروعها الخاص كجماعة أدبيّة؟
حقيقة ارتباطنا هو ارتباط صعب جداً؛ أنا أكتب بالألمانية وأشتغل مع ناشر ألماني وجمهوري

ألماني أيضاً، وهو عالم مختلف كثيراً مهنياً واحترافياً عن العربي، كما ذكرت قبل قليل، لذلك وضعي ككاتب يختلف كثيراً عن البقية الذين يكتبون بالعربية ويعملون مع ناشر عربي في القاهرة أو بيروت، وجمهورهم عربي أيضاً.
علاقاتنا ليست مهنيّة إنّما علاقة صداقة وتعارف فقط. وحسب علمي تكوّنت مثل هكذا مجاميع وانتهت دوماً بصراعات وسب وشتائم. على العموم، أنا أنظر إلى الكتابة على أنها انعزاليّة، ولا أميل كثيراً للمجاميع بكلّ أنواعها، عربياً، أو أوروبياً. لكن تجربة المنفى العراقي عموماً، من 1980 إلى 2003، تعتبر من وجهة نظري من أهم ما قدّمه الأدب العربي خلال العصر الحديث، وبالذات في ما يتعلق بالكتابة عن الممنوع، لأنّ بعض هذا الأدب كان حراً فنياً ومعنوياً ضمن سقف الحرية الذي قدّمه هذا المنفى، بعيداً عن سكاكين الرقيب آنذاك. ولكن للأسف لم يُدرّس هذا الأدب، ولم يُوثّق، حسب علمي، ولم يُشتغل عليه أكاديميّاً.

الشعر لا سوق له مثل الرواية
(*) أصدرت مجموعتين شعريّتين بالعربيّة، ثمّ أربع روايات بالألمانيّة. أين ذهب الشعر؟ هل ما زلتَ تكتبُ الشعر؟ مرّة قال لي أحد الكتّاب هنا في ألمانيا: "أكتب رواية. الشعر لا سوق له هنا". هل هذه الفكرة أبعدتكَ عن الشعر؟
أنا لم أتوقّف عن كتابة الشعر بشكل جذري، أكتبه أحياناً، لكني توقّفت عن نشره ولا أعرف الأسباب بالضبط. ربّما لأني انشغلت من يومها بمشروعي الروائيّ، ولم أعد أفكر بأيّ شيء آخر. وفي ألمانيا حقاً لا يوجد "سوق للشعر". وهذه حقيقة، ديوان الشعر لا يبيع كثيراً هنا ولا يثير الاهتمام الذي تُحدثه روايةـ أو أي كتاب آخر، وربما هذا أيضاً أحد الأسباب التي لا أحب أن أعترف بها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.