}

إستيلا قايتانو: تطوّر الأدب بجنوب السودان يسير بخطوات وئيدة

فيصل رشدي 1 سبتمبر 2020
حوارات إستيلا قايتانو: تطوّر الأدب بجنوب السودان يسير بخطوات وئيدة
قايتانو: نتمنى من الحكومات تبني قضايا النساء بإصلاح القوانين
إستيلا قايتانو (أو "نجمة الصباح"، كما يحلو للعرب أن يترجموا الاسم) كاتبة وقاصة جنوب سودانية متميزة، كتبت من واقع حقيقي لا غبار عليه، فعبرت عنه خير تعبير، ورصدت واقع المهمشين والحروب والنزوح ومأساة النساء والأطفال وكل ما يخطر على البال، حيث كان الصدق هو طريقها إلى القراء، كما تؤكد.
لقايتانو أصول ضاربة في جنوب السودان، من هناك هاجر أجدادها إلى الشمال، نجاةً بأرواحهم من بطش الحروب ليستقروا شمالا، حيث شاءت الأقدار أن ترى استيلا النور بدولة السودان وبالضبط في خرطوم بحري عام 1979، هناك تربت وفتحت عينيها على ثقافة عربية لغة وتفكيرا وتعبيرا، فاختارت اللغة العربية لتعبر عن نفسها بكتابة القصص والروايات.
لديها العديد من المجموعات القصصية من بينها: "زهور ذابلة"، الطبعة الأولى 2004 عن دار عزة للنشر، والطبعة الثانية عن دار رفيقي للنشر 2015. و'العودة"، نشرت عام 2015 عن دار رفيقي للنشر. ولها قصة للأطفال بعنوان "الطائر الجميل المتواضع" عن دار رفيقي للنشر، ورواية بعنوان" أرواح إدو" صدرت عام 2018 عن الدار نفسها.
فازت مرتين بجائزة علي المك لمسابقات القصة القصيرة- صنف الشباب. وفازت أيضا بجائزة القلم البريطانية عن روايتها "أرواح إدو".
هنا حوار معها:










(*) أنت خريجة كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم، ما علاقة الطب بالكتابة السردية؟
ـ العلاقة هي الإنسان، جسده، فكره، ذاته، أمراضه ومخاوفه، وكما أن همّ الطب علاج الإنسان، كذلك الكتابة، همّها التغيير للأفضل.


(*) ماذا علق في ذاكرتك من مشهد الرحيل من شمال السودان إلى جنوبه إثر استقلال الجنوب؟
ـ لم يكن رحيلا، كان تمزقا وانسلاخًا بالنسبة لي على الأقل، ولكن كان لا بد منه، كان لا بد من هذا الألم وكنت أعتقد بأنه درس مهم حتى نرتقي كسودانيين من أهوال العنصرية والظلم والتهميش، إلى رحاب السودنة والإنسانية. ولكن رحلتي إلى الجنوب كانت رحلة مليئة برهبة زيارة مكان ما للمرة الأولى، كنت أحس بمخاوف جمة وغربة ووحدة في بداية الأمر، ولكن سريعا زالت كل هذه المخاوف وأصبحت مواطنة جنوب سودانية وامتلأت بواجب الوطنية واستعددت للعطاء على شتى المنابر. 

(*) ما هي الإرهاصات الأولى للأدب الجنوب سوداني؟
ـ الأدب في جنوب السودان يسير بخطوات صغيرة ووئيدة ولكنها ثابتة نحو تطوره ونمائه المنشود، في رأيي الحرب تنضج فعل الكتابة، وليس للمبدعين من متنفس غير الإبداع والكتابة ومحاولة إظهار وجه مشرق لدولة نالتها الكثير من الويلات، الحروب والفساد وانهيارات عدة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.


(*) ما هي اللغة التي تجمع اليوم أدب جنوب السودان؟ وهل هناك لهجات محلية يكتب بها الأدباء إبداعاتهم؟
ـ دولة جنوب السودان مثلها مثل أغلب الدول الأفريقية جنوب الصحراء، تزخر بتعدد لغوي يصل لعشرات اللغات المحلية، حيث لكل مجموعة لغة خاصة ولها فروع وروافد، لذا يصعب وضع مثل هذه الحالة في قالب لغة واحدة يكتب بها الأدب. روادنا في الكتابة كانوا يكتبون بالإنكليزية كلغة تواصل وتخاطب مع الآخر المختلف، ثم جاءت أجيال من بعدهم ليكتبوا باللغة العربية، منهم جيلنا، وهناك كتابات باللغة المحلية وعربي جوبا، هي قليلة ولكنها موجودة. الكتابة باللغة العربية فرضتها ظروف التواجد في بيئة تتبنى العربية كلغة رسمية، فهي اللغة التي تعلمنا بها في المدارس في الشمال، وتفاعلنا معها تعبيريا، وتلقينا بها المعرفة والاطلاع، فكان لا بد من أن تعيد تشكيل وجداننا وتضيف إلينا بعدا جديدا وتثري انتماءنا إلى العالم العربي بمشاركة حرف الكتابة. لقد قلت من قبل إننا استقبلنا اللغة العربية بكل حب ويسر ونتمنى أن تحتضن العربية قصصنا الأفريقية المكتوبة على أنغام الطبول وطقوس الكجور بمباركة الأسلاف والأرواح.  


(*) في مجموعتك القصصية "زهور ذابلة" ثيمة النزوح حاضرة بشكل قوي، كيف عالجتها إبداعيا؟
ـ في الحروب النزوح والتشرد نجاة، خاطبت ظلم الوطن وسياسته، ناجيت غربة المواطن داخل أرضه، سلطت الضوء على النازحين، الذين اشتعلت الحروب في ديارهم، فاضطروا لتركها خلفهم، والبدء من الصفر في ديار أخرى ليست فيها ذرة كرامة، جاءت خرائط لعوالم مجهولة تحكي عن آثار الحرب على الصغار الذين وجدوا أنفسهم في الشارع بدون آباء وأسر وبيت، وهكذا من كثرة الحروب احتفت أقلامنا بالموت بمختلف أشكاله.


(*) نجد ضمير المتكلم حاضرًا في جلّ ما تكتبينه من إبداع، هل يوحي هذا بأنك تكتبين عن تجربة شخصية مرت بك؟
ـ عندما أجد نفسي قريبة من ذوات الشخوص، يقوى إحساسي بما تعانيه من أزمة أو بهجة، كقربي من مكان وزمان الشخصيات كي أتمكن من الاستماع إليهم واقعا وخيالًا، ليست بالضرورة تجربة شخصية، في بعض الأحيان تزداد حساسية الكاتب بكل ما حوله، من إنسان وكائنات أخرى، مما يجعله قريبا من تجسيد معاناتها.







(*) ما هي الرسائل التي حملها "إدو الكائن السماوي" إليك في روايتك "أرواح إدو"؟
ـ إدو روح حادثتني وما زالت تجاورني من حين لآخر، تحدثت عن نظرة الإنسان لأخيه الإنسان، عن علائق البشر فيما بينهم، ناهضت ظلم وقهر النساء، همست لي بعلاقة الإنسان بالكائنات من حوله، حاورت الله في أمرها، ناقشت مسائل الهوية والأمومة والمجتمع ببساطة وقوة، رفضت جبر كائن على ترك أرضه جبرا وتركه يعاني الحنين والغربة، تابعت مصائر الشخوص بصبر وروية والتي انتصرت جميعها في النهاية.


(*) أكيد أن حكايات الجدات كان لها أثر بارز في قصصك. هل استثمرت الحكايات في قالب إبداعي قصصي؟
ـ أنا أفريقية، لذا من الطبيعي أن تكون تنشئتي على الحكايات، الجدات هن رائدات وبئر أسرار، الحاكيات للأساطير المدهشة، التي وسعت خيالي إلى أبعد الحدود، بالإضافة للثراء الثقافي الموجود فيها. فكانت الحكاية هي زورق لعبور الكثير من الثقافات والعادات والتقاليد من خلال القصة والأغنيات، كان لا بد أن أوظف ذلك في إبداعي ليس بغرض الإكسسوار بل بغرض خدمة العمل المنتج وإيجاد معنى لها في أبعاد أخرى بعيدة عن الآخر.


(*) عاشت دولة جنوب السودان على وقع حروب أهلية أدت إلى موت العديد من الضحايا.  كيف كان شعورك ككاتبة جراء هذه المآسي؟
ـ كانت صدمة كبيرة رغم وجود إرهاصات بأن شيئا ما سيحدث، ولكننا لم نتوقع الحرب رغم اعتيادنا عليها، أحس بألم كبير لما آلت إليه الأمور في وطني، ككاتبة فإنه لحزن دائم أن تنتمي لوطن مجروح على مستويات عدة، اجتماعية، اقتصادية، سياسية...  بالإضافة لتخلي العالم عنه، العالم الذي وقف معه لتحقيق مصيره ثم صفعه بخيبة الأمل، نعم إلى هنا أنتمي حيث أخبار القتل والفساد والفشل السياسي، ولكني لن أفقد الأمل بتغيير قريب وعاجل إلى الأفضل.


(*) ما هو الهدف الذي تسعى إليه إستيلا قايتانو من الكتابة كتعبير عن الذات؟
ـ أهدف لكتابة قصص شخصيات اختارتني لتتنفس من خلال حرفي، قصص تملؤني بالدهشة، وقصص تعيد إليّ ذاكرتي وتعرفني على ذاتي وتصالحني معها، أكتب لأعيش بسلام ولكي أعيد الاعتبار لبعض الأرواح والضحايا.


(*) كيف ترين وضعية المرأة الإفريقية اليوم، هل استطاعت أن توصل صوتها للعالم؟
ـ ما زال الدرب أمام المرأة الأفريقية طويلا، ولكن مع وجود بشائر بحراك نسوي واع ونشيط يعمل من أجل العدالة والمساواة، ويجتهد في رفع المجتمعات من التخلف الذي تتحمل المرأة أعباءه وآثاره، قد يكون هناك فجر قريب لكل نساء أفريقيا، وقبل ذلك نتمنى من الحكومات أن تتبنى بشكل غير مجامل قضايا النساء بإصلاح القوانين والسياسات التي تعزز دور المرأة في التمثيل والمشاركة في اتخاذ القرار، حينها فقط نتحرر ونوصل أصواتنا بكل يسر دون تكميم ودون أن تضطر للهجرة والظهور بجنسيات أخرى.


(*) الكاتب يصور الواقع عادة. هل صورت الواقع كما هو، أم أن هناك سقفًا للحريات؟
ـ ليس لدي سقف حريات في الكتابة، أنا تحت أمرها وأتحرر تماما من أي رقيب حتى لو كنت أنا، أتحرى الصدق مع شخوصي سواء كانوا واقعيين أو خياليين.


(*) فزت مؤخرا بجائزة نادي القلم PEN البريطانية للترجمة عن روايتك "أرواح إدو"، ماذا تمثل لك هذه الجائزة؟
ــ جائزة القلم البريطانية محطة مهمة جدا، وأعتبرها اعترافا بأن ما كتبته بكل محليته، قد استفز ذائقة الآخر وتفاعل معه، هذا يصب في الثراء الإنساني العالمي، كلنا نعيش في قارات ودول وثقافات مختلفة، فتجربة الإنسان في مكان ما مهمة لأخيه الإنسان، وذلك لتعميق العلاقات والتواصل.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.